المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الاسْتِعَارَةِ. وَلِذِي الرُّمَّةِ فِيْهِ التَّقْدِيْمُ بِقَوْلِهِ (1): [من الطويل] وَأشْعَثَ مِثْلِ - الدر الفريد وبيت القصيد - جـ ١

[محمد بن أيدمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌الدر الفريد وبيت القصيد

- ‌فَرادةُ الدر الفريد

- ‌محمَّد بن أيدمر

- ‌ثقافته وأدبه:

- ‌شاعريته وشعره:

- ‌الأشعار:

- ‌مؤلفاته:

- ‌مصادر ترجمته:

- ‌النسخة المعتمدة في التحقيق:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ضرُوْبِ الشِّعْرِ

- ‌وَالشِّعْرُ لَهُ أسْبَابٌ:

- ‌وَإِبْدَاعُ المَعْنَى

- ‌وَيَتْلُوْهُمَا أصْنَافُ البَدِيْعِ:

- ‌أَمَّا صِدْقُ التَّشبِيْهِ

- ‌وَمُشَاكَلَةُ التَّجْنِيْسِ

- ‌وَمُبَايَنَة التَّطْبِيْقِ

- ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ

- ‌وَنُصُوْعُ التَّرْصِيْعِ

- ‌وَاتِّزَانُ التَّسْمِيْطِ

- ‌وَصِحَّةُ التَّقسِيْمِ

- ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ

- ‌وَحِدَّةُ الاسْتِطْرَادُ:

- ‌وَحَلَاوَةُ الاسْتِعَارَةِ

- ‌وَلُطْفُ المَخْلَصِ:

- ‌وَنَظَافَةُ الحَشْوِ:

- ‌وَالتَّرْدِيْدِ وَالتَّصْدِيْرِ:

- ‌وَتَأكِيْدُ الاسْتِثْنَاءِ

- ‌وَكَمَالُ التَّتْمِيْمِ:

- ‌وَالإِيْغَالُ فِي التَّبْلِيْغِ:

- ‌وَالإِغْرَاقُ فِي الغُلُوِّ:

- ‌وَمُوَازَاةُ المُقَابَلَة:

- ‌وَسُهُوْلَةُ التَّسْهِيْمِ:

- ‌وَوُقُوْعُ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ:

- ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ

- ‌وَالوَحْيُ وَالإِشَارَةُ وَتَكرِيْرُهَا:

- ‌وَبَرَاعَةُ الابْتِدَاءِ:

- ‌وَأَمَّا تَمْكِيْنُ القَوَافِي:

- ‌وَالمُلَائَمَةُ بَيْنَ صَدْرِ البَيْتِ وَعَجُزِهِ

- ‌وَإِرْدَافُ البَيْتِ بِأَخِيْهِ

- ‌وَإشْبَاعُ المَعْنَى بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَإبْرَازهُ فِي أحْسَنِ صِيْغَةٍ مِنَ البيانِ:

- ‌وَخَلُوْصُ السَّبْكِ:

- ‌وَلِلشَّاعِرِ أدَوَات لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا

- ‌أَقْسَامُ الأَدَبِ

- ‌فَأَمَّا صِحَّةُ الانْتِقَادِ:

- ‌وَأَمَّا التَّمْيِيْزُ بَيْنَ المَدْحِ وَالشُّكْرِ

- ‌وَالفَصْلُ بَيْنَ الهَجْوِ وَالذَّمِّ

- ‌وَالبَوْنُ بَيْنَ الولَعِ وَالهَمْزِ

- ‌وَالتَّرْجِيْحُ بَيْنَ اللَّوْمِ وَالعَتَبِ

- ‌وَالفَرْقُ بَيْنَ الهَزِّ وَالاسْتِزَادَةِ

- ‌وَالتَّصَارفُ بَيْنَ التَّنَصُّلِ وَالاعْتِذَارِ

- ‌وَالحَدُّ بَيْنَ التَّقَاضِي وَالإِذْكَارِ

- ‌وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أنْوَاع السَّرِقَاتٍ:

- ‌فَالسَّرِقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ:

- ‌فَنَظْم المَنْثُوْرِ

- ‌وَإحْسَانُ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ، وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ:

- ‌وَالشِّعْرُ المَحْدُوْدُ وَالمَجْدُوْدُ:

- ‌وَتَكَافُؤُ إحْسَانِ المُتَّبِع وَالمُبْتَدِعِ:

- ‌وَنَقْلُ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ:

- ‌وَتَقَابُلُ النَّظَرِ فِي المَعْنَى إِلَى مِثْلِهِ:

- ‌وَالسَّلْبُ

- ‌وَالسَّلْخُ:

- ‌وَالالْتِقَاطُ وَالتَّلْفِيْقُ:

- ‌فَالخَلْعُ

- ‌وَالاصْطِرَافُ:

- ‌وَالإِغَارَةُ

- ‌وَالاجْتِلَابُ، وَالاسْتِلْحَاقُ:

- ‌وَالانْتِحَالُ

- ‌وَالإِنْحَالُ:

- ‌وَالمُرَافَدَةُ:

- ‌وَتَنَازُعُ الشَّاعِرَيْنِ فِي الشِّعْرِ

- ‌تَقْصِيْرُ المُتَّبعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ، وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَّقْصِيْرِ

- ‌وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَقْصِيْرِ:

- ‌وَبَاقِي المَجَازَاتِ

- ‌الاسْتِعَارَاتُ المُسْتْكْرَهَةُ:

- ‌وَمَا اجْتَمَع فِيْهِ لِلشَّيْءِ الوَاحِدِ اسْمَانِ

- ‌وَمَا يُحْمَلُ الكَلَامُ فِيْهِ عَلَى المَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ

- ‌وَمَا لفظُهُ لَفْظُ الموجَبِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى النَّفْي

- ‌وَمَا يُخْبَرُ فِيْهِ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ يُرَادُ بِهِ جَمِيْعُهُ

- ‌وَمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ

- ‌وَالحَذْفُ

- ‌وَمَا جَاءَ مِنَ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأْخِيْرِ

- ‌وَمَا يُحْذَفُ مِنْهُ المُضَافُ، فَيَقُوْمُ المُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ

