الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الأمطار الإعصارية فقل أن تظهر في الأقاليم الاستوائية إلا في غرب إفريقية على ساحل غانة، فهذا الساحل يتعرض لظهور نوع من الأعاصير المدارية يعرف في هذه المنطقة باسم الترنادو1 وهذه الأعاصير تنشأ في منطقة التقاء الرياح التجارية الشمالية الشرقية بالرياح التجارية الجنوبية الشرقية التي تعبر خط الاستواء وتصير جنوبية غربية، وهي تحدث في أي من السنة ويصحبها دائمًا هطول أمطار غزيرة جدًّا.
وهكذا نرى أن الظروف المحلية لها دخل كبير في تحديد نوع الأمطار وكميتها وتوزيعها على أشهر وفصول السنة مما يجعل لكل إقليم من الأقاليم التي يضمها النطاق الاستوائي مميزات خاصة به فبعض الأقاليم أغزر أمطارًا من غيرها وفي معظمها توجد قمتان للأمطار، إلا أن بعضها قد تظهر فيه قمة واحدة، وكما أنه قد يوجد خلاف بين هذه الأقاليم بعضها وبعض في ميعاد ظهور قمة الأمطار أو قمتيها، ويلاحظ أن مثل هذه الاختلافات ليست واضحة في درجة الحرارة بمعنى أن جميع الأقاليم الاستوائية تقريبًا ما عدا الجبال والهضاب المرتفعة تشترك في شدة حرارتها وفي توزيع معدلاتها توزيعًا منتظمًا على أشهر السنة، ولهذا فإن الأمطار تعتبر العنصر المناخي الرئيسي الذي يمكن على أساسه تمييز الأقاليم التي يشملها المناخ الاستوائي بعضها عن بعض وينطبق هذا كذلك على الأقاليم الحارة الأخرى.
1 هذا الترنادو يختلف عن الترنادو العنيف الذي تتعرض له بعض الأقاليم المعتدلة.
الحياة النباتية:
كان من نتيجة اجتماع الحرارة الشديدة والأمطار الغزيرة طول السنة في الأقاليم الاستوائية أن ظهرت غابات كثيفة متعددة الفصائل والأنواع تحتوي على أشجار عظيمة الارتفاع تتشابك أغصانها بدرجة لا تسمح بوصول الضوء إلى أرض الغابة الذي ترتفع فوقه جذوع عظيمة السمك خالية من الأوراق ولكنها محاطة بأمراس ضخمة من نباتات متسلقة تحاول دائمًا أن ترتفع إلى أعلى لتصل إلى ضوء الشمس، ومعظمها يحمل أزهارًا كثيرة تظهر بألوانها الزاهية
الجدول رقم "16"
المعدلات الشهرية والسنوية للأمطار بالسنتيمترات في بعض المحطات الواقعة في النطاق الاستوائي وهي:
1-
سنغافورة -1 شمالًا و104 شرقًا، 3 أمتار فوق سطح البحر.
2-
داولا -4 شمالًا و10 شرقًا، 7 أمتار فوق سطح البحر.
3-
بوجوتا -5 شمالًا و74 غربًا، 2661 مترًا فوق سطح البحر.
المتباينة وسط هذه الطبقة الكثيفة من الأغصان المتشابكة، أما أرض الغابة، بين جذوع الأشجار، فتكسوها أعشاب ونباتات خضراء عريضة الأوراق يحمل الكثير منها أزهارًا جميلة.
وبينما نجد أن باطن الغابة المظلم ذا الجو الخانق خال من الحياة الحيوانية تقريبًا بحيث لا تسمع فيه أية حركة لقلة ما يمكن أن يعيش فيه من الحيوانات نجد أن أعلى الأشجار يموج بأنواع متعددة من الحشرات وضفادع الأشجار والسحالي وثعابين الأشجار والطيور والقردة إلى غير ذلك، ومعظم هذه الأنواع تقضي حياتها دون أن تلمس الأرض تقريبًا، وكثير منها يمتاز بألوانه الجميلة الزاهية التي لا تختلف كثيرًا عن ألوان الأوراق والأزهار التي من حولها مما يجعل من الصعب تمييزها وسط هذه الأوراق ويجعل من السهل عليها الاختفاء من أعدائها.
ونظرًا لأن الحرارة والأمطار متوفرتان طول السنة فليس هناك مجال لتوقف الإنبات والإزهار، ولهذا فإن النباتات كلها تقريبًا من الأنواع دائمة الخضرة.
