الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا تَمْكِيْنُ القَوَافِي:
فَيَنْبَغِي لِلشَّاعِرِ المُجِيْدِ إِذَا اعْتَمَدَ بِنَاءَ قَصِيْدَةٍ أَنْ يِتَخَيَّرَ لَهَا مِنَ القَوَافِي أسْهَلَهَا لَفْظًا، وَأوْضَحَهَا مَعْنًى، وَيَنْفِيَ الجافِي عَنْهَا، وَيُمَيِّزَ القَلِقَ مِنْهَا، وَيَسُوْقَ البَيْتَ إِلَى القَافِيَةِ سَوْقًا مُوَافِقًا حَتَّى يَكُوْنَ رِدْفَهُ وَطِبْقَهُ، فَإِذَا أَتَى بِذَلِكَ وَقَعَتِ القَافِيَةِ مُسْتَقِرَّةً غَيْرَ قَلِقةٍ، وَلَا نَافِرَةٍ حَتَّى لَوْ أرَادَ مُرِيْدو تَبْدِيْلَهَا بِغَيْرِهَا لَمْ يَسْتَطِع ذَلِكَ. فَمِنْ أحْسَنِ القَوَافِي المُسْتَقِرَّةِ قَوْلُ زُهَيْرٍ (1):[من الطويل]
وَأعْلَمُ مَا فِي اليَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ
…
وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِي (2)
فَقَوْلُهُ: عَمٍ وَاقِعٌ مَوْقِعًا لَطِيْفًا.
وَقَالَ المُبَرَّدُ: لَا أَعْرِفُ قَافِيَةً وَقَعَتْ أحْسَنَ مَوْقِعًا مِنْ قَوْلِ الحُطَيْئَةِ (3): [من الوافر]
هُمُ القَوْمُ الَّذِيْنَ إِذَا أَلَمَّتْ
…
مِنَ الأَيَّامِ مُظْلِمَةٌ أضَاءُوا
فَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: أضَاءُوا، وَمِن مُظْلِمَةٍ مَوْقِعٌ حَسَنٌ.
وَقَوْلُ الصِّمَّةِ القُشَيْرِيِّ (4):
ألَا يَا غُرَابَي بَيْنِهَا لَا تَصدَّعَا
…
وَطِيْرَا جَمِيْعًا بِالهَوَى وَقَعَا مَعَا (5)
(1) زهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 49.
(2)
(عَمٍ وَهُوَ الأَصَحُّ).
(3)
ديوانه ص 102.
(4)
ديوانه ص 94.
(5)
مِثْلُ قَوْلهُ (وَقَعَا مَعًا) لِلْمَجْنُوْنِ وَهُوَ قَيْسُ بنِ مَعَاذٍ العَقِيْلِيّ مِنْ أَبْيَاتٍ أَوَّلُهَا:
مَا بَالُ قَلْبِكَ يَا مَجْنُوْنُ قَدْ هَلَعَا
…
مِنْ حُبِّ مَنْ لَا تَرَى فِي نيلِهِ طَمَعَا
يَقُوْلُ مِنْهَا:
الحُبُّ وَالعِشْقُ سِيْطَا مِنْ دَمِي
…
لَهُمُ فَأَصْبَحَا فِي فُؤَادِي ثَابِتَيْنِ مَعَا
طُوْبَى لِمَنْ أَنْتِ فِي الدُّنْيَا ضَجِيْعَتهِ
…
لَقَدْ نَفَى اللَّهُ عَنْهُ الهَمَّ وَالوَجَعَا =
فَقَوْلُهُ: وَقَعَا مَعَا حَسَنٌ جِدًّا، وَلَمْ يَتَّفِق مِثْلُهُ إِلَّا لِمُتَمِّمِ بن نُوَيْرَةَ حَيْثُ يَقُوْل (1):[من الطويل]
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأنِّي وَمَالِكًا
…
لِطُوْلِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّابِغَةِ (2): [من الكامل]
كَالأُقْحُوَانِ غَدَاةَ غِبِّ سَمَائِهِ
…
جَفَّتْ أَعَالِيْهِ وَأَسْفَلُهُ نَدِي
زَعَمَ الهُمَامُ وَلَمْ أَذُقْهُ بِأنَّهُ
…
يُرْوَى بِطِيْبِ لِثَاتِهَا العَطِشُ الصَّدِي
قَوْلُهُ: نَدِي، وَالعَطِشُ الصَّدِي وَاقِعَتَانِ أحْسَنَ مَوْقعٍ وَأعْجَبَهُ (3).
(1) زهر الآداب 2/ 741.
(2)
ديوانه ص 95.
