الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمَا خَطَّ الكِتَابَ بِكَفِّ يَوْمًا
…
يَهُوْدِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيْلُ
وَكَقَوْلِ الآخَرِ: [من المنسرح]
يا مَنْ رَأَى عَارِضًا أَرِقْتُ لَهُ
…
بَيْنَ ذِرَاعَي وَجَبْهَةِ الأَسَدِ
أَيْ: بَيْنَ ذِرَاعَي الأَسَدِ وَجَبْهَتِهِ.
وَمَا يُشَبَّهُ فِيْهِ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يُجْعَلُ المُشَبَّهُ بِهِ هُوَ المُشَبَّهُ بِعَيْنِهِ
.
كَقَوْلِ رُؤْبَةَ (1): [من الرجز]
سَوَّى مَسَاحِيْهِنَّ تَقْطِيْطَ الحُقَقْ (2)
أَيْ: حَوَافِرَهُنَّ الَّتِي هِيَ كَالمَسَاحِي، فَجَعَلَهَا مَسَاحِي بِعَيْنِهَا (3).
= وَبَانَ كَمَا تَهَجَّرَ وَهُوَ زَارٍ
…
عَلَى جِيْرَانِهِ الجارُ النَّقِيْلُ
فَلَيْسَ لِعَهْدِهِ أَبَدًا رُجُوْعٌ
…
وَلَيْسَ إلى اللِّحَاقِ بِهِ سَبِيْلُ
أمَا وَأَبَى الشَّبَاب لَقَدْ أَرَاهُ
…
حَبِيْبًا مَا يُرَادُ بِهِ بَدِيْلُ
وَصَدّ الغَانِيَاتُ فما لِرحْلِي
…
مَبِيْتٌ عِنْدَهُنَّ وَلَا مَقِيْلُ
يَقُوْلُ مِنْهَا:
وَلَيْسَ كَنَقْصِ رَيْبِ الدَّهْرِ نَقْصٌ
…
وَلَيْس كَطُوْلِ رَيْبِ الدَّهْرِ طُولُ
(1)
نَسَبَهُ: هُوَ أَبُو الجَّحَافِ رُؤْبَةُ بنُ عَبْدُ اللَّهِ العَجَاجُ بنُ رُؤْبَة بن لَبِيْدِ بن صَخْرِ بْنَ كَثِيْفِ بنِ عَمِيْرَة بن جُنِّيّ بن سَعْد بن مَالِكِ بن سَعْدِ بن زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيْم بن مُرّ بن أَدِّ بنِ طَابِخَةَ بن اليَاسِ بنِ مُضرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ بنِ أَدِّ بنِ أَدُدْ بنِ مُقَوِّمٍ.
(2)
تَفْلِيْلُ مَا قَارَعْنَ مِنْ سُمْرِ الطُّرُقْ.
(3)
الضَّمْيرُ فِي مَسَاحِيْهِنَّ يَرْجَع إلى الحمر الوَحْشِيَّةِ الَّتِي يَصِفها وَيَعْنِي بِالمَسَاحِي حَوَافِرَهُنَّ لأَنَّهُنَّ يَسْحَيْنَ وَجْه الأرضِ أَيْ يُقَشّرْنهَا وَالطُّرَقُ جَمْعُ طُرْقَةٍ وَهِيَ حِجَارةٌ مُطَارَقٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَالتَّفلِيْلُ البكسيم وَالتفليل هُوَ الَّذِي سَوَّى مَسَاحِيْهنَّ وَالحَقَقُ جَمْعُ حُقَّةٍ وَهِيَ قَارَعْنَ صَادَمْنَ يَقُوْلُ سَوَّتْ هَذِهِ الأرض الشَّدِيْدَةُ ذَاتُ الحجَارَةِ المطَارَقةِ بِتَغْلِيَلهَا أَيْ تَكْسِيْرهَا مَسَاحِيْهُن كَمَا تَقُطَّ الحقة أَيْ قطنها =
وَهَذَا الأُسْلُوْبُ عَزِيْزٌ مَطْلَبُهُ، صَعْبٌ مَرْكَبُهُ، فَسِيْحٌ مَذْهَبُهُ، مُتَفَرِّعَةٌ شُعَبُهُ. وَحَسْبُكَ مِنَ الخَبَرِ أَطْيَبُهُ، وَمِنَ الحَدِيْثِ أَحْسَنُهُ، وَأَعْذَبُهُ. وَفِي هَذِهِ الإِشَارَةِ اليَسِيْرَةِ، وَالعِبَارَةِ المُوْجَزَةِ القَصِيْرَةِ كِفَايَةٌ لِطَالِبِ النَّوْعِ وَالتِّبْيَانِ. وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَمَبْسُوْطٌ فِيْ مَا أَلَّفَهُ عُلَمَاءُ هَذَا الفَنِّ مِنْ كُتُبِ البَيَانِ.
وَهَاهُنَا مُنْتَهَى مَا شَرَحْنَا قَوَانِيْنَهُ مِنْ قَوَاعدِ الشِّعْرِ، وَأوْضَحْنَا بَرَاهِيْنَهُ، فَأَضَاءتْ كَالنُّجُوْمِ الزُّهْرِ؛ لِئَلَّا تَخْلُو الدِّيْبَاجَةُ مِنَ الفَوَائِدِ الغُرِّ، بَلْ تَكُوْن نِسْبَةً لِكِتَابِ الدُّرِّ (1). وَإنَّ أَنْفَعَ الكَلَامَ مَوْقِعًا، وَأَسْمَاهُ مَوْضِعًا كَلِمَةُ حِكْمَةٍ يَقْتَفِي الأَرِيْبُ سَنَاهَا، فَيَهْتَدِي وَيَقْتَدِي الأَدِيْبُ بِهُدَاهَا، فَيَرْتَدِعُ، وَلَا يَعْتَدِي، وَمَثَلٌ سَائِرٌ
= كَمَا يَقُطُّ الَّذِيْنَ يَعْمَلُونَ الحِقَاقَ.
* * *
وَكَقَوْلِ عَمْرُو بنِ قَمِيْئَةَ (1):
لَمَّا رَأَتْ ساتيذما مَا اسْتَعْبَرَتْ
…
للَّهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لَامَهَا
أَيْ للَّهِ دَرُّ مَنْ لَامَهَا اليَوْمَ. وَسَاتِيْذَمَا اسْمُ جَبَلٍ.
(1)
البَيَانُ هُوَ التَّمْيِيْزُ بَيْنَ الأَشْيَاءِ وَقِيْلَ هُوَ الكَلَامُ.
والنطق. قال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 3 - 4].
وَالتِّبْيَانُ هُوَ كَيْفِيَّة تَرْكِيْبِ الكَلَامِ فِي كَشْفِ مَا تُرِيْدُ مِنْ تَفْهِيْمِ المَعَانِي.
* * *
الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الأَسَدِيِّ كَاتِبُ السَّرِيّ:
فِيْهِ مَا يَشْتَهِي الأَدِيْبُ مِنَ العِلْـ
…
ـمِ وَفِيْهِ جِلَاءُ هَمِّ النُّفُوْسِ
فِيْهِ مَا شِئْتَ مِنْ بُدُوْرِ مَعَانٍ
…
ضَاحِكَاتٍ إِلَى وُجُوْهِ شُمُوْسِ
وَالنَّفِيْسُ الثَّمِيْنُ مَا زَالَ يُهْدِي
…
كُلّ حُسْنٍ إِلَى الثَّمِيْنِ النَّفِيْسِ
_________
(1)
ديوانه ص 182.
مُسْتَعْمَلٌ مُتَدَاوُلٌ، يَسْتَغْنِي بِإيْرَادِهِ اللَّبِيْبُ العَاقِلُ الفَاضِلُ، الكَامِلُ المُتَصَدِّرُ فِي المَحَافِلِ، المُتَصَدِّي لإِظْهَارِ الفَضَائِلِ عَنِ اخْتِرَاعِ أَلْفَاظٍ يُؤَلِّفُهَا، وَابْتِدَاعِ مَعَانٍ يَتَكَلَّفُهَا، وَذَلِكَ مِمَّا يَرْفَعُهُ مِنَ العِلْمِ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ، وَيُحِلُّهُ مِنَ الأَدَبِ فِي مَقَامٍ أعْلَى مِنْ مَنْزِلَتِهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا اعْتَمَدَ فِي التَّمَثُّلِ وَالاسْتِشْهَادِ عَلَى الأَبْيَاتِ الأَفْرَادِ السَّائِرَةِ فِي البِلَادِ، الشَّارِدَةِ فِي كُلِّ نَادٍ وَوَادٍ، لأنَّ الشِّعْرَ أَوْلَى مَا تَحلَّى بِهِ الكَرِيْمُ، وَأَحْلَى مَا تَمَثَّلَ بِهِ الحَبْرُ العَلِيْمُ. يَدُلُّ عَلَى غَزَارَةِ المُرُوَّةِ، وَيَزِيْدُ فِي الوِدَادِ وَالأُخُوَّةِ، والبَسْطَةِ والقُوَّةِ، وَصِنَاعَةٌ بَارِعَة مِنْ أَدَوَاتِ الفُتُوَّةِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ لِلحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ لَمَّا حَرَّمَ الشُّعَرَاءَ فِي أَوَّلِ مَقْدَمِهِ إِلَى العِرَاقِ: أَجْزِ الشُّعَرَاءَ؛ فَإِنَّهُمْ يُحْيُوْنَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ، وَيحضُّوْنَ عَلَى البِرِّ وَالسَّخَاءِ (1). وَإلَى هَذَا المَعْنَى نَظَرَ أَبُو تَمَّامٍ فَقَالَ:[من الطويل]
(1) قال الشاعر:
تَجلَّت بما أَبْدَى الثَّرَى كُلَّ تَلعةٍ
…
وَزَخْرَفَ مِنْ دُرّ الحَيَا جِيدهَا
نَتَاجُ أُمّ لم تَلِدْ قَطّ ناطِقا
…
ولا كَانَ مِن غَيرِ السَّحابِ لَهَا
* * *
قِيْلَ وَكَانَ عُمَرُ بن عبد العزيز لَا يجفُّ فُوْهُ مِنَ التَّمَثُّلِ بِهَذَا البَيْتِ (1):
وَلَا خَيْر فِي عَبْدٍ إِذَا لَمْ يكُنْ لَهُ
…
مِنَ اللَّهِ فِي يَوْمِ المعاد نصيبُ
وكان سعيد بن المسيب رحمه الله يتمثل كثيرًا بهذا البيت:
وشقّ له من اسمه كي يجلّه
…
فذو العرش محمود وهذا محمدُ
وَكَانَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رحمه الله يُكْثِرُ التَّمْثيْل بِهَذَا البَيْتِ (2):
يَسُرُّ الفَتَى مَا كَانَ قَدَّمَ مِنْ تُقًى
…
إِذَا عَرَفَ الدَّاءَ الَّذِي هُوَ قَاتِلُه
_________
(1)
البداية والنهاية 9/ 206.
(2)
البداية والنهاية 9/ 274.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَكَانَ عَمْرِو بن عُبَيْدٍ يُصَلِّي الَّليْلَ أَجْمَعَ فَإِذَا أَصْبَحَ تَمَثَّلَ (1):
عِنْدَ الصَّبَاحِ يحمد القومَ السرى
…
إِذَا انْجَلَتْ عَنْهُمْ غَيَاهِبَ الكَرَى
* * *
قَالَ أَبُو يُوْسُفَ وَدِدْتُهُ وُدًّا وَوَدًّا وَوِدًّا وَمَوَدَّةً وَوَدَادَةً وَوِدَادًا.
