الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قطاعها، بل تكون متأثرة بصفة خاصة بالمواد الأصلية الجديدة التي كونتها وبدرجة انحدار سطح الأرض، ومثل هذه التربة يكون لها قطاعها الخاص الذي تفرضه ظروفها.
تصنيف التربة وأقسامها الكبرى
.
ليس هناك تقسيم واحد تميز فيه أنواع التربة عن بعضها؛ لأن تباين صفاتها من حيث النسيج والتركيب واللون ودرجة النضوج ودرجة الخصوبة وتباين ظروف تكوينها وتوزيعها، بالإضافة إلى تباين الأغراض التي يوضع التقسيم من أجلها، كل ذلك قد فتح المجال لظهور تقسيمات عديدة مبنية على أسس مختلفة، ومن أشهر الأسس التي استخدمت لهذا الغرض ما يأتي:
1-
المواد الصخرية التي تتكون منها.
2-
اللون السائد فيها.
3-
الأقاليم المناخية والنباتية التي نشأت فيها، ويشتهر التقسيم الذي يعتمد على هذا الأساس باسم التصنيف الإقليمي المناخي the zonal classification "أو التقسيم النطاقي".
تصنيف التربة على أساس موادها الصخرية:
كان تصنيف التربة على هذا الأساس هو السائد حتى بداية القرن الحالي، وكانت تدخل فيه أنواع الرواسب نفسها والعوامل الطبيعية التي أدت إلى تكوينها وتراكمها سواء في نفس مكانها أو بعد نقلها إلى أماكن أخرى، فكانت التربة تقسم إلى أنواع مثل التربة الفيضية والتربة البركانية والتربة الجليدية والتربة الجيرية أو الرملية أو الصلصالية. كما كانت كل هذه الأنواع تقسم على أساس علاقتها بالصخور التي تحتها إلى مجموعتين كبيرتين هما:
أ- مجموعة التربات المنقولة Transported التي تكونت من مواد رسوبية منقولة من أماكن أخرى غير الأماكن التي توجد فيها، ومنها معظم
أنواع التربة الفيضية والجليدية والهوائية، وهي غالبًا ما تكون مرتكزة على قاعدة صخرية مختلفة في تركيبها عنها.
ب- مجموعة التربات الموضعية "Residual" وهي التي نشأت من تجوية الصخور التي توجد تحتها مباشرة.
وعلى الرغم من أن هذا التصنيف لم يعد مقبولًا كأساس لتقسيم شامل للتربة في العالم، فإنه ما زال مفيدًا للدراسة في مناطق محدودة؛ لأن معرفة نوع الصخر الذي استمدت منه التربة "parent rock" والعوامل التي أدت إلى تجويته ونقل الرواسب الناتجة من هذه التجوية تساعد من غير شك على فهم الكثير من خواص التربة ومميزاتها من حيث النسيج والتركيب ونوع المواد المعدنية والأملاح التي توجد بها ودرجة خصوبتها وغير ذلك من الخواص، فالتربة التي تنشأ من تجوية الجرانيت مثلًا "وهو صخر ناري حمضي" تكون معظم موادها الصخرية، عبارة عن رمال كوارتزية وبعض الصلصال، كما تكون محتوية على نسبة عالية من كربونات البوتاسيوم والمغنسيوم، أما التربة التي تنشأ من تجوية البازلت، وهو كذلك صخر ناري ولكنه قاعدي فتكون معظم موادها الصخرية عبارة عن صلصال، ومعه نفس أنواع المعادن التي تنشأ من تجوية الجرانيت، ومثل هذا يمكن أن يقال عن المواد المتخلفة من تجوية الصخور الرسوبية والمتحولة بأنواعها المختلفة، فكل منها ينتج موادَّ لها صفات خاصة به وصفات مشتركة مع المواد الناتجة من تجوية غيره من الصخور.
