المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العوامل التي تتدخل في تكوين التربة: - الجغرافيا المناخية والنباتية

[عبد العزيز طريح شرف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفكر المناخي

- ‌الفكر المناخي القديم

- ‌الفكر المناخي منذ عصر النهضة الأوروبية

- ‌ الفكر المناخي منذ أوائل القرن العشرين:

- ‌بعض الاتجاهات المعاصرة في الفكر المناخي

- ‌مدخل

- ‌ دراسة القيمة الفعلية لعناصر المناخ:

- ‌ علم المناخ التفصيلي

- ‌علم المناخ التطبيقي

- ‌مدخل

- ‌المناخ والزراعة:

- ‌المناخ والصناعة:

- ‌علاقة المناخ والجو بالملاحة والحرب:

- ‌المناخ وموارد المياه:

- ‌المناخ والعمران:

- ‌المناخ وصحة الإنسان:

- ‌الغلاف الجوي

- ‌تركيبه

- ‌ طبقات الغلاف الجوي

- ‌قياس عناصر الجو المناخية

- ‌قياسها في الطبقات العليا

- ‌ قياسها في الطبقة السفلى "المجاورة لسطح الأرض

- ‌ أجهزة الرصد ومواصفات المرصد الجوي البسيط:

- ‌الإشعاع الشمسي

- ‌تعريف الإشعاع الشمسي ونصيب الأرض منه

- ‌ تركيبه:

- ‌حساب الطاقة الإشعاعية الواصلة إلى الأرض

- ‌الطاقة الإشعاعية الواصلة إلى أعلى الغلاف الجوي

- ‌ الطاقة الإشعاعية المنتشرة

- ‌ تأثير الغلاف الجوي على الطاقة الإشعاعية:

- ‌ الميزانية الحرارية للأرض

- ‌ التوزيع الجغرافي للإشعاع الشمسي:

- ‌ قياس الإشعاع الشمسي كعنصر من عناصر المناخ:

- ‌حرارة الجو

- ‌مدخل

- ‌التوزيع العام بدرجة الحرارة على دوائر العرض

- ‌تأثير الماء واليابس على التوزيع العام لدرجة الحرارة

- ‌مدخل

- ‌أثر التيارات على حرارة السواحل

- ‌ أثر الارتفاع على درجة الحرارة:

- ‌ الانعكاس الحراري:

- ‌ قياس درجة الحرارة:

- ‌ التوضيح الكارتوغرافي للحرارة:

- ‌الضعط الجوي

- ‌تعريف الضغط الجوي وقياسه

- ‌ التوزيع الأفقي للضغط الجوي:

- ‌النطاقات الدائمة للضغط الجوي والدورة الهوائية العامة المرتبطة بها

- ‌ تأثير الماء واليابس على التوزيع الأفقي للضغط الجوي:

- ‌ الضغط الجوي في المستويات العليا من الجو:

- ‌ الضغط الجوي والطقس:

- ‌الرياح

- ‌تعريف الرياح ونظام هبوبها

- ‌سرعة الرياح

- ‌مدخل

- ‌النظام اليومي لسرعة الرياح:

- ‌قياس سرعة الرياح وتجديد اتجاهها وتوضيحها

- ‌توضيح سرعة الرياح واتجاهها على خرائط الطقس:

- ‌أنواع الرياح السطحية

- ‌مدخل

- ‌الرياح العامة

- ‌الرياح التجارية

- ‌ الرياح الغربية "أو العكسية

- ‌ الرياح الموسمية

- ‌الرياح العليا

- ‌مدخل

- ‌ التيارات الهوائية النفاثة

- ‌‌‌الكتل الهوائيةوالمنخفضات الجوية والأعاصير المدارية

- ‌الكتل الهوائية

- ‌نشأتها وأنواعها

- ‌ استقرار الكتل الهوائية وعدم استقرارها:

- ‌ أثر الكتل الهوائية في مناخ بعض الأقاليم:

- ‌المنخفضات الجوية

- ‌نشأتها

- ‌توزيعها واختلاف بعضها عن بعض

- ‌ ظاهرات الطقس التي تصاحب المنخفضات الجوية:

- ‌الرياح المحلية التي تسببها المنخفضات الجوية

- ‌مدخل

- ‌ المجموعة "أ" "نوع الخماسين

- ‌ المجموعة "ب" "نوع الفهن

- ‌ المجموعة "ج" "نوع المسترال

- ‌الأعاصير أو العواصف الدوارة

- ‌الفرق بينها وبين المنخفضات الجوية

- ‌ نشأتها:

- ‌ خطوط سيرها وتوزيعها:

- ‌ الترنادو

- ‌التبخر ورطوبة الهواء

- ‌تمهيد - "الحالات التي يوجد بها الماء في الجو

- ‌التبخر

- ‌تعريفه

- ‌ أهميته:

- ‌العوامل التي تتحكم في التبخر

- ‌مدخل

- ‌ العوامل المناخية:

- ‌ العوامل المتعلقة بحالة المياه:

- ‌ العوامل المتعلقة بحالة التربة:

- ‌ قياس التبخر أو حسابه:

- ‌النتج

- ‌ التبخر الكلي

- ‌رطوبة الهواء

- ‌طرق التعبير عنها

- ‌ قياس الرطوبة النسبية:

- ‌ أهمية الرطوبة النسبية:

- ‌التكثف ومظاهره

- ‌مدخل

- ‌مظاهر التكثف عند سطح الأرض أو البحر

- ‌الضباب

- ‌ الندى:

- ‌ الصقيع:

- ‌مظاهر التكثف في المستويات المرتفعة

- ‌السحب

- ‌مدخل

- ‌توزيع السحب في العالم:

- ‌أنواع السحب:

- ‌تعيين اتجاه حركة السحاب وقياس سرعتها

- ‌التساقط "المطر

- ‌مدخل

- ‌أنواع المطر "التساقط السائل

- ‌مدخل

- ‌ مطر التصعيد

- ‌ مطر التضاريس

- ‌مطر الأعاصير "أو المطر الجبهات

- ‌قياس المطر

- ‌مدخل

- ‌خطوط المطر المتساوي

- ‌مشكلات قياس التساقط الصلب:

- ‌استكمال النقص في إحصاءات المطر:

- ‌التباين في كميات المطر السنوية والشهرية:

- ‌حساب متوسط مياه المطر على أي منطقة:

- ‌نظم المطر

- ‌توزيع الأمطار على سطح اليابس

- ‌مدخل

- ‌النطاقات العامة للمطر:

- ‌تقسيم العالم إلى أقاليم مناخية

- ‌الغرض من التقسيم والأسس التي يبنى عليها

- ‌مدخل

- ‌الدلائل الحيوية للمناخ:

- ‌بعض التقسيمات المناخية العامة

- ‌مدخل

- ‌تقسيم كوبن للأقاليم المناخية

- ‌مدخل

- ‌ عرض موجز للأنواع المناخية التي يشملها تقسيم كوبن:

- ‌خصائص الأنواع المناخية في تقسيم كوبن وتوزيعها الجغرافي

- ‌ تقسيم أوستن ملر:

- ‌ خلاصة التقسيمات المناخية العامة:

- ‌مناخ العالم حسب خلاصة التقسيمات المناخية العامة

- ‌الأقاليم الحارة

- ‌مدخل

- ‌ الأقاليم الاستوائية:

- ‌صفاتها العامة:

- ‌درجة الحرارة:

- ‌الأمطار:

- ‌الحياة النباتية:

- ‌الأقاليم المدارية

- ‌مدخل

- ‌ الأقاليم المدارية القارية "نوع السودان

- ‌ المناخ المدارى البحري "نوع موزمبيق

- ‌الأقاليم الموسمية الحارة

- ‌الأقاليم الموسمية الاستوائية "نوع إندونيسيا

- ‌الأقاليم الموسمية المدارية "نوع الهند

- ‌ مناخ الجبال في الأقاليم الحارة:

- ‌الأقاليم المعتدلة الدافئة

- ‌مدخل

- ‌الأقاليم المعتدلة الدافئة في غرب القارات "نوع البحر المتوسط

- ‌مدخل

- ‌الحياة النباتية:

- ‌الأقاليم المعتدلة الدافئة في شرق القارات "نوع ناتال

- ‌مدخل

- ‌الحياة النباتية:

- ‌ الأقاليم المعتدلة الدافئة الموسمية:

- ‌الأقاليم المعتدلة الباردة

- ‌مدخل

- ‌ الأقاليم المعتدلة الباردة البحرية "نوع غرب أوروبا

- ‌ الأقاليم المعتدلة الباردة القارية "نوع شرق أوروبا

- ‌ الأقاليم المعتدلة الباردة الموسمية "نوع كوريا وشمال الصين

- ‌الأقاليم الباردة

- ‌مدخل

- ‌ الأقاليم الباردة البحرية "نوع النرويج

- ‌ الأقاليم الباردة القارية "نوع سيبريا

- ‌ الأقاليم الباردة الموسمية "نوع منشوريا

- ‌ الأقاليم القطبية:

- ‌ الأقاليم الصحراوية:

- ‌حدودها وأقسامها:

- ‌الصحاري الحارة

- ‌مدخل

- ‌النواع الساحلي من الصحاري الحارة

- ‌ الصحاري المعتدلة:

- ‌ الصحاري الباردة:

- ‌مناخ إفريقيا

- ‌العوامل التي تؤثر في مناخ القاره

- ‌موقع القارة وشكلها

- ‌ التيارات البحرية:

- ‌ التضاريس:

- ‌ توزيع الضغط الجوي على القارة:

- ‌ الكتل الهوائية التي تؤثر في مناخ القارة:

- ‌الأقسام المناخية لإفريقيا

- ‌مدخل

- ‌الأقاليم الحارة

- ‌المناخ الاستوائي

- ‌ المناخ المداري القاري:

- ‌ المناخ المداري البحري:

- ‌المناخ المداري الصحراوي:

- ‌المناخ المعتدل الدافئ

- ‌مناخ البحر المتوسط

- ‌ مناخ ناتال:

- ‌ المناخ المعتدل القاري:

- ‌ المناخ المعتدل الدافئ الموسمي:

- ‌مناخ العالم العربي

- ‌موقع العالم العربي وآثاره المناخية

- ‌ الآثار التضاريسية على مناخ العالم العربي:

- ‌ الضغوط الجوية الرئيسية المؤثرة على مناخ العالم العربي:

- ‌ الدورات الهوائية والرياح المترتبة على الضغوط الجوية:

- ‌ الرياح المحلية والزوابع الترابية:

- ‌أنواع الهواء "الكتل الهوائية

- ‌مدخل

- ‌ الهواء المداري القاري "ct

- ‌الهواء المدارى البحري "mt

- ‌الهواء القطبي القاري "cp

- ‌الهواء القطبي البحري "mp

- ‌الأحوال الحرارية في العالم العربي

- ‌مدخل

- ‌ فصل الصيف:

- ‌ فصل الشتاء:

- ‌ الفصلان الانتقاليان "الربيع والخريف

- ‌ المدى الحراري والطبيعة القارية للمناخ:

- ‌ الموجات الباردة والموجات الحارة غير العادية:

- ‌الأمطار

- ‌مدخل

- ‌ المناطق الممطرة شتاء:

- ‌المناطق الممطرة صيفًا:

- ‌تذبذب الأمطار في معظم أجزاء العالم العربي:

- ‌الأقسام المناخية للوطن العربي حسب تقسيم كوبن

- ‌مدخل

- ‌الجغرافيا النباتية

- ‌العوامل التي تتحكم في نمو النباتات وتوزيعها

- ‌مدخل

- ‌العوامل المناخية

- ‌مدخل

- ‌الأمطار وقيمتها الفعلية

- ‌الحرارة وقيمتها الفعلية بالنسبة لحياة النبات

- ‌الضوء:

