الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث إن الأقاليم التي توجد بها تعتبر عمومًا من أكثر جهات العالم ازدحامًا بالسكان، كما هي الحال في الولايات المتحدة، وجنوب اليابان وكوريا وجنوب شرقي الصين، ففي الولايات المتحدة مثلًا كانت هذه الغابات تغطي معظم جنوب وجنوب شرقي البلاد، ولكنها أصبحت في الوقت الحاضر تكاد تكون مقصورة على المناطق الجبلية الوعرة التي ليس من السهل استغلالها للزراعة، ولا تزال مساحتها آخذة في التناقص بسبب كثرة الطلب على أخشابها، ويعتبر الأرز والشاي من أهم الغلات التي انتشرت زراعتها مكان هذه الغابات في شرق آِسيا، أما في الولايات المتحدة فقد انتشرت مكانها زراعة الذرة والقطن.
14-
2- 1- 3-
الغابات المعتدلة الباردة
.
1-
الغابات النفضية "عريضة الأوراق":
أهم ما تتميز به أشجار هذه الغابات هو أنها تسقط أوراقها في فصل الشتاء بسبب انخفاض المعدل اليومي لدرجة الحرارة إلى ما دون حاجة النباتات، وليس بسبب انقطاع الأمطار كما يحدث للغابات النفضية التي تنمو في الأقاليم المدارية، والأوراق في جملتها عريضة ورقيقة، أما الجذوع فتغلفها غالبًا قشور سميكة يمكنها أن تحول دون تبخر الماء منها في الفصل الذي يتوقف فيه نشاط عمليات النمو، وبينما تكون الغابة مزدهرة خضراء في فصل الصيف فإنها تبدو جافة تمامًا في فصل الشتاء، حيث تكون معظم الحياة النباتية فيها في حالة سكون "شكل 116".
وتنمو الغابات النفضية بصفة خاصة في غرب القارات ما بين خطي عرض 40 ْو60 ْتقريبًا، وذلك في الأقاليم التي ينتمي مناخها إلى النوع المعروف باسم "مناخ غرب أوربا" وهو ممطر طول العام ومعتدلة الحرارة في الصيف ولكنه شديد البرودة في الشتاء، وقد كانت هذه الغابات فيما مضى تغطي معظم دول غرب أوروبا ووسطها، ولكن نظرًا لازدحام هذه البلاد بالسكان وعظم
شكل "116" غابة نفضية في فصل الشتاء.
الطلب على المواد الغذائية فقد أزيلت من مناطق واسعة، وحلت محلها زراعة بعض المحاصيل التي أهمها القمح والبطاطس والبنجر والشوفان، ولا تزال توجد مع ذلك مساحات واسعة منها في بعض البلاد خصوصًا في غرب روسيا، وتتناقص هذه الغابات كلما توغلنا في أوروبا نحو الشرق تبعًا لتناقص الأمطار حتى تختفي تقريبًا عند جبال أورال، ألا إنها لا تلبث أن تظهر من جديد في شرقي آسيا حيث تغطي مساحات واسعة في منشوريا واليابان، وفي أمريكا الشمالية توجد الغابات النفضية بصفة خاصة شمال غرب الولايات المتحدة وغرب كندا أما في نصف الكرة الجنوبي فلا توجد منها إلا مساحات صغيرة في جنوب شيلي وفي جزيرة تيراديلفويجو "Tierradel Fuego" وفي الطرف الجنوبي لجزيرة تسمانيا وبعض أجزاء الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندة.
ويلاحظ أن هذا النوع من الغابات لا ينمو غالبًا على السواحل التي ينتمي مناخها إلى النوع البحري المثالي؛ لأن انخفاض درجة حرارة فصل الشتاء في
هذا المناخ لا يكون عادة شديدًا بدرجة تؤدي إلى توقف الحياة النباتية، كما أن الرياح تكون محملة أحيانًا برذاذ من المياه المالحة التي تضر النباتات1، وذلك فضلًا عن أن قوة الرياح على الشاطئ تعتبر من العوامل التي لا تساعد على نمو الأشجار حيث إنها تعمل على نشاط فقدان المياه بالنتح.
