الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهَذَا تأكِيْدٌ لِلْمَدْحِ بمَا يُشْبهُ الذَّمَّ. وَأحْسَنُ مَا قِيْلَ فِي الاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ هَذَا البَيْتِ قَوْلُ النَّابِغَةِ الجعْدِيِّ (1): [من الطويل]
فَتَّى كَمَلَتْ أخْلَاقُهُ غَيْرَ أَنَّهُ
…
جَوَادٌ فَمَا يُبْقَي مِنَ المَالِ بَاقِيَا
فَتَّى تَمَّ فِيْهِ مَا يَسُرُّ صَدِيْقَهُ
…
عَلَى أَنَّ فِيْهِ مَا يَسُوْءُ الأعَادِيَا (2)
فَقَوْلُهُ فِي البَيْتِ الأوَّلِ غَيْرَ أَنَّهُ جَوَادٌ، وَفِي البَيْتِ الثَّانِي: عَلَى أَنَّ فِيْهِ مَا يَسُوْءُ الأعَادِيَا، مِن أبْرَعِ الاسْتِثْنَاءِ وَألْطَفِهِ.
وَكَمَالُ التَّتْمِيْمِ:
هُوَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّاعِرُ مَعْنًى، فَلَا يُغَادِرُ شَيْئًا يَتِمُّ بِهِ ذَلِكَ المَعْنَى، وَيَتَكَامَلُ مَعَهُ الإِحْسَانُ فِيْهِ إِلَّا أَتَى، كَقَوْلِ نَافِعِ بنِ خَلِيْفَةَ الغَنَوِيِّ (3):[من الكامل]
رِجَالٌ إِذَا لَمْ يُقْبَلِ الحَقُّ مِنْهُم
…
وَيُعْطَوُهُ عَاذُوا بِالسُّيُوْفِ القَوَاضِبِ
فَإنَّ المَعْنَى تَمَّ بِقَوْلهِ: يُعْطَوْهُ، وَإلَّا فَإِنَّهُ كَانَ نَاقِصًا لَا مَحَالَةَ.
وَكَقَوْلِ طَرفَةَ (4): [من الكامل]
فَسَقَى دِيَارَكِ غَيْرَ مُفْسِدِهَا (5)
…
صَوْبُ الرَّبِيْعِ وَدِيْمَةٌ تَهْمِي
= الاسْتِثْنَاءُ فِي البَيْتَيْنِ الأَخِيْرَيْنِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا عَيْبَ فِي إِنْعَامِهِ غَيْرَ أَنَّهُ، وَفِي البَيْتِ الآخَرَ فِي قَوْلِهِ: وَلَا طَعْنَ فِي إِقْدَامِهِ غَيْرَ أَنَّهُ.
(1)
ديوانه 173 - 174.
(2)
زَعَمَ هَارُوْن بن يَحْيَى أَنَّ هَذَا البَيْتَ أَحْسَنُ مَا قِيْلَ فِي المُقَابَلَةِ فِي صِنَاعَةِ الشِّعْرِ.
(3)
نقد الشعر ص 49.
(4)
ديوانه ص 221.
(5)
قَوْلُ طرفةَ: غَيْرُ مُفْسِدِهَا احْتِرَاسٌ مِنْ مَأْخَذٍ وَقَعَ فِي قَرِيْبٍ مِنْهُ ذُو الرُّمَّةِ حَيْثُ أَخَذَ عَليْهِ قَوْلهُ (1):
أَلَا يَا اسْلِمِي يَا دَارَ مَيّ عَلَى البَلَى
…
وَلَا زَالَ مُنْهَلًّا بِجَرْعَائِكَ القَطْرُ =
_________
(1)
ديوان ذي الرمة 1/ 559.