- ‌ التربة:

- ‌تمهيد:

- ‌مواد التربة:

- ‌العوامل التي تتدخل في تكوين التربة:

- ‌تصنيف التربة وأقسامها الكبرى

- ‌ النباتات الطبيعية وتوزيعها العام:

- ‌تمهيد:

- ‌الغابات

- ‌مدخل

- ‌ الغابات المدارية:

- ‌ الغابات المعتدلة الدافئة:

- ‌ الغابات المعتدلة الباردة

- ‌الحشائش

- ‌مدخل

- ‌ السفانا "الحشائش المدارية

- ‌ الإستبس "حشائش العروض المتوسطة

- ‌ الصحاري:

- ‌تعريفها وتوزيعها الجغرافي:

- ‌نباتات الصحاري الحارة والمعتدلة:

- ‌الاستغلال الاقتصادي:

- ‌حيوانات الصحراء:

- ‌ التندرا:

- ‌ نباتات الجبال:

- ‌الملاحق

- ‌مراجع مختارة

- ‌الفهرس

الفصل: ‌العوامل التي تتدخل في تكوين التربة:

أما التربة المتعادلة فهي التربة المتوسطة بين التربة الجيرية القلوية والتربة الحديدية الحمضية، وفيها تكون درجة التركيز الأيدروجينى ما بين 6 و7.

المواد العضوية:

مصدر هذه المواد هو بقايا ومخلفات الحياة النباتية والحيوانية بمختلف أنواعها ومراتبها، فكل هذه الكائنات مردها النهائي إلى التربة حيث تتفتت وتتحلل فيها بمرور الزمن وتحت الظروف الملائمة إلى أعداد لا حصر لها من الكائنات العضوية الميكروسكوبية، والمواد العضوية المتحللة في التربة هي التي يطلق عليها عادة اسم الدبال أو الهيومص "Humus" وعندما يزداد تحلل الدبال فإنه يتحول إلى أملاح بسيطة وثاني أكسيد كربون وماء وتعتبر المواد العضوية المتحللة من أهم العوامل التي تساعد على تحسين التربة وعلى المحافظة على خصوبتها، ولذلك فإن وجودها ضروري جدًّا في الأراضي الزراعية، والواقع أن التربة لا تكون ذات قيمة حقيقية إلا إذا كانت بها نسبة معقولة من المواد العضوية المتحللة.

وتعتبر البكتريا وغيرها من الكائنات العضوية الميكروسكوبية مثل الطحالب والفطريات والبروتوزوات من المواد العضوية المهمة، التي يساعد وجودها بكثرة في التربة على إحداث التغيرات الكيميائية الضرورية لتحليل المواد العضوية الأخرى وتحويلها إلى دبال "Humus" ثم تحويل الدبال بدوره إلى عناصر أبسط منه يسهل على النباتات أن تستفيد بها.

ص: 517

‌العوامل التي تتدخل في تكوين التربة:

تتدخل في تكوين التربة عوامل متعددة وعمليات طبيعية وكيميائية معقدة تشترك فيها كل عناصر البيئة الطبيعية والحيوية بدون استثناء، وليس من السهل حصر كل العوامل التي لها دور مهم في التكوين، ولكننا مع ذلك يمكننا أن نحدد أهمها كما يأتي:

1-

نوع الصخر الذي تستمد منه التربة

2-

المناخ

3-

التضاريس

ص: 517

4-

المياه

5-

الكائنات الحية

أولًا: نوع الصخر:

فالصخور هي مصدر المواد غير العضوية التي تستمد منها المكونات الرئيسية الأولية للتربة، ولكل تربة مصدر صخري أصلي تستمد منه مكوناتها الرئيسية، ويطلق علي هذا المصدر تعبير الصخر الوالد parent Rock ولهذا فلابد للباحث الذي يتعرض لدراسة التربة أن يكون على علم بأنواع الصخور وتركيبها المعدني والعنصري لأن هذا التركيب سيكون هو نفسه تقريبًا تركيب التربة، ونظرًا لأهمية هذا العامل فإن التربات تصنف أحيانًا على أساس أنواع الصخور التي استمدت منها، كأن تكون مثلًا تربة رملية أو جيرية أو طينية وتوصف التربة بأنها محلية إذا كانت مستمدة من الصخر الذي ترتكز عليه مباشرة، ومنقولة إذا كانت مستمدة من صخور منطقة أخرى غير منطقة وجودها، ويكون تركيبها في هذه الحالة مختلفًا عن تركيب الصخر الذي ترتكز عليه.

ولا شك أن تحول الصخر إلى المواد المفتتة التي تتكون منها التربة يحتاج إلى أن يتعرض هذا الصخر لعمليات التجوية المختلفة، سواء في ذلك علميات التجوية الميكانيكية أو الكيميائية، وهي العمليات التي تتدخل فيها عوامل كثيرة أهمها المناخ والمياه والكائنات الحية فإذا ما تفتت الصخر وتحلل بالتجوية وبقيت المواد المفتتة الناتجة في مكانها على سطحه فإن هذا يؤدي إلى تكوين التربة المحلية، أما إذا قامت عوامل التعرية بنقل هذه المواد إلى أماكن أخرى فإن هذا يؤدي إلى نشوء أنواع مختلفة من التربة المنقولة التي تتميز بصفات خاصة على حسب طبيعة عوامل التعرية التي قامت بنقلها وترسيبها، ومن أهمها:

1-

التربات الهوائية التي تقوم الرياح بنقلها مثل تربة اللويس والتربات الرملية في الأقاليم الجافة.

ص: 518

2-

التربات الفيضية التي تقوم المياه الجارية بنقلها، والتي تتكون منها تربات وديان الأنهار ودلتاواتها، بما في ذلك تربات وديان الأقاليم الجافة التي تجري فيها المياه بصورة متقطعة، وتربات الدلتاوات المروحية التي تتكون في نهايات هذه الوديان، وتربات الأحواض التي تصب فيها.