- ‌وَمَا فُرِّقَ فِيْهِ بينَ المُضَافِ وَالمُضَافِ إِلَيْهِ

- ‌وَمَا يُشَبَّهُ فِيْهِ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يُجْعَلُ المُشَبَّهُ بِهِ هُوَ المُشَبَّهُ بِعَيْنِهِ

- ‌[خاتمة المقدمة]

الفصل: الاسْتِعَارَةِ. وَلِذِي الرُّمَّةِ فِيْهِ التَّقْدِيْمُ بِقَوْلِهِ (1): [من الطويل] وَأشْعَثَ مِثْلِ

الاسْتِعَارَةِ. وَلِذِي الرُّمَّةِ فِيْهِ التَّقْدِيْمُ بِقَوْلِهِ (1): [من الطويل]

وَأشْعَثَ مِثْلِ السَّيْفِ قَدْ لَاحَ جِسْمَهُ

وِجِيْفُ المَهَارَى وَالهُمُوْمُ الأبَاعِدُ

سَقَاهُ السُّرَى كَأْسَ النُّعَاسِ فَرَأْسُهُ

لِدِيْنِ الكَرَى مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ سَاجِدُ

جَعَلَ للنُّعَاس كَأْسًا، وَلِلكَرَى دِيْنًا مِنْ غَيْرِ حَقِيْقَةٍ، تَزْيِينًا لِلْعِبَارَةِ. وَكَقَوْلِ بَعْضِ المُحْدَثِيْنَ (2):

يا طِيْبَ مَرْعَى مُقْلَةٍ لَمْ يُخَفْ

بِرَوْضَتَيْهِ زَجْرُ حُرَّاسِ

رَعَتْ بِخَدٍّ لَمْ يَفِضْ ماؤهُ

وَلَمْ تُحِطْهُ أَعْيُنُ النَّاسِ

‌وَلُطْفُ المَخْلَصِ:

وَهُوَ حُسْنُ خُرُوْجِ الشَّاعِرِ مِنَ التَّشْبيْبِ بِالنَّسِيْبِ إِلَى مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ، وَهُوَ الشَّاهِدُ لِلشَّاعِرِ بِالحِذْقِ وَالبَرَاعَةِ، وَعِنْدَهُ يَتَرَصَّدُ السَّامِعُ عَثَرَاتِهِ، وَمَتى وُفِّقَ الشَّاعِرُ لِحُسْنِ مَخْلَصهِ، غَفَرَتْ الأَسْمَاعُ لَهُ مَا كَانَ مِنْ خَطَأٍ، أَوْ تَقْصيْرٍ فِي إبْدَاعِ مَعْنًى، أَوْ جُوْدَةِ لَفْظٍ؛ لأنَّ القَصِيْدَةَ مَثَلُهَا مَثَلُ خَلْقِ الإِنْسَانِ فِي اتِّصالِ بَعْضِ أَعْضائِهِ بِبَعْضٍ، فَمَتَى انْفَصلَ وَاحِدٌ مِنَ الأَجْزَاءِ، أَوْ بَايَنَهُ فِي صِحَّةِ التَّرْكِيْبِ، غَادَرَ بِالجِسْمِ عَاهَةً تَتخَوَّنُ مَحَاسِنَهُ، وَتُعَفِّي جَمَالَهُ. وَمَا زَالَ حُذَّاقُ الشُّعَرَاءِ، وأرْبَابُ الصَّنْعَةِ مِنَ المُحْدَثِيْنَ يَحْتَرِسُونَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الحَالِ احْتِرَاسًا، يَحْمِيْهِمْ مِنْ مَعَايِبِ النُّقْصَانِ، وَيَهْدِيْهِمْ إِلَى مَحَجَّةِ الإِحْسَانِ، لِيَحْصُلَ الاتِّصالُ، وَيُؤَمَّنَ الانْفِصَالُ، وَتَأتِي القَصيْدَةُ فِي تَنَاسُبِ صدُوْرِهَا وَأعْجَازِهَا، وَانْتِظَامٍ نَسِيْبِهَا بِمَدِيْحِهَا كَالرِّسَالَةِ البَلِيْغَةِ وَالخُطْبَةِ الوَجِيْزَةِ، لَا يَنْفَصِلُ جِزْءٌ مِنْهَا عَنْ جُزْءٍ كَقوْلِ مُسْلِمِ بنِ الوَلِيْدِ (3):[من الطويل]

أجِدَّكِ هَلْ تَدْرِيْنَ (4) أَنْ رُبَّ لَيْلَةٍ

كَأَنَّ دُجَاهَا مِنْ قُرُونكِ تُنْشَرُ

(1) ديوانه 1/ 1111.

(2)

لأبي نواس في العمدة 1/ 276.

(3)

ديوانه/ الذيل ص 316.

(4)

دَرِيْتُ الشَّيْءَ إِذَا عَلِمْتُهُ بَعْدَ التَّطَلُّبِ، فَلِهَذَا لَا يُقَالُ للَّهِ دَارِي بِمَعْنَى عَالِمٍ وَالدَّارِي =

ص: 207

نَصبْتُ لَهَا حَتَّى تَجَلَّتْ بِغُرَّةٍ

كَغُرَّةِ يَحْيَى حِيْنَ يُذْكَرُ جَعْفَرُ

وَهَذَا مَذْهَبٌ اخْتَصَّ بِهِ المُتَأَخِّرُوْنَ؛ لِتَوَقُّدِ خَواطرهمْ وَلُطْفِ أفْكَارِهِمْ، وَاعْتِمَادِهِمْ البَدِيْعَ، وَتَفَنُّنِهِمْ فِي أشْعَارِهِمْ. وَأظُنَّهُ مَسْلَكًا سَهَّلُوا حُزُوْنَهُ، وَنَهْجُوا رَسْمَهُ، فَأمَّا الفُحُوْلُ وَالأوَائِلُ، وَمَنْ تَبعَهُمْ مِنَ المُخَضرَمِيْنَ الإسْلَامِيِّيْنَ، فَمَذْهَبُهُمْ المُتَعَارَفُ فِيْهِ قَوْلُ أحَدِهِمْ: دَعْ ذَا، وَاَذْكُرْ كَذَا، وَعَدِّ عَمَّا تَرَى، وَتَجَاوَز عَنْ كَذَا إِلَى كَذَا.