وتعتبر الغابات النفضية عمومًا من أهم موارد الأخشاب في العالم خصوصًا فيما يتعلق بالأخشاب الصلبة، وأهم الأشجار التي تنمو بها هي أشجار البلوط والزان والبوداق، "لسان العصفور" والغرغار "Ash" والأسفندان والقسطل "Elm" والجوز، ومما يساعد على استغلال هذه الأشجار أنها قليلة الاختلاط بعضها ببعض أو بغيرها من الأشجار، فكثيرًا ما توجد مساحات واسعة منها لا يغطيها إلا نوعين أو ثلاثة أنواع فقط من الأشجار، وذلك بخلاف الحال في الغابات المدارية المطيرة التي تختلط بها الأنواع المتباينة واختلاطًا شديدًا يجعل استغلال الأنواع ذات القيمة الاقتصادية أمرًا شديد الصعوبة.
2-
الغابات الصنوبرية "أو المخروطية":
تعتبر الغابات الصنوبرية من أهم النباتات الطبيعية التي تنمو في العروض المعتدلة الباردة في نصف الكرة الشمالي، وهي تغطي مساحات واسعة في أوراسيا وأمريكا الشمالية، وذلك إلى الشمال من خط عرض 50ْ تقريبًا في أوراسيا و45ْ في أمريكا، أما حدها الشمالي فيتفق عمومًا مع خط حرارة 10ْ لأدفإ الشهور، حيث إن الأشجار لا تستطيع النمو إلا إذا كان هناك شهر واحد على الأقل يرتفع درجة حرارته إلى 10ْ أو أكثر.
ويلاحظ أن الانتقال بين الغابات الصنوبرية والصحاري الجليدية التي تمتد إلى الشمال منها، وبينها وبين الغابات النفضية التي تنتشر إلى الجنوب منها يكون غالبًا تدريجيًّا، فمن ناحية الشمال تتناقص كثافة الغابات ويتناقص حجم أشجارها كلما اقتربنا من القطبين، ويطلق اسم التايجا "Taiga" في شمال أوارسيا على القسم الشمالي من الغابات الصنوبرية الذي يمثل مرحلة الانتقال
1 Horrocks، N.K. "physical geography and climatology"1953. p.245
بين الغابات الصنوبرية ذات الأشجار الضخمة في الجنوب وإقليم التندرا في الشمال، وهو يتكون في جملته من أشجار متقاربة ذات جذوع رفيعة وقصيرة نسبيًّا "شكل 117" ولكن كثيرًا ما يطلق اسم التايجا بصفة عامة على كل نطاق الغابات الصنوبرية في شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية، ويلاحظ أن هذه الغابات تختلط من ناحية الجنوب في كثير من المناطق بالأشجار النفضية ويتكون من النوعين غابات مختلطة، كما سبق أن ذكرنا عند الكلام على الغابات النفضية.
شكل "117" غابات التايجا، "منظر في كندا"
وتنمو الغابات الصنوبرية فضلًا عما تقدم على المنحدرات المرتفعة للجبال في الأقاليم المعتدلة الدافئة أو المدارية، وذلك في المستويات التي تتفق ظروفها المناخية مع ما يلزم لنمو هذه الغابات.
وتمتاز أشجار الغابات الصنوبرية بأنها مخروطية الشكل مستقيمة الجذوع بصفة عامة، وبأن أوراقها سميكة تغطيها طبقة صمغية تحول دون فقدان مياهها وعصارتها بالتبخر، ولا تسقط هذه الأوراق في أي فصل من الفصول ولكنها تكون في حالة سكون خلال الفصل البارد ثم تبدأ في النمو بسرعة عندما يرتفع المعدل اليومي لدرجة الحرارة إلى 6ْم في بداية فصل الصيف، وذلك دون حاجة إلى إضاعة بعض أيام فصل النمو القصير في تكوين أوراق جديدة كما يحدث مثلًا في الغابات النفضية التي تنمو في الأقاليم الأكثر دفئًا.
