الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما في أمريكا الجنوبية فنجد أن امتداد سلاسل جبال الإنديز بجوار سواحلها الغربية قد حصر المناطق الصحراوية فيها في الشريط الضيق الموجود بين هذه الجبال والساحل، كما هي الحال في بيرو وشمال شيلي، بينما تجد الرياح الشرقية الطريق أمامها مفتوحًا لإسقاط أمطارها على مناطق واسعة من شرق القارة.
النواع الساحلي من الصحاري الحارة
…
النوع الساحلي من الصحاري الحارة:
على الرغم من أن الصحاري الحارة عمومًا تتميز بمناخها القاري المتطرف فإن الأجزاء الساحلية منها تتميز بأن أثر البحار يعمل على تلطيف مناخها من عدة وجوه، بحيث يمكننا أن نعتبر هذه الأجزاء نوعًا خاصًّا من الصحاري الحارة، وهو النوع الذي سنطلق عليه اسم النوع الساحلي.
وهو يتمثل في أشرطة ضيقة من السواحل الغربية للصحاري الحارة في إفريقية وأمريكا الجنوبية وأستراليا، ومن أهم الصفات التي تميز الصحاري الساحلية الحارة ما يأتي:
1-
انخفاض المدى السنوي لدرجة الحرارة انخفاضًا كبيرًا عنه في الأجزاء الداخلية، ففي فصل الصيف يندر أن يرتفع معدل درجة الحرارة على الساحل في أي شهر من الشهور عن 20 ْمئوية، كما يندر أن ينخفض هذا المعدل من ناحية أخرى في أي شهر من أشهر فصل الشتاء عن 15 ْ، ومعنى ذلك أن المدى السنوي لدرجة الحرارة قلما يزيد على خمس درجات، مع العلم بأنه يرتفع في معظم الأجزاء الداخلية إلى أكثر من عشرين درجة.
أما المدى اليومي فقلما يزيد على الساحل عن عشر درجات مقابل ثلاثين درجة أو أكثر في الداخل، وبينما نجد أن درجة الحرارة قد ترتفع في الداخل إلى حوالي 49 ْمئوية في بعض أيام فصل الصيف نجد أنها لا تزيد مطلقًا على 38 ْفي المناطق الساحلية.
ومن الظاهرات التي يجب ملاحظتها أن هناك تيارات مائية باردة تمر بجوار السواحل الغربية للصحاري الحارة، وهي تيار غرب أستراليا، وتيار الكناريا
وتيار بنجويلا في غرب إفريقية ثم تيار كاليفورنيا وتيار همبولت في غرب أمريكا الجنوبية، ومن الواضح أن وجود هذه التيارات الباردة يعتبر من العوامل المهمة التي تساعد على خفض درجة الحرارة في المناطق الساحلية في فصل الصيف، وخصوصًا إذا لاحظنا أن الرياح التجارية التي تسود في مناطق الصحاري الحارة تخرج عمومًا من ناحية اليابس فتعمل باستمرار على دفع الطبقة السطحية الدافئة نسبيًّا من مياه البحر بعيدًا عن الشاطئ، وهذا يؤدي إلى كشف طبقات أخرى جديدة أبرد نسبيًّا من الطبقات السطحية.
وبمقارنة درجات الحرارة في بعض المحطات الواقعة على طول بعض السواحل الصحراوية التي تمتد من الشمال إلى الجنوب أن الفروقات بين هذه الدرجات ليست كبيرة مما يدل على أن تأثير البحر على درجة حرارة هذه السواحل يفوق كثيرًا أثر الموقع بالنسبة لخط العرض، كما يظهر من الجدول رقم "31"
جدول رقم "31" درجات الحرارة في بعض محطات الصحاري الساحلية على خطوط عرض مختلفة:
ويمكننا أن ندرك نفس هذه الظاهرة بوضوح كذلك إذا نظرنا إلى خريطة لخطوط الحرارة المتساوية، حيث نلاحظ أن هذه الخطوط تمتد موازية للساحل تقريبًا لمسافات طويلة.
ولكن بينما نجد أن الاختلاف في درجة الحرارة لا يكون كبيرًا بين البلاد الواقعة على طول الساحل بهذا الشكل، فإن الاختلاف يكون كبيرًا جدًّا بين المحطات الساحلية والمحطات الأخرى الواقعة في الداخل على نفس خط العرض
تقريبًا، وذلك بعد أن نأخذ في اعتبارنا الفرق الناتج عن أثر التضاريس ويظهر هذا واضحًا من الجدول رقم "32".