ومثل هذا النوع من المناخ، ولو أنه يساعد على سرعة النمو إلا أنه يعرقل في كثير من الأحيان التوسع في زراعة كثير من الحبوب الغذائية؛ لأن معظم
محاصيل الحبوب يلزم لها فصل جاف نسبيًّا قبل الحصاد لكي تتم نموها وتنضج حبوبها، وقد أمكن مع ذلك جعل أوقات الحصاد بالنسبة لبعض المحصولات الاستوائية مثل المطاط متفقة مع أقل فصول السنة مطرًا، وعلى هذا الأساس نجد أن موسم جمع المطاط مثلًا يبدأ في القسم الشمالي من حوض الأمزون في أغسطس وينتهي في فبراير بينما يبدأ في القسم الجنوبي حوالي شهر مايو ويستمر حتى أكتوبر.
وأنواع الأشجار التي تنمو في الغابات الاستوائية متعددة جدًّا وكثير منها له قيمة اقتصادية كبيرة إما لأخشابه أو لثماره أو لما يستخرج منه من مواد أولية.
ويعتبر الماهوجني "الكابلي" Mahogany والأبنوس من أهم أنواع الأخشاب التي يمكن الحصول عليها من الغابات الاستوائية التي توجد بها فضلًا عن ذلك أنواع أخرى من الأشجار المهمة ذات القيمة الاقتصادية مثل أشجار المطاط والموز والكينا واللبان والتانين والكاكاو.
ولكن يلاحظ أن استغلال هذه الأنواع تقف دونه عقبات متعددة مما جعل المهتمين بها يفضلون إزالة الغابات الطبيعية لإحلال غابات زراعية محلها إلا أن عملية إزالة الغابات نفسها تعتبر من العمليات الشاقة عظيمة التكاليف، ويرجع هذا إلى عظم كثافة الغابات وصلابة أخشابها، وخصوصًا إذا لاحظنا أن غزارة الأمطار طول السنة تجعل من الصعب الاستعانة على إزالة الغابات بواسطة إشعال النيران فيها، وهي الطريقة المتبعة في كثير من جهات العالم الأخرى التي تمتاز بوجود فصل جاف تنقطع فيه الأمطار.
وهناك أسباب أخرى تجعل من الصعب جدًّا استغلال الأشجار المهمة من أهمهما صعوبة المواصلات داخل الغابة بحيث يصعب اختراقها ثم انتشار الحشرات التي تسبب بعض الأمراض المهلكة ومن أشهرها مرض النوم الذي تسببه ذبابة "تسي تسي" وذلك فضلًا عن تعدد فصائل النباتات والأشجار في الغابة واختلاطها بدرجة كبيرة جدًّا حتى إن العثور على شجرة واحدة من
أشجار المطاط أو الكاكاو الطبيعية مثلًا قد يتطلب البحث عنها في مساحة واسعة جدًّا من الغابة، وربما كان هذا هو أهم الأسباب التي جعلت التفكير يتجه إلى إزالة الغابات الطبيعية، وغرس أشجار معينة مثل المطاط، أو الموز أو الكاكاو محلها، فقد أمكن مثلًا إقامة مزارع واسعة للمطاط في إندونيسيا وفي غيرها من جزر الهند الشرقية والملايو، كما أمكن زراعة الكاكاو بكثرة في غرب إفريقية خصوصًا في غانة التي تنتج في الوقت الحاضر أكثر من نصف محصول العالم من الكاكاو.
وتعيش داخل الغابات الاستوائية جماعات بشرية قليلة العدد أغلبها متأخرة من الناحية الحضارية، ففي إفريقية مثلًا تنتشر في بعض هذه الغابات جماعات من الأقزام الذين يمثلون إحدى السلالات الزنجية القديمة، وذلك بإلاضافة إلى بعض الجماعات الزنجية الأخرى المتحضرة نسبيًّا، وتعتمد هذه الجماعات في حياتها على جمع الثمار والنباتات التي يمكن أكلها، كما يقوم بعضها بصيد الحيوانات من الغابات أو بصيد الأسماك من مجاري المياه، كما تنتشر حرفة الزراعة كذلك بين هذه الجماعات خصوصًا زراعة النباتات ذات الجذور الدونية التي يعتمدون عليها في غذائهم مثل اليام yam والكاسافا CASAVA.
