الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد للَّه رب العالمين
الحَمْدُ للَّهِ الفَرْدِ الأحَدِ الوِتْرِ الصَّمَدِ المُبَرَّأَ مِنَ الثَّنِيَةِ وَالعَدَدِ، المُنَزَّهِ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالوَلَدِ، المُبَجَّلِ عَنِ الكُفْوِ وَالعَضُدِ (1)، المُمَجَّدِ عَلَى الدَّوَامِ وَالأبَدِ، المُسَبَّحِ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ، المُقَدَّسِ الأَسْمَاءِ وَالصفَاتِ، المَعْبُودِ في كُلِّ الأوْقَاتِ (2) بِجَمِيعِ
(1) قولكُ: ظنَنْتُ زَيْدًا. . .، وَإذَا ثُنِّيَ ابن أَوْ جُمِعَ. . . آخِرِهِ أوْ كَانَ ابْتِدَاءً لَيْسَ قَبْلَهُ اسْمٌ. . . فِي الاتِّصَال مِنْ أَوَّلِهِ بِابْنَكَ وَلابْنَكَ. . . ابنُهُ وَابْنِي وَأبْنَنَا، وَالتَّثْنِيَةُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو. . . وَالأَصْلِ أَنْ تُثَيَّتَ الأَلِفَ في ابْنٍ علي كُلِّ حَالٍ ولكن .... اصْطَلَحُوا عَلَى مَا أَخْبَرْتَكَ. وَتُكْتَبُ هَذِهِ هِنْدُ ابْنَةُ زَيْدٍ بإثبات الأَلِفِ، وَالهِنْدَانِ ابْنَتَا عَمْرٍو، وَكَذَلِكَ اثنتَانِ بِإِثبَاتِ الأَلِفِ وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَلُغَةٌ أُخْرَى يَطْرَحُونَ مِن ابْنَةَ الأَلِفَ مِنْ ابْنَتَيْنِ فَيَقُوْلُوْنَ هِنْدٌ بِنْتُ زَيْدٍ، لَهُ جَارِيَتَانِ ثِنتانِ. يُقَاسُ عَلَى هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أبُو سَعِيْدٍ الرُّسْتُمِيُّ فِي إسْقَاطِ الأَلِفِ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ (1):
أفِي الحَقِّ أَنْ يُعْطَى ثَلَاثُوْنَ شَاعِرًا
…
وَيُحْرَمُ مَا دُوْنَ الرَّضيّ شَاعِرٌ مِثْلِي
وأَلْحَقْتُ وَاوٌ بِعَمْرُو زِيَادَةً
…
وضُويقَ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَلِفِ الوَصْلِ
(2)
فِي رَكَعَ ---- للَّهِ
وَإِذَا رَجُل يَضْرِبُ عَلَى -- فَإِذَا هُوَ أَبُو بَكْر --
مِنْهَا. قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-
لِسَانَهُ وَقَلْبَهُ دَخَلَ مِنْ أَيٍّ مِنْ أَبْوَابِ الجَّنَّةِ الثَّمَانِيَةَ شَاءَ. --
_________
(1)
البيتان في خاص الخاص ص 67، 174. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أَنَّهُ لَقَيَ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ وَاجِمًا؟ قال: كلمة. . .
صلى الله عليه وسلم مُوْجِبَةً لَمْ أَسْأَلْهُ عَنْهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا أَعْلَمُ مَا هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
الحَمِيْدِيُّ فِي (الجَّمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) فِي مَسْنَدِ أَبِي ذَرٍّ فِي الحَدِيْثِ الثَّالِثِ مِنَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ غدهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَانِي جِبْرِيْلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِن أُمَّتِكَ لَا يَشْرِكُ بِاللَّهِ، دَخَل الجَّنَّةَ. وَفِي رُوَايَةٍ: لَمْ يَدْخلِ النَّارَ.
وَرَوَى الحَمِيْدِيُّ فِي الجَّمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ أَيْضًا فِي مَسْنِدِ غَسَّان بن مَالِكٍ حَدِيْثًا وَاحِدًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ النار على مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَهُ.
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: إِذَا احتضر الميت فَلَقِّنُوْهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فإنه ما مِنْ عَبْدٍ غيم لَهُ بِهَا عِنْدَ مَوْتهِ إِلَّا كَانَتْ زَادَهِ إِلَى الجَّنَّةِ.
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: كَلُّ أُمَمِ الاحياء بَعْضهُمْ فِي النَّارِ وَبَعْضهُمْ فِي الجَّنَّةِ إِلَّا أُمَّتِي لَا أَسْتَقِرُّ حَتَّى يدخل كُلُّهَمْ الجَّنَّةَ.
رَوَى العَلَاءُ بن زَيْدَ. قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابنِ سِيْرِيْنَ وَعِنْدَهُ شهر بن حَوْشَبَ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ قُلْتُ لِشهْرٍ: زَوِّدْنِي زَوَّدَكَ اللَّهُ زَوِّدْنِي يَرْحَمْكَ اللَّهُ. قَالَ: نَعَمْ. أَخْبَرَتْنِي عَمَّتِي أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ جِبْرِيْلَ عَنِ اللَّهِ عز وجل. قَالَ: يَقُوْلُ اللَّهُ تبارك وتعالى: عَبْدِي إِمَا عَبَدْتَنِي وَرَجَوْتَنِي وَلَمْ تشْرك بي شَيْئًا، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا فِيْكَ وَلَوْ اسْتَقْبَلتنِي بِمِلء الأَرْضِ خَطَايَا وَذُنُوْبًا، اسْتَقْبَلْتكَ ملْؤُهَا رَحْمَةً فَأَغْفِرُ لَكَ ولا أُبَالِي.
وَحَدَّثَ محمد بنِ القَاسَمِ قَالَ حَدَّثنَا إِسْمَاعِيْلُ بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثنَا ابنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثنَا مَالِكٌ عَنِ العَلَاءِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَن عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيْهِ =
العِبَادَاتِ، المَقْصُوْدِ مِنْ كُلِّ الجِّهَاتِ بِأنْوَاعِ الإِشَارَاتِ وَصُنُوفِ العِبَارَاتِ، الَّذِي أقَرَّتْ شَاهِدَةً بِثُبُوْتِ رُبُوبِيَّتِهِ الضَّمَائِرُ وَالأَفْوَاهُ، وَخَرَّتْ سَاجِدَةً لِجَلَالِ هَيْبَتِهِ الأَذْقَانُ وَالجِبَاهُ، وَقَرَّتْ مُشَاهِدَةً لِهَوْلِ قُدْرَتِهِ العُيُوْنُ بِمَا تَرَاهُ، وَاسْتَقَرَّتْ جَاهِدَةً في الدَّلَالَةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَأنْ لَا إلَهَ سِوَاهُ دَقَائِقُ لَطَائِفِ حِكْمَتِهِ، وَبَدَائِعُ طَرَائِفِ صنْعَتِهِ فِيْمَا خَلَقَهُ وَسَوَّاهُ، وَذَرَاهُ وَبَرَاهُ، وَأَعَادَهُ ثُمَّ أبْدَاهُ، فَتَبَارَكَ الَّذِي هُوَ في كُلِّ شَيْءٍ (1) مَوْجُوْدٌ وَبِكُلِّ مَعْنًى إلَهٌ.
أَحْمَدُهُ وَالحَمْدُ غَايَةُ مَنْ شَكَرَ، وَأَذْكُرُهُ ذِكْرًا كَثِيرًا كَمَا أمَرَ، وَأسْتَغْفِرُهُ وَهُوَ أوْلَى مَنْ غَفَرَ، وَأُؤمِنُ بِهِ إرْغَامًا لِمَنْ جَحَدَ وَكَفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ فَلَا شَرِيْكَ لَهُ، شَهَادَةً مُوَطَّدًا بِالإِيْمَانِ أرْكَانُهَا (2)، مُشَيَّدًا بِالإِيْقَانِ
= غَيْرِي فَهُوَ لَهُ كُلَّهُ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ وَأَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عن الشّرْكِ.
(1)
شَيْءٌ جَمْعُهُ أَشْيَاءَ قَالَ الخليل بن أَحْمَدَ وَزْنُ أَشْيَاءَ لَفْعَاءَ مُتَقَدِّمَةً اللَّام عَلَى الفَاءِ. وَقَالَ غَيْرُهُ جَمْعُهَا أَفْعَالُ فَكَأَنَّ الهَمْزُ فِي شَيْءٍ مَذْهَبُ الخَلِيْلِ نُقِلَتْ إِلَى أول. . . بقيَ آخِرَهَا.
ألف التأنيث، فهي لا. . .
أَلِفًا كَحَمْرَاءَ وَصَفْرَاءَ. . .
لأَنَّهَا جَمْعٌ تَعَدَّى. .
(2)
يُرْوَى أنَّ المُنْذِرَ بنِ الجاوْرِد العَبْدِيُّ سَأَلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَهُوَ يَخْطِبُ يَوْمَ فتحِ البَصرَةَ فَقَالَ لَهُ: يَا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مَا الجَّمَاعَةُ وَمَا الفَرْقَةُ وَمَا السُّنَّةُ وَمَا البِدْعَةُ؟ قَالَ: أمَّا الجَّمَاعَةُ فَأَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَإنْ قَلُّوا، وَأمَّا الفَرْقَةُ فَالمُخَالِفُوْنَ لِي وَلِمَنْ اتَّبَعَنِي وَإنْ كَثُرُوا، وَأمَّا السُّنَّةُ فَمَا سَنَّهُ اللَّهُ وَرَسُوْلُهُ، وَأمَّا البِدْعَةُ فَكُلَّمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُوْلهِ.
قَالَ المُنْذِرُ: يَا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فَصِفْ لنَا أَحْوَالَ الإيْمَانِ. فَقَالَ: نَعَمْ إنَّ اللَّهَ شَرَعَ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الإِسْلَامَ لِخَلْقِهِ وَاصْطفَاهَا لِنَفْسِهِ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ عَلَى مَنْ وَرَدَهُ، وَأَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ عَانَدَهُ، جَعَلَهُ سُلَّمًا لِمَنْ دَخَلَهُ، وَدِيْنًا لِمَنْ انتحَلَهُ، وَشَرَفًا لِمَنْ عَرِفَهُ، وَعِزًا لِمَنْ وَصَفَهُ، وَبُرْهَانًا لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَحُجَّةً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ، وَعِلْمًا لِمَنْ عَمِلَ بِهِ، وَحِكْمَةً لِمَنْ نَطَقَ بِهِ، وَحَبْلًا وثيْقًا لِمَن اعْتَصَمَ بِهِ، وَنَجَاةً لِمَنْ آمَنَ بِهِ. فَالإيْمَانُ مَنْهَجُ الحَقِّ، وَالحَقُّ سَبِيْلُ الهَدَى، وَالهُدَى سَبْقَةُ الحَلْبَةِ، فَهُوَ أَبْلَجُ مِنْهَاجٍ وَأَنْوَرُ سِرَاجٍ وَأَرْفَعُ غَايَةٍ وَاضِحُ البَيَانِ عَظِيْمُ البُرْهَانِ الأَمْنُ وَالصَّالحِاتُ مِنْهَا وَبِالأَمِنْ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ وبِالصَّالِحَاتِ يَعمّ الفقْهُ وَبَالفقْهِ يُرْهبُ المَوْتُ وَبِالمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا وَبِالدَّنْيَا تُحَازُ الآخِرَةُ وَفِي الآخِرَةِ حَسْرَةُ أَهْلِ النَّارِ وَذِكْرُ النَّارِ مَوْعِظَةِ أَهْلِ التَّقْوَى.
الإيْمَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى الصَّبْرِ وَاليَقِيْنِ وَالعَدْلِ وَالحَقِيْقَةِ فَالصَّبْرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى الشَّوْقِ وَالإِشْفَاقِ إِلَى الجَّنَةِ سَلَا عَنْ الشَّهَوَاتِ وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ ارْتَدَعَ عَنِ المُحَرَّمَاتِ وَمَنْ زَهِدَ هَانَتْ عَلَيْهِ المُصِيْبَاتُ وَمَنْ ارْتَقَبَ المَوْتَ أَسَرَعَ فِي دَفْعِ الخَيْرَاتِ.
وَاليَقِيْنُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى تَبْصِرَةِ الفَطِيْنَةِ وَتأَوُّلِ الحِكْمَةِ وَمَوْعِظَةِ العِبْرَةِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَّةِ أَبْصَرَ الفِطْنَةَ تَأَوَّلَ الحِكْمَةَ وَمَنْ تأَوَّلَ الحِكْمَةَ عَرفَ العِبْرَةَ وَمَنْ عَرفَ العِبْرَةَ أَدْرَكَ السُّنَّةَ وَمَنْ أَدْرَكَ السُّنَّةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الهُدَاةِ الأَوَّلِيْنَ.
وَالعَدْلُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى غَائِصِ الفَهْمِ وَرَوْضةِ العِلْمِ وَشَرَائِعِ الحِكْمِ وَزَهْرَةِ الحِلْمِ مَنْ فَهِمَ فَسَّرَ جُمَلَ العِلْمِ وَمَنْ فَسَّرَ جُمَلَ العِلْمِ شَرَعَ الحُكْمَ وَمَنْ شَرَعَ الحُكْمَ عَرِفَ الحِلْمَ وَمَنْ حَلِمَ لَمْ يَفرطْ فِي أَمْرِهِ وَعَاشَ فِي النَّاسِ حَمِيْدًا.
وَالجهَادُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى الأمْرِ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ وَالصِّدْقِ فِي المَوَاطِنِ وَشَنآنِ الفَاسِقِيْنَ وَمِنْ أَمَرَ بالمَعْرُوْفِ شَدَّ ظُهُوْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَمَنْ نَهَى عَنِ المُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوْفُ المُنَافِقِيْنَ وَمَنْ أَرْغَمَ أُنُوْفُ المُنَافِقِيْنَ صَدَقَ فِي المَوَاطِنِ وَمَنْ صَدَقَ فِي المَوَاطِنِ شَنِئَ الفَاسِقِيْنَ وَمَنْ شَنِئَ الفَاسِقِيْنَ غَضَبَ للَّهِ فَغَضِبَ اللَّهُ لَهُ.
فَقَامَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بنُ يَاسِرَ وَقَالَ يا أمِيرُ المُؤْمِنِيْنَ وَصَفْتَ أَحْوَالُ الإِيْمَانِ فَصِفْ لنَا أَحْوَالَ الكُفْرِ. =
بُنْيَانُهَا (1)، مُهذَبًا مَذْهَبُهَا، صَافِيًا مَشْرَبُهَا، مُوَافِقَةً لِلإِخْلَاصِ مُطَهَّرَةً مِنَ النِّفَاقِ، مُدَّخَرَةً لِيَوْمِ التَّلَاقِ (2).
= قَالَ: نَعَمْ يا أبَا اليَقْظَانِ بُنِيَّ الرَّدُّ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى الجَّفَاءِ وَالعَمَى وَالغَفْلَةِ وَالشَّكِّ. فَمَنْ جَفَا الحَقَّ جَهَرَ بِالبَاطِلِ وَمضنْ جَهَرَ بِالبَاطِلِ مَقَتَ العُلَمَاءَ وَمَنْ مَقَتَ العُلَمَاءَ عَمِيَ عَنْ الذِّكْرِ وَمَنْ عَمِيَ عَنْ الذِّكْرِ غَفِلَ عَنْ الرُّشْدِ وَمَنْ غَفِلَ عَنْ الرُّشْدِ شَكَّ فِي اليَقِيْنِ وَمَنْ شَكَّ فِي اليَقِيْنِ حَادَ عَنِ السَّبِيْلِ وَمَنْ حَادَ عَنِ السَّبيْلِ كَفَرَ بِرَبِّهِ فاحتقّتِ الحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ يَوْم القِيَامَةِ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَال: يا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَخْبِرْنَا عَنْ. قَالَ: نَعَمْ إنَّ اللَّهَ بَعَث النَّبيِّيْنَ مبشرين ومنذرين، فصدّقهم مُصَدَّقُوْنَ وَكَذَّبَهُمْ مُكَذِّبُوْنَ كَذَّبَهُمْ مِنْ صدَقَهُمْ فَأَظْهَرَهُمُ اللَّهُ. فَمِنْهُمْ المُنْكِرُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ بِذَلِكَ خِصَالٌ لَهُمْ وَمِنْهُمْ المُنْكِرُ قَلْبَهُ وَلِسَانَهُ تَارِكٌ له بِيَدِهِ فقال خِصَالُ الخَيْرِ المُنْكِرُ فَمُنْكِر قَلْبهُ تَارِكٌ له بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ خِصَالَ الخَيْرِ وَمِنْهُمْ له لِسَانِهِ.
(1)
رَوَى أَبو الصَّلْتِ الهَرَوِيُّ قَالَ: حَدَّثنَا عَلِيُّ بن مُوْسَى الرِّضَا عَنْ أَبِيْهِ عن مُحَمَّد بن عَلِيّ عَنْ أَبيْهِ عَلِيُّ بن الحُسَيْن عَنْ أَبِيْهِ مُحَمَّد بن عَلِيّ بن الحُسَيْن بن عَلِيّ عَنْ أَبِيْهِ عَلِيّ بن أَبي طَالِبٍ عَنْ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّهُ قَالَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَقْلٌ بِالقَلْب وَعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ. فَأَوَّلُ دَرَجَاتِ الإِيْمَانِ دَرَجَةُ الإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ إِظْهَارُ الشَّهَادَتَيْنِ بِاللًّسَانِ وَيتبَعُهُا التَّصْدِيْقُ وَهُوَ عَقْدٌ بالقَلْبِ وعمل بالجَّوَارِحِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ وَرَسَمَهُ رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأمّتهِ.
الشقشقة: ما يخرج مِنْ فَمِ البَعِيْرِ.
وسئل أبو عبد اللَّه جَعْفَرُ بن مُحَمَّدِ الصَّادِقِ عليه السلام عَنِ الإِيْمَانِ أَهُوَ قَوْلٌ وَعَمَل قَوْلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ يُقَالُ الإِيْمَانُ كُلُّهُ عَمَلٌ مِنَ تَضْمُنُ ذَلِكَ العَمَلِ.
وَلَا يُقَال القَلْبُ فِيْمَا يَعْتَوِرُهُ مِنَ التَّصْدِيْقِ دُوْنَ العَمَلِ بِالجَّوَارِحِ كَمَا لَا يُغْنِي العَمَلُ بِالجَّوَارِحِ دُوْنَ العَقْدِ بِالقَلْبِ ذلك بِجِمْلَتِهِ هُوَ الإِيْمَانُ الَّذِي بِمَعْرِفَتِهِ. . . نكون أبناء.
(2)
عَلِيُّ بنُ الفَضْلِ الكَاتِبِ المَعْرُوف بِابِنِ صُرَّدُرَّ (1):
_________
(1)
ديوان صردر ص 88. =
وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَبِيُّهُ وَأمِيْنُهُ، وَوَلِيُّهُ وَنَجِيّهُ، وَحَبيْبُهُ وَصَفِيُّهُ، المُؤَيَّد بِاللَّسَنِ وَالبَرَاعَةِ، المُدَّخَرُ فِي المَعَادِ لِشَرَفِ الشَّفَاعَةِ، أرْسَلَهُ وَشَقَاشِقُ الفُجُوْرِ هَادِرَةٌ، وَصَوَاعِقُ الشُّرُوْرِ هَامِرَةٌ، وَحَنَادِسُ الضَّلَالِ دَاجِرَةٌ، وَدَوَائَرُ الشَّقاءِ دائَرَةٌ، وَبِحَارُ الإِفْكِ زَاخِرَةٌ، وَأعْوَانُ الشِّرْكِ مُتَظَاهِرَةٌ، حِيْنَ اشْمَخَرَّ مِنَ الكُفْرِ طُغْيَانُهُ، وَاسْتَمَرَّ عُدْوَانُهُ، وَأَجْلَبَ شَيْطَانُهُ، وَالتَهَبَتْ فِي الخَافِقَيْنِ نِيْرَانُهُ، وَسَتَرَ شَمْسَ اليَقِيْنِ دُخَانُهُ، وَعُبدَتْ مِنْ دُوْنِ الحَقَ المُبِيْنِ أوْثَانُهُ، فَاقْتَحَمَ صلى الله عليه وسلم نَيْرَانَهُ، وَدَحَرَ شَيْطَانَهُ وَأخْرَسَ شَقَاشِقَهُ، وَأخْنَسَ مُنَافِقَهُ، وَلَمْ يَزَلْ يُطْفِئُ بِالإِيْمَانِ ضرَامَهُ، وَيُبْرِيءُ بِالقُرْآنِ سَقَامَهُ وَيَجْلُو بِالإِيمانِ قَتَامَهُ وَيَعْلُو بِحَوْلِ ذِي الجَّلَالِ وَالإكْرَامِ أصْنَامَهُ، مُشَمِّرًا فِي ذَاتِ اللَّهِ بِالقَوْلِ وَالفَعَالِ، مُدِيلًا بِسَيْفِهِ لِلحَقِّ المُذَالِ (1)، سَاطِعًا فِي البِلَادِ نُوْرُهُ، قَاطِعًا لِلْعِنَادِ ظُهُوْرُهُ، مُبَشِّرَةً بِالفَلَاحِ أسَارِيْرُهُ،
= لَكَ المَثَلُ الأعْلَى بِكُلِّ فَضِيْلَةٍ
…
إِذَا مَلأَ الرَّاوِي بِهَا الغَوْرَ أَتْهَمَا
لآلِئُ مِنْ بَحْرِ الفَضَائِلِ إِنْ بَدَتْ
…
لِغَائِصهَا صلَّى عَلَيْهَا وَسَلَّمَا
(1)
يتِيْهُ رِمْحٌ أَبَادَ المُعْتَدِيْنَ بِهِ طَعْنًا
…
وَيَفْخَرُ صَمْصَامٌ بِهِ ضَرَّا
بَكْرُ بنُ النَّطَّاحُ (1):
لَهُ قَلْبَانِ فِي بَدَنٍ فَمَنْ ذَا لَهُ
…
قَلْبَانِ فِي بَدَنٍ وصيد. . . . .
فَقَلْبٌ مِنْ حَرِيْرِ حِيْنَ يَرْضَى
…
وَقَلْبٌ حِيْنَ يَغْضبُ
قَالَ أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيّ ابن أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: كُنَّا إِذَا اشتدَّ البَأْسُ اتَّقَيْنا بِرِسُوْلِ اللَّهِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ -- أَقْرَبُ إِلَى العَمَلِ منه.
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا -- مِنَ العَدُوِّ وَاشْتَدَّ عضاضُ الحَرْبِ فَزِعَ المُسْلِمُوْنَ إلى صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ فَسَأَلَ اللَّهُ النَّصْرَ عَلَيْهُمُ -- يَخَافُوْنَهُ بِمَكَانِهِ صلى الله عليه وسلم.
فَوَاحِدُهُمْ كَالأَلْفِ بَأَسًا وَنَجْدَةً
…
وَأَلْفُهُمُ لِلعَربِ
المَوْسَوِيُّ (2):
_________
(1)
لم يردا في مجموع شعره.
(2)
انظر: ديوان الشريف الرضي (صادر) 1/ 329 - 331. =
مُيَسَّرَةً بِهِ مِنْ فَلَقِ الصِّدْقِ تَبَاشِيْرُهُ حَتَّى أخْمَدَ لَهَبَ البُهْتَانِ المُضْطَرِمِ، وَشَفَى الأَسْمَاعَ مِنَ الصَّمَمِ، وَنَفَى بِأنْوَارِهِ حَنَادِسَ الظُّلَمِ، وَوَفَى بِالعُهُوْدِ وَالذِّمَمِ، فَرَفَلَ الَّدِيْنُ فِي أذْيَالِهِ، وَتَسَرْبَلَ اليَقِيْنُ أجْمَلَ سِرْبَالِهِ، وَاعْتَدَلَ فِي جَمِيع أحْوَالِهِ، وَأقْبَلَ، عِنْدَ نَظمِهِ وَنَثْرِهِ (1).
[من الطويل]
لقُسّ عُكَاظٍ أَوْ لَقِيْطِ بْن مَعْبَدٍ
…
وَعُذْرَةَ وَالمِنْطِيْقِ زَيْدِ بن جُنْدُبِ
وَأذْرَبُ مِنْ حَدِّ السِّنَانِ لِسَانُهُ
…
وَأمْضَى مِنَ السَّيْفِ الحُسَامِ المُشَطَّبِ (2)
= يُشَقُّ الرَّوع عَنْ ضَاحِي بُدورٍ
…
بَرَزْنَ مِنَ العَجَاجَةِ فِي دآدِ
تريهم فيه مرآة المنايا
…
بصدق يقينهم، وجه المعادِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَسُمِّيَتْ - لِطُلُوْع -- وَالذّرَع الأَسْوَد -- وَمَأْخُوْذٌ مِنَ ---- وَالمُحَاق لأن السهر بحق -- أَوْ لأَنَّ مَاضي القَمَر --- مِنَ البَانَةَ وَالسَّرْدِ -- لأَنَّ --.
(1)
أبو داود بن جرير الأيادي (1).
(2)
سُوَيْدُ بن أَبِي كَاهِلٍ (2):
وَلِسَانًا صَرْفِيًّا صَارِمًا كَحُسَامِ
…
لِحُسَامِ السَّيْفِ مَا مَسَّ قَطْعُ
البُحْتُرِيُّ (3):
وإذَا تَأَلَّقَ فِي النَّدِيَّ كَلَامُهُ المَـ
…
ـصْقُوْلُ خِلْتَ لِسَانُهُ مِنْ عَضبِهِ
_________
(1)
كذا ورد في هامش الأصل، والصواب: أبو دؤاد بن حريز الإيادي، والبجتان لشاعر من إياد في رثاء أبي دؤاد. انظر: البيان والتبيين 1/ 42 - 43.
