الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليله دليل البول لأنه يقطرُ من الذَّكَر عُقَيْبَ البول مختلطاً به. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال «المني والمذي والودي، فالمني منه الغُسل، ومن هذين الوضوء، يغسل ذَكَره ويتوضأ» رواه البيهقي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة. وروى ابن أبي شيبة عن عائشة مثله، وأقوال الصحابة أحكام شرعية يصح أخذها وتقليدها.
هـ. الريح:
الأدلة عليه ما يلي:
1-
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تُقبل صلاةُ مَن أحدث حتى يتوضأ، قال رجل من حضرموت: ما الحَدَثُ يا أبا هريرة؟ قال: فُساءٌ أو ضراط» رواه البخاري وأحمد ومسلم. قوله لا تُقبل: أي لا تُجْزِيء ولا تصح.
2-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخَرَج منه شيء أم لا، فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» رواه مسلم والترمذي وأبو داود. وروى البخاري ومسلم قريباً منه من طريق عباد بن تميم عن عمه.
3-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» رواه الترمذي وقال (هذا حديث حسن صحيح) . ورواه أحمد وابن ماجة.
مسألة
البول والغائط ناقضان للوضوء، سواء خرجا من السبيلين أو من غيرهما، فقول الحديث «لكن من غائط وبول ونوم» مطلق غير مقيد بالسبيلين، ولذا لو أُجرِيَتْ لمريضٍ عمليةُ شقِّ البطن وركبَّ الطبيب له أنبوباً لإخراج البول أو الغائط من البطن عن طريقه، فإن البول والغائط الخارجين منه ينقضان وضوء المريض. فالبول والغائط ناقضان على إطلاقهما.
2) خروج الدم
الدم إما أن يخرج من الفرج كدم الاستحاضة، أو من الدبر في حالة المرض بالباسور أو غيره، أو من الفم في حالة مرض السُّل مثلاً، أو من الأنف وهو ما يسمى بالرعاف، أو من سائر أعضاء البدن، فإنَّ هذا الدم الخارج كلَّه ناقض للوضوء. والدليل على ذلك ما روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت «جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أُستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» رواه مسلم والبخاري وأحمد. ورواه الترمذي وزاد «قال أبو معاوية في حديثه: وقال: توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» . كما روى الأمر بالوضوء لكل صلاةٍ أحمد والدارمي. وقد سبق إثبات وجوب الوضوء للمستحاضة في بحث [المستحاضة وأحكامها] في [الفصل التاسع] فيراجع هناك.
وهنا نَعرض لخروج الدم من عموم البدن سواء من الفرج أو غيره فنقول: ذهب إلى أن خروج الدم من البدن ناقض للوضوء أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد تلميذاه، وأحمد بن حنبل وإسحق، فيما ذهب مالك والشافعي وسعيد بن المسيِّب ومكحول وربيعة - ورُوي عن ابن عباس وأبي هريرة - إلى أن الدم غير ناقض.
والذي يترجح لدينا هو أن خروج الدم من أي جزء من البدن ناقض للوضوء، بدليل حديث عائشة المذكور. أما وجه الاستدلال به على دعوانا فهو أن الحديث يقول «إنما ذلك عِرق» أي أن دم الاستحاضة هو دم نازف من عِرق، ومع هذا الوصف أمرها الرسول عليه الصلاة والسلام بأمرين: أن تغسل الدم «فاغسلي عنك الدم» وأن تتوضأ «وتوضئي لكل صلاة» . وإذن فإن الدم إن هو خرج من أيِّ عِرقٍ بدليل تنكير (عِرق) فإن الواجب فيه أن يُغسل، والوضوء. أما الغُسل فلأنه نجس، وأما الوضوء فلأنه ناقض.