وأسلوب الزراعة السائد عندهم هو الزراعة المتنقلة. ويلاحظ أن التربة في الغابات الاستوائية فقيرة بصفة عامة لأن كثرة الأمطار تعمل على إذابة الأملاح الموجودة بها وعلى إزالتها، كما أن هذه التربة فقيرة في المواد العضوية لأن عدم وجود فصل جاف في المنطقة يعتبر من العوامل التي لا تساعد على تحلل البقايا النباتية والحيوانية تحللًا كافيًا.
وأهم الأقاليم التي يتمثل فيها المناخ الاستوائي هي:
1-
أمريكا الجنوبية حول خط الاستواء ما بين المحيط الأطلسي في الشرق والمحيط الهادي في الغرب خصوصًا في حوض الأمزون.
2-
وسط إفريقية خصوصًا في حوض الكونغو وساحل غانة في غرب القارة.
الإقليم الاستوائي بأمريكا الجنوبية كمثال للأقاليم الاستوائية:
يمثل حوض الأمزون أكبر منطقة في العالم تسقط الأمطار على جميع أجزائها بغزارة طول السنة، فعلى مساحة لا تقل عن خمسة ملايين، من الكيلو مترات المربعة تسقط الأمطار بمعدل يزيد على 175 سنتيمترًا، إلا أنه يوجد مع ذلك تباين ظاهر في كمية المطر التي تسقط على الأجزاء المختلفة للحوض وتوزيعها على أشهر السنة نتيجة لاختلاف الظروف المحلية الخاصة بكل منها وخصوصًا ما يتعلق منها بالمواقع والتضاريس.
وتقدر كمية الأمطار التي تسقط على حوض الأمزون بأكثر من عشرين ألف كيلو متر مكعب في السنة، وهذه الكمية العظيمة هي التي جعلت نهر الأمزون أعظم أنهار العالم من حيث كمية المياه التي تجري فيه، ويبلغ تصريف هذا النهر حوالي 3620 كيلو مترًا مكعبًا في السنة، ويليه في ذلك نهر الكونغو الذي يبلغ تصريفه حوالي 2870 كيلو مترًا مكعبًا، والواقع أن حوض الأمزون في مجموعه أغزر أمطارًا من حوض الكونغو، وربما كان السبب في ذلك هو أن الأول مفتوح من جانبه الشرقي بحيث تجد الرياح التجارية الطريق أمامها مفتوحًا إليه حتى تصادم الحافة الشرقية لجبال الإنديز فتؤدي إلى سقوط أمطار غزيرة ينصرف أغلبها إلى الحوض، أما حوض الكونغو فتحيط به المرتفعات من جميع الجهات تقريبًا خصوصًا من ناحية الشرق حيث تعترض هضبة إفريقية الشرقية سبيل الرياح التجارية التي تهب من المحيط الهندي فتضطرها إلى إسقاط معظم أمطارها على المنحدرات الشرقية للجبال حتى إذا ما وصلت إلى حوض الكونغو كانت قليلة الأمطار، وفضلًا عن ذلك فإن الرياح التي تهب عليه من المحيط الأطلسي تكون أيضًا قليلة الأمطار لمرورها على تيار بنجويلا البارد.
ويمكننا أن نقسم النطاق الاستوائي في أمريكا الجنوبية على أساس كمية الأمطار وتوزيعها على فصول السنة إلى الأقسام الخمسة الآتية:
1-
المنطقة الساحلية من جنوب مصب الأمزون حتى مصب نهر.
أورينوكو في الشمال، وهي من أغزر أجزاء حوض الأمزون أمطارًا، ويرجع ذلك إلى أن الرياح التجارية الشمالية الشرقية تهب عمودية على الساحل تقريبًا، وتتراوح كمية المطر السنوية هنا ما بين 200 و250 سنتيمترًا، كما هي الحال في مدينة بارا PARA التي يبلغ معدلها حوالي 225 سنتيمترًا في السنة.
وأكثر الشهور مطرًا هي فبراير ومارس وإبريل ومايو حيث يبلغ معدل ما يسقط في كل منها حوالي 30 سنتيمترًا، أما أقل الشهور مطرًا فهي سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر حيث يبلغ معدل ما يسقط في كل منها أقل من سنتيمترين، ويمكننا بعبارة أخرى أن نقسم السنة إلى نصفين أحدهما ممطر يبدأ في يناير وينتهي في يونيو والثاني جاف نسبيًّا ويبدأ في يوليو وينتهي في ديسمبر.
