المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقصير المتبع عن إحسان المبتدع، وتكافؤ السارق والسابق في الإساءة والتقصير - الدر الفريد وبيت القصيد - جـ ١

[محمد بن أيدمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌الدر الفريد وبيت القصيد

- ‌فَرادةُ الدر الفريد

- ‌محمَّد بن أيدمر

- ‌ثقافته وأدبه:

- ‌شاعريته وشعره:

- ‌الأشعار:

- ‌مؤلفاته:

- ‌مصادر ترجمته:

- ‌النسخة المعتمدة في التحقيق:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ضرُوْبِ الشِّعْرِ

- ‌وَالشِّعْرُ لَهُ أسْبَابٌ:

- ‌وَإِبْدَاعُ المَعْنَى

- ‌وَيَتْلُوْهُمَا أصْنَافُ البَدِيْعِ:

- ‌أَمَّا صِدْقُ التَّشبِيْهِ

- ‌وَمُشَاكَلَةُ التَّجْنِيْسِ

- ‌وَمُبَايَنَة التَّطْبِيْقِ

- ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ

- ‌وَنُصُوْعُ التَّرْصِيْعِ

- ‌وَاتِّزَانُ التَّسْمِيْطِ

- ‌وَصِحَّةُ التَّقسِيْمِ

- ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ

- ‌وَحِدَّةُ الاسْتِطْرَادُ:

- ‌وَحَلَاوَةُ الاسْتِعَارَةِ

- ‌وَلُطْفُ المَخْلَصِ:

- ‌وَنَظَافَةُ الحَشْوِ:

- ‌وَالتَّرْدِيْدِ وَالتَّصْدِيْرِ:

- ‌وَتَأكِيْدُ الاسْتِثْنَاءِ

- ‌وَكَمَالُ التَّتْمِيْمِ:

- ‌وَالإِيْغَالُ فِي التَّبْلِيْغِ:

- ‌وَالإِغْرَاقُ فِي الغُلُوِّ:

- ‌وَمُوَازَاةُ المُقَابَلَة:

- ‌وَسُهُوْلَةُ التَّسْهِيْمِ:

- ‌وَوُقُوْعُ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ:

- ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ

- ‌وَالوَحْيُ وَالإِشَارَةُ وَتَكرِيْرُهَا:

- ‌وَبَرَاعَةُ الابْتِدَاءِ:

- ‌وَأَمَّا تَمْكِيْنُ القَوَافِي:

- ‌وَالمُلَائَمَةُ بَيْنَ صَدْرِ البَيْتِ وَعَجُزِهِ

- ‌وَإِرْدَافُ البَيْتِ بِأَخِيْهِ

- ‌وَإشْبَاعُ المَعْنَى بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَإبْرَازهُ فِي أحْسَنِ صِيْغَةٍ مِنَ البيانِ:

- ‌وَخَلُوْصُ السَّبْكِ:

- ‌وَلِلشَّاعِرِ أدَوَات لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا

- ‌أَقْسَامُ الأَدَبِ

- ‌فَأَمَّا صِحَّةُ الانْتِقَادِ:

- ‌وَأَمَّا التَّمْيِيْزُ بَيْنَ المَدْحِ وَالشُّكْرِ

- ‌وَالفَصْلُ بَيْنَ الهَجْوِ وَالذَّمِّ

- ‌وَالبَوْنُ بَيْنَ الولَعِ وَالهَمْزِ

- ‌وَالتَّرْجِيْحُ بَيْنَ اللَّوْمِ وَالعَتَبِ

- ‌وَالفَرْقُ بَيْنَ الهَزِّ وَالاسْتِزَادَةِ

- ‌وَالتَّصَارفُ بَيْنَ التَّنَصُّلِ وَالاعْتِذَارِ

- ‌وَالحَدُّ بَيْنَ التَّقَاضِي وَالإِذْكَارِ

- ‌وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أنْوَاع السَّرِقَاتٍ:

- ‌فَالسَّرِقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ:

- ‌فَنَظْم المَنْثُوْرِ

- ‌وَإحْسَانُ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ، وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ:

- ‌وَالشِّعْرُ المَحْدُوْدُ وَالمَجْدُوْدُ:

- ‌وَتَكَافُؤُ إحْسَانِ المُتَّبِع وَالمُبْتَدِعِ:

