الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر التيارات على حرارة السواحل
…
أثر التيارات البحرية على حرارة السواحل:
بالنظر إلى خريطة التوزيع التيارات البحرية في المحيطات المختلفة نلاحظ ظاهرتين مهمتين هما:
1-
في نطاق الرياح التجارية "على وجه الإجمال" توجد تيارات باردة بجوار السواحل الغربية للقارات بينما توجد تيارات دافئة أو حارة بجوار سواحلها الشرقية.
2-
في نطاق الرياح العكسية "الغربية" تنقلب الآية، فبينما تتأثر السواحل الغربية للقارات ببعض التيارات الدافئة فإن سواحلها الشرقية تتأثر ببعض التيارات الباردة، وينطبق هذا بصفة خاصة على نصف الكرة الشمالي بسبب اتساع اليابس وعظم امتداده في العروض العليا.
ولما كانت التيارات الدافئة تعمل دائمًا على تدفئة السواحل التي تمر بها بينما تعمل التيارات الباردة على برودتها، فقد ترتب على الظاهرتين السابقتين أن اختلفت درجة حرارة السواحل الشرقية للقارات عن درجة حرارة سواحلها الغربية التي تقع في نفس العروض، ويظهر هذا بوضوح عند مقارنة السواحل المتقابلة في القارة الواحدة أو السواحل المشرفة علي محيط واحد في القارات المختلفة.
فإذا قارنَّا مثلًا بين أثر التيارات البحرية على حرارة السواحل الشرقية للمحيط الأطلسي وأثرها على حرارة السواحل الغربية لنفس المحيط نلاحظ ما يأتي:
أولًا: أن السواحل الغربية لإفريقيا وشبه جزيرة أيبيريا أقل حرارة من السواحل المقابلة لها في شرق الأمريكتين، وذلك لمرور تياري الكناريا وبنجويلا الباردين أمام السواحل الأولى، وتياري الخليج والبرازيل الدافئين
شكل "14" التيارات البحرية الرئيسية في المحيطات
أمام السواحل الثانية، فبينما يبلغ المعدل السنوي لدرجة الحرارة في داكار Dakar على ساحل السنغال حوالي 24 ْم نجد أنه في فيراكوز Vere Cruz على الساحل الشرقي للمكسيك حوالي 25.3ْ، وذلك على الرغم من أن الثانية أبعد من الأولى عند خط الاستواء بحوالي 4 درجات عرضية، وكذلك في بنانا Banana الواقعة عند مصب نهر الكونغو يبلغ المعدل السنوي 20ْم مقابل 20.6 ْفي برمامبوكو Pernambuco على الساحل الشرقي للبرازيل. وتبدو هذه الاختلافات أوضح ما تكون في فصل الشتاء، ففي شهر يناير مثلًا يكون معدل الحرارة في دكار 20ْم مقابل 22 ْفي فيراكروز، أما في بنانا فيكون 22.4 ْمقابل 24 ْفي برنامبكو1.
وتعمل الرياح التجارية التي تهب على سواحل إفريقية الغربية من الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي بطريقة أخرى على خفض درجة حرارة المياه المجاورة لهذه السواحل؛ لأنها تزيح باستمرار الطبقة السطحية من هذه المياه بعيدًا عن الساحل، فتكشف بذلك المياه التي تحتها وفي أشد برودة منها. وعلى الرغم من وجود التيار الاستوائي الراجع الحار الذي يُعرف باسم تيار غانة فإن أثره في تدفئة الساحل الإفريقي ضعيف جدًّا، ويرجع ذلك إلى ضعفه من جهة، وإلى إزاحة الرياح التجارية للطبقة السطحية من مياهه من جهة أخرى.
ويلاحظ أن الفرق بين الساحلين الشرقي والغربي للمحيط الأطلسي يتناقص تدريجيًّا كلما ابتعدنا عن خط الاستواء نحو الشمال حتى تختفي تقريبًا حوالي خط عرض 30 ْشمالًا2، وهنا نجد أن خطوط الحرارة المتساوية تقطع الساحلين عند خطوط عرض متقاربة جدًّا.
1 خطا عرض داكار وفيراكروز هما 39 َ 14 ْو 11 َ 19 ْشمالًا على الترتيب، أما خطا عرض بنانا وبرنمبوكو فهما 6 ْو 8 ْجنوبًا على الترتيب.
