الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
1- 3-
أثر الكتل الهوائية في مناخ بعض الأقاليم:
تعتبر الكتل الهوائية عاملًا رئيسيًّا من العوامل التي تتحكم في مناخ أي منطقة وفي أحوالها الجوية، ولهذا فقد أصبح من المهم، عند دراسة مناخ أي منطقة معرفة نوع الهواء الذي يؤثر في مناخها والمصادر التي يأتي منها وصفاته المناخية وخصوصًا من حيث درجة الحرارة والرطوبة.
ويتوقف تأثير الكتل الهوائية على مناخ الأقاليم المختلفة على عدة عوامل أهمها:
موقع الإقليم بالنسبة للمناطق التي تنشأ فيها الكتل الهوائية المختلفة، ثم تغير نظام الضغط الجوي من فصل إلى آخر، فهناك مثلًا أقاليم تخضع طول السنة تقريبًا لتأثير نوع واحد من الكتل الهوائية ولا يكاد يصلها في أي فصل من الفصول أي نوع آخر من الهواء، وينطبق هذا بصفة خاصة على الأقاليم التي تنشأ فيها الكتل الهوائية نفسها، كما هي الحال في الأقاليم القطبية التي تنشأ فيها الكتل المسماة بهذا الاسم، ثم الأقاليم الواقعة في نطاق الضغط المرتفع الدائم وراء المدارين، حيث تنشأ الكتل الهوائية المدارية، وكذلك المناطق المحصورة بين المدارين، وهي المناطق التي تخضع طول السنة تقريبًا لتأثير الكتل الهوائية المدارية.
ولكن هناك أقاليم أخرى تتأثر خلال فصل معين من فصول السنة بنوع واحد من الكتل الهوائية ثم تتأثر في فصل آخر بنوع مختلف تمامًا عن النوع الأول، وفي مثل هذه الأقاليم تتغير الأحوال الجوية المناخية تغيرًا كبيرًا من فصل إلى آخر، ولكنها مع ذلك تسير على نظام ثابت تقريبًا خلال كل فصل على حدة ففي شمال الصين مثلًا يتميز فصل الشتاء بوصول هواء قطبي جاف شديد البرودة "CP" مصدره الكتلة الهوائية القطبية القارية التي تنشأ فوق سيبريا أما فصل الصيف فيتميز بوصول هواء مداري بحري "MT" حار رطب مصدره الكتلة الهوائية المدارية البحرية التي تنشأ فوق المحيط الهادي.
وهناك غير ذلك أقاليم واقعة في مناطق الصراع بين كتل هوائية مختلفة.
ومثل هذه الأقاليم تتعرض في الفصل الواحد أو حتى في الشهر الواحد، لغزو أنواع متباينة من الهواء بحيث لا يستمر كل نوع منها إلا لمدة قصيرة، ثم يتقهقر ليحل محله هواء من نوع آخر، ويترتب على ذلك أن يكون مناخ هذه الأقاليم عرضة للتغير من وقت إلى آخر. وذلك فضلًا عن تعرضه لحدوث كثير من الأعاصير أو المنخفضات الجوية التي تتكون عادة مناطق التقاء الكتل الهوائية المختلفة النشأة والصفات كما سنرى فيما بعد، ويعتبر غرب أوروبا، وخصوصًا البلاد الساحلية والجزر البريطانية، من أحسن الأمثلة لهذا النوع من الأقاليم، ويبدو هذا واضحًا بمجرد النظر إلى الخريطة شكل "34" ففي فصل الشتاء مثلًا قد يتعرض غرب أوربا في أي وقت من الأوقات لوصول هواء مداري دافئ
شكل "34" الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ غرب أوروبا
سواء من الكتلة القارية فوق شمال إفريقية "CP" أو من الكتلة البحرية المقابلة لها على المحيط الأطلسي "MP" ويؤدي وصول هذا الهواء أو ذاك إلى ظهور حالة دفء غير عادية. وفي نفس هذا الفصل قد يتعرض غرب أوروبا كذلك لغزو هواء قطبي جاف "CT" شديد البرودة من شمال أوراسيا، فيترتب على ذلك حدوث موجات برد قاسية وظهور صقيع شديد يستمر عدة أيام أو أسابيع، أو لغزو هواء قطبي بحري "mp" رطب شديد البرودة أيضًا من الكتل الهوائية التي تنشأ فوق المحيط الأطلسي إلى الشمال من الدائرة القطبية أو فوق جرينلاند، ويلاحظ أن الهواء الواصل من جرينلاند. رغم أنه يكون قاريًّا في أول الأمر، إلا أن مروره على المحيط قبل وصوله إلى سواحل أوروبا يؤدي إلى تحمله ببعض الرطوبة، ويصبح أقرب إلى الهواء البحري منه إلى الهواء القاري.