قِيْلَ وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ رحمه الله يَتَمَثَّلُ كَثِيْرًا:
فلا تُكْثِرَنَّ فِي إِثْرِ شَيْءٍ نَدَامَةً
…
إِذَا انْتَزَعَتْهُ مِنْ يَدَيْكَ النَّوَازعُ
وَقَالَ عُمَرُ بن ذَرٍّ: المسِيْءُ مَيّتٌ وَإِنْ كَانَ حَيًّا وَالمُحْسِنِ حَيًّا وَإِنْ كَانَ مَيْتًا ثُمَّ تَمَثَّلَ:
مَوْتُ التَّقِي حَيَاةٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ
…
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَحْيَاءُ
وَكَانَ أَبُو عَمْرُو بن العَلَاءِ رحمه الله يَتَمَثَّلُ (2):
مُؤَمَّلٍ دُنْيَا لِتَبْقَى لَهُ
…
فَوَافَى المَنِيَّةَ دُوْنَ الأَمَلُ
حَثيْثًا يُرَوِّي أُصوْلَ الفَسِيْلِ
…
فَعَاشَ الفَسِيْل وَمَاتَ الرَّجُلُ
* * *
وَأنْشَدَ الرَّاغِبُ فِي مُحَاضَرَاتِهِ (3):
صُوْنُوا القَرِيْضَ فَإِنَّهُ
…
مِثْلُ المَيَاسِمِ فِي المَوَاسِمِ
الشِّعْرُ جَامِعَةُ المَفَاخِرِ
…
وَالمَحَاسِنِ وَالمَكَارِمِ
المَيَاسِمُ جَمْعُ مَيْسَمٍ عَلَى اللَّفْظِ وَجَمْعُهُ عَلَى الأَصْلِ مَوَاسِمِ.
دِعْبَلٍ (4):
_________
(1)
لخالد بن الوليد في الفاخر 194.
(2)
البيان والتبيين 1/ 119، 3/ 178.
(3)
محاضرات الأدباء 1/ 79.
(4)
ديوانه ص 171.
وَإنَّ العُلَا مَا لَمْ يُرَ الشِّعْرُ دُوْنَهَا
…
لَكَالأَرْضِ عُطْلًا لَيْسَ فِيْهَا مَعَالِمُ
وَلَوْلَا خِلَالٌ سَنَّهَا الشّعرُّ مَا دَرَى
…
بُغَاةُ النَّدَى مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى المَكَارِمُ (1)
وَمَا زَالَ الرِّجَالُ أَصحَابُ الهِمَمِ العَلِيَّةِ، وَالأَنْفُسِ القَوِيَّةِ الأَبِيَّةِ يَتَغَايَرُوْنَ عَلَى الفَضْلِ وَالكَرَمِ كَتَغَايُرِهِمْ عَلَى الأَهْلى وَالحُرَمِ. وَلَوْ كَانَ الشِّعْرُ نَقْصًا، أَوْ مِمَّا يَشِيْنُ صَاحِبَهُ، لَمَا تَنَافَسَ فِيْهِ المُلُوْكُ وَالأمَرَاءُ، وَلَمْ يَبْذُلُوا جَزِيْلَ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِ حِيْنَ قَصَدَهُمُ بهِ الشُّعَرَاءُ، وَلَمَا جَازَ لِلسَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الوَقَارِ وَالشَّرَفِ مَعَ جَلَالَةِ أَقْدَارِهِم، وَعَظِيمِ أَخطَارِهِمْ سَمَاعُهُ، فَضْلًا عَنِ عَمَلِهِ وَإِنْشَادِهِ وَالتَّمَثُّلِ بِهِ فِي الوَقَائِعِ المُهِمَّةِ، وَالحَوَادِثِ المُلِمَّةِ. وَمَا رَأَيْتُ أحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، وَالمُتَزَهِّدِيْنَ المُعْتَبَرِيْنَ ذَوِي المَنَاصِبِ وَالمَنَاقِبِ نَهَى عَنْهُ، وَلَا كَرِهَهُ، بَلْ كُلُّهُمْ يَسْتَجِيْدُهُ وَيَسْتَنْشِدُهُ، وَيَتَرَنَّمُ بِهِ وَيُنْشِدُهُ، وَيُكْرِمُ قَائِلَهُ وَيَرْفِدُهُ، وَيُجِيْزُهُ وَيَهَبُهُ، وَيَتَّقِيْهِ وَيَهَابَهُ. فَلِذَلِكَ لَهِجْتُ بِجَمْع مَا شَرَدَ مِنْهُ وَشَذَّ، وَسَارَ مَثَلًا، وَفَذَّ عَنْهُمْ وَعَنِ الخُلَفَاءِ وَالوُزَرَاءِ، وَالعُظَمَاءِ وَالأُمَرَاءِ، وَالعُلَمَاءِ وَالكُبَرَاءِ مِنْ بَعْدِهِمْ (2).
= مِنْ كُلِّ قَافِيَةٍ تَحْتَلُّ ثَاوِيَةً
…
فِي صَدْرِ رَاوِيَةٍ أَوْ كَفِّ وَرَّاقِ
خَوَابِرٍ بِأُمُوْرِ النَّاسِ تُخْبِرُنَا
…
عَنْ لُؤْمِ قَوْمٍ وَعَنْ مَجْدٍ بِتِصدَاقِ
وَقَالَ البُحْتُرِيُّ:
وَالمَجْدُ قِنٌّ آبِقٌّ مِنْ أَهْلِهِ
…
لَوْلَا عُرَى الشِّعْرِ - قَدْ يده
(1)
في هامش الأصل:
يُرى حِكْمَة ما فيهِ وهو فُكَاهَةٌ
…
ويَقْضي بما يَقْضِي بِهِ وَهوَ ظَالِمُ
(2)
قَالَ أَبُو تَمَّامٍ (1):
إِلَيْكَ بَعَثْتُ أَبْكَارَ المَعَانِي
…
يَلِيْهَا سَابِقٌ عَجِلٌ وَحَادِي
شِدَادَ الأَمْرِ سَالِمَةَ النَّوَاحِي
…
مِنَ الإِقْوَاءِ فِيْهَا وَالسِّنَادِ
لَهَا فِي الهَاجِسِ القِدْحُ المُعَلَّى
…
وَفِي نَظْمِ القَوَافِي وَالعِمَادِ
_________
(1)
ديوانه ص 74.
قَالَ الأَوَّلُ (1): [من الوافر]
فَإنْ أَهْلِكْ فَقَدْ أَبْقَيْتُ بَعْدِي
…
قَوَافِي تُعْجِبُ المُتَمَثِّلِيْنَا
لَذِيْذَاتِ المَقَاطِعِ مُحْكَمَاتٍ
…
لَوَ أَنَّ الشِّعْرَ يُلْبَسُ لَارْتُدِيْنَا
= مُنَزَّهَةً عَنِ البَرْقِ المُوَرَّى
…
مُكَرَّمَةً عَنِ المَعْنَى المُعَادِ
وَقَالَ أَبُو الفَرَج بن هِنْدُو (1):
هَزَزْتُ إِلَيْكَ الشِّعْرَ سَهْلًا قِيَادُهُ
…
وَخَلَّيْتُ مِنْهُ صعْبَهُ المُتَشَزِّنَا
وَمَا الشِّعْرُ إِلَّا مَا تَصَيدَ أَنْفُسًا
…
وَطَرَّبَ آذَانًا وَرَفَّهَ السُّنَا
العَلَوِيُّ ابن طَبَاطَبَا (2):
كَلَامٌ لَوْ وَعَتْهُ الوَحْشُ يَوْمًا
…
لَحَطَّ العُصْمَ مِنْ قُلَلِ الجبَالِ
أَرَقٌ مِنَ الهَوَاءِ إِذَا اسْتَشَفَّتْ
…
مَعَانِيْهِ وَمَنْ صَفْوِ الزَّلَالِ
أَنِيْقٌ لَوْ تَجَسَّمَ كَانَ حَلْيًا
…
تُنَافِسُ فِيْهِ رَبَّاتُ الحِجَالِ
قَرِيْبٌ حِيْنَ تَسْمَعُهُ بَعِيْدٌ
…
عَلَى مَنْ رَامَهُ عَسِرُ المَنَالِ
ابْنُ الرُّوْمِيّ (3):
بِكَلَام لَوْ أَنَّ لِلدَّهْرِ سَمْعًا
…
مَالَ مِنْ حُسْنِهِ إِلَى الإِصْغَاءِ
وَلَوْ أَنَّ البِحَارَ يُقْذَفُ حَرْفٌ
…
مِنْهُ فِيْهَا مَا أَجَّ طَعْمُ المَاءِ
السَّيِّدُ المُوْسَوِيُّ (4):
زَخَرْتُ لَكَ الغُرُوْرَ السَّائِرَا
…
تِ يَفْتَرُّ عَنْهَا الفُؤَادُ الكَئِيْبُ
إِذَا نَثَرَتْهَا شِفَاهُ الرُّوَاةِ
…
رَاقَكَ مِنْهَا النِّظَامُ العَجِيْبُ
(1)
وَهُوَ ابْنُ مّيَّادَةَ.
_________
(1)
شعره (حويزي) 79 - 80.
(2)
لم ترد في شعره (الخاقاني).
(3)
لم يردا في ديوانه.
(4)
ديوان الشريف الرضي 1/ 78.
وَمِنَ المَعْلُوْمِ أَنَّ العُلُوْمَ لَهَا مَسَالِكُ وَمَدَارِجُ، وَمَرَاقٍ وَمَعَارِجُ، وَأَنَّ أَبْعَدَ تِلْكَ المَرَاقِي وَأَقْصَاهَا، وَأَوْعَرَ تِلْكَ المَسَالِكِ وَأَعْصاهَا الأَمْثَالُ السَّائِرَةُ الَّتِي هِيَ لُمَاضَاتُ حَرَشَةِ الضِّبَابِ، وَنَفَاثَاتُ حَلَبَةِ اللِّقَاحِ، وَحَمَيَةِ العِلَابِ:[من الكامل]
مِنْ كُلِّ مَبْدِعَةِ الجمَالِ غَرِيْرَةٍ
…
تُنْسِيْكَ دَلَّ الكَاعِبِ الحَسْنَاءِ
كُحِلَتْ لَوَاحِظُهَا بِسِحْرِ بَلَاغَةٍ
…
أَعْيَتْ فَصَاحَتُهَا عَلَى البُلَغَاءِ (1)
(1) وَمَا بَرِحَتِ الأَشْعَارُ تُحَضَّضُ بِهَا فِي الحُرُوْب وَيَحُثُّ عَلَى الصبْرِ وَتَمْنَعُ مِنَ الهَرَبِ فِي المَوَاطِنِ العَظِيْمَةِ الخَطَرِ قَالَ مُعَاوِيَةَ ابن أَبِي سُفْيَانَ لِبَعْضِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ مَعَ عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ عليه السلام مَا مَنَعَنِي مِنَ الانْصرَافِ عَنْ صَاحِبكُمْ يَوْمَ صِفِّيْنَ إِلَّا أَبْيَاتُ عَمْرُو بنِ الأطْنَابَةِ حَيْثُ يَقُوْلُ (1):
أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلَائِي
…
وَأَخْذِي الحَمْدَ بِالثَّمَنِ الرَّبِيْحِ
وَإِعْطَائِي عَلَى المَكْرُوْهِ مَالِي
…
وَضَرْبِي هَامَةَ البَطَلِ المُشِيْحِ
وَقَوْلي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ
…
مَكَانِكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيْحِي
لأَدْفَعُ عَنْ مَآثِرَ صالِحَاتٍ
…
وَأَحْمِي بِعْدُ عَنْ عِرْضٍ طَحِيْحِ
بِذِي شَطْبٍ كَلَوْنِ المِلْحِ صَافٍ
…
وَنَفْسٍ لَا تَقِرُّ عَلَى القَبِيْحِ
قَالَ الفَرَزْدَقُ (2):
وَإِذَا النُّفُوْسُ جَشَأْنَ طَامَنَ جَأْشَهَا
…
ثِقَةً لَهُ بِحِمَايَةِ الأَدْبَارِ
(وَجاشَتْ تَقُوْلُ شَكَوْتُ - عِنْدَ الأَمْرِ وَالجَّزْعِ)(عَمْرُو بن الأَطْنَابَةَ. الأَطْنَابَةُ أُمُّهُ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ كَنَانَةَ). قَالَ الصَّغَانِيُّ رحمه الله: هِيَ بِنْتُ قَيْسٍ. وَهُوَ عَمْرُو بن القَيْنِ بن جَسْرِ بن قُضَاعَة وَأَبُوْهُ زَيْدُ مُنَاةَ بن مَالِكِ بن ثَعْلَبَةَ بن كَعْب بن الخَزْرَج بن الحارث بن الخَزْرَجِ.