فَقَدْ تَمَّ الإِحْسَانُ فِي المَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ بِقَوْلهِ: غَيْرَ مُفْسِدِهَا
ومِنَ التَّتْمِيْمِ قَوْلُ الفَرَزْدَقِ (1): [من الطويل]
وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى لَوْ أَرَى المَوْتَ مُقْبِلًا
…
لِيَأخُذَنِي وَالمَوْتُ يُكْرَهُ زَائِرُه
لَكَانَ مِنَ الحَجَّاجِ أهْوَنَ رَوْعَةً
…
إِذَا هُوَ أغْفَى (2)، وَهُوَ سَامٍ نَوَاظِرُه
= فَقَالُوا إِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ طَمسَ مَعَالِمِهَا وَعَفَّى مَحَاسِنَهَا بِمُدَاوَمَةِ انْهِلَالِ الغَيْثِ وَانْسِكَاب القَطْرِ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْقِي لَهَا فَدَعَا عَلَيْهَا وَلَعَمْرِي إِنَّ فِي ذَلِكَ بَعْضَ التَّعَلُّقِ إِلَّا أَنَّهُ البَأسَ قدِ احْتَرَسَ مِنْ هَذَا الاعْتِرَاضِ احْتِرَسًا قَدَّمَهُ فِي صَدْرِ البَيْتِ بِقَوْلهِ:
أَلَا يَا أَسْلِمِي يَا دَارَ مَيّ عَلَى البَلَى فَدَعَا لَهَا بِالسَّلَامَةِ عَلَى تَعَاقُبِ الأَحْوَالِ وَتَصرُّفِهَا الَّتِي تُوْجِبُ بَلَى الدَّارِ وَانْدِرَاسِ الآثَار ثُمَّ اسْتَسْقَى لَهَا بِأَنْ قَالَ وَلَا زَالَ مُنْهِلًا بجَرْعَائِكَ القَطْرُ فَتَعَلَّقَ المَعْنَى الثَّانِي بِالأَوَّلِ وَدَخَلَ تَحْتَ الدُّعَاءِ لَهَا بِالسَّلَامَةِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ لَهَا بِقَوْلهِ وَلَا زَال مُنْهَلًا بِجَرْعَائِكَ القَطْرُ إِلَى قَوْلِ القَائِلِ مَا زِلْتُ آتِيْكَ يُرِيْدُ أَكْثَرُ إِتْيَانَكَ لَا إِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ إِتْيَانَهُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ أَصْلًا وَلَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ تَعَاقُبٌ فِيْهِ أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِ كُثَيِّرٍ فِي عَبْدِ المَلِكِ وَقِيْلَ عَبْدُ العَزِيْزِ (1):
وَمَا زَالَتْ رُقَاكَ تَسُلُّ ضَغْنِي
…
وَتَخْرِجُ مِنْ مَكَامِنِهَا ضَبَابِي
وَيَحْوِيْنِي لَكَ الحَاوُوْنَ حَتَّى
…
أَجَابَتْ حَيَّةٌ خَلِفَ الحِجَابِ
فَقَوْلُهُ وَمَا زَالَتْ رُقَاكَ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى أَنَّهَا دَائِمَةُ الاتِّصالِ غَيْرُ مُنْقَطِعَةِ الانْفِصَالِ وَإِنَّمَا يَذْهَبُ بمِثْلِ هَذَا المَوْضِعِ وَأَضْرَابِهِ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أولًا دُوْنَ غَيْرِهِ مِنَ المُلَازَمَةِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا.
(1)
ديوانه 1/ 251.
(2)
انْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ إِذَا هُوَ أَغْفَى لِيَكُوْنَ أَشَدَّ مُبَالِغَةٍ فِي الوَصْفِ إِذْ شَبَّهَهُ عِنْدَ إِغْفَايةِ بِأَنَّ رَوْعَتَهُ أَعْظَمُ مِنَ المَوْتِ فَمَا ظَنَّكَ بهِ نَاظِرًا أَوْ مُتَأَمِّلًا ثُمَّ نَزَّهَهُ عَنش الإِغْفَاءِ فَقَالَ وَهُوَ سَامٍ نَوَاظِرُهُ. =
_________
(1)
ديوانه ص 52.