تصنيف التربة حسب اللون السائد فيها:
إن لون التربة في حد ذاته ليست له قيمة كبيرة في تقدير أهميتها ولكنه يمكن أن يتخذ مع ذلك دليلًا مساعدًا على معرفة بعض صفاتها الرئيسية، وعند دراسة الأنواع الكبرى للتربة سنجد أنه من الممكن تقسيمها على أساس اللون إلى أقسام كثيرة أشهرها التربة السوداء "black soil" والتربة البنية الكستنائية
"Chestnut brown""أو البنية الداكنة" والتربة البنية، والبنية الرمادية "gray brown" والحمراء، والصفراء، والرمادية.
والتربة السوداء والتربة الكستنائية "البنية الداكنة" هما في أغلب الأحوال أعظم أنواع التربة خصوبة، ويرجع اللون الأسود أو البني الداكن للتربة إلى وجود نسبة عالية من المواد العضوية المتحللة بها ووجود كميات متوفرة من العناصر الكيميائية ووجود تركيب ملائم، ولكن يجب أن نتنبه إلى أن اللون الأسود أو البني الداكن قد لا يكون سببه هو وفرة المواد العضوية المتحللة بل ربما يكون راجعًا إلى وجود مادة معدنية خاصة أو إلى رداءة الصرف في الأقاليم الرطبة.
أما التربة الحمراء أو البنية المائلة للاحمرار فتكون غالبًا أقل خصوبة من التربة السوداء أو التربة الكستنائية، ويرجع لونها إلى وجود بعض أكاسيد الحديد غير المائية، وتتكون هذه الأكاسيد بصفة خاصة في المناطق ذات الصرف الجيد في الأقاليم المدارية وشبه المدارية التي ينتشر فيها هذا النوع من التربة انتشارًا واسعًا.
أما التربة الصفراء فالمعتقد هو أن لونها يرجع إلى وجود أكاسيد حديد مائية "hydrated iron oxides" بها. وتتكون هذه الأكاسيد نتيجة لاتحاد الأكاسيد بالماء، ولذلك فإن هذه التربة تظهر غالبًا في المناطق ذات الصرف الرديء أو التي كانت ذات صرف رديء في وقت من الأوقات، وهي لا تعتبر بصفة عامة من أنواع التربة الخصبة.
والتربات ذات الألوان الفاتحة سواء منها التربة الصفراء أو الرمادية أو البيضاء لا تعد من التربات الملائمة للإنتاج الزراعي الناجح إلا بالنسبة لبعض المحاصيل الخاصة، ويرجع اللون الرمادي في الغالب إلى فقر التربة في
الأكسوجين وفي المواد العضوية والحديدية، ومن أمثلتها التربة الموجودة في مناطق الغابات في شمال كندا وسيبريا، حيث أدت كثيرة الأمطار مع برودة الجو إلى تصفيتها تمامًا تقريبًا من المواد الحديدية والعضوية، وتنتشر التربة الفاتحة كذلك في المناطق الصحراوية بسبب فقرها في المواد العضوية، كما أن تجمع المواد الجبرية وبعض الأملاح القلوية قد يؤدي أحيانًا إلى ازدياد اللون الفاتح في التربة لدرجة أنها تبدو بيضاء في بعض الأماكن، والتربة البيضاء هي أقل أنواع التربة خصوبة.
التصنيف الإقليمي المناخي "النطاقي" The Zonal Classification:
يعتبر تصنيف التربة على أساس الأقاليم المناخية وما تتميز به من حياة نباتية طبيعية خاصة من أحدث التصنيفات العامة، وهو كذلك من أكثر التصنيفات استخدامًا في الوقت الحاضر، وقد كان الباحث الروسي جلينكا1 "Glinka" من أول الباحثين الذين وجهوا النظر إلى وجود علاقة قوية بين توزيع الأنواع الرئيسية للتربة وبين الأقاليم المناخية، فقد لاحظ في أوروبا مثلًا أن تربة البودزول "Podzol" تمتد في شمال القارة في نطاق يتفق مع نطاق المناخ البارد الرطب نسبيًّا، الذي تسود فيه الغابات الصنوبرية، وأنه إلى الجنوب من ذلك يمتد نطاق آخر تسود فيه التربة البنية، وهو مناخ دافئ في فصل الصيف وتتكون نباتاته الطبيعية من غابات نفضية، ثم إلى الجنوب من ذلك توجد التربة السوداء المعروفة باسم تشرنوزيم "Chernozem" في مناطق الحشائش "الإستبس" التي يسودها مناخ شبه جاف شديد الحرارة في فصل الصيف.