أما في فصل الصيف فإن المناطق الداخلية من كتلة أوراسيا تكون شديدة الحرارة جدًّا، ولهذا فإن الكتل الهوائية التي تنشأ فوقها تكون هي الأخرى شديدة الحرارة، وذلك فضلًا عن أنها تكون شديدة الجفاف. وكثيرًا ما يؤدي وصول هوائها إلى السواحل الغربية لأوروبا إلى حدوث موجات حرارية قاسية جدًّا. وإلى جانب ذلك يتعرض غرب أوروبا في نفس هذا الفصل لوصول هواء قطبي بحري أو قاري يكون غالبًا له تأثير ملطف على درجة الحرارة.
وإذا انتقلنا إلى الولايات المتحدة نجد أن ظروفها لا تختلف كثيرًا عن ظروف القارة الأوروبية، وذلك من حيث كونها تتعرض لغزو أنواع متباينة من الهواء، مما يكون سببًا في حدوث تغيرات كثيرة في الأحوال الجوية حتى خلال الفصل الواحد، ففي فصل الشتاء تتعرض البلاد لحدوث موجات برد غاية في القسوة يكون سببها وصول هواء قطبي جاف "cp" من الكتل التي يتكون في شمال كندا، وقد تنخفض درجة الحرارة في أثناء حدوث هذه الموجات إلى أقل من 6 ْمئوية. ورغم أن درجة حرارة هذا الهواء القطبي ترتفع تدريجيًّا كلما ابتعدنا نحو الجنوب فإنه يظل شديد البرودة حتى بعد وصوله إلى سواحل خليج
المكسيك، وقد يحدث أن تنخفض درجة الحرارة على هذه السواحل إلى ما دون درجة التجمد، إلا أن حرارة هذا الهواء سرعان ما ترتفع بمجرد خروجه من اليابس ومروره على مياه المحيط. ويطلق اسم البليزارد Blizzard على العواصف القطبية ذات البرودة القاسية التي تتعرض لها كندا والولايات المتحدة، وكثيرًا ما تؤدي هذه العواصف إلى حدوث خسائر مادية كبيرة، كما تؤدي إلى حدوث كثير من الوفيات.
أما في فصل الصيف فتتعرض الولايات المتحدة لموجات حرارية شديدة جدًّا يكون سببها هو وصول هواء مداري بحري "MT" من الكتل المدارية البحرية التي تتكون على المحيطين الأطلسي والهادي في نطاق الضغط المرتفع وراء مدار السرطان، وبعض هذه الموجات الحرارية تكون من الشدة بحيث يترتب عليها حدوث بعض الوفيات بين السكان.
أما مناخ جمهورية مصر العربية خصوصًا الجزء الشمالي منها فيخضع لتأثير أربعة أنواع مختلفة من الكتل الهوائية التي تصل منها تيارات هوائية ذات صفات خاصة. ويوضح شكل "35" هذه التيارات وهي:
أ- تيارات قطبية قارية شديدة البرودة جدًّا مصدرها الكتلة الهوائية القارية في شمال روسيا، وهي تصل إلى مصر عن طريق شبه جزيرة البلقان، وذلك في مؤخرة المنخفضات الجوية الشتوية، ورغم أنها تكون جافة في الأصل فإنها تمتص بعض بخار الماء عند مرورها على البحر المتوسط، كما أن هواءها يسخن تدريجيًّا في طبقاته السفلى لمروره على سطح مياه البحر وسطح مصر الدافئين نسبيًّا، مما يؤدي إلى عدم استقرارها، ويتبع ذلك تكون سحب كثيفة وسقوط بعض الأمطار، وقد تواصل هذه التيارات سيرها نحو الجنوب وتصل أحيانًا إلى السودان حيث تؤدي إلى إثارة زوابع ترابية.
ب- تيارات قطبيه بحرية شديدة البرودة تصل إلى مصر في فصلي الخريف والشتاء عن طريق فرنسا ووسط أوروبا وإيطاليا، ويؤدي مرورها على مياه
البحر المتوسط الدافئة نسبيًّا إلى عدم استقرارها فتكون سببًا في إثارة العواصف والأمطار في شمال مصر وقد تصل في هبوبها كذلك إلى السودان، ومصدر هذه التيارات هو الكتل الهوائية القطبية التي تنشأ فوق شمال المحيط الأطلسي.
شكل "35" الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ مصر
ج - تيارات مدارية قارية حارة شديدة الجفاف مصدرها الكتل الهوائية المدارية التي تتكون على الصحراء الكبرى وصحاري شبه الجزيرة العربية، وتصل هذه التيارات إلى شمال مصر في فصل الربيع بصفة خاصة، وذلك في مقدمة المنخفضات الجوية، وهي التي يطلق عليها عادة اسم "الخماسين".
د- تيارات مدارية بحرية مصدرها الكتل المدارية البحرية فوق المحيط الأطلسي، وتصل هذه التيارات إلى مصر في فصل الربيع عقب مرور المنخفضات الجوية الخماسينية على شكل رياح غربية باردة نسبيًّا؛ لأن المحيط الأطلسي يكون في هذا الفصل أقل حرارة من البحر المتوسط، ولكنها لا تسبب في غالب الأحيان سقوط أمطار، وإن كانت تظهر معها بعض السحب المنخفضة والزوابع الترابية.