2-
المنطقة الممتدة إلى الشرق مباشرة من سلاسل جبال الإنديز بما في ذلك السفوح الشرقية لهذه الجبال نفسها، والأمطار في هذا القسم أكثر منها في القسم السابق، بل وفي أي قسم من الأقسام الأخرى التي يشملها حوض الأمزون، والسبب في ذلك هو أن الرياح التجارية الشرقية تضطر للارتفاع عند مصادمتها للجبال فتشتد غزارة الأمطار التي يزيد معدلها السنوي عن 200 سنتيمتر كما هي الحال في بلدة إكيتوس Iquitos التي يسقط بها حوالي 208 سنتيمترات في السنة، والأمطار في هذا القسم موزعة توزيعًا منتظمًا تقريبًا على أشهر السنة فليس هناك فصل جفاف واضح. وشهر أغسطس هو أقل الشهور مطرًا، ورغم ذلك فإن معدل أمطاره يصل إلى حوالي 12 سنتيمترًا.
3-
الحوض الأوسط للأمزون، وهو أقل من القسمين السابقين أمطارًا، وربما يرجع ذلك إلى استواء سطحه وقلة استفادته بأمطار الرياح التجارية ويتراوح معدل ما يسقط سنويًّا في هذا القسم ما بين 150 و200 سنتيمتر، وتمثله مدينة مناوس manaos التي يبلغ معدل أمطارها حوالي 156 سنتيمترًا في السنة، ولكن يلاحظ مع ذلك أن الفصل الجاف أقصر هنا منه في المنطقة الساحلية الشرقية، فبينما يمتد هذا الفصل في بارا من مايو إلى نوفمبر نجد أنه يمتد
في مناوس من يونيو إلى أكتوبر فضلًا عن أن معدل ما يسقط في أي شهر من الشهور في المحطة الأخيرة لا يقل عادة عن 5 سنتيمترات.
4-
الهضاب المحصورة بين سلاسل جبال الإنديز في كولومبيا وإكوادور وهي رغم ارتفاعها الذي لا يقل عن 2000 قدم فوق سطح البحر قليلة الأمطار نسبيًّا لأن الجبال المحيطة بها تحول دون وصول الرياح الممطرة إليها، ويبلغ معدل الأمطار في هذه الهضاب حوالي 110 سنتيمترات، ففي كيتو Quito وبوجوتا Bogota مثلًا تصل كمية الأمطار إلى 110 و105 سنتيمترات على الترتيب.
وتمتاز بوجوتا رغم وقوعها على خط عرض 5 شمالًا بأنها تمثل النظام الاستوائي أصدق تمثيل، وأمطارها موزعة على جميع أشهر السنة مع وجود قمتين لها إحداهما حوالي إبريل والثانية حوالي نوفمبر، ومن الغريب أن هذا النظام يكاد يختفي عند خط الاستواء نفسه، ففي بلدة كيتو الواقعة على هذا الخط نلاحظ أن نظام الأمطار لا يتفق مع النظام الاستوائي المثالي، بل إنه أكثر شبهًا بالنظام السائد في المناطق الواقعة جنوب خط الاستواء وفيها يوجد فصل جاف يشمل ثلاثة أشهر تقريبًا هي يونيو ويوليو وأغسطس، بينما تغزر الأمطار في باقي الأشهر.
والواقع أن جبال الإنديز في كولومبيا هي المنطقة الوحيدة التي يتمثل فيها النظام الاستوائي تمثيلًا واضحًا في أمريكا الجنوبية.
5-
المنطقة الساحلية لجمهورية كولومبيا إلى الغرب من سلاسل الجبال، وهذه المنطقة تتأثر بالتيار الاستوائي الراجع في المحيط الهادي، وهي غزيرة الأمطار بحيث لا يقل المعدل السنوي فيها عن 450 سنتيمترًا، وقد يزيد عن ذلك كثيرًا في بعض الأماكن، كما هي الحال في بلدة بوينافيتورا Buenaventura التي يبلغ معدل المطر فيها حوالي 650 سنتيمترًا في السنة، والأمطار موزعة على جميع الأشهر وإن كانت تقل نسبيًّا في الخمسة أشهر التي تبدأ في ديسمبر وتنتهي في إبريل.