الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَقْصِيْرِ:
هُوَ أَنْ يَأتِي الشَّاعِرُ بِمَعْنًى لِغَيْرِهِ قَدْ أَسَاءَ فِيْهِ الشَّاعِرُ الأَوَّلُ، فَيَتْبَعَهُ اقْتِدَاءً بِمَا صَنَعَ،
= إِلَيْكَ بَعَثْتُ رَاحِلَتِي تَشَكَّى
…
كُلُوْمًا بَعْدَ مَقْحَدِهَا السَّمِيْنِ
المَقحدُ: السَّنَامُ وَهُوَ مَوْضِعُ القَحْدَةِ.
رَأَيْتُ عَرَابَةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو
…
إِلَى الخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ القَرِيْنِ
أَفَادَ مُحَامِدًا وَأَفَادَ مَجْدًا
…
فَلَيْسَ كَجَامِدٍ ولِجَزِّ ضَنِيْنِ
إِذَا مَا رايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ
…
تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِاليَمِيْنِ
وَمِثْل سَرَاةِ قَوْمِكَ لَنْ يُجَاوِرْ
…
إِلَى رُبْعِ الرِّهَانِ وَلَا الثَّمِيْنِ
يُقَالُ: ثَمَنٌ وَثَمِيْنٌ وَنَصْفٌ وَنَصِيْفٌ وَعَشْرٌ وَعَشِيْرٌ لَيْسَ غَيْرَهُ.
رِمَاحُ رُدَيْنَةٍ وَبِحَارُ لَجٍّ
…
غَوَارِبِهَا تَقَاذَفَ بِالسَّفِيْنِ
رُدَيْنَة: امْرَأَةٌ تُقَوِّمُ الرّمَاحَ وَقِيْلَ بَلْ هِيَ مَدِيْنَةٌ. اليَمِيْنُ: هِيَ الحَقُّ وَالقُوَّةُ وَاليُمْنُ وَقِيْلَ أَرَادَ لأَنَّهُ مَعْرُوْفٌ لَهُ ذَلِكَ.
فِدًى لِعَطَائِكَ الجزْلِ المُرَجَّا
…
رَجَاءُ المُخْلِفَاتِ مِنَ الظُّنُوْنِ
غَدَاةَ وَجَدْتُ بَحْركَ غَيْرَ نَزْوٍ
…
مَشَارِعُهُ وَلَا كَدَرِ العُيُوْنِ
فَعَرَابَةٌ هَذَا مِمَّنْ ارْتَفَعَ ذِكْرِه وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ بِمَدْحِ الشَّمَّاخِ لَهُ وَلَوْلَا شِعْرُ هَذَا المَادِحِ وَأَنَّهُ سَارَ مَسِيْرَ الشَّمْسِ فِي الآفَافِ لَمَا عُرِفَ لَهُ ذِكْرٌ وَلَا اشْتَهَرَ لَهُ فَخْرٌ.
وَقَدْ عَابَ قَوْمٌ قَوْلُ الشَّمَّاخِ: فَاشْرِقِي بِدَمِ الوَتِيْنِ
وَاحْتَجُّوا فِيْهِ يَقُوْلُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِلأَنْصَارِيَّةِ المَأْسُوْرَةِ بمكّة وَقَدْ نَجتْ عَلَى نَاقَةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَتْ: إنِّي نَذَرْتُ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ إِنْ أَنْجَانِي اللَّه عَلَيْهَا أنْ أَنْحَرَهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: بِئْسَ مَا جَزَيْتِهَا وَقَالَ: لَا نَذْرَ فِي مَعْصيَةِ اللَّهِ وَلَا نَذْرَ للإِنْسَانِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ (1).
_________
(1)
الفتح الكبير 3/ 348.