وَقُصَارُ كُلِّ مِنْهُمْ وَصْفُ نَاقَتِهِ بِالكَرَمِ وَالعِتْقِ، وَالنَّجَابَةِ وَالنَّجَاءِ، وَأَنَّهُ خَاضَ اللَّيْلَ بِهَا، وَقَطَعَ مَفَازَةً عَلَيْهَا إِلَى المَقْصوْدِ المَمْدُوْحِ. وَهَذِهِ الطَّرِيْقُ المَهْيَعُ، وَالمَحَجَّةُ اللِّهْجِمِ وَرُبَّمَا اتَّفَقَ لِأحَدِهُم تَخَلُّصٌ لَطِيْفٌ إِلَى غَرَضِهِ مِنْ تَعَمُّدٍ، إِلَّا أَنَّ طَبْعَهُ السَّلِيْمَ وَصرَاطَهُ المُسْتَقِيْمَ، نَصَبَا لَهُ مَنَارَهُ وَأوْقَدَا باليَفَاعِ نَارَهُ، كَتَخَلُّصِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيّ إِلَى غَرَضِهِ بِقَوْلهِ (1):[من الطويل]

فَأسْبَلَ مِنِّي عَبْرَةً فَرَدَدْتُهَا

عَلَى النَّحْرِ مِنْهَا مُسْتَهِلٌّ وَدَامِعُ

عَلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ المَشِيْبَ عَلَى الصِّبَا

وَقُلْتُ: ألَمَّا أصحُّ وَالشَّيْبُ وَازعُ

وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُوْنَ ذَلِكَ دَاخِلٌ

مَكَانَ الشَّغَافِ تَحْتَوِيْهِ الأَضَالِعُ

= بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ فَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ: يَا رَبِّ لَا أَدْرِي وَأَنْتَ الدَّارِي. فَهَذَا مِنْ غَلَطِ العَرَبِ.

قَالَ أَعْرَابِيٌ:

فَإِنْ كُنْتُ لَا أَدْرِي الظِّبَاءَ فَإِنَّنِي

أَدُسُّ لَهَا تَحْتَ الترَابِ الدَّوَاهِيَا

وَإِنَّمَا ضُرِبَ هَذَا مَثَلًا، وَقَالَ آخَرُ (1):

أتوا لَا يُبَالُوْنَ الحَشَا وَتَرَوَّحُوا

خَلِيَّيْنِ وَالرَّامِي يُصِيْبُ وَلَا يَدْرِي

يَقْوْلُ: يُصِيْبُ الرَّامِي وَلَا يَقْصِدُ الرَّمِيَّةَ.

(1)

ديوانه ص 30.

_________

(1)

لسان العرب (درى).

ص: 208

وَعِيْدُ أَبِي قَابُوْسَ فِي غَيْرِ كُنْهِهِ

أَتَانِي وَدُوْنِي رَاكِسٌ فَالضَّوَاجِعُ (1)

فَهَذَا كَلَامٌ مُتَنَاسِجٌ، مُتَلَاحِمٌ مُتَنَاسِبٌ، مُتَلَائِمٌ يَقْتَضِي أوَائِلُهُ أوَاخِرَهُ. لَا يَتَمَيَّزُ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ اعْتَرَضَ دُوْنَ ذَلِكَ فِي وَصفِ حَالِهِ عِنْدَ عِلْمِهِ بِوَعِيْدِهِ، وَتَشْبِيْهِ

(1) أَوَّلُهَا (1):

عَفَا ذُو حَسًا مِنْ فرتَنَا فَالفَوَارِعُ

فخبتا أَرِيْكٍ فَالتِّلَاعُ الدَّوَافِعُ

تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرفْتُهَا

لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا العَامِ سَابِعُ

رَمَادٌ كَكِحْلِ العَيْنِ لَا يَأتِيَنَّهُ

وَنَؤيٌ كَجِذْمِ الحَوْضِ أَثْلَمُ خَاشِعُ

فَأَسْبَلَ. الأَبْيَاتُ إِلَى قَوْلِهِ: مَخَافَةَ إِنْ قَدْ قُلْتَ. البَيْتُ

أَتُوْعِدُ عَبْدًا لَمْ يَخُنْكَ أَمَانَةً

تتْرُكُ عَبْدًا ظَالِمًا وَهُوَ ظَالِعُ

حَمَلْتَ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ وَتَرَكْتَهُ كذي

العُرّ يَكُوْى غَيْرُهُ وَهُوَ رَاتِعُ

يَقْوْلُ مِنْهَا:

لَعَمْرِي وَمَا عَمْرِي عَلَيَّ بِهَيِّنِ

لَقَدْ نَطَقَتْ بَطَلًا عَلَيَّ الأَقَارِعُ

أُقَارِعُ عَوْفًا لَا أُجَادِلُ غَيْرَهَا

وُجُوْهُ كِلَابٍ تَبْتَغِي مَنْ تُخَادِعُ

أَتَاكَ امْرُؤٌ مُسْتَعْلِنٌ لَكَ بُغْضُهُ

لَهُ مِنْ عَدُوٍّ مِثْلُ ذَلِكَ شَافِعُ

فَإِنْ كُنْتَ الضَّغْنَ عَنِّي مُنْكِلًا

وَلَا حَلِفِىِ عَلَى البَرَاءَة نَافِعُ

وَلَا أَنَا مَأْمُوْنٌ بِشَيْءٍ أَقُوْلُهُ

وَأَنْتَ بأَمْرٍ لَا مَحَالَةَ وَاقِعُ

حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيْبَةً

وَهَلْ يَأثِمَنْ ذو أُمَّةٍ وَهُوَ طَائِعُ

فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي

وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ

خَطَاطِيْفُ حجنٍ فِي حِبَالٍ مَتِيْنَةٍ

تَمُدُّ بِهَا أيْدٍ إِلَيْكَ نَوَازعُ

سَيَبْلغُ عُذْرًا أَوْ نَجَاحًا مِنْ امْرِئٍ

إِلَى رَبِّهِ رب البَرِيَّةِ رَاكِعُ

وَأَنْتَ رَبِيْعٌ يُنْعشُ النَّاسَ سَيْبُهُ

وَسَيْفٌ أعِيْرَتهُ المَنِيَّةِ قَاطِعُ

أَبَا اللَّهُ إِلَّا عَدْلَهُ وَوَفَاءَهُ

فَلَا النّكْرُ مَعْرُوْفٌ وَلَا العُرْفُ ضَائِعُ

_________

(1)

الأبيات للنابغة الذبياني في ديوانه ص 30.

