الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقيت مسألتان لا بد من ذكرهما هما:
أ - البيضة تُؤخذ من دجاجة ميتة هل هي طاهرة أم نجسة؟
ب - لبن الميتة وأَنْفِحَّتُها، هل هما طاهران أم نجسان؟
فأقول: إن البيضة إن كانت مكتملة النمو بحيث يطلق عليها اسم البيضة إذا وجدت في بطن دجاجة أو حمامة ميتة، فهي طاهرة غير نجسة، وحال البيضة في هذه الحالة كحال شاة أو بقرة أو ناقة ماتت وفي بطنها جنينُها فشُقَّ بطنُها وأخرج جنينها حياً، فهو طاهر يجري عليه ما يجري على أي وليد، والبيضة كهذا الوليد تعتبر طاهرة يحلُّ أكلها وبيعها وترقيدها.
أما لبن الميتة وأنِفحَّتُها فهما نجسان، قولاً واحداً، لأنهما مادَّتان من مواد الميتة أخذا حكمها في الطهارة والنجاسة، وذلك أن الميتة نجسة فضرعها ينجس بالموت، فيكون ما حوى من اللبن نجساً لذلك بالاحتواء والمخالطة، وكذلك الأنْفِحَّة - وهي ما نسميها (المسَاة) ، وهي تُستعمل في تخثير الحليب لصنع الجبن - هي نجسة للسبب نفسه.
وقد ذهب إلى طهارة البيضة من الميتة أبو حنيفة وبعض الشافعيين كابن المنذر، وابن قُدامة من الحنابلة، وكرهها مالك والليث وبعض الشافعيين. وذهب إلى نجاسة لبن الميتة وأنفِحَّتِها أحمد ومالك والشافعي. وقال أبو حنيفة وداود إنهما طاهران.
ثالثاً: نجاسة الدم:
وأخيراً نقف وقفة قصيرة مع نجاسة الدم. لقد استدلَّ بعض الفقهاء على طهارة الدم بالآثار التالية:
أ - عن عائشة رضي الله عنها قالت «كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القِدْر» .
ب - قال الحسن «ما زال المسلمون يُصَلُّون في جراحاتهم» ذكره البخاري.
ج - عن المِسْور بن مَخْرَمة قال «
…
فصلى عمر وجرحه يثعب دماً» ذكره مالك والدارقطني.
د - كان أبو هريرة لا يرى بأساً بالقطرة والقطرتين في الصلاة.
ولم يأتوا بأي نصٍّ من القرآن أو الحديث. فنقول: إن جميع هذه الآثار وما يشبهها هي أقوال وأفعال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا تعارضت مع الأحاديث النبوية لم تصمد أمامها، فقد صحَّ عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أمر بغَسل الدم للصلاة، وأن الأحاديث التي سُقناها فيما سبق تدل على نجاسة الدم، فيُعمل بالأحاديث، ويُترك ما رُوي عن الصحابة من آثار مخالِفة.
وأيضاً فإننا لا نُسلِّم بأن هذه الآثار تدل على طهارة الدم، فرأْيُ أبي هريرة من أنه لا يرى بأساً بالقطرة والقطرتين في الصلاة، يفيد نجاسة الدم وليس طهارته، إذ لو كان الدم عنده طاهراً لما قيَّده بالنقطة والنقطتين، فالطاهر لو سال على الثياب وجرى بغزارة لا يؤثِّر في الصلاة، فلا يقال لا بأس بالقطرتين من الماء أو الزيت على الثوب أو البدن في الصلاة. أما قول عائشة في دم القِدْر، فهو أيضاً ليس دليلاً على طهارة الدم، لأن الشرع عفا عما لا يمكن التحرُّز منه، واللحم لا يمكن التَّحرُّز من الدم القليل الذي يخالطه، وإلا للزم تحريم أكل اللحم، فهذا القول من عائشة والرأي من أبي هريرة يُحملان على الدم اليسير غير المسفوح، لأن المحرَّم النجس هو الدم الكثير المسفوح.