الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكون بعض الأجزاء الداخلية في هذا القسم ذات مناخ قاري بسبب بعدها النسبي عن البحار، خصوصًا إذا لاحظنا أن هناك مناطق مرتفعة تفصل بين هذه الأجزاء وبين الساحل.
وتعتبر قارة إفريقية ثاني قارة في العالم من حيث الاتساع بعد قارة آسيا، وتبلغ مساحتها حوالي ثلاثين مليونًا من الكيلومترات المربعة، كما أنها تتميز عن بقية القارات بقلة تعاريج سواحلها قلة ظاهرة بدرجة لا تظهر في أي قارة أخرى وقد كان اتساع القارة بهذا الشكل مع قلة تعاريج سواحلها من أهم العوامل التي جعلت المؤثرات البحرية لا تتوغل فيها إلا لمسافات محدودة جدًّا، خصوصًا في القسم الشمالي منها لأنه أعظم اتساعًا بكثير من قسمها الجنوبي، فإذا أضفنا إلى ذلك صغر مساحة البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط بالنسبة للمحيطات عامة أمكننا أن ندرك السبب في أن معظم شمال إفريقية تحتله أعظم صحاري العالم اتساعًا وأشدها جفافًا، أما في الجنوب فإن ضيق القارة وعدم وجود مساحات من اليابس قريبة منها قد أدى إلى صغر المساحة التي يظهر فيها المناخ الصحراوي في هذا القسم بخلاف الحال في الشمال.
ثانيًا-
التيارات البحرية:
يتأثر مناخ السواحل الشرقية والسواحل الغربية للقارة ببعض التيارات البحرية التي لا يقتصر أثرها على درجة حرارة هذه السواحل، بل يظهر كذلك في رطوبة الجو وما يتبع هذه الرطوبة من مظاهر التكثف المختلفة، ففي الغرب نجد أن تياري الكناريا في الشمال وبنجويلا في الجنوب قد ساعدا كثيرًا على خفض درجة الحرارة على السواحل التي يمران بها، ويظهر أثر تيار الكناريا على طول الساحل الممتد ما بين بوغاز جبل طارق في الشمال وخط عرض 12ْ شمالًا في فصل الشتاء أو خط عرض 17ْ في فصل الصيف في الجنوب "تبعًا لتزحزح المناطق الحرارية العامة" وأهم الآثار المناخية لهذا التيار البارد هي خفض درجة الحرارة على السواحل التي يمر بها وزيادة احتمال ظهور الضباب
كما أن هذا التيار يعتبر عاملًا مهمًّا في قلة الأمطار على نفس السواحل، ويمكننا أن ندرك مبلغ تأثير تيار الكناريا على درجة الحرارة إذا عرفنا أن درجة حرارة الهواء الذي يقع فوقه مباشرة قد تقل كثيرًا عن درجة حرارة الهواء على مسافة قصيرة في الداخل على نفس خط العرض، ويزداد الفرق بصفة خاصة في فصل الصيف نتيجة لاشتداد درجة حرارة اليابس، وتعمل الرياح التجارية الشمالية الشرقية، وهي الرياح السائدة في شمال القارة على خفض درجة حرارة المياه الساحلية بطريقة غير مباشرة، حيث إنها تعمل باستمرار عند خروجها من اليابس على إزاحة الطبقة السطحية من المياه المجاورة للساحل ودفعها بعيدًا عنه فتكشف بذلك الطبقة التي تحتها والتي تكون درجة حرارتها أقل من المياه السطحية، ولهذا فإن معدل درجة حرارة مياه الساحل تظل منخفضة بصفة عامة ولا تزيد في أي شهر من شهور السنة على 18 ْمئوية، بينما يزيد المعدل في كثير من الأجزاء الداخلية في الصحراء على 32 ْفي أشهر الصيف.
ولا يقل أثر تيار بنجويلا على مناخ القسم الجنوبي من الساحل الغربي عن أثر تيار الكناريا في الشمال فهو يعمل كذلك على خفض درجة حرارة السواحل التي يمر بها بصورة واضحة فضلًا عن أنه يساعد على كثرة ظهور الضباب وقلة الأمطار على هذه السواحل، وليس من شك في أن وجود تياري الكناريا وبنجويلا الباردين يعتبر من العوامل المهمة التي ساعدت على امتداد المناخ الصحراوي في شمال
إفريقية وجنوبها نحو الغرب لدرجة أن هذا المناخ يصل إلى ساحل المحيط الأطلسي مباشرة، ويلاحظ أن أثر تيار بنجويلا يظهر على الساحل الغربي لإفريقية الجنوبية ما بين خط الاستواء في الشمال ورأس الرجاء الصالح في الجنوب.