(3)
أَخْبَرَ ابن دَرِسْتَوَيهِ عَنِ المُبَرَّدِ عَنِ المَازِنِيّ عن الأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرو ابن العَلَاءِ قَالَ: القَوَافِي المُتَمَكِّنَةِ الَّتِي وُفِّقَ فِيْهَا أَصْحَابِهَا خَمْسٌ قَوْلُ الأَعْشَى (1):
وَإِذَا تَكُوْنُ كِتيْبَةٌ مَلْمُوْمَةٌ
…
خَرْسَاءُ يُخْشَى الذَّايِدُوْنَ نهَالَهَا
كُنْتَ المُقَدَّمَ عَيْرَ لَابِسِ جُنَّةٍ
…
بِالسَّيْف تَضرِبُ معلِمًا أَبْطَالَهَا
وَعَلِمْتَ أَنَّ النَّفْسَ تَلْقَى حَتْفَهَا
…
مَا كَانَ خَالِقَهَا المَلِيْكِ قَضَى لَهَا
فَقَوْلهُ: قَضَى لَهَا حَسُنَ المَوْقعِ وَإِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيع نَقْلَهَا إِلَى غَيْرِهَا.
وَالثَّانِيَهُ قَيْسُ بن الخَطِيْمِ (2):
خَلِيْلَيَّ لَا وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ الَّذِي
…
قَضَى اللَّهُ مِنْ لَيْلَى وَلَا مَا قَضَى لِيَا
قَالَ المُبَرَّدُ: مِثْلُ قَوْلِهِ قَضَى لِيَا فِي هَذَا المَوْضِعِ وَحسنَهَا قَوْلُ الآخَرُ:
وَلَوْ كَانَ وَاشٍ بِاليَمَامَةِ دَارُهُ
…
وَدَارِي بِأَعْلَى حَضرَمَوْتَ اهْتَدَى لِيَا
وَقَالَ عَبْدُ يَغُوْثٍ (3): =
_________
(1)
ديوانه ص 83.
(2)
لم ترد في ديوانه.
(3)
شرح المفضليات 3/ 607 وفيه البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ألَا لَا تَلُوْمَانِي كَفَى اللَّوْمَ مَا بِيَا
…
فَمَا لَكُمَا فِي اللَّوْمِ خَيْرٌ وَلَا لِيَا
قَالَ أَبُو عَمْرُو وَالقَافِيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُ الفَرَزْدَقُ (1):
وَإِنْ تُهْجِ آلَ الزَّيْرَقَانِ فَإِنَّمَا هَجَوْتَ
…
الطِّوَالَ الشّمَّ مِنْ هَضبِ يَذبَلِ
وَقَدْ يَنْبَحُ الكَلْبُ النُّجُوْمَ وَدُوْنَهُ
…
فَرَاسِخُ تُنْضِي الطَّرْفَ لِلْمُتَأَمِّلِ
أَرَى اللَّيْلَ يَجْلُوْهُ النَّهَارُ وَلَا أَرَى
…
عِظَامَ المَخَازِي عن عَطِيَّةَ تَنْجَلِي
فَقَوْلُهُ: تَنْجَلِي مُتَمَكِّنَةٌ.
وَالقَافِيَةُ الخَامِسَةُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ (2):
أَرَاحَ فَرِيْقُ حِيْرَتِكَ الجمَالَا
…
كَأَنَّهُمُ يُرِيْدُوْنَ احْتِمَالَا
فَكِدْتُ أَمُوْتُ مِنْ حزْنٍ عَلَيْهِمْ
…
وَلَمْ أَرَ ثَاوِيَ الأَضْعَانِ بَالِى
قَوْلُهُ: بَالِي مُتَمَكِّنَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ امْرِىِ القَيْسِ (3):
بَعَثْنَا رَبِيْئًا قَبْلَ ذَلِكَ مُحملًا
…
كَذِئْبِ الغَضَا يَمْشِي الضَّرَاءَ وَيَتَّقِى
فَقَوْلُهُ: يَتَّقِي مُتَمَكِّنَةٌ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّابِغَةِ (4):
كَالأَقْحَوَانِ غَدَاةَ غَبَّ سَمَائِهِ
…
جَفَّتْ أَعَالِيْهِ وَأَسفَلهُ نَدِي
زَعَمَ الهُمَامُ وَلَمْ أذقْهُ بِأَنَّهُ
…
يَرْوِي بِطِيْبِ لِثَاتِهَا العَطَشُ الصَّدِي
قَوْلُهُ: نَدِي وَالعَطَشُ الصَّدِي مُتَمَكِّنَتَانِ وَقَدْ وَرَدَا فِي الأَصلِ. وَكَقَوْلِ زُهَيْرٍ (5):
مَخُوْف كَأَنَّ الطَّيرَ فِي مَنْزِلَاتِهِ
…
عَلَى حَيفِ القَلَى مَجَالِسُهُ تَنْتَحِي
_________
(1)
ديوانه 2/ 177.
(2)
ديوانه 3/ 1506 - 1508.
(3)
ديوانه ص 172.
(4)
ديوانه ص 95.
(5)
لم ترد في ديوانه.