ص: 209

نَفْسِهِ بِالسَّلِيْمِ مِنْ ذِكْرِ الحَيَّةِ، وَوَصْفِهَا بسُوْءِ سُمِّهَا، وَتَناَذُر الرَّاقِيْنَ إيَّاهَا بِمَا أَحْسَنَ فِيْهِ كلَّ الإِحْسَانِ، فَقَالَ (1):[من الطويل]

فَبِتُّ كَأَنِّي سَاوَرَتْنِي ضَئِيَلَةٌ

مِنَ الرُّقشِ في أنْيَابِهَا السُّمُّ نَاقِعُ

تَنَاذَرَهاَ الرَّاقُونَ مِنْ سُوْءِ سُمِّهَا

تُطَلِّقُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا تُرَاجِعُ

يُسَهَّدُ مِنْ نَوْمِ العِشَاءِ سَلِيْمُهَا

لِحَلْي النِّسَاءِ فِي يَدَيْهِ قَعَاقِعُ

ثُمَّ عَادَ عَاطِفًا كَلَامَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخَلُّصِهِ فَقَالَ: [من الطويل]

وَأُخْبِرْتُ خَيْرَ النَّاسِ أَنَّكَ لُمْتَنِي

وَتِلْكَ الَّتِي تَسْتَكُّ مِنْهَا المَسَامِعُ

مَخَافَةَ أَنْ قَدْ قُلْتَ سَوْفَ أنَالُهُ

وَذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ مِثْلِكَ رَائِعُ

فَلَوْ تَوَصَّلَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ صُنَّاعِ المُحْدَثِيْنَ الحُذَّاقِ الَّذِينَ وَاصلُوا تَفْتِيْشَ المَعَانِي، وَفَتَحُوا أَبْوَابَ البَدِيعِ، وَاجْتَنُوا ثَمَرَةَ الآدَابِ، وَزَهْرَةَ الكَلَامِ، لَكَانَ مُعْجِزًا عَجِيْبًا. فَكَيْفَ بِجَاهِلِيٍّ بَدَوِيٍّ إِنَّمَا يَغْتَرِفُ مِنْ قَلِيْب قَلْبهِ، وَيَسْتَمِدُّ مِنْ هِدَايَةِ هَاجِسِهِ؟

وَمِنْ مَلِيْحِ المَخْلَصِ وأَحْسَنِهِ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ الطَّائِيِّ فِي عَبْدِ اللَّهِ بن طَاهِرٍ (2): [من البسيط]

يَقُوْلُ فِي قُوْمِسٍ صَحْبِي وَقَدْ أخَذَتْ

مِنَّا السُّرَى وَذُرَى المَهْرِيَّةِ القُوْدِ

أَمَطْلَعَ الشَّمْسِ تَبْغِي أَنْ تَؤُمَّ بِنَا

فَقُلْتُ كَلَّا وَلَكِنْ مَطْلَعَ الجُوْدِ

وَقَرِيْبٌ مِنْهُ قَوْلُ عَلِيّ بن الجَّهْمِ (3): [من البسيط]

وَلَيْلَةٍ كُحِّلَتْ بِالنَّقْسِ مُقْلَتُهَا

ألْقَتْ قِنَاعَ الدُّجَى فِي كُلِّ أُخْدُوْدِ

قَدْ كَادَ تُغْرِقُنِي أَمْوَاجُ ظُلْمَتِهِ

لَوْلَا اقْتِبَاسِي سَنًى مِنْ وَجْهِ دَاوُدِ

(1) ديوانه ص 33.

(2)

ديوان أبي تمام 2/ 132.

(3)

ديوانه ص 128.

ص: 210

وَمِنْ بَدِيْعِ المَخْلَصِ قَوْلُ أَبِي الشَّمَقْمَقِ (1): [من المتقارب]

وَأَحْبَبْتُ مِنْ حُبِّهَا البَاخِلِيْنَ

حَتَّى وَمقْتُ ابنَ سَلْمٍ سَعِيْدَا

إِذَا سِيْلَ عُرْفًا كَسَا وَجْهَهُ

ثِيَابًا مِنَ اللُّؤْمِ صُفْرًا وَسُوْدَا

وَمِنْ لَطِيْفِ المَخْلَصِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصد شَاعِرُهُ مَدْحًا، وَلَا ذَمًّا، قَوْلُ البُحْتُرِيِّ (2):[من الكامل]

بَيْنَ الشَّقِيْقَةِ فَاللِّوَى فَالأَجْرَعِ

دِمَنٌ حُبسْنَ عَلَى الرِّيَاحِ الأرْبَعِ

فَكَأَنَّمَا ضَمَنَتْ مَعَالِمُهَا الَّذِي

ضمِنَتْهُ أَحْشَاءُ المُحِبِّ المُوْجَعِ (3)

(1) شعراء عباسيون ص 154.

(2)

ديوانه 2/ 1286.