2 Austin Miller. A، "Climatology" 4 ed.1944 p.48.
ثانيًا: إلى الشمال من خط عرض 45 ْتنعكس الحالة تمامًا، حيث نجد أن السواحل الغربية لأوروبا أدفأ بكثير من السواحل الشرقية لكندا والولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى تأثير تيار الخليج الدافئ وفروعه على السواحل الأولى، وتأثير تيار لبرادور البارد على السواحل الثانية، وهذا هو السر في أن خطوط الحرارة المتساوية تتجه في هذه العروض "على شمال المحيط الأطلسي" ما بين الشمال الشرقي والجنوب الغربي، ويبدأ الفرق بين الساحلين في الظهور إلى الشمال من خط عرض 30ْ "الذي يتشابه عنده الساحلان تقريبًا كما سبق أن ذكرنا" ومن ثم يبدأ في التزايد تدريجيًّا كلما اتجهنا شمالًا، ويكون هذا الفرق كبيرًا بصفة خاصة في فصل الشتاء، ويتبين ذلك من الجدول رقم "5" الذي يبين معدلات درجات الحرارة لشهر يناير والمعدلات السنوية في بعض البلاد التي تقع على جانبي المحيط، وتتفق في خط العرض تقريبًا.
جدول "5" معدل درجة حرارة شهر يناير. المعدل السنوي في بعض البلاد المتقابلة على الساحلين الشرقي والغربي لشمال المحيط الأطلسي.
وقد ترتب على دفء الجانب الشرقي من المحيط الأطلسي الشمالي عدة نتائج، أهمها أن المياه أمام الساحل الشمالي الغربي لأوروبا لا تتجمد في أي شهر من شهور السنة في أي مكان إلى الجنوب من خط عرض 75ْ، بينما تتجمد مياه الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا في فصل الشتاء حتى خط عرض 50ْ شمالًا، وتتجمد معها مياه نهر سانت لورانس، مما يؤدي إلى توقف الملاحة تمامًا في هذا الفصل، بخلاف الحال أمام الساحل النرويجي الذي يظل مفتوحًا للملاحة طول السنة، وفضلًا عن ذلك فإن جبال الجليد الطافية قد تستمر في تحركها جنوبًا بالقرب من الساحل الشرقي لأمريكا حتى خط عرض 40ْ شمالًا، بينما يندر أن تشاهد بالقرب من السواحل الشمالي الغربي لأوروبا إلى الجنوب من خط عرض 70ْ. وكذلك فيما يختص بخط الثلج الدائم، نلاحظ أنه يقع دائمًا إلى الشمال من خط عرض 80ْ شمالًا أمام الساحل الشمالي الغربي لأوروبا، في حين أنه يصل إلى خط عرض 69ْ أمام الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الشمالية.
ثالثًا: نظرًا لأن السواحل الشرقية للمحيط الأطلسي "إلى الشمال من خط الاستواء" تتأثر بالتيارات الباردة في المنطقة الحارة، وبالتيارات الدافئة في العروض الباردة، فقد ترتب على ذلك أن أصبح تدرج الحرارة على امتداد هذه السواحل بطيئًا جدًّا، أما السواحل الغربية فيختلف الحال عليها عن ذلك تمامًا؛ لأنها تتأثر بالتيارات الدافئة في المنطقة الحارة وبالتيارات الباردة في العروض الباردة، ولهذا السبب نجد أن مناخها أكثر تطرفًا من مناخ السواحل الشرقية، كما أن التدرج الحراري على امتدادها يكون شديد الانحدار جدًّا بمعنى أن الانتقال من المناخ الحار إلى المناخ البارد يأتي في مسافة قصيرة، وقد كان لذلك نتائج اقتصادية مهمة؛ لأنه أدى إلى تعدد الأنواع المناخية التي تساعد على زراعة غلات متباينة في مسافة قصيرة نسبيًّا، فعلى طول الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية مثلًا، نجد أن الحياة النباتية تتدرج في مسافة لا تزيد على 4600 كيلو متر من غلات الأقاليم الحارة في فلوريدا إلى غلات الأقاليم الباردة