2-
الفرق الثاني بين الصحاري الساحلية الحارة والصحاري الداخلية هو ارتفاع نسبة الرطوبة وكثرة الضباب في الأولى بشكل واضح، وهذا أمر طبيعي يرجع إلى تأثير البحر على مناخ هذه السواحل. فعلى ساحل خليج والفس في جنوب غرب إفريقية مثلًا يبلغ معدل الرطوبة النسبية في يناير "الصيف" حوالي 85% وفي يوليو حوالي 77%، كما تبلغ في رأس جوبى على ساحل الصحراء الكبرى المطل على المحيط الأطلسي حوالي 82% في يناير "الشتاء" و91% في يوليو، أما في الداخل فتنخفض الرطوبة كثيرًا عن ذلك، ففي أسوان نجد أنها تبلغ حوالي 46% فقط في شهر يناير و30% في شهر يوليو.
الجدول رقم "32"
مقارنة بين معدلات الحرارة على سواحل الصحاري الحارة وفي داخلها "المقارنة بين محطة على ساحل الصحراء الكبرى وأخرى في داخلها وبين محطة على ساحل صحراء ناميبيا وأخرى في داخلها"
أ- كيب جوبى "رأس جوبي" في ريودورو على الساحل الشمالي الغربي لإفريقية على خط عرض 28 ْشمالًا وخط طول 13 ْغربًا، وهي في مستوى سطح البحر، وعين صالح في الجزائر إلى الشرق من رأس جوبى بنحو 230 كيلو مترًا وعلى خط عرض 27 ْشمالًا وخط طول 2 شرقًا وعلى ارتفاع 280 مترًا فوق سطح البحر.
ب- خليج والفس p في إفريقية الجنوبية الغربية على خط عرض 23 جنوبًا وخط طول 30 َ 14 ْشرقًا، وويندهوك Windhock إلى الشرق من الساحل بنحو 560 كيلو مترًا على خط عرض 30 َ 22 ْجنوبًا وخط طول 17 ْشرقًا وعلى ارتفاع 1650 مترًا فوق سطح البحر.
ويكثر الضباب في معظم أيام السنة على طول السواحل بل إنه يعتبر من الظاهرات الطبيعية المستمرة في بعض الأماكن، ويلاحظ في معظم المناطق أن الضباب يزداد بصفة خاصة في فصل الشتاء عنه في فصل الصيف، كما يزداد في أثناء الليل عنه في أثناء النهار، وذلك على الرغم من ازدياد التبخر في الصيف وكذلك في أثناء النهار تبعًا لارتفاع درجة الحرارة، والسبب في ذلك هو أن برودة اليابس في الشتاء وفي أثناء الليل تساعد على تكثف بخار الماء العالق بالهواء أما في فصل الصيف وفي أثناء النهار فإن ارتفاع درجة حرارة اليابس يعمل على تبديد الضباب بسرعة كلما ابتعدنا عن الساحل نحو الداخل، حتى إنه لا يستطيع أن يتوغل في اليابس إلا لمسافات محدودة، فهو لا يتخطى السلاسل الجبلية في بيرو وشيلي كما لا يتوغل في صحراء ناميبيا في جنوب غرب إفريقية إلى أكثر من مائة كيلو متر.
وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الرطوبة في هواء السواحل الصحراوية الحارة فإن كمية هذه الرطوبة ليست كبيرة بسبب مرور الهواء الذي قد يهب من البحر على مياه التيارات الباردة ولذلك فإن هذه الرطوبة لا تكفي لإسقاط أمطار تذكر على هذه السواحل خصوصًا إذا لاحظنا أن اليابس يكون عمومًا شديد الحرارة وأن هذا يؤدي إلى تناقص نسبة الرطوبة كلما ابتعدنا عن البحر نحو قلب الصحراء، وتلعب الظروف المحلية مع ذلك دورًا مهمًا في تحديد كمية المطر، ففي بيرو وجنوب غرب إفريقية وجنوب كاليفورنيا نجد أن الرياح التي تهب من ناحية الشرق تهبط نحو هذه الصحاري من المرتفعات التي تشرف عليها، فيؤدي هبوطها إلى ارتفاع درجة حرارتها وانخفاض نسبة الرطوبة بها، ولهذا فإن كمية المطر لا تزيد في كل هذه المناطق على ثلاثة سنتيمترات في السنة، أما في غرب أستراليا فإن كمية المطر تزيد كثيرًا عن ذلك حيث تصل إلى حوالي 22 سنتيمترًا على الساحل الممتد تزيد من أقصى الجنوب حتى خط عرض 46 ْجنوبًا، كما تسقط مثل هذه الكمية على ساحل شيلي وجنوب غرب إفريقية من أقصى جنوبها حتى خط عرض 33 ْجنوبًا.