3-

التربات الجليدية وهي التي يقوم الجليد بنقلها وترسيبها عند انصهاره، وهي توجد حول الثلاجات وعلى أطراف المناطق التي زحف عليها الجليد خلال العصور الجليدية في البليستومين.

ثانيًا- المناخ:

وهو العامل الرئيسي الذي يؤثر في المواد الصخرية والمعدنية المستمدة من الصخر الأصلي ولكل عنصر من عناصر المناخ دوره الخاص في هذا المجال ومع ذلك فإن العناصر كلها تعمل مجتمعة وتؤدي بمرور الوقت إلى إضعاف الصلة بين مواد التربة وبين الصخر الأصلي الذي استمدت منه، وكلما طال الزمن اكتسبت التربة صفات جديدة تبعدها عن صفات هذا الصخر، حتى إن النوع الواحد من الصخور قد يعطي أنواعًا مختلفة من التربة إذا ما تعرضت المواد المستمدة منه لظروف مناخية مختلفة، ولهذا فإن علماء التربة يميلون في الوقت الحاضر إلى تصنيف التربات في العالم على أساس النطاقات المناخية التي تكونت فيها، لا على أساس الصخور الأصلية التي استمدت منها، ولا يكاد يوجد أي عنصر مناخي إلا وله دور مهم في تكوين التربة.

فالإشعاع الشمسي له دور مهم في حياة الكائنات الحية التي تعيش في التربة أو تموت وتتحلل فيها، كما أنه يعتبر عاملًا رئيسيًّا في عمليات التبخر منها وفي التفاعلات الكيميائية التي تحدث فيها، كما أن درجة الحرارة تعتبر هي الأخرى عاملًا رئيسيًّا من العوامل التي لها دخل في تكوين التربة على اعتبار أنها عامل مهم من عوامل التجوية الميكانيكية وأن لها تأثيرًا قويًّا على نمو الكائنات الحية وعلى قدرة التربة على استخلاص الأزوت من الهواء وعلى تبخر الماء منها وعلى

ص: 519

ترسيب الأملاح عليها، أو على تجفيف سطحها وتفتيته مما يساعد الرياح على إزالة ما يغطيه من أتربة ورمال ناعمة.

وتعتبر درجة حرارة التربة من العناصر التي يمكن قياسها بواسطة ترمومترات خاصة، والمعتاد هو أن تكون درجة حرارة التربة السطحية مرتبطة بدرجة حرارة الهواء الملاصق لها، وأن هذا الارتباط يتناقص كلما تعمقنا فيها، ولهذا فكثيرًا ما يكون هناك فرق كبير بين درجة حرارة التربة السطحية ودرجة حرارة التربة السفلية. ففي الأقاليم الصحراوية الحارة مثلًا قد ترتفع درجة حرارة سطح الرمال أحيانًا في وسط النهار في فصل الصيف إلى 70ْ مئوية أو أكثر ولكنها تتناقص تدريجيًّا كلما تعمقنا بعيدًا عن السطح حتى إن المياه الجوفية التي قد توجد على عمق بضعة أمتار تكون باردة، أما في فصل الشتاء فقد يحدث العكس فتكون درجة حرارة السطح أقل من درجة حرارة التربة السفلية التي تظل محتفظة بحرارتها، ومعنى هذا بعبارة أخرى أن درجة حرارة التربة السفلية لا يطرأ عليها تغير كبير من وقت إلى آخر بينما تتغير درجة حرارة التربة السطحية كلما تغيرت درجة حرارة الجو، ومن الظاهرات المعروفة أن التربة السفلية في كثير من المناطق الباردة والقطبية متجمدة باستمرار منذ العصور الجليدية أو قبلها وتعرف هذه الظاهرة باسم perma frost أي ظاهرة التجمد الدائم للتربة، ويمتد هذا التجمد لعمق كبير قد يصل إلى 400 متر أو أكثر، ومع هذا فإن التربة السطحية في نفس هذه المناطق تنصهر خلال فصل الصيف وتنمو بها الحشائش القطبية بل ويمكن استخدامها للزراعة، إلا أن مثل هذه التربة تكون رديئة الصرف؛ لأن المياه التي تتجمع على سطحها لا تستطيع التسرب إلى طبقاتها السفلى المتجمدة، وتعتبر الأمطار كذلك من أهم العناصر المناخية التي لها دخل مباشر وغير مباشر في تكوين التربة، وهي كغيرها من العناصر لا تقوم بعملها منفردة بل إنها جميعًا تعمل متضافرة، فالأمطار الكثيرة التي تسقط طول السنة أو في معظم الأشهر على المناطق السهلية تؤدي إلى تبلل التربة باستمرار، بل وإلى تراكم المياه فوقها مما يؤدي إلى

ص: 520

ذوبان ما بها من أملاح قابلة للذوبان وإلى تصفية هذه الأملاح بالتسرب نحو التربة السفلية حيث تتجمع غالبًا في طبقة ملحية تتماسك بمرور الوقت حتى تتصلب وتتكون منها طبقة غير نفاذة تحول دون انصراف مياه التربة إلى أسفل مما يؤدي إلى رداءة صرفها وتدهورها.

ويطلق على عملية ذوبان أملاح التربة وتسربها إلى أسفل اسم عملية التصفية leaching وهي تساهم في تكوين أنواع متباينة من التربة على حسب كثرة الأمطار وتوزيعها الفصلي ودرجة حرارة الأقاليم التي توجد فيها، ففي الأقاليم الباردة المطيرة تؤدي هذه العملية مع قلة التبخر إلى تراكم البقايا النباتية بكثرة وتكدسها على السطح وعدم تحللها تحللًا كافيًا، فينتج عن ذلك نوع من التربة النباتية الحمضية يعرف باسم تربة البودزول، أما في الأقاليم الحارة المطيرة مثل الأقاليم الاستوائية فإن عملية التصفية لا تزيل أكاسيد الحديد الحمراء من التربة بسبب عدم قابليتها للذوبان فينتج عن هذا تكون نوع من التربة الحمراء يشتهر باسم تربة اللاتيريت Laterite أي التربة الطوبية لأنها تشبه الطوب الأحمر.