- ‌وَنَقْلُ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ:

- ‌وَتَقَابُلُ النَّظَرِ فِي المَعْنَى إِلَى مِثْلِهِ:

- ‌وَالسَّلْبُ

- ‌وَالسَّلْخُ:

- ‌وَالالْتِقَاطُ وَالتَّلْفِيْقُ:

- ‌فَالخَلْعُ

- ‌وَالاصْطِرَافُ:

- ‌وَالإِغَارَةُ

- ‌وَالاجْتِلَابُ، وَالاسْتِلْحَاقُ:

- ‌وَالانْتِحَالُ

- ‌وَالإِنْحَالُ:

- ‌وَالمُرَافَدَةُ:

- ‌وَتَنَازُعُ الشَّاعِرَيْنِ فِي الشِّعْرِ

- ‌تَقْصِيْرُ المُتَّبعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ، وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَّقْصِيْرِ

- ‌وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَقْصِيْرِ:

- ‌وَبَاقِي المَجَازَاتِ

- ‌الاسْتِعَارَاتُ المُسْتْكْرَهَةُ:

- ‌وَمَا اجْتَمَع فِيْهِ لِلشَّيْءِ الوَاحِدِ اسْمَانِ

- ‌وَمَا يُحْمَلُ الكَلَامُ فِيْهِ عَلَى المَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ

- ‌وَمَا لفظُهُ لَفْظُ الموجَبِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى النَّفْي

- ‌وَمَا يُخْبَرُ فِيْهِ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ يُرَادُ بِهِ جَمِيْعُهُ

- ‌وَمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ

- ‌وَالحَذْفُ

- ‌وَمَا جَاءَ مِنَ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأْخِيْرِ

- ‌وَمَا يُحْذَفُ مِنْهُ المُضَافُ، فَيَقُوْمُ المُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ

- ‌وَمَا فُرِّقَ فِيْهِ بينَ المُضَافِ وَالمُضَافِ إِلَيْهِ

- ‌وَمَا يُشَبَّهُ فِيْهِ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يُجْعَلُ المُشَبَّهُ بِهِ هُوَ المُشَبَّهُ بِعَيْنِهِ

- ‌[خاتمة المقدمة]

الفصل: ‌تقصير المتبع عن إحسان المبتدع، وتكافؤ السارق والسابق في الإساءة والتقصير

‌تَقْصِيْرُ المُتَّبعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ، وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَّقْصِيْرِ

.

فَالإِفْسَادُ فِي الأَخْذِ، وتَقْصِيْرُ المُتَّبِع عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ. وَذَلِكَ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ الشَّاعِرُ مَعْنًى لِغَيْرِهِ وَيَأْخُذَ لَفَظَاتٍ مِنَ البَيْتِ هِيَ مَرَاكِزُ ذَلِكَ المَعْنَى الَّتِي عَلَيْهَا بِنَاؤُهُ فَيَأْتِيَ بِهَا، وَيَزِيْدُ فِيْهِ لَفْظًا مِنْ عِنْدِهٍ تَتِمَّةً لِوَزْنِ البَيْتِ، فَيُنْقِصَ مَا زَادَهُ فِيْهِ مِنَ اللَّفْظِ مِنْ أحْكَامِ المَعْنَى وَاللَّفْظِ الَّذِي أَخَذهُمَا، لَا سِيَّمَا إِذَا صَاغَهُ فِي لَفْظٍ مُتَكَلّفٍ كَدِرٍ، كَقَوْلِ مُسْلِم بن الوَليْدِ (1):[من البسيط]

قَدْ أَوْلَعتهُ بِطُوْلِ الهَجْرِ غِرَّتُهُ

لَوْ كَانَ يَعْرِفُ طُوْلَ الهَجْرِ مَا هَجَرَا

أخَذَهُ أَبُو تَمَّامٍ، فَأفْحَشَ فِي أَخْذِهِ، وَأَتَى بِهِ فِي لَفْظٍ مُتَكَلِّفٍ فَقَالَ (2):[من الكامل]

كُشِفَ الغِطَاءُ فَأَوْقِدِي أَو أخْمدِي

لَمْ تُكْمَدِي فَظَنَنْتِ أَنْ لَنْ تُكْمِدِي

وَكَقَوْلِ الآخَرَ (3): [من السريع]

