الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحوال الحرارية في العالم العربي
مدخل
…
13-
7- الأحوال الحرارية في العالم العربي:
راجع إحصاءات الحرارة والمطر لبعض محطات الدول العربية في الملحق رقم 4.
إن تعدد العوامل التي تتحكم في درجة الحرارة وتباين أهمية الدور الذي يلعبه كل عامل منها في الأماكن المختلفة قد خلق في العالم العربي نماذج حرارية مختلفة، على حسب الظروف المحلية بكل مكان، وأن امتداد هذا العالم من خط عرض 2 ْجنوب خط الاستواء تقريبًا إلى خط عرض 37 ْشماله يعني أنه يمتد عبر حوالي 39 درجة عرضية، وأن بعض أجزائه يقع في العروض الحارة بينما يقع بعضها الآخر في العروض المعتدلة، وقد ترتب على هذا وجود فروق حرارية كبيرة بين أطرافه الشمالية من ناحية وأطرافه الجنوبية من ناحية أخرى. فبينما نجد مثلًا أن المعدل الحراري السنوي في مدينة بربرة الصومالية على خليج عدن يزيد على 30 ْم فإننا نجد أنه لا يزيد على 15 ْفي مدينة حلب بشمالي سوريا، وبينما يرتفع معدل شهر يوليو في بربرة إلى 37 ْفإنه يبلغ 29 ْفي حلب، وبينما لا ينخفض معدل شهر يناير في بربرة عن 24ْ ْفإنه ينخفض إلى 6 ْفي حلب، ومن هذا يظهر أن الفرق الحراري بين هاتين المدينتين يكون صغيرًا في الصيف حيث يبلغ 8 درجات فقط بينما يكون كبيرًا في الشتاء حيث يصل إلى 18 درجة، ومعنى هذا أن كل البلاد العربية تقريبًا، ما عدا البلاد الجبلية والبلاد الواقعة على سواحل البحر المتوسط، تكون حارة في الصيف ولا توجد فروق كبيرة بين بعضها وبعض، أما في الشتاء فإن الأطراف الشمالية وخصوصًا الجبلية منها تكون شديدة البرودة، بينما تظل الأطراف الجنوبية دافئة، وهذا يعني أن أهم الاختلافات الحرارية بين شمالي العالم العربي وجنوبيه ترجع بصفه خاصة إلى شدة برودة الشتاء في الشمال أكثر من رجوعها إلى شدة حرارة الصيف في الجنوب، وذلك لأن الحرارة الشديدة تكون عامة في كل البلاد العربية.
وترجع شدة حرارة الصيف عمومًا إلى صفاء الجو وطول ساعات سطوع الشمس وكبر زاوية سقوط الأشعة، وجفاف التربة بسبب جفاف الهواء وانعدام الأمطار
شكل رقم "102" خطوط الحرارة المتساوية في شهر يناير في العالم العربي
شكل رقم "103" خطوط الحرارة المتساوية في شهر يوليو في العالم العربي
تقريبًا وقلة مظاهر التكثف الأخرى وخصوصًا الندى، بحيث لا تحد التربة أي مصدر يعوضها عما تفتقده من مياه بالتبخر. ولهذا فإن سطح الأرض نفسه يسخن بسرعة في أثناء النهار حتى ترتفع درجة حرارته في الأماكن المكشوفة إلى أكثر من 40 ْم، بل وكثيرًا ما تصل درجة حرارة سطح رمال الصحراء في أواسط النهار إلى 70 ْم أو أكثر، ومما يذكر أن سخونة الرمال بهذا الشكل مع سكون الهواء يترتب عليهما انطلاق الإشعاعات الحرارية بكثرة من سطح الرمال إلى الجو فيؤدي ذلك إلى ظهور "السراب" الذي تشتهر به الصحاري الحارة عمومًا.
