الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترابية كثيفة ولئن سقطت بسببها بعض الأمطار فإنها تكون غالبًا أمطارًا قليلة. أما أكثر الأمطار فتأتي في الشتاء بسبب زيادة نشاط المنخفضات الجوية في هذا الفصل عنها في أي فصل آخر.
وتلعب ظروف الموقع الفلكي والمواقع بالنسبة للبحار واتجاه السواحل والمنحدرات بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة وغير ذلك من العوامل الجغرافية أدوارًا متباينة في تحديد كمية الأمطار ونوعها ونظام سقوطها وطول فصل سقوطها ووقت ظهور قمتها، ولذلك فإن الدراسة العامة لأمطار العالم العربي لا يمكن أن تغني عن الدراسة التفصيلية لظروف كل منطقة.
ويتباين فصل سقوط المطر وطوله في الوطن العربي على حسب الموقع بالنسبة للبحر المتوسط من جهة وبالنسبة للنطاق الاستوائي أو الموسمي سواء في إفريقيا أو آسيا من جهة أخرى. ومع ذلك فإننا سنقسم المناطق الممطرة في العالم العربي بصفة عامة إلى قسمين هما:
أ- مناطق ممطرة شتاء.
ب- مناطق ممطرة صيفًا.
أولًا-
المناطق الممطرة شتاء:
توجد هذه المناطق بصفة خاصة على امتداد السواحل الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط، ولكنها تشمل كذلك معظم المشرق العربي بما في ذلك كل أراضي الخليج العربي وشمال شبه الجزيرة العربية. ووسطها، ولكن ما يستلفت النظر أنه بينما تسقط معظم أمطار مرتفعات اليمن ومرتفعات عسير في جنوب غرب المملكة السعودية في نصف السنة الصيفي فإن معظم الأمطار التي تسقط في كل المناطق السهلية المحيطة بها تسقط في الشتاء. وينطبق هذا على سواحل اليمن الجنوبي وسواحل عمان والسواحل الإفريقية المطلة على جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وتشمل سواحل شمال شرقي السودان وسواحل اريتريا وجيبوتي وأجزاء من ساحل الصومال والسبب الرئيسي للأمطار الشتوية في هذه المناطق هو المنخفضات الجوية التي تتقدم عمومًا من الغرب
إلى الشرق والتي يصل تأثيرها أحيانًا إلى الأطراف الجنوبية للبحر الأحمر، وذلك عندما ينحرف أحدها نحو الجنوب على امتداد البحر الأحمر حتى يصل إلى أواسط هذا البحر قبل أن يعود للاتجاه شرقًا.
وبالنظر إلى خرائط توزيع المطر في المناطق المحيطة بالبحر المتوسط ومقارنتها بخرائط الرياح والتضاريس، نلاحظ الحقائق العامة الآتية:
1-
أنه حيثما تتشابه العوامل المحلية التي تتحكم في سقوط المطر وتوزيعه، وخصوصًا ما يتعلق منها بالتضاريس واتجاه السواحل فإن الأمطار تتناقص عمومًا على طول سواحل هذا البحر. وعبر المشرق العربي من الغرب إلى الشرق فبينما يبلغ معدلها السنوي في مدينة الجزائر مثلًا 75 سم فإنه يبلغ 43 سم في طرابلس الغرب و19 سم في الإسكندرية و6سم في بورسعيد و5سم في بغداد و5 سم في الكويت، إلا أن عامل التضاريس واتجاه المنحدرات والسواحل بالنسبة للرياح الممطرة قد يؤدي إلى زيادة الأمطار في أماكن خاصة وسط أقاليم أقل منها مطرًا بكثير.
بالإضافة إلى التناقص العام للمطر من الغرب إلى الشرق فإنه يتناقص تدريجيًّا كذلك كلما اتجهنا من الأطراف الشمالية للوطن العربي نحو النطاق الصحراوي، والذي يعتبر حاجزًا مناخيًّا كبيرًا يفصل بين الأقاليم الممطرة شتاء في الشمال والأقاليم الممطرة صيفًا في الجنوب.
