الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والناظر في هذه الأقوال يجد أنها غير متعارضة، فالخلقة المبتدأة هي أصل الفطرة، والسُّنة والدين والإسلام والملَّة هي المقصودة من هذه اللفظة في الأحاديث كقوله عليه الصلاة والسلام «كل مولود يولد على الفطرة
…
» وقوله عليه الصلاة والسلم «عشْرٌ من الفطرة
…
» ذلك أنَّ السُّنة والدين والإسلام والملة قد جاءت متوافقة مع فطرة الإنسان وخَلْقِهِ، وإن شئتَ قلتَ إن معناها في الأحاديث النبوية الإيمان الفطري.
أما السُّنن فالمقصود بها مجموعة الأفعال التي اتفقت عليها الشرائع كلها. وهذه السنن كثيرة نصَّت الأحاديث على إحدى عشرة سُنة منها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عشرٌ من الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاءُ اللحية، و
السواكُ
، واستنشاقُ الماء، وقصُّ الأظفار، وغسلُ البراجم، ونتفُ الإبط، وحلقُ العانة، وانتقاصُ الماء، قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة» رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة والنَّسائي. قوله البراجم: أي عُقَد الأصابع. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «الفِطرة خمسٌ: الاختتان والاستحداد وقصُّ الشارب وتقليمُ الأظفار ونتفُ الإبط» رواه مسلم والبخاري وأحمد. قوله الاستحداد: أي حلق العانة.
وهذه السنن في الأحاديث بلغت إحدى عشرة سُنَّة، وقد سبق أن بحثنا الاستنجاء، وسنبحث بإذن الله الاستنشاق والمضمضة في بحث الوضو، فيتبقى منها ثمانٍ هي: السواك وقص الشارب وإعفاء اللحية ونتف الإبط وقصُّ الأظفار وغسل البراجم وحلق العانة والختان. ونبدأ بالسواك.
السواك
السِّواك - بكسر السين - يطلق على الفعل، ويطلق على العود أو الشيء الذي يُتسوَّك به فيقال ساك فمه يسُوكُه سَوْكاً إذا نظَّفه بالسواك، والجمع سُوُكٌ ككُتُب، هذا في اللغة. ولا يختلف تعريفه في اللغة عنه في اصطلاح الفقهاء، فقد عرفوه بأنه استعمال عود ونحوه في الأسنان لإزالة ما يعلق بها من فضلات الطعام، وما يعلوها من صُفرة. وقد وردت في السواك الأحاديث التالية:
1-
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «السِّواك مَطْهرةٌ للفم مرضاةٌ للرَّبِّ» رواه أحمد والنَّسائي وابن حِبَّان وابن خُزَيمة. وصحَّحه النووي.
2-
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» رواه مسلم والبخاري وابن خُزَيمة وأبو داود والترمذي. وفي روايةٍ لأحمد «
…
لأمرتهم بالسواك مع الوضوء» . وفي رواية للبيهقي «
…
لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» .
3-
عن المِقْدام بن شريح عن أبيه قال «سألت عائشة قلت: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسِّواك» رواه مسلم وأبو داود وأحمد والنَّسائي والبيهقي.
4-
عن حذيفة قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام ليتهجَّد يشُوصُ فاهُ بالسواك» رواه مسلم والبخاري وأحمد وأبو داود والنَّسائي.
5-
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه «
…
فقال ائتني بكوز من ماء، فغسل كفَّيه ووجهه ثلاثاً، وتمضمض ثلاثاً، فأدخل بعض أصابعه في فيه، واستنشق ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، ومسح رأسه واحدة
…
فقال: أين السائل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كذا كان وضوء نبي الله صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد وحسَّنه ابن حجر.
6-
عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أعُدُّ وما لا أُحصي يستاك وهو صائم» رواه أحمد وأبو داود. ورواه الترمذي وحسَّنه هو وابن حجر.
7-
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال «أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يَستنَّ، وأن يمَسَّ طيباً إن وجد» رواه البخاري ومسلم وأحمد.
ووردت أحاديث أخرى، إلا أننا نكتفي بهذه الأحاديث السبعة لأن فيها الغُنية.
هذه الأحاديث كلها تفيد مشروعية السواك، وتحثُّ عليه وتندب إليه حتى عدَّه الفقهاء من السُّنن المؤكَّدة. قال النووي (بإجماعِ مَن يُعتدُّ به في الإجماع) وتشدَّد داود وإسحق بن راهُويه في السواك، فرُوي عن داود أنه قال بوجوبه في الصلاة، إلا أن الصلاة لا تبطل بتركه، وقال إسحق بن راهُويه إنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمداً.
والسواك مسنون في كل وقت لهذه الأحاديث، ولقد أحسن النووي في بحثه لهذا الموضوع بقوله (السواك مستحبٌّ في جميع الأوقات، ولكن في خمسة أوقات أشد استحباباً: أحدها عند الصلاة سواء كان متطهِّراً بماء أو تراب أو غير متطهِّر، كمن لم يجد ماء ولا تراباً، الثاني عند الوضوء، الثالث عند قراءة القرآن، الرابع عند الاستيقاظ من النوم، الخامس عند تغيُّر الفم، وتغيُّره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب، ومنها أكل ما له رائحة كريهة، ومنها طول السكوت، ومنها كثرة الكلام) .
أما أن السواك مندوب وليس فرضاً، فلأن الحديث الأول يقول «مرضاة للرب» ولا تكون مرضاة الله سبحانه إلا بالقيام بواجب أو بمندوب، فجاء قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني «لولا أن أشقَّ على أمتي» قرينة تصرف الأمر إلى الندب، وعلى ذلك يُحمل الحديث السابع على إفادة الندب، والحديث الخامس يدل على أن التسوك لا يجب له عود الأراك ولا حتى فرشاة بل يكفي فيه إمرار الأصابع على الأسنان «فأدخل بعض أصابعه في فيه» وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تُجْزِيء من السواك الأصابع» رواه البيهقي من عدة طرق. ورواه ابن عدي والدارقطني. وقال فيه ابن حجر (لا أرى بسنده بأساً) فإذا كانت الأصابع تكفي لنيل الثواب، فإن ما هو أفضل منها في التنظيف كالفرشاة أو وضع معاجين خاصة على الأصابع لدلك الأسنان بها هو أولى وأحق، لأن النظافة هي المطلوبة وهي بالعود أو بفرشاة الأسنان تتحقق بشكل أفضل. ولسنا نريد أن نذكر فوائد المسواك الطِّبِّيَّة التي توصل إليها الطب الحديث، فهذا ليس عملنا، ويمكن تصنيفه في باب دلائل النبوَّة.
والسواك مسنون في الليل والنهار، وفي الإفطار والصوم على السواء، وإن ما ذهب إليه الشافعي والحنابلة وإسحق وأبو ثور ونُسب إلى عطاء ومجاهد، من كراهية السواك بعد الزوال للصائم مستدلين عليه بحديث رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «
…
والذي نفسي بيده لَخُلوفُ فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك
…
» رواه البخاري ومسلم. هو رأي غير صحيح خالف الشافعيَّ فيه حتى أتباعه، أذكر منهم أبا شامة والعِزَّ بن عبد السلام والنووي والمُزَني وابن حجر.