وعلى العكس من كثرة الأمطار فإن قلتها في الأقاليم الجافة تؤدي إلى جفاف التربة وإلى ارتفاع مياهها إلى السطح بتأثير الخاصة الشعرية حيث تتبخر تاركة ما بها من أملاح على السطح أو تحته مباشرة، وبتكرار هذه العملية تزداد ملوحة التربة السطحية وتتكون فوقها قشرة ملحية، وبهذه الطريقة تتكون المسطحات المالحة والسبخات المنتشرة في منخفضات كثير من الأقاليم الجافة.

وبالإضافة إلى تأثير المطر على نوعية التربة، فإن له تأثيرًا آخر بوصفه عاملًا من عوامل التعرية، حيث إن سقوطه بغزارة على جوانب المنحدرات، وخصوصًا المنحدرات الخالية من الغطاء النباتي، يؤدي غالبًا إلى جرف التربة وإزالتها باستمرار.

وتعتبر الرياح كذلك من العناصر المناخية التي لها دخل في تكوين التربة، وذلك باعتبار كونها عاملًا من عوامل التعرية، فهي تقوم بتذرية التربة الناعمة

ص: 521

في المناطق الجافة مما يؤدي إلى كشف القاعدة الصخرية التي ترتكز عليها أو الطبقة الحصوية التي تتخلف على السطح بعد أن تزيل الرياح الحبات الصغيرة التي كانت مختلطة بها، وبهذه الطريقة تكونت مناطق الحمادة الصخرية ومناطق الرق الحصوية التي تعتبر من أهم الأشكال السطحية في الأقاليم الصحراوية.

كما تقوم الرياح من ناحية أخرى ببناء التربة في المناطق التي ترسب فيها ما تنقله من رمال أو أتربة، فالمعروف مثلًا أنها هي المسئولة عن تكوين بعض أنواع التربة المشهورة في العالم وأهمها تربة اللويس التي توجد في مناطق واسعة وبسمك كبير في كثير من المناطق مثل شمال الصين ووسط أمريكا الشمالية.

ثالثًا- التضاريس:

تتدخل التضاريس في تكوين التربة بطرق مختلفة بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، فمن آثارها المباشرة أنها تساعد على انجراف التربة وتحول دون تراكمها على المنحدرات الشديدة والقائمة، بينما تساعد على ترسيبها وتراكمها في السهول والأحواض المنخفضة، وفيما بين هاتين النهايتين يتدرج تأثير التضاريس على تكوين التربة وعلى تطورها.

ويعتبر انجراف التربة بالذات من أخطر المعوقات الزراعية في الأقاليم الجبلية، ولذلك فقد اهتم الزراع بمقاومته والتغلب عليه منذ العهود الحضارية القديمة، ومن أشهر طرق مقاومته وأقدمها طريقة بناء المدرجات على المنحدرات وهي طريقة منتشرة في مناطق كثيرة من العالم مثل اليمن والجزائر وإندونيسيا وغيرها من بلاد جنوب شرقي آسيا، وهناك طريقة أخرى تستخدم غالبًا في أوروبا وأمريكا، وبمقتضاها تترك أشرطة من الأعشاب الطبيعية على الأطراف السفلية للحقول الواقعة على المنحدرات حتى تعوق انجراف التربة كما تفعل سدود المدرجات، وكلما كان الانحدار شديدًا كلما احتاج الأمر إلى زيادة عرض الأشرطة وزيادة كثافة نباتاتها، ومن المتبع كذلك أن تبنى سدود

ص: 522

منخفضة بعرض الوديان التي تنحدر فيها المياه لتتجمع أمامها التربة فتتكون بذلك أحواض رسوبية صغيرة يمكن زراعتها بعد توقف جريان المياه.

وبالإضافة إلى الطرق السابقة التي تستخدم بقصد استخدام المنحدرات للزراعة، فمن الممكن كذلك حماية تربة المنحدرات الجبلية بتشجيرها أو المحافظة على الغطاء النباتي الطبيعي الذي يكسوها.

رابعًا- المياه:

تعتبر المياه المختلطة بحبيبات التربة من أهم العوامل التي تتدخل في عمليات التحلل الطبيعية والكيميائية التي تحدث للكائنات العضوية التي توجد في التربة، وكلما كانت التربة جيدة الصرف ساعد ذلك على تطورها ونضوجها بشكل متعادل، أما إن كانت رديئة الصرف ظلت مبللة باستمرار فإن ذلك يؤدي إلى تكوين أنواع خاصة من التربة لا تصلح غالبًا للزراعة إلا بعد تجفيفها وإصلاحها، وكثيرًا ما يحدث هذا في الأراضي المنخفضة في المناطق المطيرة وفي المناطق التي ترتكز فيها التربة السطحية على طبقة صماء قريبة من السطح.

ويوجد الماء في التربة بأشكال وصور متعددة من أهمها:

1-

الماء الممتص Absorbed water وهو الماء الذي تجتذبه جزيئات التربة فيتجمع حولها، ولكنها لا تحول دون انفصاله عنها عندما تحتاج إليه جذور النباتات ولهذا فإنه يسمى أحيانًا بالماء المتيسر.

2-

الماء الملتصق أو الهيجروسكوبي WATER HYGROSCOPIC وهو الماء الذي يلتصق التصاقًا شديدًا جدًّا بحبات التربة بشكل أغشية رقيقة جدًّا لا يمكن فصلها إلا بالتبخر عندما ترتفع درجة حرارة التربة إلى مائة درجة أو أكثر، ولهذا السبب فإن هذا الماء يسمى أحيانًا بالماء غير المتيسر حيث إن النباتات لا يمكنها أن تستفيد به.