(2)
ديوانه 44، المفضليات رقم 40.
(3)
ديوانه 1/ 164. =
وَجَمْهُورُ الأدَب (1) مَأخُوْذٌ مِنْ لُغَةِ العَرَبِ، وَمَا تَنَاقَلتهُ مِنَ الأَمْثَالِ وَالنُّخَبِ فِي أشْعَارِهَا وَالخُطَبِ، وَذَلِكَ أنَّ اللَّهَ عز وجل [اختار من عباده] صيَّرَهَا عَرَبًا عَارِبَةً، وَسَيَّرَهَا في صَحَاصحِ (2)[البادية] وَأسْكَنَهَا حُزُوْنَ الجِّبَالِ وَسُهُولَ الفَلَوَاتِ شَارِقَةً
= المُتَنَبِّيّ (1):
كَأَنَّ أَلْسِنُهُمْ فِي النُّطْقِ قَدْ جُعِلَتْ
…
عَلَى رِمَاحِهِمِ فِي الطَّعْنِ خِرْصَانَا
هَارُوْنُ الرَّازِيُّ:
لِسَانًا إذَا أَدْلَى إِلَى الفِكْرِ دَلْوَهُ
…
جَرَى مِنْهُ فَيْضُ العِلْمِ وَهُوَ مَعِيْنُ
وَتَنْطِقُ عَنْهُ صَامِتَاتٌ بِحِكْمَةٍ
…
ظهور قَرَاطِيْسٍ لَهَا وَبُطُوْنُ
أبُو نُوَّاسٍ (2):
لِسَانَا إذَا امْتَاحَ الضَّمِيْرُ جَرَتْ لَهُ
…
مِنَ الحِكَمِ الثَّرِّ الغِرَارِ مَنَابِعُ
النَّابِغَةِ الجَّعْدِيُّ (3):
جَدِيْدُ السِّنَانِ سَلِيْطُ اللِّسَانِ
…
غَيْرُ عَيٍّ وَلَا مُسْهِبِ
جَرِيْءٌ عَلَى مَا غَيْرِ المُنْكَرَاتِ
…
عَلَى المُرُوْءَةِ وَالمَنْصبِ
(1)
جَمْهُرةُ الشَّيْءِ وَجُمْهُورُهُ أَكْثَرَهُ وَغَالِبُهُ.
(2)
الصَّحَاصِحُ جَمْعُ صحْصَاعٍ وَهُوَ الطَّرِيْقُ الوَاسِعُ وَأنْشَدَ:
وَقَدْ أَجُوْبُ البَلَدُ القَرَاحَا
المرمريسَ الصَّفْصَفَ الصِّحْصَاحَا
بِالقَوْمِ لَا مَرْضَى وَلَا صِحَاحَا
وَقَدْ وَرَدَ شَارِقَةٌ وَغَارِبَةٌ. قَالَ ابنُ نُبَاتَةَ السَّعْدِيّ يَمْدَحُ الإِمَامُ القَادِرِ بِاللَّهِ (4):
_________
(1)
ديوانه 4/ 228.
(2)
لم يرد في ديوانه.
(3)
لسان العرب (سهب).
(4)
ديوانه ص 284.
غَارِبَةً، وَخَصَّهُم بِطيْب الأَعْرَاقِ، وَكَرَمِ الأَخْلَاقِ، وَالعِلَمِ وَالحِلْمِ، وَالعَزْمِ وَالحَزْمِ، وَالدَّهَاءِ وَالنًّجَبَةِ، وَالنَّجْدَةِ وَالسَّخَاءِ، وَالهِمَّةِ وَالذَمَّةِ وَالوَفَاءِ، فَهُمُ الأنْجَادُ الأمْجَادُ، المَطَاعِيْنُ المَطَاعِيْمُ الأجْوَادُ، يَرْعَوْنَ الجَّارَ، وَيَحْمُوْنَ الذِّمَارَ، وَيُدْرِكُوْنَ الثَّارَ ولا يَدَّرِعُوْنَ العَارَ، مُلْكهُمُ لَقَاحٌ، وَنَيْلُهُمُ مُبَاحٌ، وَجِدُّهُمُ صُرَاحٌ، وَحُصُونُهُمُ أسِنَّةٌ وصِفَاحٌ.
هُمْ أصْدَقُ الأنَامِ أنْسَابًا، وَأعْرَقُهُمْ أحْسَابًا. مَا مِنْهُمْ إلَّا مَنْ يُسَمِّي أبَاهُ أبًا فَأَبًا عَلَى مُروْرِ الأيَّامِ، وَكُرُوْرِ الأعْوَامِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ بِهِ نَسَبُهُ آدَمَ عليه السلام. وَفَضَائِلُ العَرَبِ أكْثَرُ [من] أَنْ تُحْصَى، وَمَآثِرُهُم لَا تُسْتَقْصَى. فَأمَّا قُرَيْشٌ (1)،
= خُوْدٌ إذَا أَخْفُوا مَحَاسِنَهَا
…
نَمَّتْ بِهَا الأَسْتَارُ وَالكِلَلُ
كَالشَّمْسِ شَارِقَةً وَغَارِبَةً
…
لَا الشَّمْسُ تَكْتِمُها وَلَا الطَّفَلُ
وَقَالَ الآخَرُ:
وَرُبَّ وَادٍ سَقَاهُ كَوْكَبٌ أَمِرٌ فِيْهِ
…
الأَوَابدُ وَالأُدْمُ اليَعَافِيْر
هَبَطْتُهُ غَادِيًا وَالشَّمْسُ شَارِقَةٌ
…
كَأَنَّ حَوْذَانُهُ فِيْهِ الدَّنَانِيْرُ
(1)
قِيْلَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا (1) لأَنَّهَا تَقَرَّشَتْ أَيْ اجْتَمَعَتْ. يُقَالُ قَرَشْتُ المَالَ إذَا جَمَعْتُهُ، وَبِهِ سُمِّيَتْ قَرَيْشٌ لِلتِّجَارَةِ وَجَمْعِ المَالِ وَكَانُوا مُتَبَدِّدِيْنَ فِي الأَرْضِ حَتَّى جَمَعَهُمْ قُصَيٌّ فَسُمِّيَ مُجَمِّعًا.
وَقَالَ مَعْرُوْفُ بن خُرَّبُوذَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ قُرَيْشًا لأَنَّهُمْ كَانُوا يُفتِّشُوْنَ الحَاجَّ عَنْ خَلَّتِهِمْ فَيُطْعِمُوْنَ الجَّائِعَ وَيَكْسُوْنَ العَارِيَ وَيَحْمِلُوْنَ المُنْقَطِعَ. وَالتَّقْرِيْشُ: التَّفْتِيْشُ. ثُمَّ أنْشَدَ قَوْلَ الحَارِثِ بنِ حِلْزَةَ (2):
أَيُّهَا الشَّامِتُ المُقَرِّشُ عَنَّا
…
عِنْدَ عَمْرٍ وفَهَلْ لَهُ إِبْقَاءُ؟
وَرَوَى إبْرَاهِيْمُ بن المُنْذِرِ أنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عَبْدُ مَنَافٍ عِزُّ
_________
(1)
انظر: خزانة الأدب للبغدادي 2/ 203.
(2)
ديوانه ص 24.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قُرَيْشٍ، وَأَسَدُ بن عَبْدِ العُزَّى عَضَدُهَا، وَعَبْدُ الدَّارِ رَكْنَهَا وَزَهْرَةُ الكَبدِ، وَتَيْمٌ وَعَدِيٌّ زَيْنَهَا، وَمَخْزُوْمٌ فِيْهَا كَالأَرَاكِبَةِ فِي نَصْرَتهَا، وَجُمْحٌ وَسَهْمٌ جَنَاحَاهَا، وَعَامِرٌ ليُؤْثِهَا وَفُرْسَانِهَا، وَكُلُّ تَبْعٌ لِوَلَدِ قُصَيٍّ وَالنَّاسُ تَبْعٌ لِقُرَيْشٍ.
وَأمَّا قَبِائِلُ قُرَيْشٍ فَمِنْهَا: بَنُو هَاشِمٍ بن عَبْدِ مَنَافٍ بن قَصَيِّ وَمِنْهُمْ رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَمِنْهُمْ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ عليه السلام.
وَمِنْهَا بَنُو أُمَيَّةَ بنُ عَبْدِ شَمْسٍ بنُ عَبْدُ مَنَافٍ بن قُصَيِّ، وَمِنْهُمْ عُثْمَانَ بنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، وَمُعَاوِيَةَ بنُ أَبِي سُفْيَانَ.
وَمِنْهَا بَنُو عَبْدِ الدَّارِ بن قُصَيِّ وهم الَّذِينَ دَخَلُوا الشِّعْبَ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ حِيْنَ حُصِرُوا فِيْهِ.
وَمِنْهَا بَنُو عَبْدِ العُزِّىّ بن قُصَيِّ مِنْهُمْ خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وَمِنْهُمْ الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامُ.
وَمِنْهَا بَنُو زَهْرَةَ بن كِلَابٍ أَخِي قُصَيّ بن كِلَابٍ، وَمِنْهُمْ آمِنَةَ أُمُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وَمِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ وَسَعِيْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنهما، وَمِنْهَا بَنُو تَيْمٍ بن مُرَّةَ بنُ كَعْبٍ بن لُؤَّي بن غَالِبٍ مِنْهُمْ أبُو بَكْر الصِّدِّيِقِ رضي الله عنه، وَطَلْحَةُ بن عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْهَا بَنُو عَلِيِّ بن كَعْب.
وَمِنْهُمْ عُمَرُ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه وَسَعْدُ بن زَيْدٍ.
وَمِنْهَا بَنُو يَقْظَةَ بن مَرَّةَ بن كَعْبِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبٍ مِنْهُمْ خَالِدُ بنُ الوَليْدِ رضي الله عنه.
وَمِنْهُمْ اللَّعِيْنُ أبُو جَهْلٍ، وَمِنْهَا بَنُو سَهْمٍ وَبَنُو - عَمْرُو بن العَاصِ.
وَمِنْهَا بَنُو أَسَدِبن عَامِرِ بن غَالِب مِنْهُمْ سَهْلُ بن عَمْرُو، وَمِنْهُمْ بَنُو ضبَّةَ بن الحَارِثِ بن -،
وَمِنْهَا بَنُو. . . . .
. . . . أَنْ يَطِيْعَهُ وَخَافَتْ أَنْ. . . . =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَصنَعَ الثَّرِيْدَ وَأَوْسَعَ الحَجِيْجَ طَعَامًا وَسَقيًا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَطْعَمَ الحَاجُّ وَسَقَاهُمْ. وَمِنْ قُرَيْشٍ أيْضًا قُرَيْشُ الظَّوَاهِرُ، وَهَؤْلَاءِ قُرَيْشُ الظَّوَهِرَ وَكَلَّهُمْ مَكَّةَ فهرِ بنِ مَالِكٍ سِوَى بني هِلَالِ بن أَهِيْب بن الحِارَثِ الذينَ ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ دَخَلُوا البَطْحَاءَ.
* * *
وَمِنْ قُرَيْشٍ قَبَائِلَ لَيْسُوا بِأَبِطَحِيَّةٍ وَلَا ظَاهِرِيَّةٍ. فَمِنْهُم بَنُو سَامَةَ بن لُؤَيّ بن غَالِبٍ لَحقُوا بِعَمَانَ. وَمِنْهُمْ بَنُو خُزَيْمَةَ بن لُؤَيّ بن غَالِبٍ لَحقُوأ بِبَنِي شَيْبَانَ. وَمِنْهُمْ بَنُو سَعِيْدٍ بن لُؤَيّ بن غَالِبٍ لَحقُوا بِشَيْبَانَ أيْضًا. وَمِنْهُمْ بَنُو عَوْفٍ بن غَالِبٍ لَحقُوا بِغَطْفَانَ. وَأمَّا المَطَيبُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُمْ بَنُو عَبْدِ مُنَافٍ وَبَنُو أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّيُّ وَبَنُو تَيْمِ وَبَنُو زَهْرَةَ بنِ كِلَابٍ وَبَنُو عَبْدِ قُصَيّ وَبَنُو الحَرِثَ بنِ فَهْرٍ. وَكَاَنَتْ البَيْضَاءَ أُمُّ الحَكَمِ قَدْ جَعَلَتْ لَهُمْ خلُوْقًا فِي جَفْنَةٍ فَلَمَّا تَحَالَفُوا جَعَلُوا يَدَيْهِمْ فِيْهِ. وَأمَّا الفُضُوْلُ فَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ وَبَنُو أَسَدٍ بن عَبْدِ العَزّيّ وَبَنُو زَهْرَةَ وَبَنُو تَيْمٍ كَانُوا تَحَالَفُوا عَلَى نَصْرِ المَظْلُوْمِ بِمَكَّةَ وَشَهَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حِلْفَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوْحَى إِلَيْهِ. وَأمَّا لَعْقَةُ الدَّمِ فَهُمْ بَنِي مَخْزُوْمٍ وَبَنُو عُدَيٍّ وَبَنُو سَهْمٍ وَبَنُو جَمْحَ وَبَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَكَانُوا نَحَرُوا جَزُوْزًا وَأخَذُوا دَمَهَا فِي جَفْنَةٍ فَلَمَّا تَحَالَفُوا وَضعُوا أَصَابِعَهُمْ فِي ذَلِكَ الدَّمِ وَلَعَقُوا مِنْهُ. وَسُمِّيَ حِلْفُ الفُضُوْلِ لأَنَّ مِنَ الَّذِينَ قَامُوا بِهِ الفَضْلُ بن الحَرِثِ وَالفَضْلُ بن وَدَاعَةَ وَالفَضِيْلُ ابنُ فَضالَةَ وَكَانَ تَحَالُفُهُم كَتَحَالُفِ المُطِيِّبيْنَ.