قَالَ الصَّغَانِيُّ رحمه الله: (وَمَالِكُ هَذَا هُوَ مَالِكُ ابن الأَغَرِّ).
_________
(1)
لعمرو بن الأطنابة في الحماسة البصرية 1/ 3، ديوان المعاني 1/ 114.
(2)
ديوانه 1/ 304.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَهَذِهِ الأَبْيَاتُ أَشْرَدُ مَثَلٍ قِيْلَ فِي الحَضِّ عَلَى الصبْرِ عِنْدَ لِقَاءِ الأَعْدَاءِ.
الأَطْنَابَةُ: وَتَرُ القَوْسِ وَقِيْلَ بَلْ سَيْرٌ يُشَدُّ فِي مَقْبَضِ القَوْسِ.
وَالمُشِيْحُ: الحَادُّ فِي أَمْرِهِ.
وَقِيْلَ إِنَّ أَشْجَعَ بَيْتٍ قَالَتْهُ العَرَبُ قَوْلُهُ:
وَقُولِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ. البَيْتُ
وَقَال أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَمْرُو بن الأَطْنَابَةَ الخَزْرَجِيَّ مَلِكَ الحِجَازِ.
وَتَمَثَّلَ زَيْدُ بنُ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَتَى رَأْسِ الحُسَيْنِ عليه السلام (1):
لَيْتَ أشيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا
…
جَزَعَ الخَزْرَجَ مِنْ وَقْعِ الأَسَلْ
حِيْنَ حَطَّتْ بِقَبَاءٍ بَركَهَا
…
وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ فِي عَبْدِ الأَشَلْ
وَلَمَّا أَتَى الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ بِرَأْسِ ابن مَصقَلَةَ وَكَانَ مَعَ ابن الأَشْعَثِ قَالَ:
إِذَا رَأَيْتَ بِوَادٍ حَيَّةً ذَكَرًا
…
فَاذْهَبْ وَدَعْنِي أُمَارِسُ حَيَّةَ الوَادِي
وَتَمَثَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد بن الأَشْعَث حِيْنَ هَرَبَ وَقَدْ نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَوْدٍ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَدْ تَحَرَّقَ خُفَّاهُ وَتَقَتَطَّعَتْ ثيَابَهُ (2):
مُنْخَرِقُ الخفَّيْنِ يَشْكُو الوَجَا
…
تنكبُهُ أَطْرَافُ مَرْوٍ حِدَادِ
أَزْرَى بِهِ الخَوْفُ فَهُوَ تَائِهٌ
…
كَذَاكَ مِنْ يَكْرَهُ حَرّ الجِلادِ
قَدْ كَانَ فِي المَوْتِ لَهُ رَاحَةٌ
…
وَالمَوْتُ حَتْمٌ فِي رِقَابِ العِبَادِ
وَلَمَّا أَتَى بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرَ المَنْصُوْرِ تَمَثَّلَ:
طَمِعْتُ بِلَيْلَى أنْ تُرِيْعُ وَإِنَّمَا
…
يُقَطَّعُ أَعْنَاقَ الرِجَالِ المَطَامِعُ
_________
(1)
لعبد اللَّه بن الزبعرى في مجموع شعره ص 45.
(2)
تاريخ الطبري 8/ 41، أنظر: البيان والتبيين 1/ 311، 3/ 359.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَتَمَثَّلَ الحَجَّاجُ لَمَّا رُفِعَ إِلَيْهِ بِأسْمَاءِ عِيَالَاتِ مَنْ قُتِلَ بِالكُوْفَةِ لِيَجْرِي لَهُمْ رِزْقًا يَقُوْلُ الأَخْطَلُ (1):
فَقُتِلْنَ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ وَغَيْرهُمْ
…
تُرِكْنَ فَلَهُمْ عَلَيْكَ عَيَالَا
* * *
يُرْوَى عَنْ مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: مَا أَشَدَّ فِطَامَ الكَبِيْرِ، وهُوَ كمَا قَالَ الشَّاعِرُ (2):
أَتَرُوْضُ عرْسَكَ بعد مَا هَرِمَتْ
…
وَمِنَ العَنَاءِ رِيَاضُهُ الهَرَمُ
وَقَالَ العُتْبِيُّ: سَمِعْتُ خَلَفًا الأَحْمَرَ يَتَمَثَّلُ:
لَا يَبْرَحُ المَرْءُ يَسْتَقْرِي مَضَاجِعَهُ
…
حتَّى يُقِيْمَ بِأَقْصَاهِنَّ مضْطَّجَعَا
وَتَمَثَّلَ الأَعْمَشُ:
أَرَى رِجَالًا بِدُوْنِ الدِّيْنِ قَدْ قَنِعُوا
…
ذُلًّا أَرَاهُمْ رَضُوا فِي العَيْشِ بِالدُّوْنِ
فَاسْتَغْنِ بِاللَّهِ عَنْ دُنْيَا المُلُوكِ كَمَا
…
اسْتَغْنَى المُلُوْكُ بِدُنْيَاهُمْ عَنِ الدِّيْنِ
وَقِيْلَ: اجْتَمَعَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابنُ شَبْرَمَةَ فَسُئِلَا عَنْ مَسْأَلَةٍ فَسَبَقَ ابْنُ شَبْرَمَةَ إلى الجَّوَابِ فَجَوَّدَهُ وَقَصَّرَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فتَمَثَّلَ ابْنُ شَبْرَمَةَ بِقَوْلِ مُهَلْهلٍ (3):
لَمْ يطِيْقُوا أَنْ يَنْزِلُوا وَنَزَلْنَا
…
وَأَخُو الحَرْبِ مَنْ أَطَاقَ النُّزُوْلَا
ثُمَّ سُئِلَا عَنْ مَسْأَلَةٍ فَسَبَقَ أُخْرَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى الجَّوَابِ فَأَجَادَهُ وَقَصَّرَ ابْنُ شَبْرَمَةَ فتَمَثَّلَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِقَوْلِ جَرِيْرٍ (4):
وَابْنُ اللَّبُوْنِ إِذَا مَا لَزَّ فِي قَرْنٍ
…
لَمْ يَسْتَطِعْ صوْلَةَ البزْلِ القَنَاعِيْسِ
_________
(1)
ديوان الأخطل 1/ 114.
(2)
البيان والتبيين 1/ 120، وعيون الأخبار 2/ 369.
(3)
ديوانه ص 63.
(4)
ديوانه ص 250.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَيُقَالُ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِيَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَان تَمَثَّلَ هِشَامٌ (1):
وَمَا كَانَ قَيْسٌ هَلْكُهُ هَلْكُ وَاحِدٍ
…
وَلَكِنَّهُ بُنْيَانَ قَوْمٍ تَهَدَّمَا
فَزَجَرَهُ سُلَيْمَانُ وَقَالَ اسْكُتْ فَإِنَّكَ أَحْوَلُ أكشف تَنْطقُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ ثُمَّ تَمَثَّلَ سُلَيْمَان (2):
وَإِنْ مُقْرِمٌ مِنَّا ذَرَا أَحَدنا بِهِ
…
تَمَخَّطَ مِنَّا نَاب آخِرَ مقْرِمِ
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ يَتَمَثَّلُ:
فَلَسْنَا عَلَى الأعْقَابِ تَدْمَى كُلُوْمُنَا
…
وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا تُقْطَرُ الدَّمَا
وَقَالَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ حُرُوْبِهِ مُتَمَثِّلًا:
وَيَوْمَ كَانَ المُصْطَلِيْنَ بِحَرهِ
…
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْرٌ قِيَامٌ عَلَى الجمْرِ
صَبَرْنَا لَهُ حَتَّى تَجَلَّى وَإِنَّمَا
…
تُفَرَّحُ أَيَّامُ الكَرِيْهَةِ بِالصَّبْرِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بن الحُسَيْنِ القَاضي يَتَمَثَّلُ كَثيْرًا عَلَى مِنْبَرِ البَصرَةِ (3):
أَيْنَ القُرُوْنُ الَّتِي عَنْ حَظِّهَا غَفَلَتْ
…
حَتَّى سَقَاهَا بِكَأْسِ المَوْتِ سَاقِيْهَا
وَتَمَثَّلَ سَلَامُ بنُ مُنْذِرٍ عَلَى المِنْبَرِ بِخرَاسَانَ أَيَّامَ العَصَبِيَّةِ:
إِذَا رَأوني أَطَالَ اللَّهُ غَيْظَهُمُ
…
عَضُّوا مِنَ الغَيْظِ أَطْرَافَ الأَبَاهِيْمِ
* * *
قَالَ يَاقُوْتُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّوْمِيُّ الحَمْوِيُّ يَصِفُ كِتَابَهُ الَّذِي ألَّفَهُ وَوَسَمهُ بِـ (مُعْجَمِ البِلْدَانِ):
وَمَجْمُوْعَةٍ فِيْهَا عُلُوْمٌ كَثيْرَةٌ
…
تَقْرَأُ بِمَرْآهَا عُيُونُ الأَفَاضِلُ
_________
(1)
لعبدة بن الطبيب في خاص الخاص ص 104.
(2)
لأوس بن حجر في ديوانه ص 27.
(3)
البيان والتبيين 1/ 120.