2-
أن تعاريج السواحل واختلاف اتجاهاتها بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة يؤدي أحيانًا إلى تباين توزيع المطر تباينًا كبيرًا في قطاعات متجاورة من الساحل، فبغض النظر عن وجود الجبال بجوار بعض السواحل فإن أي تغيير في اتجاه الساحل بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة كفيل بأن يؤدي إلى تغير واضح في كمية المطر، ففي شمال إفريقيا مثلًا نجد أن السواحل المواجهة للشمال الغربي أو الغرب هي أكثر السواحل مطرًا، وخصوصًا إذا كانت تكتنفها جبال مرتفعة، أما أقلها مطرًا فهي السواحل المقوسة نحو الجنوب مثل سواحل
الخلجان المتسعة، والسواحل المواجهة للشرق أو الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي، وخصوصًا إذا كانت الجبال تكتنفها من ناحية الغرب لأنها تكون في هذه الحالة واقعة في ظل المطر. فعلى سواحل المغرب العربي مثلًا يتراوح معدل المطر السنوي على السواحل التونسية والجزائرية المقوسة نحو الشمال بين 60 و80 سم، بينما يتراوح بين 30 و50 سم على سواحل المملكة المغربية الممتدة إلى الشرق من منطقة الريف الجبلية ما عدا بعض أشباه الجزر البارزة في البحر مثل شبه الجزيرة التي تقع عليها مدينة مليلة، والتي تعرف باسم رأس السواري. كما تقل الأمطار بصورة أوضح على الساحل الشرقي لتونس، وفي شمال ليبيا نجد أن أقل السواحل مطرًا هي ساحل سهل الجفارة الذي يبدأ من حدود تونس في الغرب حتى مدينة الزاوية تقريبًا في الشرق، وكذلك ساحل خليج سرت بين ميناء مصراته في الغرب ومدينة أجدابية في الشرق، وساحل خليج بمبه الواقع في ظل المطر بالنسبة لمرتفعات شبه جزيرة برقة وامتداده نحو الشرق حتى الحدود المصرية، فعلى كل هذه السواحل تتراوح معدلات المطر السنوية بين 10 و15 سم. ولهذا السبب فإن الصحاري تمتد عندها حتى تصل إلى شاطئ البحر نفسه. وعلى العكس من ذلك نجد أن الأمطار تزيد بصورة واضحة على النتوء الساحلي الذي تقع عليه مدينة طرابلس وعلى كل السواحل الأخرى البارزة نحو الشمال والمتجه نحو الغرب أو الشمال الغربي ومنها الساحل الممتد بين مدينتي طرابلس والخمس والساحل الشمالي والشمالي الغربي لشبه جزيرة برقة. وتتراوح معدلات الأمطار على كل هذه السواحل بين 40 و60 سم. وهي تزداد بصفة خاصة على السواحل التي تكتنفها نطاقات جبلية مثل سواحل شبه جزيرة برقة.
وفي شمال مصر تكثر الأمطار نوعًا ما على سواحل الدلتا وعلى ساحل الإسكندرية وساحل سيدي براني، وهي المناطق التي تتقوس سواحلها نحو الشمال، وفيها تتراوح المعدلات السنوية بين 15 و20سم، بينما لا تزيد على 15 سم في المناطق الأخرى التي تتقوس سواحلها نحو الجنوب مثل الساحل
الذي يمتد بين بلدة العامرية ومدينة مرسى مطروح، والذي تقع عليه بلدة الحمام، وكذلك الساحل الذي يمتد بين دمياط والعريش.
وإذا انتقلنا إلى سواحل فلسطين وسوريا ولبنان نجد أن امتدادها بين الشمال والجنوب يضعها في مواجهة الرياح الممطرة مباشرة تقريبًا، ولذلك فإنها تكون أكثر مطرًا من سواحل شمال مصر وليبيا بصفة عامة، وتزيد الأمطار على سواحل لبنان وسوريا بصفة خاصة بسبب وجود سلاسل الجبال بحذاء الساحل بينما تقل نوعًا ما في جنوب فلسطين لسببين هما: عدم وجود مثل هذه الجبال من ناحية والاقتراب من النطاق; الصحراوي الواقع إلى الجنوب منها من ناحية ثانية.
3-
أن تأثير التضاريس على توزيع الأمطار يبدو واضحًا في كل العالم العربي، فحيثما تكون الجبال ممتدة بموازاة السواحل المواجهة للرياح القادمة من البحر فإن معظم الأمطار تسقط على المنحدرات والسهول الساحلية المواجهة لها وتقل كثيرًا بل وربما تنعدم على المنحدرات والسهول الواقعة على الجانب المضاد، أي في ظل المطر، ويظهر هذا التوزيع بوضوح في كل المناطق الجبلية المجاورة للبحر المتوسط في سوريا ولبنان وشمال ليبيا والمغرب العربي، كما أن التضاريس المعقدة وانقسام المناطق الجبلية إلى كتل أو سلاسل تفصل بعضها عن بعض وديان أو أحواض منخفضة يؤدي إلى ظهور أنواع مناخية متباينة في مناطق متجاورة، وينطبق هذا بوضوح على نفس الأقاليم الجبلية السابقة، فعلى معظم المنحدرات الشمالية لسلاسل جبال أطلس التل مثلًا يزيد المعدل السنوي للأمطار على 80 سم، بينما لا يزيد على المنحدرات الجنوبية لنفس السلاسل وفي هضبة الشطوط عن 30 سم، ولكنه يعود فيزيد قليلًا على المنحدرات الشمالية لأطلس الصحراء التي لا تلبث المظاهر الصحراوية الحقيقية أن تسود على منحدراتها الجنوبية، ومن الطبيعي أن ينعكس توزيع الأمطار على كل مظاهر الحياة الطبيعية والبشرية التي تتباين كثيرًا في بعض المناطق المتجاورة، فعلى المنحدرات الشمالية لجبال أطلس التل تتكون الحياة النباتية عن غابات دائمة