الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ما يستدلون به أيضاً على دعواهم من أقوال الصحابة أو أفعالهم مثل أن صحابياً من الأنصار أصيب بسهام وهو يصلي فاستمرَّ في صلاته، روى قصَّته أبو داود وابن خُزَيمة والبيهقي، ومثل أن ابن عباس رضي الله عنه قال «اغسلوا أثر المحاجم عنكم وحسبَكم» رواه البيهقي. فهذه ليست أدلة أولاً، لأن قول الصحابي أو فعله ليس دليلاً، ثم إن الحديث الأول فيه عقيل بن جابر قال عنه الذهبي: لا يُعرف. وفي الحديث الثاني رجل مجهول، فالحديثان ضعيفان. ثم إن ما سبق وسقناه من فعل ابن عمر أنه كان يتوضأ من الرعاف يخالف ما ذكروه وكلا الأمرين أفعال صحابة. فإذا كان الصحابة مختلفين في هذه المسألة فإن الدواعي تكون أكبر لعدم الاستدلال بآرائهم سيما وأن الحديث النبوي الصحيح يغنينا عن أقوالهم وافعالهم. ويمكن مراجعة بحث نجاسة الدم في [أعيان النجاسات] في [الفصل الثاني] ففيه مزيد بيان وتفصيل.
مسألة
لم يرد في القيح والصديد نصٌّ يفيد نجاستهما أو نقضهما للوضوء، إلا أننا بتحقيق المناط نتوصل إلى أن القيح نجس وناقض وليس كذلك الصديد، ذلك أن واقع القيح أنه دم فاسد أو متخلق من الدم، وحيث أن أصله نجس وناقض، فإن الفرع يتبع الأصل ويأخذ حكمه، وهذا رأي قتادة ومجاهد، ذكر ذلك عبد الرزاق. أما الصديد فليس كذلك، ولا يندرج تحت أي ناقض للوضوء، ولا تحت أية مادة نجسة، فيأخذ حكم الطاهر وغير الناقض.
3) القَيء
القيء ينقض الوضوء لما روى معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له، فقال: صدق أنا صببت له وَضوءه» رواه الترمذي وقال (هذا أصح شيء في هذا الباب) . ورواه أحمد والبيهقي والدارقطني بلفظ «.. قاء فأفطر، قال: صدق، أنا صببت له وَضوءه» قال ابن منده: إسناده صحيح متصل. وجوَّد أحمد إسناده. ورواه أحمد وعبد الرزاق بلفظ آخر هكذا: عن أبي الدرداء قال «استقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفطر، فأُتي بماء فتوضأ» . ولما روى ابن جُريج عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قاء أحدكم أو قلس أو وجد منيَّاً وهو في الصلاة فلينصرف فليتوضأ، وليرجع فلْيَبْنِ على صلاته ما لم يتكلم» رواه الدارقطني وقال (قال لنا أبو بكر: سمعت محمد بن يحيى يقول: هذا هو الصحيح عن ابن جريج، وهو مرسل) . ورواه أيضاً البيهقي مرسلاً وقال (هذا هو الصحيح عن ابن جريج) . وقد صحح هذه الطريقة المرسلة أيضاً أحمد والذهلي. والحديث المرسل الذي سقط منه اسم الصحابي يصح الاستدلال به، لأن جهالة الصحابي لا تضر، فالحديث صالح للاحتجاج.
الحديث الأول فعلٌ، والحديث الثاني قولٌ، وهما يفيدان أن القيء ناقض للوضوء، وهو ما عليه أبو حنيفة وأحمد والثوري والأوزاعي، خلافاً لمالك والشافعي وأصحابهما، وأجابوا عن حديث أبي الدرداء بان المراد بالوضوء غسل اليدين، ويردُّ بأن الوضوء من الحقائق الشرعية، ولا يصرف عن الوضوء الشرعي إلا بقرينة. قالوا: القرينة أنه استقاء بيده، كما ثبت في بعض الألفاظ، فيقال لهم هذه قرينة لا تكفي، إذ ما المانع من أن يستعمل يده في القيء وأن يتوضأ وضوءه للصلاة من ذلك؟ فلو كان القيء باستعمال اليد يمنع من الوضوء الشرعي لكان قرينة كافية، أما وأنه ليس كذلك فإن القرينة غير صالحة لما يذهبون إليه. وأجابوا عن الحديث أيضاً بأنه فِعلٌ وهو لا ينتهض للوجوب، فنرد عليهم بأنكم بهذا لا تنفون عن الحديث كونه في الوضوء الشرعي، وإلا لما أوردتم هذه الحجة. نعم إن الصحيح هو أن الفعل أو القول لا ينتهضان للوجوب إلا بقرينة، وأن القول وحده والفعل وحده لا يكفيان للوجوب، ولذا فإن تقييده بأنه فعل لا يغير من الأمر شيئاً.
أما الدليل على وجوب الوضوء من القيء فهو حديث ابن جريج، فإن قوله «إذا قاء أحدكم أو قَلَس أو وجد منيَّاً وهو في الصلاة فلْينصرف فلْيتوضأ» أمرٌ بالانصراف من الصلاة من أجل الوضوء، ولا يكون هذا الطلب إلا لأنه واجب، ولا يصح اعتباره طلباً للندب، أي لا يصح القول إن الحديث طلب ممن أحرم بالصلاة أن يقطعها للقيام بوضوء مندوب، وهذا واضح الدلالة فلا نطيل فيه، وهذا الحديث قرينة أيضاً على أن الفعل الوارد في حديث أبي الدرداء يفيد الوجوب، وبذلك فإن الحديثين كافيان للرد على الشافعية والمالكية ومن يقول بقولهم.