وَهَذِهِ أَبْيَاتٌ أَفْرَادٌ، شَوَارِدُ آحَادٌ، سَوَائِرُ مَسِيْرَ الأمْثَالِ، مُسْتَشْهِدٌ بِهَا فِي كَثيْرٍ مِنَ الأَحْوَال. [من الطويل]
تَزِيْدُ عَلَى مَرِّ اللَّيَالِي تَضَوُّعًا
…
وَتَزْرِي عَلَى نَظْمِ الْلّآلِي عُقُوْدُهَا
كُلُّهَا حِكَمٌ وَنُخَبٌ، وَتَجَارِبٌ وَأَدَبٌ، وَلُمَعٌ وَلُمَحٌ، وَنُكَتٌ وَمُلَحٌ، وَغُرَرٌ وَدُرَرٌ، وَنَوَادِرُ وَفِقَرٌ، وَمَوَاعِظُ وَعِبَرٌ، وَأَمْثَالٌ وَسِيَرٌ (1). [من الطويل]
= أَلَذُّ مِنَ النُعْمَى وَأَحْلَا مِنَ المُنَى
…
وَأَحْسَنُ مِنْ وَجْهِ الحَبِيْبِ المُوَاصِلِ
حَكَتْ رَوْضَةً حَاكَتْ يَدَا القَطْرِ
…
وَشْيهَا وَمَسَّكَ رَيَّاهَا نَسِيْمُ الأَصَائِلِ
أُطَالِعُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأَجْتَلِي
…
عَقَائِلَ يُغْلِي مَهْرَهَا كُلُّ عَاقِلِ
وَأَمْنَعُهَا الجُهَّالَ فَهِيَ حَبِيْبَةٌ
…
جَرَى حُبُّهَا مَجْرَى دَمِي فِي مَفَاصِلِي
هَذَا المِصرَاعُ مِنَ البَيْتِ الأَخِيْرِ تَضْمِيْنٌ وَهُوَ لِلْمُتَنَبِّيّ.
وَمِنْ مَحَاسِنَ مَا قِيْلَ فِي وَصْفٍ كِتَابٍ قَوْلُ مُحَمَّد بن أَحْمَد الأَصفَهَانِي:
صَدَفٌ شُقَّ عَنْ لآلٍ وَدُرٍّ
…
أَمْ كِتَابٌ قَدْ فُضَّ عَنْ نَظْمِ شِعْرِ
وَقَوَافٍ مُقَوَّمَاتٍ لَدَى الأَبْيَا
…
تِ مَوْزُوْنَةٌ بِقِسْطَاسِ فِكْرِ
* * *
قَالَ الرَّاجِزُ:
كم لَفْظَةٌ سَارَبِهَا مَنْ قَالَهَا
…
تَبْقَى لَهُ إِنْ كَانَ لَا يَبْقَى لَهَا
(1)
السَّرِّيُّ بن أَحْمَد الكِنْدِيّ (1):
عِنْدِي إِذَا مَا الرَّوْضُ أَصْبَحَ ذَابِلًا
…
تُحَفٌ أَغَضُّ مِنَ الرِّيَاضِ شَمَايِلَا
خُرْسٌ تحَدِّثُ آخِرًا عَنْ أَوَّلٍ
…
بِعَجَائِبٍ سَلَفَتْ وَلَسْنَ أَوَائِلَا
سُقِيَتْ بِأَطْرَافِ اليَرَاعِ ظُهُوْرُهَا
…
وَبُطُوْنُهَا طَلًّا أَحَمَّ وَوَابِلَا
تَلْقَاكَ فِي حمْرِ الثِّيَابِ وَسُوْدِهَا
…
فَتَخَالَهُنَّ عَرَايِسًا وَثَوَاكِلَا
_________
(1)
ديوانه 2/ 590.
تَوَدُّ الغَوَانِي حِيْنَ تُوْصفُ أَنَّهَا
…
قَلَائِدُ فِي أَعْنَاقِهَا وَعُقُوْدُ
بِهَا يَجْتَنِي المَعْرُوْفَ مَنْ غَرسَ المُنَى
…
وَيَدْنُو لَهُ المَطْلُوْبُ وَهُوَ بَعِيْدُ
يُسْتَعْطَفُ بِهَا الجافِي، وَيُسْتَرْضَى السَّاخِطُ، وَيُتَأَلَّفُ بِهَا النَّائِي، وَيُسْتَدْنَى النَّازِحُ الشَّاحِطُ. فَمُفْرَدُهَا الشَّهِيُّ هُوَ السَّرِيُّ البَهِيُّ، وَاللُّؤْلُؤُ الرَّطْبُ الطَّرِيُّ، كَمَا قَالَ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ التَّنُوْخِيُّ (1):[من مجزوء الكامل]
وَفَرَائِدٍ أَلْفَاظِهَا
…
فِي النَّظْمِ كَالدُّرِّ النثيْرِ
جَاءتْ إِلَيْكَ كَأَنَّهَا
…
التَّوْفِيْقُ فِي كُلِّ الأُمُوْرِ
بِأَرَقَّ مِنْ شَكْوَى وَأَحْسَنَ
…
مِنْ حَيَاةٍ فِي سُرُوْرِ
أَوْ كَالشَّفَاءِ لِمُدْنَفٍ
…
أَوْ كَالغِنَى عِنْدَ الفَقِيْرِ
مِنْ كُلِّ مَعْنًى كَالسُّلَافَةِ
…
أَوْ كَتَيْسِيْرِ العَسِيْر
فِي مِثْلِ أَيَّامِ الوِصالِ
…
أَتَتْ بِأَعْتَابِ الدُّهُوْرِ (2)
= وَتُرِيْكَ مَا قَدْ فَاتَ مِنْ دَهْرٍ مَضَى
…
حَتَّى تَرَاهُ بِعَيْنِ فِكْرِكَ مَاثِلَا
وَإِذَا خَلَوْتَ بِهِنَّ ظَمْآنَ الحَشَا
…
مَنَحَتْكَ مِنْ صوْبِ العقُوْلِ مَنَاهِلَا
نَشَرَتْ حَدَائِقُهَا عَلَى أَمْثَالِهَا
…
حُلَلًا مُدَبَّجَةً وَحَلْيًا كَامِلَا
أَبُو نُواسٍ (1):
كَمْ مِنْ حَدِيْثٍ مُعْجَبٍ عِنْدِي لَكَا
…
لَوْ قَدْ نَبَذْتُ بِهِ إِلَيْكَ لَسَرَّكَا
مِمَّا يَزِيْدُ عَلَى الإِعَادَةِ حِدَّةً غَضٍّ
…
إِذَا خَلَقُ الحَدِيْثِ أَمَلَّكَا
عَلِّقْ بِذِهْنِكَ. . . فَإِذَا بَدَا
…
اسْتِكْرَاهُ أُذْنِكَ لِلتَّسَمُّعِ رَدَّكَا
(1)
يتيمة الدهر 2/ 401.
(2)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَنْدَوَيْهِ:
إِذَا مَا نَشَرْنَاهُ فَكُلُّ المِسْكِ نشرُهُ
…
وَنَطْوِيْهِ لَا طَيَّ السَّآمَةِ بَلْ ضِنَّا
_________
(1)
ديوانه ص 383.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أَحْمَد بن أَبِي طَاهِرٍ:
لَا يَمَلُّ اللِّسَانُ مِنْهُ وَلَا
…
أَصْبَحَ مِمَّا تَمُجُّهُ الآذَانُ
* * *
وَمِثْلُهُ:
تَمُرُّ بِهِ الأَيَّامُ تَسْحَبُ ذَيْلُهَا
…
فَتَبْلَى بِهِ الأَيَّامُ وَهُوَ جَدِيْدُ
* * *
المَوْسَوِيُّ (1):
جَعَلْتُ هدِيَّتِي لَكُمُ نِظَامًا
…
صَقِيْلًا مِثْلَ قَادِمَةِ السَنَانِ
بِلَفْظٍ فَاسِقِ اللَّحَظَاتِ تَسْمِي
…
مَحَاسِنُهُ إِلَى مَعْنَى حَصَانِ
وَصَلْتُ جَوَاهِرَ الأَلْفَاظِ فِيْهِ
…
بِأَعْرَاضِ المَقَاصِدِ وَالمَعَانِي
فَجَاءَتْ غَضةَ الأَطْرَافِ بكْرًا
…
تَخَيَّرَ جِيْدُهَا نَظْمَ الجُّمَانِ
التَّنُوْخِيُّ:
فلو أَطَاقَتْ مِنَ الأَعْظَامِ تَنْثُرُهُ
…
نَوَاظِرُ العَيْنِ مَا أَمْكَنَّ مِنْهُ يَدَا
كَأَنَّهُ وَارِدُ أَمْن عَلَى حَذَرِ
…
أَوْ صوْبُ وَبْلِ عَلَى مَحْلٍ إِذَا وَرَدَا
لَفْظٌ كَمَا اسْتَنْطَقَتْ وَطْفَاءُ هَاطِلَةٌ
…
أَوْ اشْتَكَى مُغْرَمٌ بَرْحَ الَّذِي وَجَدَا
يُفْضِي إِلَى القَلْبِ قَبْلَ السَّمْعِ مُقْتَرِبًا
…
وَالنَّجْمُ أَقْرَبُ مِنْهُ إِنْ تَرُمْهُ مَدَا
يَضِيْءُ تَحْتَ سَوَادِ الحِبْرِ مُؤْتَلِقًا
…
كَحَاجِبِ الشَّمْسِ مِنْ تَحْتِ معبدا
مُوَشَّحٌ بِمَعَانٍ كَالمُنَى صَدَقَتْ
…
أَوِ الشَّبَابِ إِذَا رَيْعَانُهُ وقدا
المُتَنَبِّيُّ:
هُوَ المُتْبَعُ بِالمَسَامِعِ إِنْ مَضَى
…
وَهُوَ المُضَاعَفُ حُسنا
_________
(1)
للشريف الرضي في ديوانه 2/ 504.
قَدْ أَلَّفْتُهَا مِنْ مُحَاوَرَاتِ الأَصحَابِ، وَمُحَاضَرَاتِ أُوْلِي الأَلْبَابِ، وَنَظَّمْتُهَا إِلَى أَخْوَاتِهَا مِنْ إِيْرَادِ الكُتَابِ، وَإنْشَادِ ذَوِي الآدَاب، وَتَصَفَّحْتُهَا مِنْ فَاتِحَةِ كُلِّ كِتَابٍ، وَجَمَعْتُهَا مِنْ سَائِرِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا المَعْنَى مِنَ الأَبوَابِ. وَأَقُوْلُ:[من الطويل]
تَخَيَّرْتُ مِنْ نَوْعِ العُلُوْمِ لَطِيْفَهُ
…
وَيُعْرَفُ مِقْدَارُ الفَتَى بِاختِيَارِهِ
وَأَهْدَيْتُ مَا يَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ ذِكْرهُ
…
وَكُلُّ امْرِيءٍ يُهْدِي بِحَسْبِ اقْتِدَارِهِ (1)
(1) قَالَ المُبَرَّدُ المَثَلُ مَأْخُوْذٌ مِنَ المِثَالِ وَهُوَ قَوْلٌ سَائِرٌ يُشَبَّهُ بِهِ حَالُ الثَّانِي بِالأَوَّلِ. فَالأَصْلُ فِيْهِ التَّشْبِيْهُ وَقَوْلهُمْ مَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ إِذَا انْتَصبَ مَعْنَاهُ أَشْبَهُ لَمَّا لَهُ الفَضْلُ وَالمِثَالُ القصَاصُ لِتَشْبيْهِ حَالِ المُقْتَصِّ مِنْهُ بِحَالِ الأَوَّلِ فَحَقِيْقَةُ المَثَلِ مَا جُعِلَ كَالعَلَمِ لِلتَّشْبيْهِ بِحَالِ الأَوَّلِ كَقَوْلِ كَعْب بن زَهَيْر بن أَبِي سُلْمَى (1):
كانت مَوَاعِيْدُ عُرْقُوْبٍ لَهَا مَثَلًا
…
وَمَا مَوَاعِيْدُهَا إِلَّا الأَبَاطِيلُ
فَمَوَاعِيْدُ عُرْقُوْبٍ علَم لِكُلِّ مَا لَا يَصحُّ مِنَ المَوَاعِيْدِ.
وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيْتِ: المَثَلُ لَفْظ يُخَالِفُ لَفْظَ المَضْرُوْبِ لَهُ وَيُوَافِقُ مَعْنَاهُ مَعْنَى ذَلِكَ شَبَّهُوْهُ بِالمِثَالِ الَّذِي يُعْمَلُ عَلَيْهِ غَيْرهُ.
وَقَالَ غَيرهُمَا: سُمَّتِ الحِكمُ القَائِمُ صِدْقُهَا فِي العُقُوْلِ أَمَثَالًا لانْتِصابِ صُوَرِهَا فِي العُقُوْلِ مُشْتَقَّةٍ مِنَ المثُوْلِ الَّذِي هُوَ الانْتِصَابُ.
وَفِي المَثَلِ أَرْبَعَةُ أحْرُفٍ وَسُمِعَ فِيْهَا فِعْلٌ وَفَعَلٌ وَهِيَ مِثْلٌ وَمَثَلٌ وَشِبْهٌ وَشَبَهٌ وَبدْلٌ وَبَدَلٌ وَنِكْلٌ وَنَكَلٌ.
فَمِثْلُ الشَّيْءِ وَمَثَلَهُ وَشِبْهُ الشَّيْءِ وَشَبهُهُ مَا يُمَائِلُهُ وَيُشَابِهُهُ قَدَرًا وَصِفَةً.
وَبِدلُ الشَّيْءِ وَبَدَلَهُ غَيْرُهُ.
وَرَجُلٌ نِكْلٌ وَنَكَلٌ لِلَّذِي يُنَكّلُ بِهِ أَعْدَائِهِ.
وَفَعِيْلٌ لُغَة فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الأَرْبَعَةِ.
_________
(1)
ديوانه ص 29.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يُقَالُ هَذَا مَثيْلُهُ وَشَبْهُهُ وَبَدِيْلُهُ وَلَا يُقَالُ نَكِيْلُهُ فَالمَثَلُ اسْمٌ لِهَذَا الَّذِي يُضرَبُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى أَصْلِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنَ الصِّفَةِ فَيُقَالُ مَثَلُكَ وَمَثَلُ فُلَانٍ أَيْ صِفَتُكَ وَصِفتُهُ.
وَمِنْهُ قَوْلهُ تَعَالَى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد: 35] أَيْ صفَتِهَا.
ولِشِدَّةِ امْتِزَاجِ مَعْنَى الصِّفَةِ بِهِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ جَعَلْتُ زَيْدًا مَثَلًا وَالقَوْمُ أَمْثَالًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ} [الأعراف: 177]. وَجَعَلَ القَوْمَ أَنْفُسَهُمْ مَثَلًا فِي أَحَدِ القَوْلَيْنِ.
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ عز وجل لِلنَّاسِ الأَمْثَالَ فِي الكِتَابِ العَزِيْزِ فقال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النحل: 75]، وقال عز وجل:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً} [إبراهيم: 24] يَعْنِي كَلِمَةَ التَّوْحِيْدِ {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} يَعْنِي النَّخْلَةَ {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} وَشَبَّهَ ثَبَاتَ الإِيْمَان فِي قَلْبِ المُؤْمِنِ بِثَبَاتِهَا وَشَبَّهَ صُعُوْدَ عَمَلِهِ إِلَى السَّمَاءِ بِارتفَاعِ فُرُوْعِهَا فِي الهَوَاءِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا} فَشَبَّهَ مَا يَكْسَبُهُ المُؤْمِنُ مِنْ بَرَكَةِ الإِيْمَانِ ثَوَابهُ فِي كُلِّ زَمَاني بِمَا يَنَالُ مِنْ ثَمَرَتهَا فِي كُلِّ حِيْنٍ وَأَوَانٍ.
قَالَ إبْرَاهِيْمُ النِّظَامُ يَجْتَمِعُ فِي المَثَلِ أَرْبَعٌ لَا تَجْتَمِعُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الكَلَامِ إِيْجَازُ اللَّفْظِ وَإِصابَةِ المَعْنَى وَحُسْنِ التَّشْبِيْهِ وَجَوْدَةُ الكِنَايَةِ فَهُوَ نِهَايَةُ البَلَاغَةِ.
وَقَالَ ابْنُ المُقَفَّعُ جُعِلَ الكَلَامُ مَثَلًا كَانَ أَوْضَحُ لِلَمَعْنَى وَأَفْصَحُ لِلْمَنْطِقِ وَآنَقُ لِلسَّمَعِ وَأَوْسَعُ لِشُعُوْبِ الحَدِيْثِ.
* * *
يُقَالُ: زَرَيْتَ عَلَى الرَّجُلِ إِذَا عِبْتَ فِعْلَهُ وَأَرْزَيْتُ بِهِ إِذَا قَصَّرْتَ بِهِ.
* * *
كَانَ الحَسَنُ: يَقُوْلُ طُرَفُ الحِكَمِ فِي مِلْحِ الكَلَمِ.
* * *
وكَمَا قِيْلَ: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فِي كُلِّ مَعْنًى يَكَادُ المَيْتُ يَفْهَمُهُ
…
حُسْنًا وَيَعْشَقُهُ القِرْطَاسُ وَالقَلَمُ
* * *
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الغَوَانِي ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ وَأنْشَدَ (1):
أَيَّامُ لَيْلَى كَعَابٌ غَيْرُ غَانِيَةٍ
…
وَأَنْتَ أَمْرَدُ مَعْرُوْفٌ لَكَ الغَزَلُ
وَأنْشَدَ ابْنُ الأَعْرَابِيّ (2):
أُحِبُّ الأَيَامَى إِذْ بثَيْنَةُ أَيِّمُ
…
وَأَحْبَبْتُ لَمَّا أنْ غَنِيْتِ الغَوَانِيَا
وَقَالَ: مِنَ الشَّوَابُ اللَّوَاتِي يُحْبِبْنَ الرِّجَالَ وَيُحِبُّوْنَهُنَّ.
* * *
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ المَلِكِ بن أَحْمَد بن إسْمَاعِيْل الثَّعَالِبِيّ فِي ذِكْرِ أَبِي القَاسَمِ التَّنُوْخِيَ القَاضِي: كَانَ يَجْتَمِعُ بِالوَزِيْرِ المُهَلَّبِيّ وَيُنَادِمُهُ فِي الأُسْبُوعِ لَيْلَيْنِ عَلَى اطراح الحِشْمَةِ وَالتَّبَسُّطِ فِي القَصْفِ وَالخَلَاعَةِ فَإِذَا تَكَامَلَ الأُنْسُ وَطَابَ المَجْلِسُ وَلَذَّ السَّمَاعُ وَأَخَذَ الطَّرَبُ مِنْهُمْ مَأْخَذُهُ وَهَبُوا ثَوْبَ الوَقَارِ للِعُقَارِ وَتَقَلَّبُوا فِي أَعْطَافِ العَيْشِ بَيْنَ الخَفِّ وَالطَّيْشِ وَوَضَعَ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمْ طَاسُ ذَهَبٍ مِنْ أَلْفِ مِثْقَالٍ مَمْلُوْءًا شَرَابًا قَطْرَبِلِيًّا أَوْ عَكْبَرِيًّا فَيَغْمِسُ لِحْيَتَهُ فِيْهِ بَلْ يَنْقَعُهَا حَتَّى تَتَشَرَّبَ أَكْثَرَهُ ثُمَّ يُرَشُّ بِهَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَرْقِصُوْنَ بِأَجْمَعِهِمْ وَعَلَيْهِمْ الثِّيَابُ المُصَبَّغَاتَ وَمَخَانِقُ البَرَمِ وَيَقُوْلُوْنَ كُلَّمَا نَكبر شِرَّ مِرَّ هِرَّ فَإِذَا صحُوا عَادُوا إِلَى عَوَائِدِهِمْ فِي التَّزَمُّتِ وَالتَّوَقُّرِ وَالتَّحَفُّظِ بِأُبَّهَةِ الوَزَارَةِ وَالقَضاءِ وَحِشْمَةِ المَشَايِخِ وَالأَشْرَافِ وَالعُظَمَاءِ وَالكُبَرَاءِ (3).
* * *
_________
(1)
لنصيب في لسان العرب (غنا).
(2)
لجميل بثينة في ديوانه ص 226.
(3)
يتيمة الدهر 1/ 394.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَلأَبِي إِسْحَاقِ الصَّابِئ (1):
فِقَرٌ لَمْ يَزَل فَقِيْرًا إِلَيْهَا
…
كُلُّ مُبْدِي بَلَاغَةٍ وَمُعِيْدِ
يَغْتَدِي البَارِعُ المُفِيْدُ لَدَيْهَا
…
لَاحِقًا بِالمُقَصِّرِ المُسْتَفِيْدِ
بِبَيَانٍ شَافٍ وَلَفْظٍ مُصِيْبٍ
…
وَاخْتِصارٍ كَافٍ وَمَعْنًى سَدِيْدِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الرّسْتُمِيّ (2):
قَوَافٍ إِذَا مَا رَوَاهَا المَشُوْقُ فَهَزَّتْ
…
لَهَا الغَانِيَاتُ القُدُوْدَا
كَسَوْنَ عَبِيْدًا ثِيَابَ العَبِيْدِ .. وَأَضْحَى لَبِيْدٌ لَدَيْهَا بَلِيْدَا
وَقَدْ وَرَدَ هَذَانِ البَيْتَانِ عِنْدَ قَوْلنَا وَيَتْلُوْهُمَا أَقْسَامُ الأَدَبِ هَامِشًا.
وَمَا أَحِسَنَ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ (3):
جَاءَتْكَ مِنْ نظْمِ اللِّسَانِ قلَادَةٌ
…
سِمْطَانِ فِيْهَا اللُّؤْلُؤُ المَكْنُوْن
أُنْسِيَّةٌ وَحْشِيَّةٌ كَثُرَتْ بِهَا
…
حَرَكَاتُ أَهْلِ الأَرْضِ وَهِيَ سُكُوْنُ
يَنْبُوْعهَا خَضِلٌ وَحَلْي قَرِيْضُهَا .... حَلْيُ الهَديِّ وَنَسْجُها مَوْضوْنُ
أَمَّا المَعَانِي فَهِيَ أَبْكَارٌ إِذَا
…
فَضَّتْ وَلَكِنَّ القَوَافِي عُوْنُ
وَقَالَ آخَرُ يَصِفُ امْرَأَةً وَيَجْرِي هَاهُنَا مَجْرَى الاسْتِشْهَادِ:
مَا اسْتَوْصَفَ النَّاسُ مِنْ شَيْءٍ يَرُوْقُهُمُ
…
إِلَّا رَأوا أُمَّ نُوْحِ فَوْقَ مَا وَصفُوا
كَأَنَّهَا مُزْنَة غَرَّاءُ رَائِحَةٌ
…
أَوْ دُرَّةٌ مَا يُوَارِي ضوْءَهَا الصَّدَفُ
وَقَالَ جَعْفَرُ بن شَمْسُ الخِلَافَةِ:
رَقَّ لَفْظًا وَرَاقَ مَعْنًى فَأَضْحَى
…
كَلآلٍ زُيِّنَتْ بِحُسْنِ نِظَامِ
مُطْمِع مُويِسٌ قَرِيْبٌ بَعِيْدٌ
…
وَهُوَ سَهْل مَعْ ذَاكَ صَعْبُ المَرَامِ
_________
(1)
يتيمة الدهر 2/ 324.
(2)
يتيمة الدهر 3/ 386، زهر الأداب 1/ 131.