وَسُمِّيَتِ الحمِيْسُ لالْتِزَامَهَا أَحْكَامًا شَدِيْدَةً يَعْبُدُوْنَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِهَا لِظَنِّهِمْ أنَّهَا تُزْلفهُمْ لَدَيْهِ. وَالحَّمَاسَةُ الشِدَّةُ.
وَهَذِهِ جُمْلَةٌ لَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا.
* * *
وَلَهُمْ جذْمَانِ عَدْنَانُ وَقَحْطَانُ فَعَدْنَانُ مِنْ وُلدِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إبْرَاهِيْمَ خَلِيْلِ الرَّحْمَنِ عليه الصلاة والسلام وَهُمْ يُدْعَوْنَ بَنِي عِرْقِ الثَّرَى وَعِرْقُ الثَّرَى، إِسْمَاعِيْلُ عليه السلام وَفِي بَنِي تَارِحَ بنِ نَاحُوْرَا الصَّرَاحَةُ مِنْ وُلدِ فَالِغَ بن عَابرَ بن شَالِخَ بن أَرْفَخْشَدَ بنِ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سَامِ بن نُوْحٍ وَهُوَ صَرِيْحُ وَلَدِ نُوْحٍ عليه السلام وَالمَدْعُوُّ قَاسِمَ الأَرْضِ.
وَأَمَّا قَحْطَانُ فَهُوَ ابنُ عَابِرَ بن شَالِخَ، واسْمُهُ يَقْطُنُ وَحَكَى أَحْمَدُ بنُ الحَبَاب الحِمْيَرِيّ عَنْ ابن أَبِي أُوَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ اسْمُ قَحْطَانَ مُهَرَّمٌ.
وَقَالَ مُحَمَّد بن السَّائبِ الكَلْبِيّ لَمْ يَزَل أَهْلُ اليَمَنِ وَأَهْلُ العِلْمِ بِالنَّسَبِ يُنْسِبُونَ قَحْطَانَ إِلَى إِسْمَاعِيْلَ بن إبْرَاهِيْمَ عليهما السلام فَيَقُوْلُوْنَ قَحْطَانُ بن الهُمَيْسَع بن تَيْمَن بن بِنْتِ إِسْمَاعِيْلَ عليه السلام حَتَّى كَانَ آخِرُ سُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ فَنَسَبَهُ قَوْمٌ مِنَ اليَمَنِ إِلَى غَيْرِ إِسْمَاعِيْلَ عليه السلام وَقَالُوا هُوَ قَحْطَان بن عَابِرَ.
وَسُئِلَ وَهَبُ بنُ مُنَبِّهِ بنِ كَامِلٍ اليَمَانِيّ عَنْ هُوْد بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ رِيَاحِ بن الخلُوْدِ بن عَادِ بن عَوَص بن أَرَمَ بن سَامِ بن نُوْحِ عليه السلام أَهُوُ كَانَ أَبَا اليَمَنِ الَّذِي وَلَدَهُمْ؟ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ أخو اليَمَنِ - التَّوْرِاةِ يُنْسَبُ إِلَى نُوْع عليه السلام فَلَمَّا كَانَتِ العَصَبيِيَّةُ بَيْنَ العَرَبِ وَفَخَرَتْ مُضَرُ بِأَبِيْهَا إسْمَاعِيْلَ عليه السلام ادَّعَتِ اليَمَنُ هُوْدًا عليه السلام أَبًا لِيَكُوْنَ لَهُمْ وَالِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام.
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ بن رَسْتَةَ فِي أَعْلَاقِهِ النَّفْسِيَّةِ: كَانَ يَعْرَبُ بنُ قَحْطَانَ صَارَ إِلَى اليَمَنِ فِي ولدِهِ فَأَقَامَ بِهَا ويقال أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِالعَرَبِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ حَيَّاهُ وُلدهُ تَحِيَّةَ المُلُوْكِ أَبَيْتَ اللَّعْنَ وَأَنْعم صَبَاحًا وَاليَمَنُ كُلّهَا مِنْ وُلدِهِ وَوُلِدَ لِيَعْرُبٍ يَشْجَبُ بن يَعْرُبَ وَوُلِدَ لِيَشْجُبَ سَبَأ بن يَشْجُبَ وَكَانَتِ المُلُوْكُ مِنْ وَلدِهِ ويقال أَنَّهُ سُمِّيَ سَبَأً لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَبَا السَّبْيَ مِنْ وُلْدِ قَحْطَانَ فَأَوَلُ المُلُوْكِ مِنْ وُلْدِهِ حُمْيَرُ بن سَبَأَ مَلِكَ حَتَّى مَاتَ هَرَمًا وَلَمْ يَزَلْ المُلْكُ فِي وَلَدِ حِمْيَرَ لَا يَعْدُو وَملْكُهُمُ اليَمَنَ، ولا يَغْزُو أَحَدٌ مِنْهُمُ حَتَّى مَضَتْ قُرُوْنٍ وَصَار الملكُ إِلَى الحَارَثِ الرَّائشُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ رَائِشًا لأَنَّهُ أدْخلَ إِلَى اليَمَنِ الغَنَائِمَ وَالأمْوَالَ وَالسَّبْيَ فَرَاغَى النَّاسَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مِنْ مُلُوْكِ اليَمَنِ وَفَتَحَ وَسَبَى وَغَنِمَ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الحَارَثُ الرَّائشُ نَبيَّنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي شِعْرٍ لهُ وّذَكَر فِيْهِ مَنْ يَمْلِكُ مِنْهُمْ وَمِنْ غِيْرِهِمْ فَقَالَ (1):
_________
(1)
البيتان للرائش في المعارف لابن قتيبة ص 627. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَيَمْلِكُ بَعْدَهُمْ رَجُلٌ عَظِيْمٌ
…
نَبِيٌّ لا يُرَخِّصُ فِي الحَرَامِ
يُسَمَّى أحْمَدًا يَا لَيْتَ أَنِّي
…
أُعَمِّرُ بَعْدَ مَخْرَجِهِ بِعَامِ
وَكَانَ مُلْكُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابنُ رسْتَةَ فِي كِتَابِهِ المُقَدَّمِ ذِكْرُهُ مِائَةَ سَنَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِيْنَ سَنَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
الفَخْرُ: المُبَاهَاةُ فِي الأَشْيَاءِ الخَارِجَةِ عَنِ الإِنْسَانِ كَالمَالِ وَالجَّاهِ. يُقَالُ رَجُلٌ فَاخِرٌ وَفَخُوْرٌ وَأَفْخِيْرُ وَيُقَالُ فَخَرْنُ فُلَانًا عَلَى صَاحِبهِ أَفْخَرُهُ فَخْرًا أَيْ حَكَمْتُ لَهُ بِفَضلِهِ عَلَيْهِ. وَيُعَبَّرُ عَنْ كُلِّ نَفِيْسٍ بِالفَاخِرِ، يُقَالُ ثَوْبٌ فَاخِرٌ.
* * *
وَلَمَّا وَصَلَ هُوْلَاكُو خَان مَجْمُوْعُ التَّتَارُ وَغَيْرهُمْ إِلَى بَغْدَادَ اسْتَشْهَدَ وَالِدِي رحمه الله ببزوْغَي في صَبِيْحَةِ يَوْمٍ الخَمِيْسِ وَهُوَ عَاشِرُ المُحَرَّمِ سَنَةَ لسِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّمَائَةَ هِجْرِيَّةَ بَيْنَ الصفيْن. حَكَى لِي مَنْ شَاهَدَهُ أَنَّهُ لَمَّا انْكَسَرَ عَسْكَرُ بَغْدَادَ نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُهُمْ حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. مَا أَحِسَنَ قَوْلُ أبِي تَمَّامٍ (1):
فَتًى مَاتَ بَيْنَ الضَّرْبِ وَالطَّعْنِ مِيْتَةً
…
تَقُوْمُ مَقَامَ النَّصْرِ إِذْ فَاتَهُ النَّصْرُ
وَقَدْ كَانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلًا فَرَدَّهُ
…
إِلَيْهِ الحِفَاظ المرّ وَالخلقُ الوَعْرُ
فَأَثْبَتَ فِي مُسْتَنْقَعِ المَوْتِ رِجْلُهُ
…
وَقَالَ لَهَا مِنْ تَحْتِ أَخْمَصِكِ الحَشْرُ
تَرَدِّي ثِيَابَ المَوْتِ حُمْرًا فَمَا أَتَى
…
لَهَا اللَّيْلُ إِلَّا وَهِيَ مِنْ سُنْدِسٍ خُضرُ
* * *
- كَانَتْ قُرَيْشٌ تُكْرِمُ مَوَالِيْهَا وَإنَّ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَّى الجَّيْشَ يَوْمَ مُؤْتَةَ زَيْدًا مَوْلَاهُ وَقَالَ إِنْ قُتِلَ فَأَمِيْرُكُمْ جَعْفَرٌ وَأَمَرَ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما--- طعنوا في إمارتهِ وَكَانَ أَمْرَهُ عَلَى جَيْشٍ جُلَّهُ المُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ فَقَالَ عَلَيْهِ
_________
(1)
ديوانه 4/ 80 - 81.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السَّلَامُ إِنْ طَعَنِتُمْ فِي إِمَارَتهِ لَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيْهِ قَبْلَهُ وَلَقَدْ كَانَ لَهَا أَهْلًا وَإِنْ -----
وقالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَوْ كَانَ زَيْدٌ حَيًّا مَا اسْتَخْلَفَ رَسُوْلِ اللَّهِ غَيْرَهُ.
وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عُمَرَ لأَبِيْهِ لِمَ فَضَّلْتَ أُسَامَةَ عَلَيَّ وَأَنَا وَهُوَ -- فقال عمر: -- كَانَ أَبُوْهُ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللَّهِ مِنْ أَبِيْكَ وَكَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللَّهِ مِنْكَ.
وَأَوْمَى رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ لتمِيْطَ ----- فَكَأَنَّهَا تَكَرَّهَتْهُ فَتَوَلَّى ذَلِكَ - بِيَدِهِ، وَقَالَ لَهُ يَوْمًا أُسَامَةُ منْ أَحَبّ النَّاسِ إِلَيّ.
* * *
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُم غَبَيّةَ الجاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ.
وَيُرْوَى أنَّ المَأْمُوْنَ قَالَ يَوْمًا لِيَحْيَى بن أَكْثَم: يَا يَحْيَى مَا أَجَلَّ فَضِيْلَتنَا وَأَعْظَمَ شَرَفَنَا بِنَسَبِنَا إِلَى رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم! فَقَالَ: يَا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَدَع لِلشَّرَفِ مَوْضِعًا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} .
