الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ما يقوله بعض الفقهاء من أن المطلوب في هذا الحديث هو النظر إلى الوجه فحسب فهو قول متهافت، وهو قولٌ يُلغي العمل بالحديث ويبطله، ويجعله من لغو القول، لأن النظر إلى الوجه جائز دونما حاجة إلى هذا النص. ثم إن راوي الحديث يقول إنه كان يختبئ للفتاة حتى رأى منها ما دعاه لنكاحها، ولا يُتصوَّر أن جابراً كان يختبيء لهذه الفتاة بين النخيل حتى يرى وجهها فحسب. ثم قد ذكر أبو جعفر قال «خطب عمر إلى علي ابنته فقال إنها صغيرة، فقيل لعمر: إنما يريد بذلك منعها، قال ـ أي أبو جعفر ـ فكلَّمه فقال عليٌّ: أَبعثُ بها إليك فإن رضيتَ فهي امرأتُك، قال فبعث بها إليه، قال: فذهب عمر فكشف عن ساقها فقالت: أَرسِل، فلولا أنك أميرُ المؤمنين لصككتُ عنقَك» رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور. وبذلك يسقط قولهم إن كشف العورة لا يكون إلا لواجب، وبسقوط هذه الشبهة تسقط جميع شُبُهاتِهم وحُججِهم في وجوب الختان، فلا يبقى إلا أن الختان من سنن الفِطرة، وأنه يُقام به لأجل النظافة والحدِّ من قوة الشهوة، وهذه طبعاً ليست واجبة.
الفصل السادس
السُّننُ المُلحقة بالفِطرة
وهذا الفصل يشمل مسألتين: الأولى
أحكام الشَعَر
، الثانية الاكتحال والتَّطيُّب.
أحكامُ الشَّعَر
وفيه سبعة أبحاث:
1. إكرام الشعر
.
2.
نتف الشعر الأبيض.
3.
صبغ الشعر الأبيض.
4.
وصل الشعر.
5.
نفش الشعر.
6.
فَرق الشعر.
7-
حكم الاكتحال والتطيب.
1.
إكرام الشعر:
معنى إكرام الشعر: الاعتناء به من حيث نظافته وترجيله، أي تمشيطه وإصلاحه. وقد وردت في إكرامه وإصلاحه الأحاديث التالية:
عن عائشة رضي الله عنها قالت «كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الجُمَّة وفوق الوَفْرة» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. ورواه التِّرمذي وصحَّحه. والوفْرة هي الشعر المجمَّع على الرَّأس وتدلَّى على الأُذنين، فإن جاوز شحمة الأذنين فهو اللِّمَّة، فإن طال حتى بلغ المنكبين فهو الجُمَّة.
2ـ عن أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعرُه منكبيه» رواه البخاري ومسلم وأحمد والنَّسائي. ولأحمد ومسلم والنَّسائي عنه أنَّه قال «كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أُذنيه» وفي لفظ «لا يجاوز أُذنيه» .
3ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من كان له شعر فلْيُكْرمه» رواه أبو داود بسند حسن. قاله ابن حجر.
4 ـ عن عطاء بن يسار قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟» رواه مالك.
5 ـ عن عبد الله بن مغفَّل المزني «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجُّل إلا غِبَّا» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي. ورواه الترمذي وابن حِبَّان وصحَّحاه. قوله الترجُّل: أي تسريح الشعر وتمشيطه. وقوله الغِبُّ: أي عدم التوالي.
6ـ عن أحد الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدُنا كلَّ يوم
…
» رواه أبو داود وأحمد والنَّسائي.
7ـ عن أبي قتادة قال - كانت له جُمَّةٌ ضخمة - «فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يُحسن إليها وأن يترجَّل كل يوم» رواه النَّسائي ورجاله رجال الصحيح. وفي رواية لمالك «قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جُمَّة أفأُرَجِّلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأكرمها» .
8 ـ عن نافع عن ابن عمر «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، قال: قلت لنافع: وما القزع؟ قال: يُحلَقُ بعضُ رأسِ الصبي ويُترك بعضٌ» رواه مسلم والبخاري وأحمد وأبو داود. ولأبي داود وأحمد والنَّسائي بإسناد صحيح عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك وقال: احلقوه كله أو اتركوه كله» .
9 ـ عن عبد الله بن جعفر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهل أل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم أو غداً، إليَّ ابنَيْ أخي، قال فجيء بنا كأنَّا أَفْرُخ، فقال: ادعُوا إليَّ الحلاق، فجيء بالحلاق فحلق رؤوسنا» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي. ورجال أحمد رجال الصحيح.
مجمل القول في الشعر أنه يُسن غسله وتمشيطه وتهذيبه بين الفينة والفينة دون مبالغة، وأنه يجوز تطويله ليضرب المنكبين، ويجوز أن يصل إلى منتصف الأذنين، ويجوز أن يكون أقصر من ذلك، ويجوز حلقه بالكامل، وفي كل ذلك وردت أحاديث أشرت إليها أعلاه. فالحديثان الأول والثاني يفيدان جواز تطويله ليصل إلى الأذنين أو المنكبين، والحديث الثامن - الرواية الثانية - يفيد جواز حلقه، إلا أن الشرع نهى في الحلق عن حالة وحيدة هي حالة القزع، وهي حلق جزء من الرأس وترك جزء، وهو ما يفعله بعض البدو من حلق رأس الصبي سوى قصة أو جزء في أعلى الرأس، وما يفعله الشباب الذين يقلدون الشباب الغربيين في هذه الأيام، يدل عليه الحديث الثامن بروايتيه الاثنتين. فالرأس يجوز حلقه كله ويجوز تقصيره كله، ويجوز تطويله كله، إلا أنه لا يجوز ذلك في جزء منه فقط.
أما ما رُوي عن أبي موسى «أنه أُغمي عليه فبكت أم ولد له، فلما أفاق قال لها: أمَا بلغك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسألناها فقالت، قال: ليس منا من سلق وحلق وخرق» رواه النَّسائي وأحمد ومسلم وأبو داود. فهذا ليس نهياً عن مطلق الحلق بل هو مقيَّد بحالة مصيبة الموت، أي يحرم الحلق حداداً في حالة مصيبة الموت، كما يحرم الصراخ وتمزيق الثياب حداداً وحزناً، ولا يفيد الحديث مطلق النهي عن الحلق. ففي الحديث التاسع أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخَّر حلق رؤوس أبناء جعفر إلى ما بعد ثلاثة أيام من الوفاة، أي هو انتظر حتى انصرمت مدة الحداد. قال ابن عبد البر: قد أجمع العلماء على إباحة الحلق. والحديثان الثالث والرابع يفيدان استحباب غسل الشعر وتنظيفه وترجيله وعدم تركه وسخاً مهملاً. ويفيد الحديثان الخامس والسادس أن يكون الترجيل والتنظيف دون مبالغة ودون اهتمام زائد، والاكتفاء بالاعتدال، وهذا لا يتنافى مع طلب ترجيل الشعر يومياً إن كانت الحاجة تدعو لذلك كحال من له جُمَّة ضخمة كما جاء في الحديث السابع.
فالغاية من ذلك طلب الاهتمام بالشعر والعناية به حيناً بعد حين دون مبالغة كما يفعله الشبان في هذه الأيام من حمل الأمشاط في جيوبهم لتسريح شعورهم كل ساعة وكلما هبَّت نسمةُ هواء، أو عقب كل حركة تُخلُّ بترتيب شعورهم المصفوفة بعناية، فإن هذا وأمثاله يدخل تحت النهي.