(3)

وَمِنْ التَّخَلصِ البَدِيْعِ المُسْتَحْسَنِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بن وَهِيْبٍ وَهُوَ تَخَلُّصهُ مِنَ الغَزَلِ إِلَى المَدْحِ (1):

مَا زَالَ يُنْهِلُنِي مَرَاشِفَهُ

وَيُعِلَّنِي الإِبْرِيْقُ وَالقَدَحُ

حَتَّى اسْتَرَدَّ اللَّيْلُ خلْعَتَهُ

وَبَدَا خِلَالَ سَوَادِهِ وَضَحُ

وَبَدَا الصَّبَاحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ

وَجْهُ الخَلِيْفَةِ حِيْنَ يُمْتَدَحُ

وَمِنْ المُخلصِ المُنْقَطِعِ عَنْهُ كُلُّ أَحَدٍ قَوْلُ أَبُو تَمَّامٍ (2):

إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الخَلَائِقِ قَاتَهَا

أَقْوَاتَهَا لِتَصَرُّفِ الأَحْرَاسِ

فَالأَرْضُ مَعْرُوْفُ السَّمَاءِ قِرًى لَهَا

وَبَنُو الرَّجَاءِ لَهُمْ بَنُو العَبَّاسِ

وَالقَوْمُ ظِلُّ اللَّهِ أَسْكَنَ دِيْنَهُ

فِيْهِمْ وَهُمْ جَبَلُ المُلُوْكِ الرَّاسِي

وَمِنْ أَحِسَنِ التَّخَلُّصِ إِلَى المَدْحِ قَوْلُ جَرِيْرٍ (3):

دَعَوْنَ الهَوَى ثُمَّ ارتَمَيْنَ قلُوْبنَا

بِأَسْهُمِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صدِيْقُ

_________

(1)

شعراء عباسيون 1/ 68.

(2)

ديوانه 2/ 246.

(3)

ديوانه ص 372.

ص: 211

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَلَا وَصْلَ وَالحَجَّاجُ بَيْنِي

وَبَيْنَكُمْ وَأَزْوَرُ مغْبَرُّ النَّجَاحِ عَمِيْقُ

وَمِنْ يَأْمَنِ الحَجَّاجَ أَمَّا عِقَابُهُ

فَمُرٌّ وَأَمَّا عَقْدُهُ فَوثِيْقُ

وَقَالَ البُحْتُرِيُّ فِي المَدْحِ (1):

كَأَنَّ سَنَاهَا بِالعَشِيِّ لِصَحْبِهَا

تَبَلَّجَ عِيْسَى حِيْنَ يَلْفِظُ بِالوَعْدِ

وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلُ دِعْبَلَ (2):

وَمَيْثَاءَ خَضرَاءَ رَزِيْنَةٍ بِهَا

النُّوْرُ يَلْمَعُ مِنْ كُلِّ فَنِّ

ضَحُوْكًا إِذَا لَاعَبَتْهُ الرِّيَاحُ

تَأَوَّدَ كَالشَّارِبِ المُرْجِحَنّ

يُشْبِهُ صَحْبِي نُوَّارَهَا

بِدِيْبَاجِ كِسْرَى وَعَصبِ اليَمنِ

فَقُلْتُ بَعُدْتُمْ وَلَكِنَّنِي

أُشَبِّهُهُ بِجَنَابِ الحَسَن

فَتًى لَا يَرَى المَالَ إِلَّا العَطَاءَ

وَلَا الكَنْزَ إِلَّا اعْتِقَالَ المِنَنِ

وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ (3):

لَمْ يَجْتَمِعْ قَطُّ فِي مِصْرَ

مُحَمَّدُ بن أَبِي مَرْوَانَ وَالنُّوَبُ

وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ أَيْضًا (4):

عَامِي وِعَامُ العِيْسِ بَيْنَ وَدِيْقَةٍ

مَسْحُوْرَةِ وَتَنُوْفَةٍ صَيْخُوْدِ

حَتَّى أُغَادِرَ كُلَّ يَوْمٍ بِالفَلَا

لِلطَّيْرِ عِيْدٌ مِنْ بَنَاتِ العِيْدِ

هَيْهَاتَ مِنْهَا رَوْضَةٌ مَحْمُوْدَةٌ

حَتَّى تُنَاخَ بِأَحْمَدَ المَحْمُوْدِ

بِمُعَرَّسِ العَرَبِ الَّذِي وجَدَتْ بِهِ

أَمْنَ المَرُوعِ وَنَجْدَةَ المَنْجُوْدِ

وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ أَيْضًا (5): =

_________

(1)

ديوانه 2/ 759.

(2)

ديوانه ص 147.

(3)

ديوانه 1/ 243.

(4)

ديوانه 1/ 390 - 391.

(5)

ديوانه 3/ 310.

ص: 212

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إِسَاءَةَ الحَادِثَاتِ اسْتَنْبِطِي نَفَقًا

فَقَدْ أَظَلَّكِ إِحْسَانُ ابن حَسَّانِ

وَمِنْ حَسَنِ المخلصِ قَوْلُ جَعْفَرُ بنُ شَمْسِ الخِلَافَةِ يَمْدَحُ المَلِكَ العَزِيْزَ:

قُلْتُ لِلدَّهْرِ حِيْنَ جَاءَكَ رَغمي

فَرَمَانِي بِكُلِّ خَطْبٍ جَلِيْلِ

لا تَمدَّنَ لِي يَدًا بِاهْتِضَامِ

ابن جَارِ العَزِيْزِ غَيْرَ ذَلِيْلِ

* * *

وَمِنْ هَذَا البَابِ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ (1):

يَقْوْلُ أُنَاسٌ فِي حَبِيْنَاءَ عَايَنُوا

عمَارَةَ رَحْلِي مِنْ طَرِيْفٍ وَتَالِدِ

وَيُرْوَى:

فِي حَبِيْنَا وَقَدْ رَأُوا غُضَارَةَ رَحلِي. حَبِيْنَاءُ: مَوْضِعٌ كَانَ بِهِ المَمْدُوْحُ.