(3)
ديوانه 3/ 328.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بَهَرَ السَّامِعِيْنَ سِحْرٌ حَلَالٌ
…
مِنْهُ قَدْ حَازَ طِيْبَ طَعْمِ الحَرَامِ
لَوْ تَحَدَّى بِهِ الأَنَامُ لأبدَى
…
لَكَ بِالمُعْجِزَاتِ عَجْزَ الأَنَامِ
أَيُّ بَحْرٍ مِنْهُ بِأيِّ لآلٍ
…
قَدْ تَحَلَّتْ عَوَاطِلُ الأَيَّامِ
وَقَالَ أَيْضًا:
هَذَا القَرِيْضُ فَنَزِّلهُ مَنَازِلَهُ
…
وَارْفَضْ قَرِيْضًا إِذَا مَا هَبَّ كَانَ هَبَا
لَا يُشْبِهُ الخَرَزُ الدُّرَّ الثَّمِيْنَ وَلَا
…
يُشَاكِلُ الخَزَفُ اليَاقُوْتَ وَالذَّهَبَا
وَلِلسِّرِّيَ الرَّفَاء يَصِفُ شِعْرَ نَفْسِهِ (1):
غَرَائِبُ لَوْ نَادَيْنَ فِي المَحْلِ عَارِضًا
…
أَجَابَ وَلَوْ نَاشَدْنَ صَخْرًا تَفَجَّرَا
عَدَلْتُ عَنِ النَّابِي الكهَامِ بِحِلْيِهَا
…
وَأَلْبَسَتْهُ مِنْكَ الحُسَامَ المُذَكَّرَا
وَقَالَ أَيْضًا (2):
مَعَانٍ كَأَنْفَاسِ الرِّيَاحِ بِسحرَةٍ
…
تَمرّ بِنُوَّارِ الرِّيَاضِ فَتَعْبَقُ
يُقَصِّرُ عَنْهَا حَاطِبٌ وَهُوَ مِصْقَعٌ
…
وَيَعْجَزُ عَنْهَا شَاعِرٌ وَهُوَ مُفْلِقُ
* * *
إِسْمَاعِيْلُ بن أَحْمَدَ فِيْمَا يَقْرُبُ مَعْنَاهُ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ (3):
خُذْهُ فَقَدْ سُوِّغْتَ مِنْهُ مَشَبَّهًا
…
بِالرَّوْضِ أَوْ بِالبُرْدِ فِي تَفْوِيْفِهِ
نُظِمَتْ كَمَا نَظَمَ السَّحَابُ سُطُوْرَهُ
…
وَتَأَنَّقَ القرَّاءُ فِي تَأْلِيْفِهِ
وَشَكَلْتُهُ وَنَقَطْتُهُ فَأَمِنْتُ مِنْ
…
تَصْفِيْحِهِ وَنَجَوْتُ مِنْ تَحْرِيْفِهِ
بُسْتَانُ خَطٍّ غَيْرَ أَنَّ ثِمَارَهُ
…
لَا تُجْتَنَى إِلَّا بِشَكْلِ حُرُوْفِهِ
* * *
_________
(1)
ديوانه 2/ 228.
(2)
ديوانه 2/ 494.
(3)
أدب الكتاب للصولي ص 49.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كَشَاجِمُ (1):
وَلَقَدْ سَنَنْتُ مِنَ الكِتَا
…
بَةِ لِلْوَرَى طُرُقًا فَسِيْحَه
فَفَضَضْتُ عَنْ عُذْرِ المَعَا
…
نِي الغُرِّ فِي اللُّغَةِ الفَصِيْحَه
وَشَغَفْتُ مَأْثُوْرَ الرِّوَا
…
يَةِ بِالبَدِيْعِ مِنَ القَرِيْحَه
وَجَعَلْتُ مِنْ كَفّي نَصيْبًا
…
لِلَيَرَاعَةِ وَالصَّفِيْحَه
وَكِلَاهُمَا لي صَاحِبٌ
…
فِي كُل دَاهِيَةٍ جَمُوْحَه
وَلَئِنْ شَعَرْتُ لِمَا تَعَمَّدْ
…
تُ الهِجَاءَ وَلَا المَدِيْحَه
لَكِنْ وَجَدْتُ الشِّعْرَ لِلآدَا
…
بِ تَرْجَمَةً صَحِيْحَه
وَلِكشَاجِم (2):
وَكَأَنَّ الخطُوْطَ فِيْهَا رِيَاضٌ
…
شَاكِرَات صَنِيْعَةَ الأَنْوَاءِ
وَكَأَنَّ البَيَاضَ وَالنُّقَطَ السُّوْ
…
دَ عَبِيْرٌ رَشَشْتَهُ فِي مُلَاءِ
وَكَأَنَّ العُشُوْرَ وَالذَّهَبَ السَّا
…
طِعَ فِيْهَا كَوَاكِبٌ فِي سَمَاءِ
وَهِيَ مَشْكُوْلَةٌ بِعِدَّةِ أَشْكَالٍ
…
وَمَقْرُوءَةٌ عَلَى أَنْحَاءِ
فَإِذَا شِئْتَ كَانَ حَمْزَةَ فِيْهَا
…
وإذا شِئْتَ كَانَ فِيْهَا الكَسَّائي
* * *
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: العِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُؤْتَى عَلَى آخِرِهِ فَخُذُوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَحْسَنَهُ. مَنْصُوْرُ الفَقِيْهُ فِي المَعْنَى وَأَحْسَنَ:
قَالُوا خُذِ العَيْنَ مِنْ كُلٍّ فَقُلْتُ لَهُمْ
…
فِي العَيْنِ فَضْل ولكنْ نَاظِرَ العَيْنِ
حَرْفَيْنِ مِنْ أَلِفِ طُوْمَارٍ مُسَوَّدَةٍ
…
وَرُبَّما لَمْ تَجِدْ فِي الأَلْفِ حَرْفَيْنِ
يَعْنَي إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الكَلَامِ أَحْسَنِهِ فَلَيْأْخُذِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنَهُ فَقُلْتُ بَلْ
_________
(1)
ديوانه ص 101.
(2)
ديوانه ص 23.
شَرَعْتُ مِنْهَا لِمَحَاسِنَ الشِّعْرِ شَرِيْعَةً تَرِدُ القَرَائِحُ نَمِيْرَ مَائِهَا، وَتَرُوْدُ مَسَارِحَ أَنْدَائِهَا، وَتَشِيْمُ بُرُوْقَ أَنْوَائِهَا، وَتَسْتَهْدِي نُجُوْمَ سَمَائِهَا:[من الكامل]
فَهْيَ اليَتِيْمَةُ فِي الزَّمَانِ حَقِيْقَةً
…
رَاقَتْ وَحَسَّنَ وَضْعَهَا أَسْجَاعُهَا
كَفَلَتْ مَعَانِيْهَا بِكُلِّ بَلَاغَةٍ
…
مَا أَنْ يُمَلُّ مَعَ الزَّمَانِ سَمَاعُهَا (1)
= آخِذُ مِنْهُ نَاظِرَ العَيْنِ وَإِنَّ حَرْفَيْنِ مِنْ أَلْفِ سَطْرٍ أَوْ كِتَابٍ يُجْزِيْنِي وَرُبَّمَا لَمْ أَجِدْ فِي الأَلْفِ تِلْكَ الحَرْفَيْنِ المَطْلُوْبَيْنِ للاخْتِيَارِ. ينظرُ فِيْهِ إِلَى قَوْلِ الجِاحِظِ: النَّاسُ يَكْتِبُوْنَ أَحْسَنَ مَا يَسْمَعُوْنَ وَيَحْفَظُوْنَ أَحِسَنَ مَا يَكْتِبُوْنَ وَيَتَكَلَّمُوْنَ بِأَحْسَنِ مَا يَحْفَظُوْنَ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الكَلَامُ لِيَحْيَى بن خَالِدٍ البَرْمَكِيّ.
(1)
السَّيِّدُ الرّضِيُّ (1):
إِلَيْكَ سَيَّرْتُ بِهَا شَآمةً
…
وَاضِحَةً فِي غُرَّةِ الدَّهْرِ
أَبْيَاتُهَا مِثْلُ عُيُوْنِ المَهَا
…
مَطْرُوْفَةُ الأَلْحَاظِ بِالسِّحْرِ
القَاضِي ابْنُ خَلَّادٍ:
أَهْدَيْتُ مِنْ نَظْمِ البَيَانِ وَنثْرِهِ
…
رَوْضًا يَرُوْقُكَ وِرْدُهُ وَبَهَارُهُ
كَالسَّمْطِ فُصِّلَ بِالعَقِيْقِ فَرِيْدُهُ
…
وَالمِسْكِ ثُمَّ عَلَى المَخَازِنِ فَارُهُ
عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّد الغَسَّانِيّ:
بِنْتُ ضَمِيْرٍ تُرِيْكَ فِيْهَا
…
وَجْهَ المَعَانِي بِلا نِقَابِ
صَوْبٌ مِنَ الدَّهْرِ صَابَ لَمَّا
…
صَافَحَهُ الوَهْمُ بِالصَّوَابِ
مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الطَّبَرِيّ:
شَوَارِدُ لَوْ يُهْجَا بِهَا الأُفْقُ لَمْ يُضِئ
…
وَلَوْ مَدَحوُا غَدْرًا بِهَا حَسُنَ الغَدْرُ
يُغَالِبُ فِيْهَا خَاطِ المَرْءِ سَمْعُهُ
…
وَيَحْسُدُ فِيْهَا الطِّرْسَ إذ تُكْبَتُ الحِبْرُ
كَتَبْنَ عَلَى الدُّنْيَا سِجِلًّا بِأَنَّهَا
…
سَيُخْلِقْنَهَا وَالعَصْرِ إِنْ ذَهَبَ العَصْرُ
_________
(1)
ديوانه 1/ 426.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السَّرِي الرَّفَاء (1):
فَدُوْنَكَهَا تَخْتَالُ فِي كُلِّ مَسْمَعٍ
…
وَتَخْطِرُ فِي مَكْنُوْنِ كُلِّ فُؤَادِ
حَبَتْكَ بِرَيْحَانِ الكَلَامِ وَإِنَّمَا
…
تَجُوْدُ بِرَيَّاهُ لِكُلِّ جَوَادِ
بِأَطْيَبَ مِنْ طِيْبِ الرّقَادِ لِسَاهِرٍ
…
وَأَعْذَبَ مِنْ رِيْقِ الحَبِيْبِ الصادِ
الطَّائِيّ (2):
كَشَفْتُ قِنَاعَ الشِّعرِ عَنْ حُرِّ وَجْهِهِ
…
وَطَيَّرْتُهُ عَنْ وَكْرِهِ وَهُوَ وَاقِعُ
بِغُرٍّ يَرَاهَا بِسَمْعِهِ وَيَرْنُو
…
إِلَيْهَا ذُو الحجَى وَهُوَ شَاسِعُ
يَوَدُّ وَدَادًا إِعْطَاءَ جِسْمِهِ
…
إِذَا أنْشَدَتْ شَوْقًا إِلَيْهَا مَسَامِعُ
وَهَبٌ الهَمَذَانِيُّ:
قَرِيْضٌ كَمَاءِ المُزْنِ شَابَ زلَالَهُ
…
جَنَا النَّحْلِ عَذْبٌ فِي اللهَاةِ مُبَرَّدِ
بِهِ يَنْقَعُ الظَّمَآنُ غُلَّةَ قَلْبِهِ
…
وَيُشْفَى بِهِ المَوْرِدُ وَهُوَ مُوْسَدُ
ابْنُ الرُّوْمِيّ (3):
أَلَا يا زِيْنَةَ الدُّنْيَا جميعًا
…
وَوَاسِطَةَ القِلَادَةِ وَالنِّظَامِ
نَطَقْتَ بِحِكْمَةٍ جَلَّى سَنَاهَا
…
عَنِ المَعْنَى اللَّطِيْفِ دُجَى الظَّلَامِ
تَلدّ كَأَنَّهَا رُوْحٌ وَرَاحُ
…
وَتَمْشِي فِي العُرُوْقِ وَفِي العِظَامِ
فَلَوْ كَانَ الكَلَامُ عَدَا حَزُوْرًا
…
إِذًا لَذَهَبْتَ مِنْهُ بِالسَّنَامِ
* * *
وَيَقْربُ مِنْ هَذَا قَوْلُ ابن أَبِي حَفْصة يَصِفُ شِعْرَهُ بِالسَّيْرُوْرَةِ (4):
_________
(1)
ديوانه 2/ 76.