3-

الماء الشعري Capillary "or film" water وهو الماء الذي يستطيع أن

ص: 523

يرتفع في مسام التربة بتأثير الخاصة الشعرية بسبب ضعف التصاقه بحبات التربة مما يسمح له بالارتفاع بين مسامها، ويمكن للنباتات أن تستفيد به.

4-

الماء الحر "الماء الفائض" FREE OR GRAVITATIONAL WATER وهو الماء الزائد عن قدرة الجذب الشعري، وهو يتحرك بقوة الجاذبية الأرضية وهو ماء غير مرغوب فيها لأن زيادته تؤدي إلى رداءة الصرف وسوء تهوية التربة واختناق جذور النباتات، كما أن التخلص منه عن طريق المصارف قد يؤدي إلى فقدان التربة لبعض الأملاح المفيدة للنباتات، ويظهر تأثير هذا الماء بوضوح في المناطق الرطبة حيث يقوم بعمليتي الغسل والترسيب، وهذا الماء هو الذي تتكون منه الطبقة المائية الجوفية حيثما يصادف طبقة صماء تحول دون تسربه إلى أسفل.

خامسًا- الكائنات الحية:

أن العلاقة بين التربة والكائنات الحية علاقة متبادلة بمعنى أن كلًّا منهما يعتمد على الآخر، حتى إن موضوع التربة يدرس غالبًا ضمن موضوع الجغرافيا الحيوية.

ويتوقف الدور الذي تؤديه الكائنات الحية في تكوين التربة على نوع هذه الكائنات، فالدور الذي تؤديه الكائنات المجهرية والحشرات مثل الديدان يختلف اختلافًا تامًّا عن الدور الذي تؤديه الدواب بمختلف أنواعها بما فيها الإنسان والحيوانات المفترسة أو الذي تؤديه الطيور والزواحف وغيرها.

ويعتبر الغطاء النباتي بالذات أهم العوامل الحيوية التي تتدخل في تكوين التربة؛ لأنه تؤثر فيها ويتدخل في تكوينها بطرق عديدة منها:

1-

أنه يقلل من الإشعاع الشمسي الواصل إليها فيقلل من درجة حرارتها في أثناء النهار، ويحفظ حرارتها في أثناء الليل فيقلل من المدى الحراري اليومي لها.

ص: 524

2-

أنه يساعد على ضياع مياهها عن طريق النتح ولو أنه يقلل من ناحية أخرى من التبخر المباشر لمياهها.

3-

أن جذور النباتات تعمل على تفكيك التربة وزيادة نفاذيتها وتهويتها.

4-

أن النباتات تستخدم أشعة الشمس في عمليات التمثيل الكلوروفيلي، وتحول بعض عناصر الهواء بطريقة كيميائية إلى عناصر جديدة تنتقل من النبات إلى التربة ومنها بعض المركبات النباتية المهمة مثل الجلوكوز والنشويات والسليلوز وبعض السكريات، وتختلط هذه المركبات بالتربة نتيجة لتراكم بقايا النباتات عليها واختلاطها بها.

5-

أنها تساهم في نقل المواد المعدنية رأسيًّا في التربة؛ لأنها تمتص الأملاح والمواد المعدنية بواسطة الجذور من أعماق متباينة وتتركها على السطح مع البقايا النباتية.

6-

تساهم بعض الأشكال النباتية في تكوين أنواع معينة من التربة مثل تربة التشرنوزيم التي تتكون عادة في مناطق الإستبس وتربة البودزول الحمضية في مناطق الغابات الرطبة ذات الصرف الرديء.

7-

أن الغطاء النباتي يحمي التربة من الانجراف على جوانب المنحدرات.

8-

أن كثرة الكائنات الحية الدقيقة، مثل الطحالب في التربة تساعد على تحلل المادة العضوية وتحويلها إلى دبال وإلى عناصر غذائية مختلفة يستفيد بها النبات.

وتوجد من هذه الكائنات أنواع متباينة في صفاتها ومناطق تكاثرها وآثارها ومن أهمها:

أ- الطحالب الأرضية التي تعيش عند سطح التربة والتي تكثر بها مادة الكلوروفيل، وتساعد على تثبيت بعض الأزوت في التربة عندما تكون مبللة ومعرضة للشمس.

ب- الفطريات وهي تتميز عن الطحالب بخلوها من الكلوروفيل وبعدم مقدرتها على تثبيت أزوت الهواء.

ص: 525

ج- البكتريا وهي من أكثر الكائنات الدقيقة انتشارًا وهي تساعد على عدة عمليات كيميائية في التربة مثل تثبيت النيتروجين والتأزت وتأكسد الكبريت.

د- الأشينيات وهي أحياء نباتية دقيقة جدًّا بين الطحالب والفطريات وتتميز بمقدرتها على الحياة على سطح الصخور الجرداء بسبب قدرتها على الاستفادة من أي غشاء مائي دقيق وعلى امتصاص غذائها من بعض معادن الصخور غير المتحللة وعلى امتصاص بعض الأزوت من الهواء، وهي تمثل البداية الأولى للحياة النباتية على سطح الصخور العارية، كما تعتبر من العوامل الأولى لتكوين التربة عليها.

نسيج التربة وتركيبها Soil texture and soil structure:

المقصود بنسيج التربة هو حجم الحبات التي تتكون منها، أما تركيبها فيقصد به الطريقة التي تتكتل بها هذه الحبات والأشكال التي تأخذها الكتل المكونة منها.

ويتدرج نسيج التربة على حسب حجم من قطع الأحجار المهشمة إلى الحصى والحصباء ثم الرمال بمختلف أحجامها "خشنة - متوسطة - ناعمة - ناعمة جدًّا" ثم الغرين "silt" ثم الصلصال، وليست هناك حدود دقيقة لحجم الحبات التي يتكون منها نسيج التربة ومع ذلك فإن هناك حدودًّا تقريبية يمكن أن يحدد بها هذا النسيج على أساس قطر الحبات المكونة لها كما يأتي1.