أَصَادَفْتَ كنْزًا أَمْ صَبَحْتَ بِغَارَةٍ

ذَوِيْ غِمْرَةٍ حَامِيْهُمُ غَيْرُ شَاهِدِ

فَقُلْتُ لَهُمْ لا ذَا وَلَا ذَاكَ دَيْدَنِي

وَلَكِنَّني أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ خَالِدِ

وَمِنْهُ قَوْلُ آخَر:

مَنْ كَانَ أَحْجَمَ أَوْ نَامَتْ حَقِيْقَتُهُ

عَنِ الحِفَاظِ فَلَمْ يُقْدِمْ عَلَى القُحَمِ

فَعُقْبَةُ بنُ زُهَيْرٍ يَوْمَ نَازَلَهُ جَمْعٌ

مِنَ التُّرْكِ لَمْ يُحْجِمْ وَلَمْ يَحِمِ

مُشَمِّرٌ لِلْمَنَايَا عَنْ شَوَاهُ إِذَا مَا

الوَغْدُ أَسْبَلَ ثَوْبَيْهِ عَلَى القَدَمِ

خَاضَ الرّدَى فِي العِدَى قُدْمًا بِمَنْصلِهِ

وَالخَيْلُ تَعْلِكُ المَوْتَ بِاللّجَمِ

* * *

وَمِنْ هَذَا البَابِ وَحَسَنِ المخلص إِلَى المَدْحِ وَوَصْفِ الحَبِيْبِ قَوْلُ أَعْشَى بَكْرٍ (2):

مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحزنِ مُعْشِبَةٌ

خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ

_________

(1)

ديوانه 2/ 5.

(2)

ديوانه ص 61.

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ

مُؤَزَّر بِعَمِيْمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ

يَوْمًا بِأَطِيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ

وَلَا بِأَحِسَنِ مِنْهَا إِذْ دَنَا الأَصْلُ

وَأَنْشَدَ ابْنُ الحَارِثِيّ لِنَفْسِهِ (1):

مَا رَوْضةٌ عُلْوِيَّةٌ أَسَدِيَّةٌ

مُنَمْنَمَةٌ زَهْرَاءُ ذَاتُ ثَرًى جَعْدِ

سَقَاهَا النَّدَى في عَقْبِ جِنْحٍ مِنَ الدُّجَى

فَنوَّارُهَا يَهْتَزُّ بِالكَوْكَبِ السَعَدِ

بَأَحَسَنَ مِنْ حُرٍّ تَضَمَّنَ حَاجَةً

لِحُرٍّ فَأَوْفَى بِالنَّجَاحِ مَعَ الوَعْدِ

وَقَالَ ابن عَبْدِ رَبّهِ (2):

وَمَا رَوْضَةٌ بِالحزنِ حَاكَ لَهَا النَّدَى

بُرُوْدًا مِنَ المُوَشَّى حُمْرُ الشَّقَائِقِ

يُقِيْمُ الدُّجَى أَعْنَاقهَا وَيُمِيْلهَا

شُعَاعُ الضُّحَى المُشْتَقِّ فِي كُلِّ شَارِقِ

إِذَا ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ تَبْكِي بِأَعْيُنٍ

مُكَلَّلَةِ الأَجْفَانِ حُمْرِ الحَدَائِقِ

حَكَتْ أَرْضُهَا لَوْنَ السَّمَاءِ وَزَانَهَا

نُجُوْمٌ كَأَمْثَالِ النُّجُوْمِ الخَوَافِقِ

بِأَطْيَبَ نَسْرًا مِنْ خَلَائِقِهِ الَّتِي لَهَا

خَضعَتْ فِي الحُسْنِ زَهْرُ الخَلَائِقِ

وَقَالَ بَكْرُ بن النَّطَّاحِ فِي المخلِصِ إِلَى المَدْحِ (3):

وَذَوِيَّةٍ خُلِقَتْ لِلسَّرَابِ

فَأَمْوَاجُهُ بَيْنَهَا تَزخَرُ

تَرَى جِنَّهَا بَيْنَ أَضْعَافِهَا

حلُوْلًا كَأَنَّهُمُ البَرْبَرُ

كَأَنَّ جَفْنَيْهِ تَحْمِيْهُمُ

فَأَلْيَنُهُمْ خَشِنٌ أَزْوَرُ

وَقَالَ القَاضي أَبُو القَاسَمِ التَّنُوخِي (4):

_________

(1)

شرح المقامات للشريشي 1/ 72، بهجة المجالس 1/ 324، أنظر: عبد الملك الحارثي حياته وشعره ص 58 - 59.

(2)

ديوانه ص 184.

(3)

شعره ص 243.

(4)

يتيمة الدهر 2/ 402.

ص: 214

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أَسِيْرُ وَفِي قَلْبِي هَوَاكَ أَسِيْرُ

وَحَادِي رِكَابِي لَوْعَةٌ وَزَفِيْرُ

ولي أَدْمُعٌ غُزْرٌ تَفِيْضُ كَأَنَّهَا نَدًى

فَاضَ فِي العَافِيْنَ مِنْكَ غَزِيْرُ

وَقَالَ أَبُو فِرَاسٍ بن حَمْدَانَ (1):

كَأَنَّمَا دَمْعِي مِنْ بَعْدِهِ

صَوبُ عَطَايَا كَفِّهِ الهَاطِلِ

* * *

قَوْلُ عَلِيّ بن الجّهَمِ: كُحِلَتْ بِالنَّفْسِ مُقْلَتِهَا مَأْخُوْذٌ مِنْ قَوْلِ أَعْرَابِيٍّ:

وَاللَّيْلُ قَدْ صَبَغَ الحصَى بِمِدَادِ

أخَذَهُ أَبُو نُوَّاسٍ فَقَالَ (2):

وَنَجْمُ اللَّيْلِ مُكْتَحِلٌ بِقَارِ

وَأَخَذَهُ أَبُو تَمَّامٍ فَقَالَ (3):

إِلَيْكَ قَطَعْنَا جُنْحِ لَيْلٍ كَأَنَّهُ

قَدِ اكْتَحَلَتْ مِنْهُ العُيُوْنُ بَإِثمِدِ

وَأَخَذَ أَبُو نُوَّاسٍ أَيْضًا قَوْلُ الأَعْرَابِيُّ المُتَقَدِّمِ فَقَالَ يَرْتَجِزُ (4):

قَدْ أَغْتَدَى اللَّيْلُ كَالمِدَادِ

وَالصُّبْحُ يَنْفِيْهِ عَنِ البِلادِ

طَرْدَ المَشِيْبِ حَالِكِ السَّوَادِ

وَقَالَ الأَعْشَى فِي المُخْلِصِ يَمْدَحُ الأَسْوَدَ مُخَاطِبًا لِنَاقَتِهِ (5):

لَا تَشْكِي إلَيَّ وَانْجَعِي الأَسْوَدَ

أَهْلَ النَّدَى وَأَهْلَ الفَعَالِ

_________

(1)

ديوانه ص 207.