(2)
لأبي تمام في ديوانه 3/ 590 - 591.
(3)
ديوانه 6/ 2238.
(4)
لم ترد في مجموع شعره.
وَأَوْدَعْتُهَا فَرَائِدَ أَمْثَالٍ عَدِيْمَةَ أَشْكَالٍ، وَأَمْثَالٍ نَيِّرَاتٍ وَاضِحَاتٍ، سَابِحَاتٍ سَائِحَاتٍ، طَامِحَاتِ الأَعْنَاقِ، سَائِرَاتٍ فِي الآفَاقِ:[من المتقارب]
وَعِنْدِي لَكَ الشُّرَّدُ السَّائِرَاتُ
…
لَا يَحْتَصِصنَ مِنَ الأرْضِ دَارَا
وَهُنَّ إِذَا سُرْنَ مِنْ مِقُوْلي
…
وَثَبْنَ الجِبَالَ وَخُضْنَ البِحَارَا
تُوَاكِبُ الرِّيَاحَ النُّكْبَ فِي مَدَارِجِ مَهَابِّهَا، وَتُزَاحِمُ الأَرَاقِمَ الرُّقْشَ فِي مَضايِقِ مَدَابِّهَا.
بَشَّارُ بن بُرْدٍ: [من الطويل]
رَمَيْتُ بِهَا شَرْقًا وَغَرْبًا فَأَصْبَحَتْ
…
بِهَا الأرْضُ مَلآى مِنْ مُقِيْمٍ وَرَاحِلِ (1)
= إنِّي أَقُوْلُ قَصائِدًا جَوَّالَةً
…
أبَدًا تَجُوْلُ خَوَالِعًا أَرْسَانِهَا
مِنْ كُلِّ قَافِيَةٍ إِذَا جَرَّبْتُهَا
…
جَمَحَتْ فَلَمْ تَمْلُكْ يَدَايَ عِنَانَهَا
سَارَتْ بُيُوْتِي فِي البِلَادِ فَأَمْعَنَتْ
…
وَبُيُوْتِ غَيْرِيَ لَمْ تَرِمْ أَوْطَانِهَا
وَقَوْلُ الخرِيْمِيّ:
مِنْ كُلِّ غَائِرَةٍ إِذَا أَرْسَلْتهَا
…
طَلَعَتْ بِهَا الرُّكْبَانُ كُلَّ نجَادِ
طُوْرًا يُمَثِّلُهَا المُلُوْكُ وَتَارَةً
…
بَيْنَ الثُّدِي تُرَاضُ وَالأَكْبَادِ
يَقُوْلُ: شِعْرِي تَارَةً يَتَمَثَّلَهُ المُلُوْكُ وَتَارَةً يُتَغَنَّى بِهِ فَبَيْنَ الثَّدْيِ وَالأَكْبَادِ مَوَاقِعُ العِيْدَانِ.
(1)
قَالَ السَّرِيّ الرَّفَاء بنُ أَحْمَد بنُ السَّرِيّ الكِنْدِيّ المُوْصَلِيّ فِي قَرِيْبٍ مِنَ هَذَا المَعْنَى يَصِفُ سَيْرُوْرَةَ شِعْرِهِ (1):
وَضَارِبة فِي الأَرْضِ وَهِيَ مُقِيْمَةٌ
…
كَأَنَّ مَطَايَاهَا الجَّنُوْبُ أَوْ الصِّبَا
يُثَقِّفُها طِبٌّ بِتَثْقِيْفِ مِثْلِهَا
…
وَيَخْدِمُهَا حَتَّى تَرِقَّ وَتَعْذُبَا
مُطِلٌّ عَلَى سَهْلِ الكَلَامِ وَحَزْبهِ
…
فما يَصْطَفِي إِلَّا اللُّبَابَ المُهَذَّبَا
_________
(1)
ديوانه 1/ 317 - 318.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كَأَنَّكَ مِنْهَا نَاظِرٌ فِي حَدِيْقَةٍ
…
تقطّر فِيْهَا فَارِسُ القَطْرِ أَوْ كَبَا
كَلَامٌ يَفُوْتُ المِسْكُ طِيْبًا كَأَنَّمَا
…
أَتَاكَ بِرَيْحَانِ البَخُوْرِ مُطَيَّبَا
وَقَالَ عَلِيّ بن الجَّهْمِ يَصِفُ شِعْرهُ (1):
فَسَارَ مَسِيْرَ الشَّمْسِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
…
وَهَبَّ هُبُوْبَ الرِّيْحِ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ
أَخَذَهُ أَشْجَعُ فَقَالَ:
ذَهَبَتْ مَكَارِمُ جَعْفَرٍ وَفَعَالَهُ
…
فِي النَّاسِ مِثْلَ مَذَاهِبِ الشَّمْسِ
الطَّائِيّ (2):
مِنَ القِرْطَاتِ فِي الآذَانِ تَبْقَى
…
بَقَاءَ الوَحْيِ فِي الصُّمِّ الصِّلَابِ
عرَاضُ الجَّاهِ تَجْزَعُ كُلَّ وَادٍ
…
مُكَرَّمَةً وَتَفْتَحُ كُلَّ بَابِ
إِذَا عَارَضْتَها فِي يَوْمٍ فَخْرٍ
…
مَسَحْتَ خُدُوْدَ صَادِقَةٍ عِرَابِ
قَبْلهَا:
إِلَيْكَ أَثِرْتُ مِنْ نَحْتِ القَوَافِي
…
قَوَافِي تَسْتَدِرَّ بِلَا عِصَابِ
مِنَ القِرْطَاتِ. الأبْيَاتُ
وَقَالَ أَيْضًا (3):
تَسِيْرُ مَسِيْرَ الرِّيْحِ مُطَرَّفَاتُهُ
…
وَمَا السَّيْرُ مِنْهَا لَا العتيقُ وَلَا الوَخْدُ
غَرَائِبُ مَا تَنْفَكُّ فِيْهَا لَبَانَة
…
لِمُرْتَجِزٍ يَحْدُو وَمُرْتَجِلٍ يَشْدُو
أُهِينُ لَهَا مَا فِي البُدُوْرِ وَأَكْرَمَتْ
…
لَدَيْهِمْ قَوَافِيْهَا كَمَا يُكَرَّمُ الوَفْدُ
وَقَالَ أَيْضًا (4):
_________
(1)
ديوانه ص 147.
(2)
لأبي تمام في ديوانه 1/ 293.
(3)
لأبي تمام في ديوانه 2/ 94.
(4)
لأبي تمام في ديوانه 2/ 77 - 78.
مُتَضَمِّنَةً صُنُوفَ المَعَانِي اللَّطِيْفَةِ، وَفُنُوْنَ المَحَاسِنِ البَدِيعَةِ الطَّرِيْفَةِ، مُشْرِقَةَ الأَنْوَارِ، مُتَدَفِّقَةَ الأَنْهَارِ، مُبْتَسِمَةَ الأَزْهَارِ، يَانِعَةَ الثِّمَارِ. أَشْهَى إِلَى الخَائِفِ الوَجِلِ مِنْ رَوْحِ الأَمَانِ، وَأَشْفَى مِنَ الزُّلَالِ العَذِبِ لِصَدَى الظَّمْآنِ (1):[من الوافر]
= بِسيَّاحةٍ تَنْسَاقُ مِنْ غَيْرِ سَائِقٍ
…
وَتَنْقَادُ فِي الآفَاقِ مِنْ غَيْرِ قَائِدِ
إِذَا شَرَدَتْ رَدَّتْ سَخِيْمَةَ شَانِئٍ
…
وَرَدَّتْ غُرُوْبًا مِنْ قُلُوْبٍ شَوَارِدِ
أَفَادَتْ صَدِيْقًا مِنْ عَدُوٍّ وَغَادَرَتْ
…
أَقَارِبَ دُنْيَا مِنْ رِجَالٍ أبَاعِدِ
وَمُحْلِفَةٍ لَمَّا تَرِدُّ أَذَى سَامِعٍ
…
فَتَصْدُر إِلَّا عَنْ يَمِيْنٍ وَشَاهِدِ
أَيْ تُصَدَّقُ فِي قَوْلهَا وَدَعْوَاهَا. وَقَالَ أَيْضًا (1):
مِنْ كُلِّ شَارِدَةٍ تُغَادِرُ بَعْدَهَا
…
حَظّ الرِّجَالِ مِنَ القَرِيْضِ خَسِيْسَا
كَالنَّجْمِ إِنْ سَافَرَتْ كَانَ مُوَاكِبًا
…
وإذا حَطَطْتَ الرّجْلَ كَانَ جَلِيْسَا
السَّيَدُ الرّضِيّ (2):
وَعِنْدِي للزَّمَانِ مُسَوَّمَاتٌ
…
مِنَ الأَشْعَارِ يَخْرقْنَ الفَيَافِي
قَصَائِدُ أَنْسَتِ الشُّعَرَاءِ طُرًّا
…
عَوَاءُهُمُ عَلَى إِثْرِ القَوَافِي
أَسرُّ بِهِنَّ أَقْوَامًا وَأَرْمِي
…
أقيوامًا بثَالِثَةِ الأَثَافِي
(1)
فَصْلٌ تَضِيْءُ النَّوَاظِرُ لِرُؤْيَتِهِ وَتَخْطِرُ الخَوَاطِرُ لِرِوَايَتِهِ وَيَفِيْدُ البُكْمَ بَيَانًا وَيُعِيْدُ الشِيْبَ شِبَّانًا وَيُهْدَى إِلَى القُلُوبِ رُوْح الوِصَالِ وَيَهِبُّ عَلَى النُّفُوْسِ هُبُوْبَ الشّمَالِ فَمَنْ مَرَّ عَلَى أَرْجَاءِ بَحْرِهِ الهَيَّاجِ وَنَظَرَ فِي لألَاءِهِ بَدْرِهِ الوَهَّاجِ كَانَ حَقِيْقًا بِأَنْ يَكْبُوَ قَلَمُهُ بِأَنَامِلِهِ وَيَنْبُو طَبْعُهُ عَنْ إنْشَاءِ سَائِلِهِ لأَنَّهُ بَيَانٌ قَصُرَ عَنْ نَيْلِهِ لِسَانُ البَلَاغَةِ وَلَمْ يَأْتِ بِمِثْلِهِ فُرْسَانُ اللُّغَةِ وَاليَرَاعَةِ وَكِتَابَةٌ عَادَتْ أَتْرَابُهَا كَمَشُوْرِ الهَبَاءِ وَسَحَبَتْ ذَيْلَ الفَخَارِ عَلَى هَامَةِ السَّمَاءِ فَمَنْ رَامَ أنْ يَفْرِيَ فِيْهَا كَمَا يَفْرِي وَيَسْرِىِ نُجُوْمِهَا كَمَا يَسْرِي فَقَدْ رَامَ أنْ يُشَارِكَ الشَّمْسَ فِي الشُّعَاعِ وَالفَلَكِ فِي الارْتفَاع وَهَذَا غَرَضٌ لَا يُصابُ وَدُعَاءٌ لَا يُسْتَجَابُ.