ويمكننا أن نلخص أهم أوجه الاختلاف بين الغابات الصنوبرية من جهة والغابات النفضية من جهة أخرى فيما يلي:
1-
الغابات الصنوبرية دائمة الاخضرار1، أما النفضية فتسقط أوراقها في فصل الشتاء.
2-
الغابات الصنوبرية أوراقها إبرية أما النفضية فعريضة الأوراق.
3-
أخشاب الغابات الصنوبرية معظمها من النوع اللين أما الغابات النفضية فمعظم أخشابها من النوع الصلب.
4-
تحتاج الغابات الصنوبرية إلى أمطار أقل مما يحتاج إليه الغابات النفضية إذ يكفي لنموها سقوط 25 سنتيمترًا فقط خلال فصل النمو، ولهذا فإنها تمتد بدون انقطاع تقريبًا على شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية.
5-
تحتاج الغابات الصنوبرية إلى درجة حرارة أقل وفصل النمو أقصر مما تحتاج إليه الغابات النفضية.
6-
تستطيع الغابات الصنوبرية أن تنمو في بعض أنواع التربة الفقيرة التي لا تصلح لنمو الغابات النفضية، ففي شرق الولايات المتحدة مثلًا نجد أن الغابات الصنوبرية تحتل بعض المناطق الساحلية ذات التربة الرملية، وذلك في نطاق الغابات النفضية.
1 يوجد في بعض الأقاليم الباردة القارية في شرق آسيا نوع من الغابات الصنوبرية التي تنفض أوراقها في الشتاء بسبب قسوة البرودة، وتعرف باسم "الغابات النفضية".
7-
تمتاز الغابات الصنوبرية بقلة ما ينمو بين أشجارها من نباتات صغيرة، ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى قلة ما يصل إلى سطح الأرض من ضوء الشمس بسبب تقارب الأشجار ودوام اخضرارها، أما في الغابات النفضية فتنمو بين الأشجار حياة نباتية كثيفة مكونة من حشائش وشجيرات، ويساعد على ظهورها كون الأشجار تنفض أوراقها في فترة من السنة، مما يسمح لأشعة الشمس بالوصول إلى سطح الأرض.
وتعتبر الغابات الصنوبرية أهم مورد للأخشاب اللينة في العالم، وأهم أنواع الأشجار التي تنمو بها هي الصنوبر "Pine" والشربين والشوكران "Fir" واللاريس "Larch" كما تنمو أشجار الأرز "Cedar" والسرو "Cypress" بكثرة على منحدرات الجبال المرتفعة في الأقاليم الدافئة أو الحارة كما هي الحال في المناطق الجبلية في حوض البحر المتوسط وهضبة الحبشة وشرق إفريقية.
وقد استغلت هذه الغابات على نطاق واسع في شمال أوروبا خصوصًا في السويد والنرويج وفلندة، وتقطع الأشجار عادة في فصل الشتاء ثم تجر على الجليد إلى مجاري الأنهار وتترك فيها حتى تنقلها المياه إلى المصب بعد انصهار الجليد، وتعتبر سيبيريا أكبر منطقة تغطيها الغابات الصنوبرية في العالم، إلا أن هذه الغابات ما زالت في جملتها بعيدة عن الاستغلال، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها:
1-
قسوة المناخ وقلة السكان.
2-
شدة كثافة الغابات وصعوبة اختراقها.