وفي نفس الوقت الذي لاحظ جلينكا، وجود علاقة قوية بين توزيع التربة في أوروبا وبين الأقاليم المناخية بها لاحظ بعض الباحثين في أمريكا أن نفس العلاقة تقريبًا موجودة بين أنواع التربة الرئيسية في هذه القارة وبين
1 clinka، K.D. the great soil groups of the world and their development، translated by marbut edwatds brothers" 1927.
النطاقات المناخية بها. وبعد ذلك تبين أن علاقات مشابهة موجودة كذلك في جهات أخرى من العالم، ولذلك فقد أصبح من المتفق عليه تقريبًا أن تصنيف التربة على أساس المناخ أفضل من تصنيفها على أساس نوع الصخر الأصلي أو اللون.
والواقع أن تأثير المناخ على عمليات تكوين التربة وتطورها "Pedological processes" يظهر في نواح كثيرة، فالمناخ هو الذي يتحكم في تجوية الصخور وفي عمليات الإذابة والتصفية وفي عمليات تحلل المواد العضوية وفي كثير من العمليات الجيومورفولوجية التي تؤدي إلى جرف التربة أو نقلها وترسيبها وهكذا.
وفيما يلي وصف لأهم صفات التربة السائدة في بعض الأنواع المناخية الرئيسية وهي:
1-
الأقاليم الرطبة.
2-
الأقاليم الجافة وشبه الجافة.
3-
الأقاليم القطبية.
أولًا- تربات الأقاليم الرطبة:
تشترك تربات هذه الأقاليم في أنها خالية تقريبًا من المواد الجيرية، ولكنها غنية من ناحية أخرى ببعض المواد المعدنية، خصوصًا أكاسيد الحديد والألومينيوم، ولذلك فإن هذه التربات تشتهر في مجموعها باسم البيدالفرز Pedalfers. وتعتبر مناطق الغابات من أهم المناطق التي تتكون فيها هذه التربات، وهي في غالب الأحيان ذات حموضة مرتفعة وعلى درجة منخفضة نسبيًّا من الخصوبة، خصوصًا وأن كثرة الأمطار لا تؤدي إلى تصفيتها من الجير فحسب بل إلى تصفيتها كذلك من أملاح البوطاس والفوسفات ومركبات النترات، وكلها مواد لازمة للإنتاج الزراعي، ولكن على الرغم من أن هذه التربات تشترك في مثل هذه الصفات العامة فإن هناك اختلافًا بين بعضها وبعض على حسب العوامل المحلية التي تتدخل في تكوينها خصوصًا ما يتعلق منها بدرجة الحرارة، فالتربة التي تتكون في الأقاليم الرطبة الحارة أو الدافئة تكون مختلفة من نواح جوهرية عن التربة التي تتكون في المناطق الرطبة الباردة.
ففي الأقاليم الحارة:
تساعد كثرة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة على سرعة التفاعلات الكيميائية وعلى سرعة تحلل المواد العضوية، ولكن كثرة المياه المتسربة في التربة تساعد من ناحية أخرى على تصفيتها "Leaching" من المواد العضوية المتحللة ومن الأملاح المعدنية القابلة للذوبان، ويترتب على ذلك ظهور نوع فقير من التربة هو تربة اللاتيريت "Laterite" وهي تربة غنية جدًّا بأكاسيد الحديد والألومينيوم، وفقيرة في الجير والأملاح القابلة للذوبان مثل أملاح الفسفات والبوطاس والنترات، كما أنها فقيرة كذلك في المواد الدبالية "Humus" أي العضوية المتحللة تحللًا تامًّا، واللون المشهور لهذه التربة هو اللون الأحمر أو البني بسبب كثرة أكاسيد الحديد التي قد تكون في بعض الأحيان كثيرة بدرجة يمكن معها استغلال هذه التربة كخام من خامات الحديد، وتعتبر تربة اللاتيرت من التربات غير الخصبة بسبب فقرها في المواد اللازمة لغذاء النبات إلا أن ضعف الخصوبة تعوضه إلى حد ما ملاءمة الظروف المناخية التي تساعد على النمو، ولذلك فإنها تنتج رغم فقرها إنتاجًا طيبًا من بعض المحاصيل الزراعية مثل الموز والكاكاو ونخيل الزيت والتوابل، ولقد كانت نفس هذه الظروف هي السبب في نمو الغابات الكثيفة التي تتميز بها مناطق هذه التربة.