(2)

ديوانه ص 77.

(3)

ديوانه 2/ 30.

(4)

لم ترد في ديوانه.

(5)

ديوانه (صادر) ص 166.

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَمْدَحُ هِلَالَا بنَ أَحْوَزَ المَازِنِيّ (1):

جِئْتُ إِلَى نَعَمِ الدَّهْنَاءِ فَقُلْتُ لَهَا

أُمِّي هِلَالًا عَلَى التَّوْفِيِقِ وَالرَّشَدِ

وَمِثْلُهُ قَوْلُ وَهَبٍ الهَمْدَانِيِّ (2):

وَاطْلُبَا الرِّيْفَ يَا نَدِيْمَيَّ

فَالرِّيْفُ مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ إِسْمَاعِيْلُ

وَقَالَ الآخَرُ فِي المخلص إِلَى المَدْحِ:

أَيَّامُ غُصنِ الشَّبَابِ يَهْتَزُّ

كَالأَسْمَرِ فِي رَاحَةِ ابنِ حَمَّادِ

وَقَالَ الأَعْشَى (3):

وَإلَى ابنِ سَلْمَى حَارِثٍ قَطَعَتْ

عَرْضَ النِّجَادِ مَطِيَّتِي تَضعُ

وَرِثَ السِّيَادَةَ مِنْ أَوَائِلِهِ

وَأَتَمَّ أَحْسَنَ مَا هُمُ صنَعُوا

وَقَالَ النَّامِيُّ فِي سَيْفِ الدَّوْلَةِ (4):

تَقَسَّمَتِ الأَهْوَاءُ قَلْبِي كَمَا غَدَا

نَوَالٌ عَلَيَّ فِي العُلَى مُتَقَسِّمَا

* * *

سلم الخَاسِرُ (5):

تَبَدَّتْ فَقُلْتُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوْعِهَا

بِوَجْهٍ غَنِيِّ اللَّوْنِ عَنْ إِرْتِ الوَرْسِ

فَقُلْتُ لأَصْحَابِي وَبِي مِثْلُ مَا بِهِمْ

عَلَى مِرْيَةٍ مَا هَاهُنَا مَطْلَعُ الشَّمْسِ

* * *

_________

(1)

ديوانه ص 175.

(2)

عيار الشعر ص 193.

(3)

لم يرد في ديوانه.

(4)

ديوانه ص 68.

(5)

شعراء عباسيون، الحماسة البصرية 2/ 111.

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَمِنْ لَطِيْفِ المَخْلِصِ وَأَحْسَنَهُ قَوْلُ عَلِيّ بن الجَّهمِ يَرِيْدُ انْصرَافَ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ خَاقَانَ عَنِ الجعْفَرِيِّ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى عِنْدَ قَتْلِ المُتَوَكِّلِ وَهُوَ يَصِفُ سَحَابَةً (1):

وَسَارِيَةٍ تَرْتَادُ أَرْضًا تَجُوْدُهَا

شَغَلَتْ بِهَا عَيْنًا طَوِيْلا هُجُوْدُهَا

أتَتْنَا بِهَا رِيْحُ الصِّبَا فَكَأَنَّهَا

فَتَاةٌ تُزَجِّيْهَا عَجُوْزٌ تَقُوْدُهَا

فَمَا بَرِحَتْ بَغْدَادُ حَتَّى تَفَجَّرَتْ

بِأَوْدِيَةٍ مَا يَسْتَفِيْقُ مُدُوْدهَا

فَلَمَّا قَضَتْ حَقَّ العِرَاقِ وَأَهْلِهِ

أَتَاهَا مِنَ الرِّيْحِ الشّمَالِ بَرِيْدُهَا

فَمَرَّتْ تَفُوْتُ الطَّرْفَ سَعْيًا كَأَنَّهَا

جُنُوْدُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَّتْ بُنُوْدُهَا

قَدْ أَخَذَ عَلِيُّ بن الجَّهمِ هَذَا المَعْنَى مَعْكُوْسًا مِنْ أَبِي العَتَاهِيَةِ حِيْنَ قَالَ (2):

وَرَايَاتٍ يحلُّ النَّصْرُ فِيْهَا

تَمُرُّ كَأَنَّهَا قِطَعُ السَّحَابِ

وَذَلِكَ مِنْ حِذْقِ الشَّاعِرِ وَقُوَّة صنْعَتِهِ وَحُسْنِ تَلَطّفِهِ.

وَمِنْ هَذَا البَابِ قَوْلُ البُحْتُرِيّ (3):

سُقِيَتْ رَيَّاكِ بِكُلِّ نَوْءٍ عَاجِلٍ

مِنْ وَبْلِهِ حَقًّا لَهَا مَعْلُوْمَا

لَوْ أَنَّنِي أُعْطِيْتُ فِيْهِنَّ المُنَى

لَسَقَيْتَهُنَّ بِكَفِّ إِبْرَاهِيْمَا

وَقَوْلُهُ أَيْضًا (4):

آلَيْتُ لَا أَجْعَلُ الإِعْدَامَ حَادِثَةً

تُخْشَى وَعِيْسَى بنُ إبْرَاهِيْم لِي سَنَدُ

وَقَوْلُهُ أَيْضًا (5):

تَنَصَّبَ البَرْقُ مُخْتَالًا فَقُلْتُ لَهُ

لَوْجُدْتَ جُوْدَ بَنِي يَزْوَانَ لَمْ تَزِدِ

_________

(1)

ديوانه ص 56.

(2)

ديوانه ص 65.

(3)

ديوانه 3/ 1965.

(4)

ديوانه 1/ 496.

(5)

ديوانه 2/ 659.