وإلى جانب تياري الكناريا وبنجويلا الباردين يتأثر الساحل الغربي لإفريقية بتيار آخر دافئ يعرف باسم تيار غانة، وهو تيار استوائي يظهر على الساحل الممتد بين النقطتين اللتين ينتهي عندهما أثر التيارين السابقين، أي ما بين خط الاستواء تقريبًا وخط عرض 12 ْشمالًا في الشتاء و17 ْشمالًا أيضًا في
الصيف ويزيد معدل درجة حرارة مياه هذه التيار على 26 ْمئوية، ولهذا فإنها تكون عاملًا مساعدًا على رفع درجة الحرارة وزيادة كمية بخار الماء على السواحل التي تمر بها.
وإذا انتقلنا إلى الساحل الشرقي نلاحظ أن نظام التيارات البحرية يختلف في فصل الشتاء عنه في فصل الصيف، وذلك لأن التيارات البحرية في القسم الشمالي من المحيط الهندي تتأثر باتجاه هبوب الرياح الموسمية التي تخرج من القارة الآسيوية نحو المحيط في فصل الشتاء والعكس في فصل الصيف، إلا أن هذا التأثير لا يكون واضحًا بالنسبة للتيارات البحرية التي توجد إلى الجنوب من خط الاستواء، فإلى الجنوب من هذا الخط بحوالي 15 ْتقريبًا يتحرك "تيار استوائي" ضخم من الشرق إلى الغرب، وعندما يصطدم هذا التيار بالساحل الشرقي لإفريقية "عند رأس دلجادو Delgado" ينقسم إلى قسمين أحدهما يتجه شمالًا، أما الثاني فيتجه نحو الجنوب، ويستمر هذا القسم الأخير في حركته حتى يصل إلى رأس الرجاء الصالح، وهنا يلتقي بتيار بنجويلا الذي سبق ذكره، وهذا التيار هو الذي يشتهر باسم تيار موزمبيق الحار، وتتراوح درجة حرارة مياهه في فصل الصيف "يناير" ما بين 30 ْمئوية عند نهايته الجنوبية و38 عند بدايته الشمالية، أما في فصل الشتاء "يوليو" فتتراوح درجة حرارة مياه هذا التيار في نفس المكانين بين 17 ْو26 ْ، وبمقارنة هذا التيار بتيار بنجويلا المقابل له على الساحل الغربي نجد أن درجة حرارة مياه التيار الأول تزيد في المتوسط بنحو 6 درجات مئوية عن درجة حرارة مياه التيار الثاني، ويلاحظ أن قسمًا من تيار موزمبيق ينحرف في شمال جزيرة مدغشقر ليمر بالسواحل الشرقية لهذه الجزيرة مما يساعد أيضًا على تدفئتها وعلى زيادة بخار الماء العالق بهوائها، أما القسم الذي يتجه نحو الشمال "من التيار الاستوائي الضخم" فيصل في جولته إلى خط الاستواء ثم يختلف اتجاهه بعد ذلك في القسم الواقع إلى الشمال من هذا الخط على حسب نظام الرياح
الموسمية، ففي فصل الصيف تعمل الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تتجه نحو آسيا على دفع مياه هذا التيار أمامها نحو الشمال إلى البحر العربي ومن ثم يسير التيار أمام سواحل إيران الجنوبية وسواحل الهند وبورما وغرب الملايو في حركة متفقة في اتجاهها مع حركة عقرب الساعة، وتبلغ سرعة التيار أمام سواحل الصومال شمال خط الاستواء أكثر من 6 كيلو مترات في الساعة وتكون درجة حرارة مياهه في هذه المنطقة مرتفعة حتى إنها تصل عند السطح إلى حوالي 28 ْمئوية أو أكثر، وقد ترتفع إلى 29 ْفي شهري إبريل ومايو، ولكن هناك ملاحظة مهمة يجب ألا نهملها عند الكلام على أثر هذا التيار البحري على مناخ الساحل الشرقي لإفريقية والساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، وهذه الملاحظة هي أن درجة حرارة المياه أمام هذه السواحل تكون عادة أقل من درجة حرارة المياه في داخل المحيط بعيدًا عن الشاطئ طول السنة، ويزداد الفرق بصفة خاصة في مايو وإبريل حيث تكون المياه الساحلية أبرد بنحو ثلاث درجات مئوية من مياه الداخل، ويرجع ذلك إلى أن المياه السطحية للتيار تميل للانحراف بعيدًا عن الساحل خصوصًا عند اشتداد الرياح الموسمية الجنوبية الغربية فيؤدي هذا إلى حدوث حركة انبثاق تؤدي إلى رفع المياه السفلية إلى أعلى في الأجزاء الملاصقة للساحل، وتكون هذه الظاهرة واضحة بصفة خاصة أمام الساحل الإفريقي مباشرة حوالي خط عرض 10 ْعند هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، ومن المرجح أن برودة المياه الساحلية بهذا الشكل تعتبر من العوامل التي تساعد على جفاف إقليم الصومال وجنوب شرق شبه الجزيرة العربية.