قَالَ العَبْدُ الفَقِيْرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَمَّد بن أَيَدمرَ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمَا: إنَّمَا جُعِلَتْ هَذِهِ الحَاشِيَةُ لِيحْصَلُ مِنْهَا بِبَسْطِ الشَّرْحِ فَائِدَة مَا وَأَنَا أُحِبُّ هَاهُنَا أَنْ أُبَيِّنَ مَوْلدِي وَنَسَبِي وَبِدَايَةِ إسْلَامِ وَالِدِي رحمه الله وَكِيْفَ اسْتَشْهَدَ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ فَأَقُوْلُ: مَوْلدِي بِبَغْدَادَ بِالمَحَلَّةِ الَّتِي تُسَمَّى دَرْبَ حَبِيْبٍ فِي شحْرَةِ صبِيْحَةِ يَوْمِ الجُّمْعَةَ رَابِعَةَ شَهْرِ اللَّهِ الأَصَمِّ رَجَبَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَسِتِّمِائَةَ لِتَارِيْخِ الهجْرَةِ الشَّرِيْفَةِ وَبِبَغْدَادَ نَشَأْتُ وَأُخْرِجْتُ مِنْهَا ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهَا بَعْدَ سِنِيْنَ وَوَالِدِي أحَدُ خَوَاصِّ الإِمَامِ الشَّهِيْدِ أَبِي أَحْمَد عَبْدِ اللَّهِ المُسْتَعْصِمِ بِاللَّهِ أمِيرُ المُؤْمِنِيْنَ رضي الله عنهما وَهُوَ أَبُو مَنْصُوْر أَيْدَمِرَ بنُ سَّكِزَبِرُ كَونْجَكَ أَحَدُ أُمَرَاءِ طَوَائِفَ القُبْجَاقَ وَكَانُوا ذَوِي ثَرَاءٍ وَأَنْعَامٍ كَثِيْرَةٍ وَمُلُوْكًا لَا يَدِيْنُوْنَ بِطَاعَةٍ لأَحَدٍ وبلادهم. . . باب الأَبْوَابِ الَّذِي صَنَعَهُ كِسْرَى حَتَّى ظَهَرَ جَنْكِيْزُ خَانُ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَسَبَاهُمْ لَمَّا لَمْ يَطِيْعُوْهُ فَاتَّفَقَ مَجِيْءُ وَالِدِي مِنْ بِلَادِهِ صِحْبَةَ التُّجَّارِ صغِيْرًا يَرْضَعُ اللَّبَنَ إِلَى مِصْرَ وَأَهْدَاهُ عَزِيْزُ مِصْرَ إِلَى الإمَامِ أَبي جَعْفَر المُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ وَالِدِ المُسْمعْصِمِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ.
* * *
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم أَدَّى عَلَى --------------- رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةَ فَوَضعَهَا فِي فِيْهِ فَانتزَعَهَا رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّهِ إِنَّمَا يَحِلُّ لَكَ مِنْ هَذَا مَا يَحِلُ لنَا. وَفِي الحَدِيْثِ أنَّ المُعَتَّقَ مِنْ فَضلِ طِيْنَةِ المُعَتِّقِ - وَقِيْلَ الرَّجُلُ لأَبَوَيْهِ وَالمَوَلَى مِنْ مَوَالِيْهِ وَطُوْبَى لِمَنْ كَانَ مِنْ طِيْنَةِ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَوْلَى مِنْ مَوَالِيْهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هذه الجُّمْلَةَ لِيَعْلَمَ أَنَّنِي لا أَنْفَكُّ عَنْ قُرَيْشٍ وَإِنَّ لِي ما لَهُمْ وَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفيْقِ.
* * *
يُرْوَى أَنَّ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ مَوْلَى رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاوَلَ عَمْرُو بن عُثْمَانَ رضي الله عنه فِي أَمْرِ ضيْعَةٍ يَدَّعِيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ، فَلَجَّتْ بِهُمَا الخُصُوْمَةُ. فَقَالَ عَمْرُو: يَا أُسَامَةَ أتَأنَفَ أَنْ تَكُوْنَ مَوْلَايَ؟ فَقَالَ أُسَامَةَ: وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي بِوَلَائِي مِنْ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَسَبُكَ ثُمَّ ارْتَفَعَا إِلَى مُعَاوِيَهَ فَلَجَّا بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الخُصوْمَةِ فَتَقَدَّمَ سَعِيْدٌ بنُ العَاصِيّ إِلَى جَانِبِ عَمْرٍو فَجَعَلَ يُلَقِّنُهُ الحُجَّةَ فَتَقَدَّمَ إِلَى جَانِبِ أُسَامَةَ يُلَقَنُهُ فَوَثَبَ عُتْبَةُ فَصَارَ مَعَ عَمْرٍو فَقَامَ وَوَثَبَ الحُسَيْنُ فَصَارَ مَعَ أُسَامَةَ فَقَامَ الوَليْدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ أُمِّ الحَكِمِ فَجَلَسَ مَعَ عَمْرٍو فَقَام عَبْدُ اللَّهِ بن العَبَّاسِ فَجَلَسَ معَ أُسَامَةَ فَقَامَ الوَليْدُ بنُ عَقْبَةَ فَجَلَسَ مَعَ عَمْرٍو فَقَام عَبْدُ اللَّهِ بن جَعْفَر فَجَلَسَ معَ أُسَامَةَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةَ: الجَّلِيَّةُ عِنْدِي حَضَرْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَقْطَعَ هَذِهِ الضَّيْعَةَ أُسَامَةَ فَانْصَرَفَ الهَاشِمِيُّوْنَ وَقَدْ قَضَى لَهُمْ فَقَالَ الأُمَوِيُّوْنَ لِمُعَاوِيَةَ: هَلَّا إذَا كَاَنَتْ هَذِهِ القَضيَّةُ عِنْدَكَ بَدَأْتَ بِهَا قَبْلَ التَّحَزُّبَ وَأَخَّرْتَهَا عَنْ هَذَا المَجْلِسِ فَتَكَلَّمَ بِكَلَامِ يَدْفَعُهُ بِعْضُ النَّاسِ. وَكَانَ الغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الحِكَايَةِ أنَّ المَوْلَى مِنْ مَوَالِيْهِ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَأَنَّهُمْ لَا يَنْفَكُّوْنَ عَنْهُ إِذَا جَدَّتْ بِهُم الحَقَائِقَ.
* * *
وقيل: سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قَرِيْبًا لِتَجَمُّعِهِمْ وَذَلِكَ أنَّهَا شُبِّهَتْ بِسَمَكَةٍ فِي البَحْرِ. . . . الجّنَاحِ عَظِيْمَةُ الشَّأْنِ تَبْلَعُ الدَّوَابَ فِي البَحْرِ فَشُبِّهَتْ قُرَيْشٌ بِهَا مَكَانَهَا وَغَلَبَتْهَا سَائِرُ الناسِ. وَقِيْلَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ لاكْتِسَابِهَا الأَمْوَالَ وَالتِّجَارَةَ القَرْشِ فِي كَلَامِ العَرَبِ وَقَرشَ الرَّجُلُ يَقْرُشُ قَرْشًا إِذَا أَتْجَرَ وَأَخَذَ وَأَعْطَى. وَيُقَالُ أَنَّهُمْ تَقَارَشُوا بِالرِّمَاحِ فَسُمِّيَتْ قُرَيْشٌ بِذَلِكَ وَالإِقْرَاشُ هو وُقُوْعُ الرِّمَاحِ بَعْضَهَا على بَعْضٍ. وَأَنْشَدَ القَطَامِيُّ:
قَوَارِشُ بِالرِّمَاحِ كَانَ فِيْهَا
…
شَوَاطِنَ يَنْتَزِعْنَ بِهَا انْتِزَاعَا
وَأنْشَدَ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ:
وَلَمَّا دَنَا الرَّايَاتُ وَاقْتَرَشَ القَنَا
…
وَطَارَتْ مِنَ القَوْمِ القُلُوْبُ الرَّوَاجِفُ
وَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ بن عُمَيْرٍ: اسْتَأْذَنَ عَبْدُ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَذِنَ لَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ أبُو سُرَاقَةَ فَقَالَ: يَا بن عَبَّاسٍ لِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشُ قُرَيْشًا؟ فَقَالَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ بِحُوْتٍ فِي البَحْرِ تَسَمَّى قُرَيْشًا تَأْكُلُ الحِيْتَانَ وَلَا تُؤْكَلُ وَتَعْلُو وَلَا تُعْلَا. قَالَ: فَهَلْ تَرْوِي فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَأَنْشَدَهُ شِعْرُ الجمْحِيِّ حَيْثُ يَقُوْلُ (1):
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تسْكِنُ البَحْـ
…
ـرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشُ قُرَيْشَا
سُلِّطَتْ بِالعُلُوِّ فِي لُجَجِ البَـ
…
ـحْرِ عَلَى سَاكِنِ البِحَارِ جيُوْشَا
تَأكلُ الغثّ وَالسَّمِيْنَ وَلَا تتْ
…
ـركُ فِيْهِ لِذِي جِنَاحَيْنِ رِيْشَا
هَكَذَى فِي البِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ
…
يَأْكلُوْنَ البِلَادَ أَكْلًا قَشِيْشَا
وَلَهُم آخِرَ الزَّمَانِ بَنِيٌّ
…
يَكْثرَ القَتْلِ فِيْهِم وَالخُمُوْشَا
يَمْلأُوْنَ البَلَادَ خَيْلًا وَرِجْلًا
…
يَحْشُرُوْنَ البِلَادَ حَشْرًا كَمِيْشَا
* * *
_________
(1)
لم ترد في ديوان أبي دهبل الجمحي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قَالَ الحَسَنُ بن وَاقِدٍ قَالَ عُمَرُ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا بَالَكَ يَا رَسُوْلِ اللَّهِ أَفْصَحَنَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إنَّ لِسَانَ العَرَبِ كَانَ قَدْ دَرَسَ وَإِنَّ جِبْرَاِئِيْلَ يَجِيْئَنِي بِهِ طَرِيًّا كَمَا شُقَّ عَنْهُ لِسَانَ إسْمَاعِيْلَ عليه السلام. وَكَانَ عَبْدُ المُطَّلِبُ بن هَاشِمٍ: إِذَا سَمِعَ كَلَامُ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صبِيٌّ مُلِئَ سُرُوْرًا. وَقَالَ فَصَاحَةُ سَعْد بن بَكْرٍ وَجَلَالَهُ قُرَيْشٍ وَحَلَاوَةُ يَثْرِبَ.
* * *
وَمِمَّا رُوِيَ فِي مُوَالَاةِ قُرَيْشٍ وَأَنَّهُمْ أَهْلُ اللَّهِ. رَوَاهُ عطاءُ بنُ أَبِي رِيَاحٍ عَنْ ابن - قَالَ قَالَ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمَا آنَ لِأمَّتِي مِنَ الاخْتِلَافِ فِي المُوَالَاةِ لِقُرَيْشٍ قُرَيْشٌ أهْلُ اللَّهِ قُرَيْشٌ أهْلُ اللَّهِ قُرَيْشٌ أهْلُ اللَّهِ ثَلَاثًا فَإِذَا خَالَفَتْهَا قَبِيْلَةٌ مِنَ العَرَب صَارُوا حِزْبُ إبْلِيْسَ. وَرَوَى أَنسُ بن مَالِكِ قَالَ قَالَ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُبُّ قُرَيْشٍ إِيْمَانٌ وَبُغْضُهُمْ كفْرٌ (1).
وَرَوَى سَهْلُ بن سَعْد أَنْ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَحِبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ عز وجل (2).
وَرَوَى سَعِيْدُ بن الحَسِيْبِ قَالَ قَالَ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْرِمُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَمَلَاحِمُ الحُرُوْبِ وَسَدَادُ الثُّغُوْرِ وَجَاهُ الدِّيْنِ وَأَئِمَّةُ المُسْلِمِيْنَ وَشَرْطُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَخَيْرُ عِبَادِ اللَّهِ.
وَرَوَى أَنَسُ بن مَالِكٍ أَنْ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ أَهَانَ قُرَيْشًا أَذَلَّهُ اللَّهُ قَبْلَ مَوْتهِ (3).
_________
(1)
الجامع الصغير 1/ 567.
(2)
الجامع الصغير 1/ 40.
(3)
الجامع الصغير 2/ 584.
فَهُمْ أفْصَحُ العَرَبِ، وَأصْبَحُهُم وَأنْجَبُهُم [وأنفسهم وأنصحهم] وَأسْجَحُهُمْ، لهَمُ المَدَرُ وَالوَبَرُ، وَالأَسْوَدُ وَالأَحْمَرُ، وَالقُبَّةُ وَالمَفْخَرُ، وَالمَرْوَةُ وَالمَنْحَرُ، وَالصَّفَا وَالمَشْعَرُ، وَالسَّرِيْرُ وَالمِنْبَرُ، وَالحَوْضُ وَالكَوْثَرُ، هُمُ الأَصْلُ وَالهَامُ، وَالذِّرْوَةُ
= وَرَوَى عُمَرُ عَنِ المُطَّلِبِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن حَنْطَبٍ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ خَطَبَنَا رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ جُمْعَةٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلا تَقْدِمُوْهَا وَتَعَلَّمُوا مِنْهَا وَلَا تُعَلِّمُوْهَا (1)، قُوَّةُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ تَغدِلُ قُوَّة رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ (2) وَأَمَانَة رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ تَعْدِلُ أَمَانَةَ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَرَوَى جُبَيْرُ بن مُطْعِم أَنْ رَسُوْلِ اللَّهِ قَالَ لَا تَتَقَدَّمُوا قُرَيْشًا فَتَهْلَكُوا وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهَا فَتَضِلُّوا وَلَا تُعَلِّمُوْهَا وَتَعَلَّمُوا مِنْهَا فَإِنَّهَا أَعْلَمُ مِنْكُمْ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٍ لأَخْبَرْتُهَا بِمَاذَا لِهَا عِنْدَ اللَّهِ (3).
