الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15- الموالاة:
هي تتابع غسل الأعضاء بعضِها إثْرَ بعض بحيث لا يؤخر المتوضيء غسل العضو التالي إلى أن يجف ماء غسل العضو السابق، وبحيث لا يقطع وضوءه بعملٍ أجنبي يُعدُّ في العُرف انصرافاً عنه. وهذه الموالاة واجبة في الوضوء. وممن ذهب إلى وجوبها مالك والشافعي في قولٍ له، وأحمد والأوزاعي، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في قولٍ آخر له.
ولنستعرض النصوص لنتبين وجه الصحة في وجوبها:
1-
عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدرَ الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة» رواه أبو داود. ورواه أحمد بدون «والصلاة» . قال أحمد: هذا إسناده جيد.
2-
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أنه رأى رجلاً توضأ فترك موضع ظُفر على ظهر قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فأحسن وضوءك، فرجع فتوضأ ثم صلَّى» رواه أحمد. ورواه مسلم بلفظ «
…
فرجع ثم صلى» .
3-
عن أنس بن مالك «أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد توضأ، وترك على قدمه مثل موضع الظُّفْر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوؤك» رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وابن ماجة وابن خُزَيمة. وجوَّد أحمد إسناده.
4-
عن ابن عمر عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قالا «جاء رجل قد توضأ وبقي على ظهر قدمه مثل ظفر إبهامه لم يمسَّه الماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فأتمَّ وضوءك ففعل» رواه الدارقطني. ورواه الطبراني عن أبي بكر رضي الله عنه.
الحديث الأول أعلَّه المنذري بالراوي بقية بن الوليد واتهمه بالتدليس إذا عنعن، ولكن أحمد قد روى الحديث مصرِّحاً بتحديث بقية، وبذلك يظهر أن لا وجه لإعلال المنذري، وقال ابن القطان والبيهقي هو مرسل، ورد عليهما الحافظ ابن حجر بقوله (فيه بحث) وذلك أن البحث في ذلك من جهة أن خالد بن معدان قال «عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» وهذا لقول منه وصلٌ وليس إرسالاً، ثم إن جهالة الصحابي غير قادحة، فالحديث غير معلول وغير ضعيف ويصلح للاحتجاج. والحديث الثاني صالح للاحتجاج، فقد رواه مسلم دون ذِكر (فتوضأ) ورواه أحمد بسند مقبول بزيادة (فتوضأ) والزيادة يتعين المصير إليها، فيُعمل بحديث أحمد. والحديث الثالث هو مثل الحديث الأول جوَّد أحمد إسناده، فالحديث صالح للاحتجاج. أما الحديث الرابع ففيه المغيرة بن سقلاب عن الوازع بن نافع، قال الدارقطني (الوازع بن نافع ضعيف الحديث) وذكره العقيلي في الضعفاء، فالحديث إذن لا يصلح للاحتجاج. فلم يبق إذن سوى الأحاديث الثلاثة الأولى.
إنَّ الحديث الأول يقول «فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة» والحديث الثاني يقول «ارجع فأحسن وضوءك، قال فرجع فتوضأ ثم صلَّى» والحديث الثالث يقول «ارجع فأحسن وضوءك» وهو جزء من الحديث الثاني، بمعنى أن الحديث الثاني يقوم مقامه، فيبقى معنا حديثان اثنان فقط: الأول والثاني.
أما الثاني ففيه الأمر بإحسان الوضوء، وأما الأول ففيه الأمر بإعادة الوضوء، والأمر بإعادة الوضوء منطوق، وهو قوي في دلالته على الموالاة، في حين أن الأمر بإِحسان الوضوء في الحديث الثاني محتمِلٌ الإعادة ومحتمِلٌ الإتمام والإسباغ، والمحتمِل يُحمل على الصريح، ويقوِّي جانب الإعادة في هذا الحديث القول «فرجع فتوضأ» ولو كان الصحابي يعلم كفاية الإسباغ أو الإتمام لما توضأ من جديد. فإن قيل ربما أراد الصحابي مزيد ثواب قلنا: حتى يثبت ذلك نقول به. وبذلك يظهر أن حديث الإعادة يجب المصير إليه ويتعين العمل به، وتُحمل أحاديث الإحسان عليه. وحيث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من ترك شيئاً من رجله دون غسل أن يعيد الوضوء، فإن ذلك دليل على وجوب الموالاة. وبذلك يترجح لدينا رأي من قالوا بوجوب الموالاة.
ولا يقال إنَّ أمره عليه الصلاة والسلام بإعادة الوضوء هو للندب، لا يقال ذلك لأن أمره بالإعادة فيه دلالة على أن الوضوء السابق باطل، وذلك لأن المعلوم أن من توضأ على وضوء صحيح لا يقال عنه إنه أعاد الوضوء، وإنما يقال عنه إنه توضأ ثانية، فالأمر بالإعادة فيه كامل الدلالة على بطلان الوضوء السابق، وكونه باطلاً هو دليل على وجوب الوضوء وليس على الندب.
هذا ونُذكِّر بأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُرْوَ عنه ولا مرة أنه لم يُوال في وضوئه ولو أراد أن يبين جواز ترك الموالاة لفعل ذلك ولو مرة واحدة، لأن البيان في معرض الحاجة واجب، ولم يأت بيانٌ لترك الموالاة فوجب المصير إلى ما جرت عليه عادته عليه الصلاة والسلام في وضوئه من دوام التزامه بالموالاة.