أما في فصل الشتاء فينقلب نظام التيارات البحرية في شمال خط الاستواء، ويبدأ هذا الانقلاب في شهر نوفمبر عندما يبدأ هبوب الرياح الموسمية الشتوية من ناحية آسيا، حيث تؤدي هذه الرياح إلى تحرك المياه على طول الساحل الجنوبي لآسيا في اتجاه مضاد لاتجاه حركة عقرب الساعة، وتستمر هذه المياه في حركتها مع ساحل القرن الإفريقي حتى تصل إلى خط الاستواء ويكون
اتجاه حركة تيار الماء أمام هذا الساحل من الشمال الشرقي، وتكون درجة حرارة مياهه أقل من درجة حرارة مياه الأجزاء الداخلية من المحيط بحوالي درجة ونصف درجة مئوية، وترجع هذه البرودة النسبية إلى عاملين هما برودة فصل الشتاء نفسه بالإضافة إلى أن المياه تتحرك نحو خط الاستواء، أي نحو مناطق أشد حرارة من المناطق التي تأتي منها.
ويستمر نظام التيارات بهذا الشكل حتى شهر فبراير، وعلى الرغم من أن الرياح الموسمية الجنوبية الغربية لا تكون عندئذ قد بدأت هبوبها بعد فإن دورة التيارات البحرية تبدأ في الانعكاس في هذا الشهر لتأخذ اتجاهًا متفقًا مع اتجاه حركة عقرب الساعة، وتكون هذه التيارات بطيئة في أول الأمر، ولكن سرعتها تزداد بمجرد بدء هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية.
أما أثر البحر الأحمر على مناخ السواحل الشرقية لإفريقية فمحدود جدًّا بسبب صغر مساحته مع ملاحظة أن هذا الأثر يكون أقل وضوحًا في فصل الصيف منه في فصل الشتاء؛ لأن البحر الأحمر يعتبر من البحار الدافئة طول السنة، ولهذا فإن تأثيره الملطف على درجة حرارة السواحل المطلة عليه يكون محدودًا جدًّا، ويتراوح درجة حرارة سطح الماء l في القسم الشمالي من هذا البحر ما بين 22ْ في يناير و27ْمئوية في يوليو، أما في القسم الجنوبي منه فتتراوح درجة حرارة المياه السطحية ما بين 28ْ في يناير و32ْ في يوليو، ولكن على الرغم من الارتفاع الشديد لدرجة حرارة مياه هذا البحر في فصل الصيف فإنها تكون على أي حال أقل من درجة حرارة السواحل المجاورة.
وبخلاف الحال بالنسبة للبحر الأحمر نلاحظ أن البحر المتوسط له أثر عظيم على مظاهر الجو وأحوال المناخ في معظم شمال إفريقية، ففي فصل الشتاء يساعد الدفء النسبي لمياه هذا البحر على ظهور منطقة من الضغط المنخفض فوقه كما يساعد على تدفئة السواحل المجاورة وعلى زيادة أمطارها؛ إذ إن الرياح التي تمر على هذه المياه تكون عادة محملة بكميات كبيرة من بخار الماء. أما في فصل الصيف فتنعكس الآية ويكون البحر أقل حرارة من اليابس