وباستثناء المناطق الممطرة صيفًا مثل جنوب السودان ووسطه فإن أشد الشهور حرارة في كل أجزاء العالم العربي الأخرى هي شهرا يوليو وأغسطس، أما في المناطق الممطرة صيفًا فإن معدلات هذين الشهرين تكون قليلة الارتفاع نوعًا ما بسبب كثرة السحب والأمطار بالنسبة للأشهر الجافة التي تسبقها أو التي تعقبها مباشرة، ففي هذه المناطق تكون الحرارة عادة قمتان إحداهما قبل موسم المطر مباشرة والثانية بعدها مباشرة، وتكون القمة الأولى غالبًا أوضح من القمة الثانية، في مدينة الخرطوم مثلًا تكون أشد أيام السنة حرارة هي الأيام الواقعة بين منتصف مايو ومنتصف يونيو، وتليها الأيام الواقعة بين منتصف سبتمبر ومنتصف أكتوبر.
والسبب في ارتفاع القمة الأولى عن القمة الثانية هو أن موسم المطر ينتهي بشكل تدريجي وتظل التربة محتفظة ببعض رطوبتها وبكثير من غطائها النباتي لمدة أسبوعين أو ثلاثة بعد انتهاء موسم المطر، فهذه العوامل كلها تساعد على تخفيف قسوة القمة الثانية نوعًا ما عن القمة الأولى التي تأتي في وقت تكون فيه التربة قي أشد حالات جفافها، وفي أشد حالات فقرها في الغطاء النباتي، ولكن ما إن تبدأ الأمطار في السقوط حتى تتبلل التربة وتبدأ الحشائش في النمو فتنخفض درجة الحرارة بشكل ملحوظ.
ونظرًا لأن طول فصل المطر يزداد كلما اتجهنا جنوبًا فإن قمتي المنحنى
الحراري تتباعدان تبعًا لذلك. ففي بلدة المالاكال التي تقع إلى الجنوب من الخرطوم بنحو 6 درجات عرضية تظهر القمة الحرارية الأولى قبل نظيرتها في الخرطوم بحوالي ثلاثين يومًا، كما تظهر القمة الثانية بعد نظيرتها في الخرطوم بنفس المدة تقريبًا، إلا أن القمة الثانية في الماكال لا تكون واضحة بدرجة وضوحها في الخرطوم بسبب كثرة المطر وزيادة رطوبة التربة وكثافة الغطاء النباتي ووجود كثير من المسطحات المائية، وتلعب التضاريس دورًا مهمًّا في توزيع الحرارة، ولا يقتصر أثرها على التناقص الذي يحدث عادة بالارتفاع، بل إن هذا الأثر يظهر كذلك بأشكال أخرى من بينها التأثير الذي يحدثه نسيم الجبل ونسيم الوادي، والتأثير الذي يحدث انضغاط الهواء عند هبوطه على جوانب الجبال أو ارتفاعه عليها حيث يسخن في الحالة الأولى لانضغاطه، كما هي الحال بالنسبة لرياح الفهن المشهورة، بينما يبرد في الحالة الثانية نتيجة لتخلخله عند اندفاعه إلى أعلى.
وتحدث ظاهرة "الفهن" في معظم المناطق الجبلية في الوطن العربي مثل المنحدرات الشمالية لجبال طرابلس في ليبيا، فعندما تهبط الرياح الصحراوية على هذه المنحدرات في بعض أيام الربيع ترتفع درجة الحرارة في السهول المجاورة لها إلى أكثر من 50 ْم. وقد سجلت في هذه السهول بالفعل درجات حرارية لا تعادلها في الارتفاع إلا الدرجات التي سجلت في وادي الموت بكاليفورنيا، وقد وصلت درجة الحرارة في بلدة العزيزية الواقعة في سهل الجفارة إلى الشمال من حافة جبال طرابلس بليبيا في أحد الأيام إلى 56 ْم، وتتكرر نفس الظاهرة تقريبًا في المناطق الجبلية الأخرى وأهمها جبال أطلس وجبال لبنان.
وتلعب الأودية التي تقطع الجبال دورًا مهمًا في توجيه الرياح، التي تؤثر بدورها تأثيرًا واضحًا على درجة الحرارة، كما أن اتجاه المنحدرات الأودية له علاقة مباشرة بتوزيع الإشعاع الشمسي سواء على امتداد ساعات النهار أو على امتداد أشهر السنة.
1 عبد العزيز طريح شرف "1962" جغرافية ليبيا – الإسكندرية ص611.