وقد أزيلت هذه الغابات من بعض المناطق وحل محلها الإنتاج الزراعي، ويقوم الزراع الوطنيون في المناطق المدارية الرطبة بتطهير بقع معينة من أراضي الغابات لاستغلالها في زراعة محاصيلهم الغذائية، ولكن سرعان ما تفقد هذه البقع الأملاح المعدنية اللازمة لغذاء النبات بسبب كثرة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة وهما عاملان يساعدان على سرعة التجوية الكيميائية، ولهذا السبب فإن هؤلاء الزراع يتبعون عادة أسلوب الزراعة المتنقلة.
وتربة اللاتيريت بمعناها الدقيق، وهي التي تكون قد وصلت إلى آخر مراحل تطورها، قليلة الوجود، والغالب هو وجود أنواع متباينة فيما بينها في درجة تحولها إلى اللاتيريت الحقيقي، ويمكن أن نطلق عليها عمومًا اسم التربات
شبه اللاتيريتية Laterititc Solis وفضلًا عن ذلك فقد تختلف التربات شبه اللاتيريتية فيما بينها على حسب الاختلاف في نوع الصخور الأصلية التي استمدت منها والاختلاف في الظروف المحلية خصوصًا ما يتعلق منها بمظاهر السطح والمناخ، وبالإضافة إلى الأقاليم المدارية المطيرة فإن بعض أنواع التربات شبه اللاتيريتية تنتشر في بعض الأقاليم شبه المدارية حيث تكون الأمطار أقل انتظامًا ودرجة الحرارة أقل نوعًا ما، ولو في فصل من الفصول، عنها في مناطق الغابات المدارية المطيرة، ففي هذه الأقاليم تظهر أنواع التربة الحمراء أو الصفراء التي تتميز بنفس الصفات العامة التي تتميز بها التربات اللاتيريتية وشبه اللاتيريتية في مناطق الغابات المدارية المطيرة، فهي مثلها فقيرة في الجير والدبال وأملاح الفسفات والبوطاس والنترات، ولكنها لا تكون على أي حال مصفاة بدرجة تلك التربات بسبب الفرق في كمية المطر وتوزيعه.
أما في الأقاليم الرطبة المعتدلة الباردة، أو الباردة فإن عمليات تكوين التربة تختلف عنها في الأقاليم الحارة من نواح أساسية، ففي هذه الأقاليم تتعفن المواد العضوية وتتحلل ببطء بسبب انخفاض درجة الحرارة الذي يؤدي إلى ضعف نشاط البكتريا، ويترتب على تراكمها على السطح كما يحدث مثلًا في مناطق الغابات القريبة من الدائرة القطبية حيث تتراكم على أرض الغابة كميات كبيرة من كيزان الصنوبر وبذوره وغير ذلك من البقايا النباتية التي تتكون منها طبقة يزداد سمكها بالتدريج، وتتسرب المياه الحمضية خلال التربة العليا حاملة معها مركبات الحديد والألومينيوم وبعض المواد العضوية التي تتجمع كلها في التربة السفلى، وينتج عن كل هذه العمليات تربة حمضية فقيرة تشتهر باسم تربة "البودزول podzol" ويطلق على عمليات تكوينها تعبير "عمليات التحول البودزولي Podzolization" وهي تربة فقيرة جدًّا في الجير الذي تعمل المياه الحمضية على إذابته وتصفيته باستمرار، كما تكون طبقتها العليا مصفاة كذلك من مركبات الحديد والألومينيوم، وأحسن مثال للبودزول هو التربة الرمادية التي تغطي نطاقات واسعة في إقليم الغابات الصنوبرية في شمال أوروبا
وآسيا وأمريكا الشمالية، والواقع أن كلمة بودزول هي التسمية الروسية لهذه التربة الرمادية، وبالإضافة إلى تربة البودزول المثالية توجد تربات تنتمي إلى نفس النوع ولكنها لم تصل في تطورها إلى درجة النوع المثالي، ويطلق عليها عمومًا اسم التربات شبه البودزولية، ومن أمثلتها التربات الرمادية البنية "Gray brown Solis" التي تغطي في الولايات المتحدة نطاقًا واسعًا يمتد إلى الشمال من الأراضي الحمراء والصفراء الموجودة في نطاق القطن في الجنوب حتى نطاق من البودزول في القسم الأعلى من إقليم البحيرات في الشمال، والتربة الرمادية البنية التي تغطي كذلك مناطق واسعة في شمال غرب أوروبا.