وَرَوَى عبد اللَّه بن السائب قَالَ قَالَ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسُ فِي الأمْرِ تَبع لِقُرَيْشٍ خَيَارُهُمْ تَبْعُ لِخيَارِهِمِ وَشْرَارُهُمْ تِبْعًا لِشرَارِهِمْ (4).
وَرَوَى عُثْمَانُ بن الضَّحَّاكِ قَالَ قَالَ عبد اللَّه عَبَّاسٍ رضي الله عنه إِنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ نُوْرًا بَيْنَ يَدَي اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلَقَ أَدَمَ.
وَكَانَ ذَلِكَ النُّوْرُ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُقَدِّسُهُ وتسبّح له بِتَسْبِيْحِهِ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَلْقَى ذَلِكَ النُّوْرَ -.
وَرَوَى إسْمَاعِيْلَ بن مُسْلِمٍ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ أَهْدِ قُرَيْشًا فَإِنْ عِلْمُ العَالِمِ مِنْهُمْ بِسَبْعِ طَبَاقِ الأَرْضِ -- وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لا تَسَبُّوا قُرَيْشًا [فإن علم عالمها] ويَمْلأُ الأرْضَ عِلْمًا، اللَّهُمَّ --- نكَالًا --.
_________
(1)
الجامع الصغير 2/ 253.
(2)
مجمع الزوائد 10/ 26.
(3)
الجامع الصغير 2/ 253.
(4)
الجامع الصغير 2/ 255.
وَالسَّنَامُ، وَالقَمَاقِمُ الحُكَّامُ، وَالمُلُوْكُ الكِرَامُ. هُمْ الشِّهَابُ اللَّامِعُ، وَالنُّوْرُ السَّاطِعُ، وَالسَّيْفُ القَاطِعُ، وَالخَيْرُ النَّافِعُ. هُمْ الصَّمِيْمُ، وَلَهُمْ التَّقْدِيْمُ وَالتَّعْظِيْمُ، وَفِيْهِم النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ، وَعَليْهِم المَهَابَةُ وَالجَّلَالَةُ، وَإلَيْهِم الرِّئَاسَةُ وَالإِيَالَةُ، وَالشَّهَامَةُ وَالبَسَالَةُ، وَالفُتُوَّةُ وَالإمَامَةُ (1)، وَالنَّخْوَةُ وَالزَّعَامَةُ، وَالقُوَّةُ وَالبَأْسُ، وَالنَّاسُ الذَّنَبُ وَهُمْ الرَّأسُ. تَقْصُرُ بِسِيُوْفِهِم الأعْمَارُ، وَتَطُوْلُ ألْسِنَتُهُم حِيْنَ يُبْتَدرُ الفخَارُ، كَمَا قَالَ المَرَّارُ (2):[من البسيط]
هُمْ العَرَانِيْنُ وَالأّذْنَابُ غَيْرهُمُ
…
فَكُلُّ قَوْمٍ لِقَوْمِي تَابِعٌ خَوَلُ
لنَا المَسَاجِدُ نَبْنِيْهَا وَنَعْمُرُهَا
…
وَفِي المنَا [برِ قعدانٌ لنا ذللُ](3)
لَمَّا تَخَيَّرَ رَبِّي فَاصْطَفَى رَجُلًا
…
مِنْ خَلْقِهِ [كان منّا ذلك الرَّجلُ]
ثم الخَلَائِفُ مِنَّا لَسْتَ وِاجِدَهَا
…
في غَيْرِنَا [معشرٍ ماحنّت الإبلُ]
وَلِوَلْدِ إبْرَاهِيْمَ عليه السلام شَرَفٌ لَا يُبْلَغُ بُعْدُ غَايَاتِهِ. وَاللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ. وَحَسْبُ العرَب وَقَارًا، وَشَرَفًا وَفِخَارًا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَبِيٌّ، وَأَنَّ القُرْآنَ عَرَبِيٌّ (4).
وَأَنْ كَلَامَ أهْلِ الجَّنَّةِ عَرَبِيٌّ. وَأوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالعَرَبِيَّةِ بَعْدَ الطُّوْفَانِ العَرَبُ العَارِبَةُ مِنْ بَنِي إرِمِ بن سَامِ بن نُوْحٍ عليه السلام (5) حِيْنَ تَبَلبَلَتِ الأَلْسُنُ بِبَابِلَ.
(1) على البيت الأخير:
أصل الإمام: خيط البناء ثم أطلق بعد ذلك على كل من اقدتى به.
(2)
هُوَ أَبُو مُحَلِمٍ المرَارُ بن سَعْيد الفَقْعسِيّ.
(3)
انظر: شعراء امويون 2/ 474.
(4)
رَوَاهُ جَابِرُ بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صِفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِةِ قُرَيْشٍ".
(5)
قَالَ الشَّاعِرُ:
للَّهِ فِيْمَا قَدْ بَرَا صَفْوَةٌ
…
وَصَفْوَةُ الخَلْقِ بَنُو هَاشمِ
وَصفْوَةُ الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ
…
مُحَمَّدُ الطُّهْرُ أَبُو القَاسِمِ =
وَقَالَ ابنُ الكَلْبِيِّ: أوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا وَبِالسُّرْيَانِيَّةِ آدَمُ عليه السلام، وَأوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالعِبْرَانِيَّةِ إبْرَاهِيْمُ عليه السلام، ثُمَّ فُتِقَ لِسَانُ إسْمَاعِيْلَ عليه السلام بِالعَرَبِيَّةِ المُبيْنَةِ الَّتِي أنْزَلَ اللَّهُ عز وجل بِهَا القُرآنَ، وَسَفَحَ هَذِهِ اللُّغَةَ العَذْبَةَ عَلَى لِسَانِ بَنِي عَدْنَانَ (1).
وَالعَرَبُ أشَدُّ --- القريض وَتَسْيِيْرِ المَثَلِ الشَّارِدِ المُسْتَفِيْضِ، وَلَهُمْ فَضِيْلَةُ الَبَيَانِ، وَفَصاحَةُ اللِّسَانِ. وَالحِكَمُ بأطْرَافِ ألسِنَتِهِمْ مَعْقُوْدَةٌ، وَمِرَرُ مَعَالِيْهِم بِقَوَافِيْهِمْ مَشْدُوْدَةٌ:[من المتقارب]
بِسَاتِيْنُ فِيْهَا ثِمَارُ العُقُولِ
…
وَرَيْحَانُ أهْلِ النُّهَى وَالأَدَبْ
إِذَا مَا تَقَضَّى زَمَانُ الرَّبِيْعِ
…
فَأنْوَارُهُا نَاضِرَاتٌ قُشبْ
وَقَدْ سَمِعَ رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشِّعْرَ وَأُنْشِدَ فِي مَسْجِدِهِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ (2).
لَهُ مُسْعِفَةً، وَالقدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فيه عَاضِدَةً، وَالطَّبْعُ الَّذِي هُوَ دِعَامَةُ النُّطْقِ بِهِ مُتَدَفِّقًا، وَالأُصُوْلُ مَحْفُوْظَةً، وَالفُضوْلُ مَحْذُوْفَةً، وَالفُصُوْلُ مُنْقَسِمَةً، وَالوُصُوْلُ مُلتحِمَةً، وَمَوَارِدُ الكَلَامِ عَذبَةً، وَمَصادِرُهُ رَحْبَةً رَطْبَةً. وَكُنْتَ بِأوَائِلِهِ مُسْتَغْنِيًا، وَبِآخِرِهِ مْسْتَكْفيًا، كَمَا قَالَ حَبِيْبُ بنِ أَوْسٍ الطَّائِيُّ (3):[من الطويل]
= صلى الله عليه وسلم تَسْلِيْمًا كَثيْرًا.
(1)
قَالَ مُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ: كَلَامُ أَهْلِ السَّمَاءِ العَرَبِيَّةُ ثُمَّ قَرَأَ {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 1 - 4].
(2)
------ لَكْنَةَ أَعْجَمِيَّةً -- إِلَى مَقْصَدِ قَوْم --- المُهَلَّبَ بن أَبِي صُفْرَة فِي مَدْحِهِ إِيَّاهُ ------ الحَارِثَة ------ كَأنَّهَا --.
(3)
نَسَبُهُ وَمَوَلدُهُ وَوَفَاتُهُ:
هُوَ أَبُو تَمَّامٍ حَبِيْبُ بن أَوْس بن الحَارَثِ بن قَيْس بن فاقِرَ بن مُرّ بن سَعْد ابن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عَمْرو بن عَدِيّ بن عَمْرو بن الغَوْثِ بن طَيْءٍ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَي وَتِسْعِيْنَ وَمِائَةَ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمِائَتَيْنِ وَتَعَلَّمَ الشِّعْرَ بِمِصْرَ ثُمَّ طَرَا إِلَى المُوْصِلِ وَقَدِمَ العِرَاقَ فَأَقَامَ بِهَا مُقَامًا طَوِيْلًا ثُمَّ رَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ وَكَانَ رَجُلًا طُوَالًا خَلْوَ الكَلَامِ فَصيْحًا وَكَانَ تَمْتَامًا إِذَا تَكَلَّمَ فَإِنْ أَنْشَدَ اسْتَوَى لِسَانَهُ وَكَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الأَعْرَابِ.
قَالَ المُبَرَّدُ: التَّمْتَمَةُ التَّرْدِيْدُ فِي التَّاءِ.
وَالفَأْفَأَةُ: التَّرْدِيْدُ فِي الفَاءِ.
وَالعقلَةُ: الْتِوَاءُ اللِّسَانِ عِنْدَ إِدَارَةِ الكَلَامِ.
وَالحَبْسَةُ: تَعَذُّرُ الكَلَامِ عِنْدَ إِرَادَتِهِ.
وَاللَّفَفُ: إِدْخَالُ حَرْفٍ فِي حَرْفٍ.
وَالرتَّةُ: كَالرِّيْحِ تَمْنَعُ أَوَّلُ الكَلَامِ فَإِذَا جَاءَ مِنْهُ شَيْءٌ اتَّصَلَ.
وَالغَمْغَمَةُ: أَنْ تَسْمَعَ الصَّوْتَ وَلَا يَتَبَيَّن لَكَ تَقْطِيعُ الحُرُوْفِ.
قَالَ: وَالطَّمْطَمَةُ أَنْ يَكُوْنَ الكَلَامُ مُشَبَّهًا بِكَلَامِ العَجَمِ.
وَاللَّكْنَةُ: أَنْ تَعْتَرِضَ الكَلَامِ اللُّغَةِ الأَعْجَمِيَّةُ.
وَاللُّثْعَةُ: أَنْ يُعْدَلَ محرَفٍ بِحَرْفٍ.
وَالغِنَّةُ: أَنْ تُشرِبَ الحَرْفَ صَوتَ الخَيْشُوْمِ.
وَالخِنَّةُ: أَشَدُّ منها.
وَالتَّرْخِيْمُ: حَذْفُ الكِلَامِ.
قال الأَصْمَعِيُّ: حَدَّثنَي شعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَالَ يومًا: مَنْ أَفْصَحُ النَّاسِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ السِّمَاطِ فَقَالَ: - تباعدوا عَنْ فراتيَّة العراق، وَتَيَامَنُوا عَنْ كَشْكَشَةِ تَمِيْمٍ، وَتَيَاسَرُوا كسكسة بَكْر لَيْسَ فيهم غمغمة قضاعَةَ، ولا طَمْطَمَانِيَّةُ حِمْيَرَ.
فقال مُعَاوِيَةَ: مَنْ أولئك، قال قَوْمكَ يَا أمير المؤمنين.
وَسَيَّارَةٍ فِي الأرْضِ لَيْسَ بنَازحٍ
…
عَلَى وَخْدِهَا حَزْنٌ سَحِيْقٌ وَلَا سَهْبُ
تَذُرُّ ذرُوْرَ الشَّمْسِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
…
وَتَمْضِي جُمُوْحًا مَا يُرَادُ لها غَرْبُ
إِذَا أُنْشِدَتْ فِي القَوْمِ مَرَّتْ كَأنَّهَا
…
مُسِرَّةُ كِبْرٍ أَوْ تَدَاخَلَهَا عُجْبُ
مُفَصَّلَةٌ باللُّؤْلُؤِ المُنْتَقَى لَهَا
…
مِنَ الشِّعْرِ إلَّا أنَّهُ لُؤْلُؤٌ رَطْبُ (1)
وَهَذَا الشِّعْرُ المُشَارُ إِلَيْهِ فَهُوَ ضَالَّتِي الَّتِي أنْشَدْتُهَا وَحِكْمَتِي الَّتِي أَحْفَظُهَا وَأُنْشِدُهَا، لأنَّنِي أَتْبِعُ المَثَلَ المَشْهُوْرَ السَّائِرَ، وَأَطْلُبُ اللَّفْظَ الظَّاهِرَ الجَزَالَةِ، الفَاخِرِ الَّذِي قَدْ هَذَّبَهُ العَقْلُ، وَصَقَلَهُ العِلْمُ وَالفَضلُ، فَجَمَعَ بَيْنَ فَصَاحَةِ العَرَبِ وَمَتَانَةِ الأَدَبِ. قَدْ أُحْكِمَتْ مَبَانِيْهِ، وَتَكَافَأَتْ ألْفَاظُهُ وَمَعَانِيْهِ. إِذَا سُمِعَ طُمِعَ فِيْهِ، وَإذَا طُلِبَ صَعُبَ عَلَى مُبْتَغِيْهِ:[من المنسرح]
كَأنَّهُ مُزْنَةٌ -
…
تُسِفُّ بِالقَطْرِ ثُمَّ تَرْتَفِعُ (2)
= فقال له مُعَاوِيَةَ: مَنْ أَنْتَ؟ قال: رَجُلٌ مِنْ جرم. قال الأصمعي: وجرم من فضحاء الناس.