3-
أن الأنهار المهمة في سيبيريا تتجه عمومًا من الجنوب إلى الشمال حيث تصب في المحيط المتجمد الشمالي، مما يقلل من أهميتها كطرق لنقل الأخشاب، ويلاحظ كذلك أن مياه هذه الأنهار تفيض على الأراضي التي حولها في الربيع والصيف، لأنه عندما ينصهر الجليد في أجزائها العليا تكون أجزاؤها الدنيا ما زالت متجمدة، ويترتب على ذلك تحول منطقة واسعة حولها إلى مستنقعات تزيد من صعوبة اختراق الغابات، وفضلًا عن ذلك فإن طغيان المياه وتراكمها على أرض الغابات بهذا الشكل يؤثر تأثيرًا سيئًا على الأشجار؛ لأنه يتلف الأخشاب ويقلل من قيمتها الاقتصادية.
وإلى جانب النطاق الرئيسي الصنوبرية في شمال أوراسيا تنمو هذه الغابات كذلك على منحدرات جبال الألب والكربات، وهي ذات أهمية اقتصادية كمورد للأخشاب اللينة في هذه المناطق.
وإذا انتقلنا إلى العالم الجديد نجد أن الغابات الصنوبرية تشغل نطاقًا واسعًا يمتد ما بين المحيطين الأطلسي والهادي في كندا وشمال الولايات المتحدة، والغابات التي تنمو هنا في جملتها من نوع التايجا التي تنتشر في شمال أوراسيا، وإلى جانب ذلك تنمو الغابات الصنوبرية أيضًا على منحدرات الجبال في المناطق الساحلية ذات التربة الرملية في العروض المعتدلة الدافئة في غرب الولايات المتحدة وشرقها، وتمتاز هذه الغابات عن التايجا بضخامة أشجارها وجودة أخشابها مما يجعل أهميه اقتصادية عظيمة وينطبق هذا بصفة خاصة على الغابات التي تنمو على منحدرات السلاسل الغربية لجبال روكي، ويتكون منها نطاق عظيم يتصل بنطاق التايجا في الشمال ويمتد حتى المكسيك في الجنوب، ففي هذا الناطق تنمو أجود أنواع الأشجار الصنوبرية في العالم، ومن أهمها نوع من الشربين يطلق عليه اسم "Douglas Fir" ويزيد ارتفاع شجرته أحيانًا على 150 مترًا ويزيد قطر جذعها على مترين، ويشبهه في ذلك نوع من أشجار الغابات الصنوبرية المعروفة باسم الغابات الحمراء "Redwood" وهي موجودة بصفة خاصة في كاليفورنيا "انظر شكل 118".
وقد كانت الغابات الصنوبرية تغطي كذلك مساحات واسعة من شرق الولايات المتحدة وكندا، ولكنها أزيلت من مناطق كثيرة لإحلال الزراعة محلها من جهة والاستفادة بأخشابها من جهة أخرى، وقد بدأت هاتان الدولتان تتبعان في الوقت الحاضر سياسة ترمي إلى تنظيم استغلال الغابات والمحافظة عليها، وتعتبر الغابات التي تنتشر على المنحدرات الغربية لجبال روكي أعظم مورد للأخشاب في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر، وتليها الغابات التي تنتشر في الولايات الجنوبية الشرقية للبلاد.
أما في نصف الكرة الجنوبي فلا توجد الغابات الصنوبرية إلا في مناطق
شكل "118"
صغيرة في غرب وجنوب أمريكا الجنوبية، وذلك لضيق اليابس وعظم امتداده كثيرًا في العروض الجنوبية الباردة.
والحيوانات التي تعيش في الغابات المعتدلة الباردة سواء في ذلك الغابات النفضية أو الغابات الصنوبرية قليلة بصفة عامة، وهي تشمل بعض أنواع الطيور التي تعيش على الفاكهة أو على ما تلتقطه من الحشرات، ثم بعض الحيوانات القارضة "Rodents" مثل السنجاب، الذي يعيش على الحبوب الجافة والأرانب التي تعيش على الحشائش، ثم بعض القطط المتوحشة والثعالب