ثالثًا- تربات الأقاليم الجافة وشبه الجافة:
تمتد هذه الأقاليم في نطاقات عظيمة الاتساع في العروض المدارية والمعتدلة، وهي تشمل كل مناطق الحشائش والصحاري، وأهم مميزاتها المناخية هي قلة الأمطار، ولذلك فإن عمليات التصفية "Leaching" فيها تكون ضعيفة جدًّا أو معدومة، مما يجعلها دائمًا غنية بالأملاح، كما أنها تكون كذلك غنية بالجير الذي تساعد الظروف المناخية على تجميعه خصوصًا في القطاعات السفلى من التربة، وهذا هو السبب في أنها كثيرًا ما توضع ضمن مجموعة التربات المعروفة باسم بيدوكالز "Pedocals" أي التربات الجيرية تمييزًا لها عن تربات البيدالفر في الأقاليم الرطبة كما سبق أن ذكرنا.
ويميل لون هذه التربات غالبًا إلى السواد بسبب كثرة ما بها من مواد عضوية متحللة أو دبال، ومن أمثلتها التربة السوداء التي تغطي نطاقًا عظيم الاتساع في أواسط أمريكا الشمالية، ونطاقًا عظيمًا كذلك في جنوب روسيا، وهي تربة عميقة وعظيمة الخصوبة ولذلك فقد أصبحت مناطقها هي أعظم مناطق الإنتاج الزراعي في العالم، وخصوصًا في إنتاج القمح، وهي تشتهر في أمريكا باسم الأرض السوداء، وفي روسيا باسم تشرنوزم "Chernozem" وحيثما تقل الأمطار نسبيًّا فإن لون هذه التربة يتحول إلى اللون البني الداكن أو البني، كما هي الحال في مناطق الرعي الواقعة إلى الغرب مباشرة من نطاق القمح
ونطاق الذرة في السهول العظمى بأمريكا الشمالية، والتربة في هذه المناطق من النوع المعروف باسم التربة الكستنائية البنية "Chestunt Brown Soli" وهي أفقر نوعًا ما من التربة السوداء في المادة العضوية، ولكنها ذات تركيب جيد وتتوفر فيها المواد المعدنية اللازمة لغذاء النبات، كما توجد بها نسبة من الجير، ومع ذلك فإنها تستغل أساسًا للرعي بينما تحتل الزراعة المركز الثاني بسبب عدم كفاية الأمطار لضمان نجاحها في بعض السنين، والقمح هو أصلح محاصيل الحبوب للزراعة في هذه التربة، ولكن إنتاجه كثيرًا ما يتعرض للفشل بسبب الجفاف، ويوجد في روسيا نطاق كبير من هذه التربة إلى الشرق من نطاق التربة السوداء "تشرنوزم" وهو لا يختلف في ظروف استغلاله للزراعة والرعي عن ظروف النطاق المتشابه له في أمريكا الشمالية، وحيثما تتوفر مياه الري في مناطق هذه التربة فإنها تغطي محاصيلَ غنية جدًّا.