ص: 217

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَقَوْلُ حَاتِمُ الطَّائِيّ مُخَاطِبًا لامْرَأَتِهِ (1):

إِنْ كُنْتِ كَارِهَةً مَعِيْشَتنَا

هَاتَا فَحُلِّي فِي بَنِي بَدْرِ

جَاوَرتهم زَمَنَ الفَسَادِ فَنِعْمَ

الحَيُّ فِي العَوْصَاءِ وَاليُسْرِ

فَسُقِيْتِ بِالمَاءِ النَّمِيْرِ وَلَمْ

أنزل أَوَاطمُ حَمْأة الخفر

وَرُعِيْتُ فِي أُوْلَى النّدِيّ وَلَمْ

يُنْظَر إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ خُزْرِ

الضَّارِبِيْنَ لَدَى أَعِنَّتِهِمْ

وَالطَّاعِنِيْنَ وَخَيْلُهُمْ تَجْرِي

وَالخَالِطِيْنَ نَحِيْبهُمْ بِنِضَارِهِمْ

وَذَوِي الغِنَى مِنْهُمْ بِذِي الفقْرِ

قَالَ أَبُو صَالحٍ:

النَّحْتُ مَا نُحِتَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ والنَّحْتُ الَّذِي لَيْسَ بِنضَارٍ، مِثْلَ الغربِ وَنَحْوهِ مِنَ العِيْدَانِ وَالأثْلُ وَالنَّبْعُ وَيُقَالُ نَضَارٌ وَنِضارٌ قَالَ أَبُو عَمْرو والنضار الأثْلُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ الأَقْدَاحُ قَالَ الأَصْمَعِيُّ النحيت الدون مِنْهُمْ وَالنضارُ الأَشْرَافُ يَقُوْلُ يخلطُوْنَ مِنْ كيس منهم بِأنْفُسِهِمْ.

وَمِنْ بَدِيْمِ المَخرَجِ وَمَلِيْحِ المخلص قَوْلُ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ (2):

إِنْ كُنْتِ كَاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِنِي

فَنَجَوْتِ مَنْجَى الحارثِ بن هِشَامِ

تَركَ الأَحِبَّهَ أَنْ يُقَاتِلَ دُوْنَهُمْ

وَنَجَا بِرَأسِ طِمِرَّةٍ وَلِجَامِ

وَيُرْوَى تركَ الأَحِبَّةَ وَالرِّمَاحُ تنوشهُم. فَهَذَا التَّخْلِيْصُ فِي الهِجَاءِ لَطِيْفٌ. وَمِنْ عَجِيْبِ المخلَصِ إِلَى المَدْحِ قَوْلُ أَبي تَمَّامٍ وَهُوَ مِنْ أَبْرَعِ الابْتِدَاءَاتِ أَيْضًا (3):

أَسْقَى طُلُوْلَهُمُ أَجَشُّ هَزِيْم

وَغَدَتْ عَلَيْهِمْ نَظْرَةٌ وَنَعِيْمُ

جدَّتْ مَعَاهِدَهَا عِهَادُ سَحَابَةٍ

مَا عَهْدُهَا عِنْدَ الدِّيَارِ ذَمِيْمُ

_________

(1)

ديوانه ص 215.

(2)

ديوانه ص 108.

(3)

ديوانه 3/ 289 - 290.

ص: 218

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ثُمَّ تَخَلَّصَ إِلَى المَدْحِ أَحْسَنَ تَخْلُّصٍ فَقَالَ:

لَا وَالَّذِي هُوَ عَالِمٌ أَنَّ الهَوَى أجَلٌ

وَأَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ كَرِيْمُ

مَا زِلْتُ عَنْ سِنَنِ الوِدَادِ وَلَا غَدَتْ

نَفْسِي عَلَى ألفٍ سِوَاكَ تَحُوْمُ

ثُمَّ عَادَ إِلَى المَدْحِ فَقَالَ:

لِمُحَمَّدِ بنِ الهَيْثَمِ بن شَبَابَةٍ مَجْدٌ

إِلَى جَنْبِ السَّمَاكِ مُقِيْمُ

مَلِكٌ إِذَا نُسِبَ النّدَى فِي مُلْتَقَى

طَرْفَيْهِ فَهُوَ أَخٌ لَهُ وَحَمِيْمُ

* * *

وَإِنَّمَا أَخَذَ البُحْتُرِيُّ: هَذَا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بن وَهِيْبٍ فَإِنَّهُ أَحْسَنَ فِي تَخْلِيْصِهِ مِنْ وَصْفِ الدِّيَارِ إِلَى وَصْفِ شَوْقِهِ (1):

طَلَلَانِ طَالَ عَلَيْهُمَا الأَمَدُ

دَشَرًا فَلَا عَلَمٌ وَلَا نَضِدُ

لَبِسَا البَلَى فَكَأَنَّمَا وَجَدَا

بَعْدَ الأَحِبَّةِ مِثْلَمَا أَجِدُ

وَقَالَ دِيْكُ الجِّنِّ (2):

وَغَرِيْرٍ يَقْضِي بِحُكْمَيْنِ في الرَّاحِ

بِعَدْلٍ وَفِي الهَوَى بِمُحَالِ

لِلْنَّقَا رِدْفُهُ وَلِلْخَوْظِ مَا

حملَ لِينًا وَجِيْدُهُ لِلْغَزَالِ

فَعَلَتْ مُقْلتَاهُ بِالصَّبِّ مَا تَفْعَلُ

جَدْوَى يَدَيْكَ بِالأَمْوَالِ

وَقَالَ النَّابِغَةُ وَتَخَلّصَ مِنْ تَشَكُّكٍ إِلَى وَصْفِ الحَبِيْبِ (3):

أَقُوْلُ وَالنَّجْمُ قَدْ مَالَتْ مَيَاسِرُهُ

إِلَى الغُرُوْبِ تَأْمَّلَ نَظْرَةً حَارِ

مِن سَنَا بَرْقٍ رَأَى بَصَرِي

أَمْ وَجْهُ نُعمٍ بَدَا لِي أَمْ سَنَا نَارِ

وَجْهُ نُعمٍ بَدَا وَاللَّيْلُ مُعْتَكِرٌ

فَلَاحَ مِنْ بَيْنِ حُجَّابٍ وَأَسْتَارِ

_________

(1)

لم ترد في مجموع شعره.

(2)

ديوانه ص 124.

(3)

ديوان النابعة الذبياني ص 202.

ص: 219