قَوْلُهُ: كَشْكَشَةُ تَمِيْمٍ فان بني عَمْرو بن تَمِيْمٍ إِذَا ذَكَرْتَ كَافَ المُؤَنَّثِ فَوَقَفْتَ عليها أَبْدَلْتُ شَيْئًا لِقُرْبِ الشِّيْن مِنَ الكَافِ فِي المَخْرَج، وَأَنَّهَا مَهْمُوْسَةٌ مِثْلُهَا فأرادوا البيتان فِي الوَقْفِ لأنَّ في الشِّيْنِ تَفَشِيًّا فَيَقُوْلُوْنَ لِلْمَرأَةِ: جَعَلَ اللَّهُ البَرَكَةَ فِي دَارِش فَالتي يدرجونها يُقْتِرُوْنَهَا كَافًا وَالَّتِي يَقِفُوْنَ عَلَيْهَا يُبْدِلُوْنَهَا شِيْنًا.
وَأَمَّا بكر فتخلفت في الكَسْكَسَةِ وَقَوْمٌ مِنْهُمْ يُبْدِلُوْنَ مِنَ الكَافِ شِيْنًا كما فَعَل التَّمِيْمِيُّوْنَ في البَيْتَيْنِ وَهُمْ أَقَلَّهُمْ، وقوم يبينون حَرَكَةً كاف لِمُؤَنَّثِ في الوقف بالسين فيزيدون بَعْدَهَا فَيَقُوْلُوْنَ أَعْطَيُتِكسْ.
(1)
ديوانه 1/ 177.
* * *
عبد اللَّه بن المعتز، يصف شعره (1):
وَسَارت مَسيرَ الشمسِ لم تَلقَ بلدةً
…
من الأرض إلى نحو أخرى يُرِيدُها
(2)
المَزْنَةُ: السَّحَابَةُ البَيْضاءُ خَاصَّةً، وَجَمْعُهَا مُزَنٌ. قَالَ اللَّهُ عز وجل:(أنْتُمْ).
_________
(1)
ديوانه ص 196 - 197.
فأمّا --- النَّظْمِ، وَلَا مُلْتَحِمِ السَّبْكِ، ولا مُتَلَائِمِ الأَوْصَافِ، ولا مُتَنَاسِبِ الأَطْرَافِ، ولا مَقْبُوْلِ العبَارَةِ، ولا وَاضِحِ الإِشَارَةِ (1)، كما قال فيه بَعْضُ
(1) ابنُ الأَعْرَابِيُّ:
وبات يدرسُ شِعْرًا لا قِرَان لَهُ
…
قَدْ كَانَ ثَقْفَةُ حَوْلًا فَمَا زَادَا
. . . . . القَوْلَ كُلُّهُ إِذَا
…
قَالَ أَقْوَى مَا يَقُوْلُ وَأَسْنَدَا
فِي مِثْلِهِ:
قد حاول الشعر حتى شاب حاجبه
…
فَلَمْ تُصبْ وَسَطًا مِنْهُ وَلَا طَرَفَا. . .
. . . . . . . . . الذِّهْن
…
يَجْفو عَلَى القَرِيْضِ وَيَقِسُو
. . . . . فيه أنشأ
…
بِغِنَاءٍ مِنَ الجَّهَالَةِ يَفْسُو
* * *
قيل (1):
إنّ الوَضِيْعَ قَدْ قَالَ شِعْرًا
…
يَجْمَعُ الجَهْلُ شَمْلَهُ وَيَعُمُّه
فَهُوَ كَالهِرِّ يخرا
…
في زوايا البُيُوْتِ ثُمَّ يَطُمُّه
عِنْدَهُ وَهُوَ يَرْوِيْه
…
فَأْفسُو فِي رَاحَتِي وَأَشِمُّه
عَلِيّ بن الجَّهْمِ (2):
اللَّه أكبر والنبي محمد
…
وَالحَقُّ أَبْلَجُ وَالخَلِيْفَةُ جَعْفَرُ
مَرْوَانُ بنُ أَبي الجَنوب:
أراد أبن جهم أن يقول قَصِيْدَةً
…
بِمَدْحِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فَأَذَّنَا
فَلَسْتُ عَلَى طُهْرٍ
…
، فقال: وَلَا أنَا
* * *
_________
(1)
لابن الحجاج في يتيمة الدهر 3/ 43.
(2)
ديوانه ص 137.
الأَعْرَابِ، هو أَبُو الوَليْدُ الرُّبَاعِيُّ (1):[من الطويل]
وَشِعْرٍ كَبَعْرِ الكَبْشِ فَرَّقَ بَيْنَهُ
…
لِسَانُ دَعِيٍّ فِي القَرِيْضِ دَخِيْلِ (2)
= فيا ضيعة الأشعار إذ يقرضونها
…
وَأَضِيْعُ مِنْهُا مَنْ يرى أنها شِعْرُ
إذا لم يكن للمرء عقل يكفّهُ
…
عَنِ الجَهْلِ لَمْ فَانْكَشَفَ السِّتْرُ (1)
(1)
الموشح 552، العمدة 1/ 257، البيان والتبيين 1/ 66 وفيه: لأبي البيداء الرياحي.
(2)
يَرِيْدُ ببَعْرَ الكَبْشِ أنّه شَعْر مُتَفَرِّقٌ مُتَبَايِن بَعْضُهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِبَعْضٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ بِنْت الحُطَيْئَةِ لأَبِيْهَا حِيْنَ نَزَلَ فِي بَنِي كُلَيْبٍ بن يَرْبُوْعٍ: تَرَكْتَ الثروة وَالعَدَدَ وَنَزَلْتَ فِي بَنِي كُلَيْبٍ بَعْرِ الكَبْشِ، تَعْنِي بذلك تَبَايُنَهُمْ وَتَفَرُّقَهُمْ لِلخلفِ بَيْنَهُمْ.
قَالَ الوَائِلِيُّ (2):
وَحَاطِبِ لَيْلٍ فِي القَرِيْضِ زَجَرْتهُ
…
وَقُلْتُ لَهُ قَوْلُ - المَجَاسِلِ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَقْدر عَلَى دَرّ جلةٍ
…
فَدَعْهُ وَلَا تَعْرِضْ لِحَصْنَاءِ سَاحِلِ
فَإِنِّي رَأَيْتُ الشِّعْرَ يَصْبِحُ خَامِلًا
…
إِذَا لَمْ يَفِقْ فِي الحُسْنِ زَهْرَ الخَمَائِلِ
وَقَالَ آخَر (3):
لَا تَعْرِضَنَّ لِلشِّعْرِ مَا لَمْ يَكُنْ
…
عِلْمُكَ فِي أَبْحُرِهِ بَحْرَا
فَلَنْ يَزَالَ المَرْءُ فِي فُسْحَةٍ
…
مِنْ عَقْلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ شِعْرَا
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَعْمَرٍ:
أَيُّهَا الشَّاعِرُ المُبَرَّزُ فِيْنَا
…
أَبِنَظْمٍ خَاطَبْتَنِي أَم بِنَثْرِ
أنْ يَكُنْ مَا تَقُوْلُ شِعْرًا فَإِنِّي
…
قَائِل منه أَلْفَ جهلٍ وَزَفرِ
--- قُلْتهُ فَقَرَأْنَا بَعْدَ شَوْقٍ إِلَيْهِ أَسْخَف شعر
_________
(1)
لإسحاق الموصلي في الموشح ص 571.
(2)
محاضرات الأدباء 1/ 84.
(3)
محاضرات الأدباء 1/ 84. =
وَقَالَ الآخَرُ، هُوَ -:[من الطويل]
وَبَعْضُ قَرِيْضِ القَوْمِ أوْلَادُ عَلَّةٍ
…
يَكُدُّ لِسَانَ النَّاطِقِ المُتَحَفِّظِ (1)
وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصانِ فِيهُمَا ظَاهِرًا سَافِرًا. وَقَدْ يَتَّفِقُ فِي الفَذِّ النَّادِرِ الَّذِي لَا يَقَعُ بِمِثْلِهِ حُكْمٌ التَّبْلِيغٌ فِي صيَاغَةِ النَّثْرِ، بِمَعْنًى انتظَمَهُ الشِّعْرُ، فَيَكُونُ لِمَنْثُوْرِهِ لَوْطَةٌ بِالقَلْبِ، وَتَعَلُّقٌ بِالنَّفْسِ لَيْسَ لِمَنْظُوْمِهِ مِثْلُهُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ المُتَقَدِّمِيْنَ (2):[من الكامل]
كَادَ الغَزَالُ يَكُوْنُهَا
…
لَوْلَا الشَّوَى وَنشوزُ قَرْنهِ
وَنَثَرَ هَذَا بَعْضُ البُلَغَاءِ فَقَالَ: كَادَ الغَزَالُ [يكونها لولا حاتم منها ونقص منه]، وَلَعَمْرِي إنَّ الإِحسَانَ فِي هَذَا مُتَكَافِئُ لَكِنْ [القضية تقع على ما يوجبه] الأَكْثَرُ؛ لأنَّ العَرَبَ سَبَقَتْ بِالمَنْظُوْم إلَى وَصفِ الطُّلُولِ وَالآثَارِ، وَالبُكَاءِ فِي مَعَالِمِ الدِّيَارِ، كَقَوْلِ أبِي صَخْرٍ (3) الهُذَلِيِّ (4):[من الطويل]
= ---- وَقُبْحُ لَفْظٍ - وَخُرُوْجٌ عَنْ - وَزْنٍ وَبَحْرِ
----
----
نظم القصيدة.
(1)
السَّرِيُّ الرَّفَاء (1):
وَشَرُّ الشِّعْرِ مَا أَدَّاهُ فِكْرٌ
…
تَعَثَّرَ بَيْنَ كَدٍّ وَاعْتِسَافِ
(2)
حلية المحاضرة 1/ 26.
(3)
شعراء أمويون 3/ 93.
(4)
وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن سَلَمَةَ.
_________
(1)
ديوانه 2/ 230.
لِلَيْلَى بِذَاتِ الحَيْشِ دَارٌ عَرَفْتُها
…
وَأُخْرَى بِذَاتِ البَينِ آيَاتُهَا سَطْرُ (1)
كَأنَّهُمَا مِل آنَ لَمْ يَتَغَيَّرَا
…
وَقَدْ مَرَّ لِلدَّارَيْنِ مِنْ بَعْدِنَا عَصْرُ (2)
(1) هَذَا مِثْلُ قَوْلِ عُمَرُ بن أَبِي رَبِيْعَةَ:
فَمَا أَنْسَ مِل أَشْيَاءِ لَا أَنْسَ مَوْقِفِي
…
وَمَوْقِفُهَا وَهْنًا بِقَارِعَة النَّخْلِ
فَلَمَّا تَوَاقَفْنَا عَرِفْتُ الَّذِي بِهَا
…
كَمِثْلِ الَّذِي بِي حَذْوَكَ النَّعْلِ بالنَّعْلِ
يُرِيْدُ فَمَا أنْسَ مِنَ الأَشْيَاءِ وَلَكِنْ حَذَفَ النُّوْنُ لِقُرْبِ مَخْرَجِهَا مِنَ اللَّامِ فَكَانَتَا كَالحَرْفَيْنِ يَلتقِيَانِ عَلَى لَفْظٍ فَيُحْذَفُ أحَدُهُمَا.
وَمِنْ كَلَامِ العَرَبِ أَنْ تَحْذِفَ النُّوْنُ يُرِيْدُ فَمَا إِذَا لَقِيَتْ لَامَ المَعْرِفَةِ ظَاهِرَةً فَيَقُوْلُوْنَ فِي بَنِي الحَارِثِ وَبَنِي العَنْبَرِ وَمَا أَشْبَهَ.
ذَلِكَ بِلحَرِثِ وَبِلعَنْبَرَ كَمَا يَقُوْلُوْنَ عَلْمَاءِ بَنُو فُلَانَ أَيْ عَلَى المَاء فَيَحْذِفُوْنَ.