أما في الصحاري فإن قلة المياه والنباتات الطبيعية تجعل فرصة التجوية الكيميائية ضعيفة جدًّا، ولكن التفكك والتفتت الميكانيكي يكون من ناحية أخرى كافيًا لتكوين طبقة سطحية دقيقة الحبيبات من المواد الصخرية، ويحدث هذا التفكك بصفة خاصة نتيجة للتطرف في درجة الحرارة، ونتيجة لفعل الصقيع، ومن الطبيعي أن تكون نسبة المواد العضوية المتحللة بل وغير المتحللة في التربة منخفضة جدًّا أو معدومة إلا حيثما يسقط قليل من الأمطار التي تساعد على نمو بعض العشب، وفقر التربة في المواد العضوية المتحللة مع قلة المياه يجعلها مفككة ولا تجد ما يحميها من فعل الرياح التي تذروها باستمرار.
وتربة الصحاري غالبًا غنية بالجير وبالأملاح القابلة للذوبان، وحيثما تتوفر مياه الري يكون من الممكن تحويلها إلى حقوق زراعية خصوصًا لزراعة الخضراوات والمقائي، واللون السائد فيها هو اللون الرمادي gray الفاتح وكلما ازدادت نسبة الجير بها ساعد ذلك على ظهورها بلون مائل للبياض، ولاستغلال مثل هذه التربة يلزم الاعتماد على الأسمدة العضوية المخصبة لتعويض فقرها في المواد العضوية.
ثالثًا- تربات الأقاليم القطبية:
في هذه الأقاليم لا تساعد شدة البرودة عمومًا على نشاط عمليات تكوين التربة وتطورها، وخصوصًا في المناطق الجافة الجرداء من الأقاليم القطبية، ففي هذه المناطق لا تساعد الظروف على نمو النباتات أو تحللها، أو على حدوث تجوية كيميائية تستحق الذكر. ومع ذلك فإن التجوية الميكانيكية الناشئة عن فعل الصقيع تكون نشطة جدًّا مما يؤدي إلى سرعة تكسر الصخور وتفتيتها، ومما يساعد على زيادة نشاط هذه التجوية أن سطح التربة لا يكون محميًّا بأي غطاء نباتي، كما أنه لا يكون كذلك مغطى بأي غطاء جليدي؛ لأن قلة رطوبة الهواء لا تساعد على حدوث التكثف اللازم لتكوين هذا الغطاء.
وتتميز التربة في هذه المناطق، بل وفي المناطق القطبية عمومًا، بأن طبقاتها السفلية تكون متجمدة باستمرار حتى عمق قد يصل إلى بضع مئات من الأمتار، وتعرف هذه الظاهرة باسم "بيرمافروست Permafrost" وهي تساعد على تركيز التجوية الميكانيكية الصقيعية في الطبقة السطحية فقط، وقد أدى ذلك بمرور الزمن إلى تكوين طبقة من الصخور المهشمة والحصى والرمال الخشنة فوق السطح، وعلى الرغم من أن تجوية الصخور تؤدي كذلك إلى تكون بعض الرواسب الناعمة مثل الرمال الدقيقة والأتربة، فإن قوة الرياح في هذه المناطق تؤدي إلى إزالتها بمجرد تكونها، وهذا يحول بالطبع دون تكون أية تربة ناعمة، إلا في بعض المواضع القليلة المحمية.
ولكن هذه الحالة تتغير نوعًا ما في مناطق التندرا. ففي هذه المناطق ترتفع درجة الحرارة في فصل الصيف فوق درجة التجمد وتسقط بعض الأمطار، وتنمو نتيجة لذلك حياة نباتية عشبية قد تكون كثيفة نوعًا ما، ولهذه الظروف فإن مناطق التندرا تكون في جملتها أكثر ملاءمة لحدوث عمليات تكون التربة وتطورها من المناطق الجرداء، فوجود النباتات يعمل على حماية التربة في أغلب المناطق، كما أن ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف يساعد على نشاط بعض
عمليات التجوية الكيميائية وعلى تحلل البقايات النباتية والحيوانية، ولو بدرجة جزئية.
وهنا أيضًا نجد أن ظاهرة "البيرمافروست" تظهر بوضوح، ونظرًا لكثرة المطر نسبيًّا فإن هذه الظاهرة تؤدي إلى تجمع المياه في التربة السطحية مما يؤدي إلى تكوين كثير من المستنقعات وإلى بقاء التربة مبللة لفترات طويلة ويكون الصرف رديئًا بصفة عامة، ولهذا السبب فإن التربة تكون غالبًا مائلة للحموضة.