ولا يقال إن هذا في موضوع الاستحاضة فيقصر عليه، أو يقال إن هذا الدم خرج من الفرج فيقصر عليه، لا يقال ذلك لأن العبرة بألفاظ الحديث وهي تفيد العموم، وهذه الألفاظ وصفت الدم بأنه من عِرق، وحيث أن أي دم ينزف من البدن إنما يخرج من عِرق مقطوع، فإنه يدخل تحت هذا الوصف ويأخذ حكمه، وهذا ليس من باب القياس، وإنما هو من باب تطبيق العام على أفراده. فالحديث يشمل دم الاستحاضة ودم الجروح ودم الرعاف سواء بسواء، لأن كل ذلك دم عرق، ودم العِرق يُغسل ويَنقُض. هذا هو وجه الاستدلال وهذا هو وجه الفقه فيه.
أما أن يقال إنه خرج من الفرج فلا يقاس عليه غيره فهو خطأ، لأن الحديث لو لم يذكر أنه دم عرق، وقال إن دم الاستحاضة يُغسل ويَنقض، أو قال إن دم الفرج يُغسل ويَنقض لكان هذا القول في محله ولانتفى الشمول، أما وأن الحديث ذكر دم الاستحاضة بأنه يخرج من عرق، وأنه نجس وناقض، فإنَّ كل دم يدخل تحت هذا الوصف يأخذ حكمه في النجاسة والنقض، وحيث أن كل الدم الخارج من البدن إنما يخرج من عروق فإن كل دم خارج من البدن يشمله الحديث وينقض الوضوء، ولذا فنحن لسنا في حاجة إلى دليل خاص على أن الرعاف ناقض لأن دليلنا الصحيح هذا كافٍ للدلالة على أنه ناقض للوضوء. أما ما رواه الدارقطني والبيهقي من طريق ابن جريج عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قَلَسَ أو قاء أو رعفَ فلينصرف فليتوضأ، وليُتِمَّ على صلاته» وما رواه الدارقطني وابن ماجة والبيهقي من طريق ابن جريج عن ابن أبي مُليكة عن عائشة، فذكر الحديث أعلاه، وما رواه الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل عن سلمان رضي الله عنه قال «رعفتُ عندَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: توضأ» . فهذه الأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للاستدلال.
أما الحديثان عند الدارقطني وغيره فرواهما إسماعيل بن عياش، وإسماعيل هذا إذا روى عن الحجازيين ضُعِّفت رواياته، وفي هذين الحديثين نجده يروي عن الحجازيين. ثم إن الشافعي قال عن الرواية الأولى [ليست هذه الرواية بثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم] وذكر البيهقي عن محمد بن يحيى قوله عن هذه الرواية [إن رواية ابن جريج عن أبيه مرسلة غير متصلة] وقد ضَعِّف يحيى بن معين هذا الحديث بطريقيه، فلا يصلح هذا الحديث للاحتجاج.
وأما الحديث الثالث عند الطبراني وابن عدي ففي سنده حسين الاشقر ضعيف، وجعفر بن زياد الأحمر متشيع، فلا يصلح هو الآخر للاحتجاج. على أن مالكاً قد روى عن نافع «أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ولم يتكلم» فهذا الفعل من عبد الله بن عمر يشهد لما ذهبنا إليه.
وما قلناه عن الرعاف نقوله عن دم الجروح، لأن واقعهما واحد وهو خروج الدم من عروق في البدن، ومن ثم فإن حكمهما واحد، وهو نقض الوضوء.
أما ما استدل به أصحاب الرأي الآخر من أن أنس بن مالك روى «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجم، فصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجِمِه» رواه الدارقطني والبيهقي. فأخذوا منه حكم عدم النقض لخروج الدم، فنقول إن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، قال ابن حجر (في إسناده صالح بن مقاتل وهو ضعيف) وقد ادعى ابن العربي أن الدارقطني صححه وليس كذلك، بل قال عقبه في السنن (صالح بن مقاتل ليس بالقوي) وضعَّفه النووي أيضاً.