وَاقْتِفَاءً لأَثْرِهِ فَقَط. وَذَلِكَ كَقَوْلِ الفَرَزْدَقِ حَيْثُ أَسَاءَ لِنَفْسِهِ الأُمْنِيَةَ وَقَالَ: [من الطويل]
فَيَا لَيْتَنَا كُنَّا بَعِيْرَيْنِ لَا نَرِدْ
…
عَلَى مَنْهَلٍ إِلَّا نُشَلُّ وَنُقْذَفُ
وَاسْتَرَقَهُ كُثَيِّرٌ فَاحْتَذَى حَذْوَهُ، فَقَالَ:[من الطويل]
ألَا لَيْتَنَا يا عَزُّ كُنَّا لِذِي غِنًى
…
بَعِيْرَيْنِ نَرْعَى فِي الفَلَاةِ وَنَعْزُبُ
قَالَ العُقَلَاءُ: وَهَذَا مِمَّا يُكْرَهُ مِنْ سُوْءِ الأُمْنِيَةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ المَجْنُوْنِ:[من الطويل]
خَلِيْلَيَّ لَا وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ الَّذِي
…
قَضَى اللَّهُ فِي لَيْلَى وَلَا مَا قَضَى لِيَا
قَضَاهَا لِغَيْرِي وَابْتَلانِي بِحُبِّهَا
…
فَأَلَّا بِشَيْءٍ غَيْرَ لَيْلَى ابْتَلَانِيَا
فَيُقَالُ: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: فَأَلَّا بِشَيْءٍ غَيْرَ لَيْلَى ابْتَلَانِيَا، ذَهَبَ بَصَرَهُ؛ وَقِيْلَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إنَّهُ مَرِضَ.
وَمنَ التَّكافُؤِ فِي التَّقْصيْرِ، وَالتَّرَادُفِ فِي الإِسَاءةِ، وَالتَّهَافُتِ فِي قُبْحِ الاتِّبَاعِ قَوْلُ الشَّمَّاخُ:[من الوافر]
إِذَا أبْلَغْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي
…
عَرَابَةَ فَاشْرَقِي بِدَمِ الوَتِيْنِ (1)
حَرُمْتِ عَلَى الأَزِمَّةِ وَالوَلَايَا
…
وَأَعْلَاقِ الرِّحايَةِ وَالوَضِيْنِ
وَلَمْ أرَ أحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الشِّعْرِ وَنُقَّادِ الكَلَامِ يَحْمَدُ هَذَا المَذْهَبَ مِنَ الشَّمَّاخِ، وَلَا يُوَجِّهُ لَهُ وَجْهًا مَرْضِيًّا فِي وَصْفِ النُّوْقِ الَّتِي يَمْتَطِيْهَا الشُّعَرَاءُ إِلَى المَمْدُوْحِيْنَ. وَقَدْ قَالَ أُحَيْحَةُ بنُ الجُلَاجِ لِلشَّمَّاخِ لَمَّا أنْشَدَهُ هَذَا: بِئْسَ المُجَازَاةُ جَازَيْتَهَا بِهِ.
فَاقْتَفَى ذُو الرُّمَّةِ مَذْهَبَهُ فِي الإِسَاءةِ، فَقَالَ:[من الطويل]
إِذَا ابْنُ أَبِي مُوْسَى بِلَالًا بَلَغْتِهِ
…
فَقَامَ بِفَأْسٍ بَيْنَ وَصلَيْكِ جَازِرُ
فَاحْتَذَى حَذْوَهُمَا أَبُو دَهْبَلٍ الجُمْحِيُّ، فَقَالَ يَمْدَحُ المُغِيْرَةَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ:[من مجزوء الكامل]
يَا نَاقِ سِيْرِي وَاشْرَقِي
…
بِدَمٍ إِذَا جِئْتِ المُغِيْرَه
(1) الوَتِيْنُ: عِرْقٌ مُتَبَطِّنِ الصُّلبِ مُعَلَّقٌ بِالقَلْبِ يَسْقِي كُلّ عُرُوْقِ الجَسَدِ.