صلصال Clay - قطر الحبة 0.002 من الملليمتر.

غرين silt - قطر الحبة من 0.002 إلى 0.05 من الملليمتر.

رمل sand – قطر الحبة من 0.05 إلى ملليمترين.

أحجار، وحصى وحصباء "grit" - قطر الحبة أكبر من ملليمترين.

ولكن يندر أن تكون التربة مكونة من نوع واحد من هذه المواد، والغالب

ص: 526

شكل "109" مثلث نسيج التربة

وهو أنها تكون مكونة من خليط من حبات مختلفة الأحجام، ويحدد نوع التربة على أساس نسبة المواد التي يتكون منها النسيج فإذا كان النسيج مكونًا من خليط من الرمل والغرين والصلصال فإن أنواع التربة يمكن أن ترتب على أساس تزايد نسبة الصلصال والغرين بها كما يأتي: رملية - رملية طفلية - غرينية طفلية - صلصالية طفلية - صلصالية1 "شكل 109".

وتعتبر الحبيبات الصلصالية أدق الحبيبات التي يمكن رؤيتها في نسيج التربة سواء بالعين المجردة أو بالمجهر، ولكن هناك فضلًا عن ذلك ذرات بالغة الدقة لا يمكن رؤيتها ولكنها تظهر بشكل مادة غروية "colloidal" تساعد على تماسك حبات التربة وحبيباتها، ويوصف نسيج التربة بأنه ناعم أو خشن على أساس حجم الحبات والحبيبات التي يتكون منها، وكلما كان النسيج ناعمًا أي

1 هذه هي الحدود التي وضعها مكتب الكيمياء والتربة في الولايات المتحدة راجع united states bureau of chemistry and soils "soil and man" yearbook of agriculture 1938 u.s.p.893.

ص: 527

كانت حبيباته دقيقة ساعد ذلك جذور النباتات على أن تستمد غذاءها من سطح أوسع لأن مجموع سطح الحبيبات في التربة الناعمة يكون أكبر منه في التربة الخشنة، والمعروف أن النباتات تستمد غذاءها من هذه السطوح، وقد قدر مثلًا أن الرطل الواحد من المواد الغروية يمكن أن يغطي مساحة قدرها خمسة أفدنة لو أنه نشر على سطح مستوٍ.

والمألوف في التربة هو أن الحبات والحبيبات لا توجد متفرقة ولكنها تتكتل مع بعضها لتتكون منها مجمعات مختلفة الأشكال والأحجام، والنظام الذي تتكتل به الحبات هو ما يعبر عنه باسم تركيب التربة أو بنائها "soil structure" وتأخذ الحبات في تكتلها أشكالًا معروفة فمنها ما يتكتل في مجمعات تأخذ أشكال قطع الصخور المهشمة أو الشظايا ذات الزوايا المحددة، ومنها ما يأخذ أشكالًا كروية أو بيضية أو منشورية أو شكل الضفائر أو البلاط.

وقد يوصف تركيب التربة بأنه جيد أو رديء على حسب درجة ملاءمته لنمو النباتات، وترتبط جودة التركيب بعوامل مختلفة من أهمها وجود مواد تساعد حبات التربة على الالتصاق والتكتل، وأفضل المواد لهذا الغرض هي المواد التي تحتوي على غذاء عضوي أو معدني مثل الدبال "humus" والكالسيوم والبوتاسيوم والمنجنيز، كما أن نسيج التربة نفسه له دخل كبير في خلق التركيب المناسب، وتعتبر التربة الغرينية والصلصالية من أكثر أنواع التربة ملاءمة لإيجاد التركيب الجيد بسبب كثرة ما بها من مواد غروية.

ولئن كان التوازن الكيميائي في تكوين التربة مهم لرفع قيمتها الإنتاجية فإن نسيج التربة وتركيبها يعتبران كذلك من الصفات المهمة التي يجب مراعاتها عند بحث هذه القيمة، وهما يسيران جنبًا إلى جنب ولا يمكن أن يستغني بأحدهما عن الآخر، فلا يكفي مثلًا أن يكون نسيج التربة ناعمًا مثل الصلصال أو الغرين دون أن يكون تركيبها جيدًا؛ لأنها تكون في هذه الحالة صماء وغير ملائمة لتسرب الماء أو الهواء بين حباتها، كما يكون نفاذ جذور النباتات فيها

ص: 528

صعبًا، ولكن الذي يحدث غالبًا هو أن تأخذ هذه التربة تركيبًا ملائمًا حيث تتحد حبيبات الغرين والصلصال مع بعضها لتتكون منها حبات كبيرة نسبيًّا تبدو كل منها وكأنها حبة أصلية مستقلة، وهذا يسمح للهواء والماء بالتسرب فيها، وقد يحدث أن تعود هذه الحبات الكبيرة نسبيًّا فتتجمع مع بعضها لتتكون منها مجمعات أكبر حجمًا مما يؤدي إلى اتساع الفراغات التي تفصل بعضها عن بعض مما يسهل تهويتها.

القطاع الرأسي للتربة soil profile:

المقصود بالقطاع الرأسي للتربة هو القطاع الذي يبين الطبقات المكونة لها، وهي الطبقات التي يمكن ملاحظتها في كثير من الأحيان على جوانب الوديان والآبار والحفر العميقة، والمعتاد هو أن تكون التربة مكونة من عدد من الطبقات "HORIZONS" التي قد يكون من السهل تمييز بعضها عن بعض على أساس اللون أو التركيب أو النسيج، وهناك ثلاث طبقات رئيسية تكون غالبًا موجودة في معظم أنواع التربة، ويرمز لكل طبقة منها بحرف كبير "CAPITAL" من حروف الهجاء، وهذه الطبقات من أعلى إلى أسفل هي:

الطبقات C،B،A كما أن كل طبقة منها قد تكون مكونة من عدة طبقات أصغر.