* * *
_________
(1)
لأبي تمام في ديوانه 2/ 273.
(2)
ديوانه 2/ 17.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَقَالَ السَّرِّيُّ الرَّفَاء (1):
إِلَيْكَ زَفَفْتُهَا عَذْرَاءَ تَأْوِي
…
حِجَابَ القَلْبِ لَا حُجُبَ القِبَابِ
وَلِلْمسيَّبِ بن عَلَسٍ (2):
تَرِدُ المِيَاهَ فَلَا تَزَالُ غَرِيْبَةً
…
فِي القَوْمِ بَيْنَ تَمَثُّلٍ وَسَمَاعِ
أَبُو تَمَّامٍ (3):
وَيَزِيْدُهَا كَرُّ اللَّيَالِي حِدَّةً
…
وَتَقَادُمُ الأَيَّامِ حسْنَ شَبَابِ
البُحْتُرِيُّ (4):
يَنَالُ مَنَالَ اللَّيْلِ فِي كُلِّ وَجْهَةٍ
…
وَتَبْقَى كَمَا تَبْقَى النُّجُوْمُ الطَّوَالِعُ
أَبُو تَمَّامٍ (5):
الجدُّ وَالهَزلُ فِي تَوْشِيْحِ لُحْمَتِهَا
…
وَالنُّبْلُ وَالسُّخْفُ وَالأَشْجَانُ وَالعَابُ
وَلَهُ أَيْضًا (6):
زَهْرَاءُ أَحْلَى فِي الفُؤَادِ مِنَ المُنَى
…
وَأَلَذُّ مِنْ رِيْقِ الأَحِبَّةِ فِي الفَمِ
وَلَهُ أَيْضًا (7):
فِي كُلِّ مَعْنًى يَكَادُ المَيْتُ يَفْهَمُهُ
…
حُسْنًا وَيَعْبُدُه القرضاحُ والمعبدُ
_________
(1)
ديوانه 1/ 398.
(2)
ديوان بكر ص 617.
(3)
ديوانه 1/ 96.
(4)
ديوانه 2/ 1306.
(5)
ديوانه 1/ 264.
(6)
ديوانه 3/ 256.
(7)
لم يرد في ديوانه.
كَأَنَّ وَمِيْضَ مَاءِ الحُسْنِ فِيْهَا
…
دُمُوْعُ الطَّلِّ فِي مُقَلِ الرِّيَاضِ
تَوَارَى فِي مَخَايِلهَا القَوَافِي
…
كُمُوْنَ السِّحْرِ فِي الحَدَقِ المِرَاضِ
مُخْتَلِفَةَ المَقَاصِدِ وَالأَنْحَاءِ، مُسْتَعْذَبَةَ المَوَارِدِ وَالأَهْوَاءِ. يُغَرِّدُ بِهَا الحَادِي، وَيَتَرَنَّمُ الشَّادِي، وَيَتَعَطَّرُ النَّادِي، وَيَتَمَثَّلُ الحَاضِرُ وَالبَادِي:[من الوافر]
تُقَصِّرُ عَنِ مَدَاهَا الرِّيْحُ جَرْيًا
…
وَتَعْجِزُ عَنِ مَوَاقِعهَا السِّهَامُ
تَنَاهَبَ حُسْنُهَا حَادٍ وَشَادٍ
…
فَحُثَّ بِهَا المَطَايَا وَالمُدَامُ
كُلٌّ مِنْهَا بَيْتُ القَصيْدِ، وَوَاسِطَةُ العِقْدِ النَّضِيْدِ عَلَمٌ مِنَ الأَعْلَامِ (1)،
= مُحَمَّد بن حَازِمٍ (1):
وَهُنَّ وَإِنْ أَقمْتُ مُسَافِرَاتٌ
…
تَهَادَاهَا الرُّوَاةُ مَعَ الرِّكَابِ
(1)
أَبُو تَمَّامٍ يَصِفُ شِعْرَهُ (2):
وَسَارِيَةٍ فِي جُنْحِ لَيْلٍ تَنَوَّرَتْ
…
بِأَعْلَامِ ضَوْءِ القَلْبِ فِي سُرَجِ الفِكْرِ
إِذَا انْسَلَّ عَنْ غَمْدِ القَرِيْضِ رَوِيُّهَا
…
أَجَالَتْ فِرَنْدَ الدَّهْرِ فِي رَوْنَقِ الشِّعْرِ
إبْرَاهِيْمُ بن العَبَّاسِ (3):
إِذَا مَا الفِكْرُ أَظْهَرَ حُسْنَ لَفْظٍ
…
وَأَدَّاهُ الضَّمِيْرُ إِلَى العَيَانِ
رَأَيْتَ جُلَى البَيَانِ مُنَوَّرَاتٍ
…
تُضَاحِكُ بِيْنَهَا صُوَرُ المَعَانِي
التَّنُوْخِيُّ:
بَيَانُكَ سِحْر وَالخَوَاطِرُ لُجَّةٌ
…
وَخَطُّكَ أَنْوَار وَلَفْظُكَ جَوْهَرُ
وَأَعْرَاقُكَ الرَّوْضُ الذَّكِيُّ نَسِيْمُهُ
…
وَعِرْضُكَ مِسْكٌ وَالشَّمَائِلُ عَنْبَرُ
وَوَجْهُكَ مِنْ آثَارِكَ الغِرُّ أَبْيَضٌ
…
وَعُوْدُكَ مِنْ مَاءِ المُرُوْءَةِ أَخْضَرُ
_________
(1)
الأشباه والنظائر 1/ 227.
(2)
لم ترد في ديوانه.
(3)
ذيل ديوان إبراهيم بن العباس الصولي ص 188.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أَبُو الفَرَجُ الأَصْبَهَانِيّ:
إِذَا امْتَطَّتْ كَفَّةُ أَقْلَامِهُ وَجَرَتْ
…
بِحُسْنِ أَلْفَاظِهِ فِي بَطْنِ طُوْمَارِ
كَالدُّرِّ يَنْثُرُهَا طَوْرًا وَيَنْظِمُهَا
…
نَظْمَ القَلَائِدِ فِي أَعْنَاقِ أَبْكَارِ
يُرَى وَيُسْمَعُ مِنْهَا فِي تَصَرُّفِهَا
…
جِلَاءُ ذُهْنٍ وَأَسْمَاعٍ وَأَبْصارِ
تَحْلُو لِرَاوٍ وَمُسْتَمِلٍ وَمُسْتَمِعٍ
…
وَلَا يُهَجِّنُهَا تَمْيِيْز مُخْتَارِ
وَتَزْدَرِي الشِّعْرَ إِنْ قَايَسَتْهُنَّ بِهِ
…
كَدِرْهَمٍ قِيْسَ فِي نَقْدٍ بِدِيْنَارِ
أَبُو الفَضْلُ بن العَمِيْدِ:
فَرَّاجُ أَغْطِيَةِ الهُمُوْمِ إِذَا
…
الْتَقَتْ يُمْنَاهُ وَالأَقْلَامُ وَالدَّرجُ
سِيَّانِ يُفْتَحُ فِي النَّدِيّ لنَا
…
دَرْجٌ يَخُطُّ عَلَيْهِ أَوْ دُرْجُ
السَّرِّيُّ (1):
بَيْنَ نَثْرٍ كَأَنَّهُ زَهَرَاتُ الرَّوْضِ
…
يَضْحَكْنَ عَنْ بكَاءِ الغَمَامِ
وَنظَامٍ فِيْهِ الحَلَالُ مِنَ السِّحْرِ
…
بَعِيْدٌ مِنْ كُلِّ سِحْرٍ حَرَامِ
يَغْتَدِي مِنْهُ سَمْعُ كُلِّ لَبِيْبٍ
…
فِي اسْتِمَاعٍ وَقَلْبُهُ فِي ابْتِسَامِ
أَحْمَد ابن إِسْمَاعِيْلَ (2):
مُسْتَوْدِعٌ قِرْطَاسَهُ حِكمًا
…
كَالرَّوْضِ زَيَّنَ نَبْتَهُ زَهْرُه
وَكَأَنَّ أَحْرُفَ خَطِّهِ شَجَرٌ
…
وَالشَّكْلُ فِي أَضْعَافِهَا ثَمْرُه
حَمْزَةُ الكُوْفِيُّ (3):
جَاءَ خَطٌّ كَأَنَّهُ شَعَرَاتٌ
…
وَسْطَ خَدٍّ لَمْ يَسْتَلِبْهُ عِذَارُ
_________
(1)
ديوان السري الرفاء 2/ 694.
(2)
ديوان المعاني 2/ 75.
(3)
لحمزة بن أبي سلامة الكوفي في أدب الكتاب للصولي ص 73 - 74.
وَشِهَابٌ سَاطِعٌ فِي حِنْدَسِ الظَّلَامِ. يُطْرِبُ سَامِعَهُ، وَيُغْرِي بِالإِكْثَارِ منه جامعهُ، تراهُ يفصحُ بالمأمول والمحبوب وينطق عن لسان مَكْنُونِ الغُيُوْبِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ صِيْغَ لِلغَرَضِ المَطْلُوْبِ، أَوْ اطَّلَعَ نَاظِمُهُ عَلَى أسْرَارِ القُلُوْب. لَا يُسَامُ تَكْرِيْرُ أفْرَادِهَا، وَلَا يُمَلُّ مِنْ إنْشَادِهَا وَإيْرَادِهَا:[من الكامل]
فهي الَّتِي تَغْلُو عَلَى سَوْمِ النُّهَى
…
وَتَجُوْدُ نَفْعًا وَالخَمَامُ بِخِيْلُ
رَاقَتْ مَعَانِيْهَا وَرَقَّ نسَيْمُهَا
…
فَكَأَنَّمَا هِيَ شَمْأَلٌ وَشَمُوْلُ
تَجْلُو القُلُوبَ مِنَ الغَرَامِ وَرَبْعُهَا
…
بَيْنَ الجوَانِحِ بِالهَوَى مَأْهُوْلُ
لَوْ أَنَّهَا صُبْحٌ لَدَامَ فلم يَقُمْ
…
أَبَدَ الزَّمَانِ عَلَى الظَّلَامِ دَلِيْلُ
أَوْ كَانَ لِلبَيْضاءِ حُسْنُ صفَاتِهَا
…
مَا رَاعَهَا بَعْدَ الطُّلُوْعِ أُفُوْلُ (1)
* * *
= أَوْ كَنَقْشِ الحِنَاءِ فِي كَفِّ عَذْرَاءَ
…
أَبَاحَتْكَ لَمْحَهَا الأَسرَارُ
يَا كِتَابًا يَكَادُ يَضْحَكُ مِنْ
…
جَوْهَرِهِ فِي نِظَامِهِ الطُّوْمَارُ
يَعْنِي أَنَّهُ حَسَنُ الخَطِّ جَيِّدُ اللَّفْظِ.
(1)
أَبُو تَمَّامٍ:
يَقُوْلُ مَنْ تَقْرَعُ أَسْمَاعَهُ
…
كَمْ تَرَكَ الأَوَّلُ لِلآخِرِ