(2)
وهذه القصيدة من محاسن الشعر، ولا يكاد يخلو من بعضها ما يستحسنه الأدباء وفي جمعهم فأحببت إيرادها كلها تمامًا وهي (1):
لِلَيْلى بذِاتِ الْجَيْشِ دارٌ عَرَفْتُها
…
وَأُخرى بِذاتِ الْبَيْنِ آياتَها سَطْسرُ
كأَنَهما م الآنَ لَمْ يَتَغَيَّرا
…
وَقَدْ مَرَّ لِلدّارَيْنِ مِنْ بَعْدِنَا عَصْرُ
وَقَفْتُ بِرَسْيَهْا فَلَمّا تَنَكَّرَتْ
…
صدَفْتُ وَعَيْنِي دَمْعُها سَرِبٌ هَمْرُ
وَيُروْىَ: وَقَفْتُ بِرَبْعَيْها.
أَلَا أيُّها الرَكْبُ المخبون هَلْ لَكُمْ
…
بساكِنِ أَجْزاعِ الحِمَى بَعْدَنَا خُبْرُ
فَقَالُوا طَوَيْنا ذَاكَ لَيلًا فإن يكنْ بهِ
…
بَعْضُ مَنْ تَهْوَى فَمَا شَعَر السَّفْرُ
وَفِي الدَّمْعِ إِنْ كَذَّبْتُ بِالْحُب شاهِدٌ
…
يُبَيّنُ ما أُخْفِي كَمَا بَيَّنَ الْبَدْرُ
صَبَرْتَ فَلَمَا عَالَ نَفْسِي وَشَفَّها
…
عَجارِيفُ وَمَا تَأْتِي بهِ غُلِبَ الصَّبْرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَبيبَيْنِ رِدَّة
…
سِوى ذِكْرِ شِيْءٍ قَدْ مَضَى دَرَسَ الذِّكْرُ
إِذَا قُلْتُ هذا حِينَ أَسْلُو يُهيجُنِي
…
نَسيُم الصَّبا مِنْ حَيْثُ يَطَّلعُ الْفَجْرُ
_________
(1)
بعضها في أشعار الهذليين 2/ 956.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إِذَا ذُكِرتْ يرتاحُ قَلْبِي لِذِكْرِهَا
…
كمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ
خَلِيلَيَّ: هَلْ يُسْتَخْبَرُ الرِّمْثُ وَالغَضا
…
وَطَلْحُ الكُدى مِنْ بَطْنِ مُرّان والسِّدْرُ
أَمَا والّذِي أَبْكَى وَأَضْحكَ والّذي
…
أَمَاتَ وَأَحْيَا والّذي أَمْرُهُ الأَمْرُ
لَقَدْ كُنْتُ آتيها وَفِي النَّفْسِ هَجْرُهَا
…
بَتاتًا لِأُخْرَى الدَّهْرِ مَالألأَ العُصرُ
وَإِنّي لآتِيهَا لِكَيْما تُثيبنُي
…
أَو أردفها بِالصّوْمِ مَا طَلعَ القَمْرُ
فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَراهَا بِخَلْوَةٍ
…
فَأُبْهَتُ لا عُرْفٌ لَدَيَّ وَلَا نُكْرُ
وَأَنْسَ الَّذي قَدْ كُنْتُ فِيهِ هَجَرْتُها
…
كَمَا تَتَناسى لُبَّ شَارِبها الْخَمْرُ
وَلَا أَتلافَى عَثْرَتِي بِعزيمَةٍ
…
مِنَ الأَمرِ حَتَى تَحْضرَ الأَعْينُ الخُزْرُ
فَأَرْجِعُ مثِلي حينَ كُنْتُ مُفكّرًا
…
أَقولُ مَتى يَوْمٌ يَكُونُ لَهُ يُسْرُ
فَلا خَيْرَ فِي وَصْلِ الظّنونِ إِذَا وَنَى
…
ولا لَذّةٍ يالَيْل يُنْزِلُهَا الْقَسْرُ
أَذُّم لكِ الأَيَامَ فِيَما وَلَتْ لنا
…
وَمَا لِلّيالِي فِي الّذي بَيْنَنا عُذْرُ
وَمَا تَرَكَتْ لِي مِنْ شَذَى أَهْتدي بِهِ
…
وَلا ضِلْعَ إلا وفِي عَظْمِها وَقْرُ
لَقد تَرَكَتْنِي أَغْيِظُ الوْحشَ أَنْ أَرى
…
أَليفينِ مِنْها لا يَرُوعُهما نَفْرُ
هَجرتكِ حَتّى قِيلَ لَا يَعْرِف الْهَوى
…
وَزُرْتَكِ حَتَى قِيلَ لَيْسَ لَهُ صَبْرُ
صَدَقْتِ أَنَا الصَّبُّ المُصَابُ الّذي بهِ
…
تَباريحُ حُبٍّ خامرَ القَلْبَ أَوْ سِحْرُ
فيَا حَبَّذَا الأَحْياءُ مَا دُمْتِ حَيّةً
…
ويا حَبّذا الأُمْواتُ مَا ضَمَّكِ القَبْرُ
ويَمنَعُني مِنْ بَعْدُ إِنْكارُ ظُلْمِها
…
إذا ظَلَمَتْ يَومًا وإنْ كَانَ لِي عُذْرُ
مَخَافَةَ أَنّي قَدْ عَلِمْتُ لئِنْ بَدا
…
لِيَ الهَجْرُ مِنْها مَا عَلى هَجْرِها صَبْرُ
وَأنّيَ لَا أَدْرِى إِذَا النَّفْسُ أَشْرَفَتْ
…
عَلى هَجْرِهَا مَا يَبْلُغُنَّ بِيَ الْهَجْرُ
أَبَى الْقَلْبُ إِلّا حُبّها عامِرِيّة
…
لَهَا كُنيَةُ عَمْروٍ وَلَيْسَ لَها عَمْرُو
تَكادُ يَدِي تَنْدَى إِذَا مَا لَمَسْتُها
…
وَتَنْبُتُ فِي أَطْرِافِها الوَرَقُ الخُضرُ
تَمَنَّيتُ مِنْ حُبِّي عُلَيَّةَ أَننا
…
عَلَى رَمَثٍ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ لَنَا وَفْرُ
عَلَى دَائمٍ لَا يَعْبُرُ الفُلْكُ مَوْجَهُ
…
وَمِنْ دُوننا الأَهَوالُ وَاللُّجَجُ الخُضْرُ
لِنَقْضِيَ هَمّ النّفْسِ مِنْ غيرِ رِقْبَةٍ
…
وَيَعْدُوَ مَنْ نَخْشَى نَمِيَمتُهُ الْبَحْرُ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عَجِبْتُ لِسَعْي الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَها
…
فَلَمّا انْقضى مَا بَيْنَنا سَكَنَ الدَّهْرُ
مُقيمًا أَنْ لَمْ يُحْدِثِ الْيَوْمَ صَرْفُهُ
…
لنَا خُطّة عَوْصَاءَ مِرَّتُهَا شَزْرُ
عَلى رِسْلِه لَمْ يَكْتَرِثْ أَنْ تُصِيبَنا
…
نَوائِبُ يَرْمِينا بِهَا مَعَهُ الْقَدْرُ
(هَلِ الْوَجْدُ إِلّا أَنَّ قَلْبِيَ لَوْدَنَا
…
مِنَ الْجَمْر قِيدَ الرُّمْحِ لاْحتَرَقَ الْجَمْرُ)
وَيَا حُبَّها زِدْنِي جَوًى كُلَّ لَيْلَةٍ
…
وَيَا سَلْوَةَ الأيّامِ مَوْعِدُكِ الْحشْرُ
أَلَيْسَ عَشِيّاتُ الِحْمَى بِرَوَاجِعٍ
…
لنَا أبدًا ما أَوْرَقَ السَّلَمُ النَّضرُ
وَلَا عائِذٍ ذَاكَ الزّمانُ الّذي مَضَى
…
تَبَارَكْتَ مَا تَقْدِرْ يَقَعْ وَلَكَ الشُّكْرُ
* * *
يُرْوَى أنَّ هِشَامَ بن عَبْدِ المَلِكِ حَجَّ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ فِي الطَّوَافِ وَأَرَادَ اسْتِلَامَ الحَجَرَ الأَسْوَدَ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ لازْدِحَامِ النَّاسِ عَلَيْهِ فَنُصبَ لَهُ مَنْبَرٌ حِيَالَ الكَعْبَةِ وَجَلَسَ مُنتظِرًا تَصَرُّمَ النَّاسِ إذْ أَقْبَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ زَيْنُ العَابِدِيْنَ عليهما السلام فِي ثَوْبَيْنِ مِصرِيَّيْنِ وَفِي رِجْلِهِ نَعْل فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ الحِجَازِ تَنَحُّوا عَنْهُ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ.
فَقَالَ هِشَامٌ: مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ هَابَهُ النَّاسُ هَذِهِ الهَيْبَةَ؟
فَقَالَ الفَرَزْدَقُ وَكَانَ قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ: أنَا أَعْرِفُهُ يَا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟
فَقَالَ:
هَذَا الّذي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ
…
وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالْحِلُّ والْحَرَمُ
هَذَا ابْنَ خَيْرِ عِبادِ اللَّه كلّهِمُ
…
هذا التَّقِيُّ النَّقيُّ الطَّاهِرُ الْعَلَمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمة إِنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ
…
بِجَدِّهِ أَنْبياءُ اللَّهِ قَدْ خُتْمُوا
إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا
…
إلى مَكَارِمِ هَذَا يَنتهِي الْكَرَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانُ رَاحَتِهِ
…
رُكْنُ الْحَطيمِ إِذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ
أي القَبائِل لَيْسَتْ في رِقَابِهُمُ
…
لأوليّةِ هذا أَوْلَهُ نِعَم
يَنْمِي إلى ذِرْوَةِ العِزِّ الّتي قَصَرَتْ
…
عَن نَيْلِهَا عَرَبُ الإِسْلامِ والْعَجَمُ =
إلَى مَا تَصَرَّفَتْ فِيْهِ مِنْ مَثَلٍ سَائِرٍ، وَتَشْبِيْهٍ رَائِعٍ، وَاسْتِعَارَةٍ رَائِقَةٍ، وَتَضْمِينٍ وَاقِعٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَمِمَّا قِيْلَ: الأَشْيَاءُ كُلُّهَا ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ: جَيِّد وَوَسَطٌ وَرَدِيْءٌ، فَالوَسَطُ مِنْ كُلِّ
= فِي كَفِّهِ خَيْزران. . . البيتان.
واللَّيْثُ أَهْوَنُ مِنْهُ حينَ يُغْضبُهُ
…
وَالمَوْتُ أَيْسَرُ مِنْهُ حِينَ يَبْتَسِمُ
مُشْتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ
…
طَابَتْ عَناصِرُها والخِيمُ والشِّيَمُ
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَا تُخْشَى بَوَادِرُهُ
…
يزِيُنهُ اثنتانِ حُسْنُ الحِلْمِ والْكَرَمُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لا يُخْلِفُ الْوَعْدَ مَيْمُونٌ نَقِيبَتُهُ
…
رَحْبُ الفناءِ أريبٌ حينَ يَعْتَزِمُ
إِنْ عُدَّ أَهْلُ التَّقى كَانُوا أَئمَّتَهُمْ
…
أو قيلَ: من خيرُ أهلِ الأرضِ؟ قيل: هُمُ
لَا ينقصُ العدمُ بَسْطًا من أكفّهم
…
سيّانَ ذلكَ إِنْ أَثْرَوْا وإن عدمُوا
عمَّ البريةَ بالإحسانِ فانْقشَعَتْ
…
عَنْها الغوايةُ والإملاقُ والظُّلَمُ
مِنْ معشرٍ حُبهم دِينٌ وبُغْضهُمُ
…
كُفْرٌ وقربهُمُ مَنْجًى ومعتصمُ
لَا يَسْتَطيعُ جوادٌ بَعْدَ غايَتِهمْ
…
وَلا يدانيهمُ قَوْمٌ وإن كَرمُوا
مَنْ يعرفِ اللَّهِ يعرفْ أوَّليةَ ذا
…
فالدّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الأُمَمُ
حَمّالُ أَثقْالٍ قَوْمِ إِذَا فُدِحُوا
…
حُلْوُ الشمّائل تَحْلُو عِنْدَه نَعَمُ
مُكَرَّمٌ بَعْد ذِكْرِ اللَّهِ ذكرُهُم
…
فِي كُلِّ حُكْمٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الْكَلِمُ
هُمُ الْغُيُوثُ إِذَا مَا أَزْمَةٌ أَزَمَتْ
…
والأُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى والْيَأْسُ مُحْتَدمُ
وإذا ابتْدَا أَوِ اجْتَبَى بالسَّيْفِ
…
. . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قالَ: فَانتهى ذَلِكَ إلى عَلِيَ بْنِ الحُسَيْنِ رضي الله عنهما فَوَصل الفَرْزدقَ بِعَشَرةِ آلافِ دِرْهَمٍ، وَشَكَرَ لَهَ مَقامُهُ (1).
_________
(1)
أمالي المرتضى 1/ 67.