الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك فإن الدفء الذي تسببه أشعة الشمس في هذا الفصل يكفي لظهور بعض الأعشاب التي تبدأ في النمو بسرعة عقب انصهار الجليد، ذلك الانصهار الذي تتكون بسببه كثير من المستنقعات التي تستمر حتى تتجمد مياهها مرة أخرى في فصل الشتاء، وتنمو في هذه المستنقعات بعض الأعشاب المائية مثل حشائش البحر والحلفا.
أما أمطار المناخ القطبي فقليلة بصفة عامة وتتكون غالبًا من بلورات ثلجية تتراكم بعد سقوطها على سطح الأرض، ويتراوح معدل ما يسقط منها سنويًّا من 50 إلى 70سنتيمترًا "راجع الجدول رقم 29"
11-
6-
الأقاليم الصحراوية:
حدودها وأقسامها:
إن الصفة الرئيسية التي يتميز بها المناخ الصحراوي كما هو معروف هي قلة الأمطار بدرجة لا تسمح بظهور حياة نباتية طبيعية لها قيمة تذكر من حيث صلاحيتها للرعي أو لأي غرض آخر من الأغراض الاقتصادية المشهورة، أو لقيام أي نوع من أنواع الزراعة والاستقرار إلا حيثما يمكن استخدام وسائل الري، سواء بواسطة المياه الجوفية أو مياه الأنهار التي قد تصل إلى المناطق الصحراوية من الأقاليم الممطرة المجاورة لها، ويلاحظ أن الصحاري ليست عديمة الأمطار تمامًا، بل إنها تتعرض ولو في فترات متباعدة جدًّا لسقوط بعض الأمطار التي تأتي غالب الأحيان مع عواصف رعد شديد قد يترتب عليها حدوث سيول جارفة، وهناك على أي حال حد أعلى لكمية المطر السنوية التي تسقط في المناخ الصحراوي، ولكن هذا الحد ليس واحدًا في جميع الأقاليم؛ لأن حالة الجفاف التي يتميز بها المناخ الصحراوي لا تتوقف على كمية الأمطار فحسب بل إنها تتوقف كذلك على عوامل أخرى أهمها درجة الحرارة التي لها دخل كبير في تحديد القيمة الفعلية للأمطار، ففي أقاليم التندرا مثلًا يندر أن
تزيد كمية التساقط على 25 سنتيمترًا في السنة، ومع ذلك فإن هذه الأقاليم لا تعتبر من الأقاليم الجافة لأن التربة السطحية فيها تظل مشبعة بالمياه في فصل الصيف حيث إنها تكون متجمدة في معظم أشهر السنة ويكون التساقط في هذه الأقاليم عبارة عن بلورات ثلجية، ومعني هذا أن المياه لا تضيع سواء بالانحدار فوق سطح الأرض أو بالتسرب نحو الباطن وحتى في فصل الصيف تظل الطبقات السفلى من التربة متجمدة وتحول بذلك دون تسرب المياه التي تتجمع على السطح نتيجة لانصهار الجليد نحو الباطن، وثمة مثال آخر أن كمية المطر التي تسقط في بعض مناطق غرب أستراليا لا تزيد عمومًا على 25 سنتيمترًا، ومع ذلك فإن زراعة القمح تجود في هذه المناطق لأن سقوط الأمطار يتفق مع الفترة التي يكون فيها النبات في أشد الحاجة للمياه خصوصًا إذا لاحظنا أن ميعاد سقوط هذا المطر لا يتغير تغيرًا واضحًا من سنة إلى أخرى.
وعلى العكس من ذلك نجد أن كمية المطر التي تسقط في بعض المناطق الصحراوية الحارة قد تصل إلى حوالي 50 سنتيمترًا، كما هي الحال على حدود السفانا في إفريقية، ومع ذلك فإن معظم هذه الكمية تضيع بالتبخر نتيجة لاشتداد درجة الحرارة في فصل الصيف وهو وفصل سقوط المطر.
وهكذا نجد أن كمية المطر لا تعتبر في حد ذاتها أساسًا طبيعيًّا دقيقًا لتحديد المناخ الصحراوي، ولكن أفضل مظهر يمكن الحكم بواسطته على أي إقليم بأنه صحراوي هو النباتات الطبيعية التي تظهر في هذا الإقليم؛ لأن هذه النباتات تعتبر خير مقياس للقيمة الفعلية للأمطار.
وقد سبق أن ذكرنا أننا سنحدد المناخ الصحراوي على أساس معامل الجفاف م = ح + 9، ومعناه بعبارة أخرى أن الصحاري توجد في الأقاليم التي تقل فيها كمية المطر "بالسنتيمترات" عن معدل درجة الحرارة المئوية مضافًا إليها معامل ثابت هو 9.
أما من حيث درجة الحرارة فمن الواضح أنه لا يوجد للمناخ الصحراوي
حد حراري معين فالصحاري يمكن أن توجد في أي إقليم من الأقاليم الحرارية بما في ذلك الأقاليم القطبية التي سبق أن ذكرنا أنها تمثل نوعًا خاصًّا من الصحاري وكان من الممكن أن ندرس هذه الأقاليم ضمن الأقاليم الصحراوية لولا أننا فضلنا أن ندرسها في نهاية الأقاليم المناخية العامة لأنها تعتبر في نفس الوقت نوعًا قائمًا بذاته من الأقاليم المناخية، وهو نوع يتمشى مع النطاقات المناخية العامة،
فإذا ما صرفنا النظر عن هذه الأقاليم -الأقاليم القطبية- نلاحظ أن الأقاليم الصحراوية سواء منها ما يوجد في العروض الحارة أو ما يوجد منها في العروض الباردة، تشترك كلها في صفتين أساسيتين هما:
1-
أن المدى السنوي، واليومي للحرارة فيها جميعًا مرتفع جدًّا، خصوصًا في الصحاري المعتدلة والباردة التي يزيد المدى السنوي للحرارة في أغلبها عن 26 ْمئوية.
2-
أن فصل الصيف فيها جميعًا شديد الحرارة، وليس هناك فرق كبير بين الصحاري الحارة والصحاري المعتدلة أو الباردة من هذه الناحية، ففي صحاري وسط آسيا حتى في الأطراف الشمالية منها يصل معدل درجة حرارة شهر يوليو في الأماكن إلى 50 ْ مئوية، وهو نفس المعدل الذي نجده في الصحراء الكبرى عمومًا، كما أن النهاية العظمى التي تسجل في صحاري وسط آسيا أو أمريكا الشمالية قد ترتفع إلى نفس المعدل الذي ترتفع إليه في الصحراء الكبرى وهو 65 ْمئوية، وقد دلت الإحصاءات على أن أعلى درجات حرارة سجلت في العالم كله كانت في الوادي المعروف باسم وادي الموت بكاليفورنيا على خط عرض 36 ْشمال خط الاستواء1.
ولكن على الرغم من التشابه الذي رأينا أنه يوجد بين الأقاليم الصحراوية في فصل الصيف، فإن المعدلات الحرارية لفصل الشتاء تدل على وجود اختلافات واضحة بين الصحاري الواقعة في العروض الحارة والصحاري الواقعة في العروض المعتدلة أو الباردة، فإذا أخذنا مثلًا المعدلات الحرارية لشهر يناير في
1 A. Austin Miller، ibid. p. 252