وتتميز كل طبقة من الطبقات الرئيسية بصفات خاصة بها، فالطبقة "A" تحتوي عمومًا على أكبر نسبة من المواد العضوية والكائنات الميكروسكوبية المتحللة "الدبال". وهذه هي الطبقة التي تنمو فيها المحاصيل الزراعية، كما أنها هي التي تتعرض دائمًا لعمليات التصفية وتشمل عملية ذوبان الأملاح وتسربها مع المياه إلى الطبقة التي تحتها LEACHING، وعملية إزاحة المواد الناعمة منها بواسطة المياه إلى الطبقة التي تحتها ELUVIATION وتكون هاتان العمليتان نشطتين بصفة خاصة في المناطق الرطبة.

أما الطبقة الثانية "B" فتختلف عن الطبقة الأولى في النسيج والتركيب

ص: 529

واللون، وفي هذه الطبقة تتجمع معظم الأملاح والمواد الناعمة التي تحملها المياه إليها من الطبقة الأولى، وقد تكون هذه المواد في بعض الأحيان كثيرة بدرجة تؤدي إلى تماسكها وجعلها صماء غير مسامية، وهي عادة خالية من الدبال.

وتتكون التربة بمعناها الدقيق من الطبقتين السابقتين، وهما ترتكزان على الطبقة الثالثة "C" التي تتكون من المواد الصخرية الأصلية التي استمدت منها التربة، والتي قد تكون عبارة عن طبقة من المواد الصخرية المفككة أو المتماسكة، أو عبارة عن القاعدة الصخرية الصلبة نفسها، وهي غالبًا ما تكون خالية من أي مظهر من مظاهر التطور المعروفة في التربة.

ولكن لا يشترط أن تكون الطبقات الثلاث ممثلة كلها في قطاع التربة، ففي بعض الأحيان تكون الطبقة "A" مرتكزة فوق الطبقة "C" مباشرة، كما يحدث كثيرًا في الأقاليم الجافة وشبه الجافة.

سمك التربة أو عمقها Soil DEPTH:

تخضع التربة في أثناء تكوينها وتطورها لتأثير عاملين كبيرين يتعارض نشاط أحدهما مع نشاط الآخر وهما عامل البناء وعامل الهدم والإزالة، فبينما يؤدي العامل الأول باستمرار إلى تكوين التربة نتيجة للتغيرات التي تطرأ على المواد التي تحتها فإن العامل الثاني يؤدي باستمرار إلى نحتها وإزالتها وتصفية ما بها من أملاح ومواد ناعمة وخصوصًا في طبقتها السطحية.

ويتوقف نمو التربة وازدياد سمكها على الفرق بين نشاط هذين العاملين، ويكون عامل البناء غالبًا أنشط في مناطق السهول المستوية من عامل الهدم مما يترتب عليه ازدياد سمك التربة بحيث يصل أحيانًا إلى عدة أمتار، أما في المناطق المنحدرة أو المموجة فإن سرعة بناء التربة تكون في كثير من الأحيان مساوية لسرعة إزالتها، ويترتب على ذلك أن تظل رقيقة جدًّا، بل وربما تختفي تمامًا بحيث تبدو القاعدة الصخرية مكشوفة.

ص: 530

نضوج التربة MATURITY OF SOIL:

ويطلق تعبير التربة الناضجة على التربة التي اكتمل تكوينها وأصبحت تتمثل فيها الصفات العامة التي اكتسبتها خلال مراحل تكوينها وتطورها الطبيعي الذي يحدث عادة ببطء شديد، ولكي يتم هذا النضوج يجب أن تبقى المواد الرسوبية الأساسية المكونة لها في نفس مكانها زمنًا طويلًا، وألا تطرأ عليها خلال هذا الزمن تغيرات مهمة، نتيجة لجرفها أو لإضافة رواسب جديدة بكميات كبيرة إليها، أو نتيجة لحدوث تغيرات كبيرة في الأمطار ونظام تصريف المياه، وعلى أساس مراحل التكوين والتطور تقسم التربة أحيانًا إلى ثلاث درجات هي:

التربة الناشئة أو المتغيرة وهي التي ما زالت في بداية تكوينها، ثم التربة الحديثة أو غير الناضجة، ثم التربة الناضجة.

وتوجد التربة الناضجة عادة في المناطق ذات الصرف الجيد ومن مميزاتها أن قطاعها يكون مكتملًا أو ناضجًا ومنتظمًا نتيجة لتطورها البطيء في بيئة طبيعية ملائمة، وأصلح الأراضي لحدوث هذا التطور هي الأراضي التي لا يكون استواؤها شديدًا بدرجة تؤدي إلى تراكم المياه فوقها أو يكون انحدارها شديدًا بدرجة تؤدي إلى جرف التربة باستمرار. ففي مثل هذه الأراضي يمكن أن تتطور التربة تحت تأثير العوامل المناخية والنباتات الطبيعية، كما تنشط فيها التفاعلات البكتريولوجية اللازمة لتحلل المواد العضوية فيها، وينعكس أثر ذلك في الطبقات التي يتكون منها قطاعها.

ويطلق تعبير القطاع الناضج "MATURE PROFILE" على القطاع النهائي الذي تصل إليه التربة التي تطورت في موضعها تطورًا مطردًا حتى وصلت إلى النضوج، وهذا القطاع يظل ثابتًا بعد ذلك ولا يتغير بمرور الوقت.

ويلاحظ أن قطاع التربة لا يكون مكتملًا غالبًا في المناطق التي تتجمع فيها رواسب جديدة باستمرار مثل السهول الفيضية لوديان الأنهار؛ لأن التربة لا تكون في هذه الحالة خاضعة لعوامل التطور العادية التي تساعد على اكتمال

ص: 531