الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض الاتجاهات المعاصرة في الفكر المناخي
مدخل
…
1-
4- بعض الاتجاهات المعاصرة في الفكر المناخي:
على الرغم من أن المناخ لم يسر في تطوره خلال النصف الأول من القرن العشرين بنفس السرعة التي سار بها علم المتيورولوجيا فقد أخذت البحوث المناخية تتقدم بسرعة منذ بداية النصف الثاني من هذا القرن وظهرت في علم البحوث اتجاهات حديثه أهمها:
1-
دراسة القيمة الفعلية "أو التأثير الفعلي" لعناصر المناخ.
2-
دراسة تفاصيل المناخ بكل عناصره في أماكن محدودة، وظهور ما يعرف باسم "علم المناخ التفصيلي Micro Climatology ".
3-
دراسة دور المناخ في مظاهر النشاط البشري المختلفة فيما عرف باسم علم المناخ التطبيقي Applied Climatology.
4-
استخدام الأسلوب الكمي في معالجة العلاقات الزمنية والمكانية لعناصر المناخ مثل حساب معامل التغير والانحراف المعياري للتوزيع الشهري أو السنوي للأمطار وغير ذلك من العلاقات التي سنعالج بعضها عند دراسة الأمطار.
1-
4- 1
دراسة القيمة الفعلية لعناصر المناخ:
رأى كثير من الباحثين، لا في علم المناخ وحده، بل وفي بعض العلوم الأخرى المتصلة به أن المعدلات المناخية التي تنشرها محطات الأرصاد كثيرًا ما تعطي صورة غير صحيحة لحقيقة العلاقة بين عناصر المناخ من جهة ومظاهر الحياة المختلفة فوق سطح الأرض من جهة أخرى. فمجرد معرفتنا لكمية الأمطار التي تسقط في مكان ما لا تفيدنا كثيرًا إلا إذا عرفنا القيمة الفعلية لهذه الكمية، فقد تتساوى كمية الأمطار التي تسقط سنويًّا في مكانين معينين، ولكن الأثر الذي تحدثه هذه الكمية قد يختلف في أحد المكانين اختلافًا واضحًا، عنه في المكان الآخر، ويرجع ذلك إلى أن الأمطار تخضع بعد سقوطها على سطح الأرض لعدة عوامل هي التي تحدد الفائدة التي يمكن للأنواع المختلفة من
الحيوان والنبات أن تحصل عليها منها، فجزء من هذه الأمطار يضيع بالتبخر عند انحداره فوق سطح الأرض أو تجمعه في المنخفضات والمجاري النهرية، وجزء آخر يتسرب في التربة وربما يصل إلى أعماق بعيدة يستحيل معها الاستفادة به، وجزء آخر ينحدر في مجاري الأنهار ويصل إلى البحر أو المحيط وتختلف المقادير التي تضيع من مياه الأمطار بسبب العوامل السابقة من منطقة إلى أخرى على حسب الظروف المحلية الخاصة بكل منطقة، خصوصًا ما يتعلق منها بدرجة الحرارة والتوزيع الفصلي للأمطار ونوع الرياح وخواص التربة وانحدار سطح الأرض، ويعتبر كوبن1 w. koppen الألماني من أشهر الباحثين الذين وجهوا النظر، منذ أوائل القرن الحالي، إلى ضرورة الاهتمام بتقدير القيمة الفعلية للأمطار عند دارسة المناخ.
وفي الولايات المتحدة تقدمت الدراسات المناخية على أسس رياضية على يد "Thornthwaite" الذي اقترح في سنة 1948 تقسيمه المناخي المعروف الذي أصبح في الوقت الحاضر من أكثر التقسيمات المناخية الحديثة استخدامًا في مختلف جهات العالم. وقد بناه على أسس جديدة تعتمد على تحليل العلاقة بين الأمطار وما يضيع منها بالتبخر والنتح2.
وما قيل عن الأمطار يمكن أن يقال كذلك عن درجة الحرارة، فليست جميع درجات الحرارة ذات قيمة واحدة من حيث أثرها في حياة النبات، فلكل نوع من أنواع النباتات حد أدنى وحد أعلى لدرجة الحرارة التي يستطيع أن ينمو فيها. كما أن سرعة نمو النبات قد تكون في درجة حرارة معينة أسرع منها في الدرجات الأخرى، ويحتاج كل نبات كذلك إلى مجموعة من الوحدات أو
1 koppen،W."Versuch einer Klassification"
Geogr.Zeitscher،vol.6،1900،pp.963-657
"Grundriss der Klimakunde"1931.
2 Thornthwaite،C.W. "an Approach Towards arational
Classification of Climate" Geog.Rev. vol.38،pp.59-93.
الدرجات الحرارية التي يجب توفرها خلال فصل النمو. ويعتبر الضوء عاملًا مساعدًا لدرجة الحرارة، بمعنى أن النبات الذي ينمو في منطقة ما قد يحتاج لكي يتم نموه ونضجه إلى كمية من الوحدات الحرارية أكبر مما يحتاج إليه نفس النبات لو كان نموه في منطقة أخرى نصيبها من ضوء الشمس أكبر من نصيب المنطقة الأولى، وذلك لأن ضوء الشمس يساعد عادة على زيادة سرعة نمو النبات.
وهذه الحقيقة مهمة جدًّا بالنسبة للزراعة في العروض العليا حيث يزداد طول النهار في فصل الصيف، وهو فصل النمو، كلما اقتربنا من الدائرة القطبية ويتزايد تبعًا لذلك مقدار ما تستفيده الأرض من ضوء الشمس. وقد ساعد هذا على نجاح زراعة بعض غلات المناطق المعتدلة مثل القمح في الأقاليم الباردة ويعتبر1 "B.E.Livingston" من أول الباحثين الذين كان لهم فضل توجيه النظر إلى ضرورة تقدير القيمة الفعلية لدرجات الحرارة المختلفة وتأثير كل منها في حياة النبات.
وهذا الاتجاه الحديث لتقدير التأثير الفعلي للعناصر المناخية قد فرض على الباحثين في علم المناخ أن يقووا صلتهم بالعلوم الأخرى، وأن يستفيدوا من النتائج العلمية التي يتوصل إليها غيرهم من الباحثين، خصوصًا في علم النبات والزراعة وهندسة المياه "الهيدرولوجيا"، وهكذا بدأ علم المناخ يوسع اختصاصاته وبدأت تستخدم في تعبيرات جديدة مثل القيمة الفعلية أو التأثير الفعلي للأمطار "Precipitation Effectiveness" والقيمة الفعلية أو التأثير الفعلي لدرجة الحرارة "Temperature Efficiency" والحرارة المتجمعة Accumulated "Temperature" وصفر النمو Zero point if Growth "والتبحر، والنتح""Evapotranspiration"وهو ما يطلق عليه كذلك تعبير "التبخر الكلي".
1 Livingston، B.E."Study of Plant Growth in Relation to Climatic Condition"
Physical Review،vol،1916 pp.399-420.