وَرِيْحُهَا أَطْيَبُ مِنْ طِيْبِهَا

وَالطِّيْبُ فِيْهِ المِسْكُ وَالعَنْبَرُ

أخَذَهُ بَشَّار فَجَيَّفَهُ حَيْثُ قَالَ (4): [من الرمل]

وَإِذَا أَدْنَيْتَ مِنْهَا بَصَلًا

غَلَبَ المِسْكُ عَلَى رِيْحِ البَصَل

وَحَقِيْقٌ بِبَيْتٍ يُذْكَرُ فِيْهِ البَصَلُ مَرَّتَيْنِ أَنْ يَجِيْفَ. وَكَقَوْلِ حَنَشٍ الفَزَارِيِّ (5): [من الوافر]

وَكَمْ مِنْ مَوْقِفٍ حَسَنٍ أُحِيْلَتْ

مَحَاسِنُهُ فَعُدَّ مِنَ الذُّنُوْبِ

(1) ديوانه ص 213.

(2)

لأبي تمام في ديوانه 2/ 43.

(3)

المنصف ص 30، معاهد التنصيص 4/ 49.

(4)

لبشار في ديوانه 4/ 151.

(5)

أخبار أبي تمام ص 51.

ص: 415

أخَذَهُ أَبُو تَمَّامٍ، فَأَفْسَدَهُ، وَبَدَّلَ مَحَاسِنَهُ بِالمَسَاوِيء، فَقَالَ (1):[من الطويل]

فَإِنْ كَانَ ذَنْبِي أَنَّ أَحْسَنَ مَطْلَبِي

أَسَاءَ فَفِي سُوْءِ القَضاءِ لِيَ العُذْرُ

وَكَقَوْلِ طَرَفةَ (2): [من الطويل]

فَإنْ كُنْتَ مَأْكُوْلًا فَكُنْ أنْتَ آكِلِي

فَبَعْضُ مَنَايَا القَوْمِ أَشْرَفُ مِنْ بَعْضِ

أخَذَهُ عَبْدُ اللَّهِ بنِ الحَجَّاجِ التَّغْلِبِيُّ فَأَفْسَدَهُ لَمَّا قَالَ (3): [من الطويل]

فَإنْ كُنْتَ مَأْكُوْلًا فَكُنْ أنْتَ آكِلِي

وَإِنْ كُنْتُ مَذْبُوْحًا فَكُنْ أنْتَ تَذْبَحُ

مَا لَهُ لَا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ، فَمَا أَشَدَّ مَا عَوَّضَنَاهُ مِنْ ذَلِكَ المَثَلِ السَّائِرِ المَطْبُوْعِ بِهَذَا الكَلَامِ الشَّنِيْءِ المَمْقُوْتِ. وَكَقَوْلِ الأَشْجَعِ السُّلْمِيِّ (4):[من مجزوء الرمل]

بَالِغٌ مَا يَبْلِغُ الشَّيْخُ

وَإِنْ كَانَ غُلَامَا

أخَذَهُ المُتَنَبِّيّ فَقَالَ (5): [من الوافر]

وَشَيْخٍ فِي الشَّبَابِ وَلَيْسَ شَيْخًا

يُسَمَّى كُلُّ مَنْ بَلَغَ المَشِيْبَا

فَالسُّلَمِيُّ أَتَى بِالمَعْنَى تَامًّا فِي لَفْظٍ مُخْتَصرٍ عَذبٍ، وَالمُتَنَبِّيّ جَاءَ بِهِ فِي كَلَامٍ طَوِيْلٍ كَرَّرَ فِيْهِ ذِكْرَ الشَّيْخِ مَرَّتَيْنِ، وَذَكَرَ المَشِيْبَ وَالشَّبَابَ، وَأَوْجَبَ، وَنَفَى، وَأَقَامَ القِيَامَةَ (6).

(1) ديوانه 2/ 56.

(2)

لم يرد في شرح ديوان طرفة.

(3)

شعراء أمويون ص 302.

(4)

لم يرد في مجموع شعره.

(5)

ديوانه 1/ 42.

(6)

وَمِمَّنْ أَخَذَ فَأَسَاءَ فِي أَخْذِهِ كُلَّ الإِسَاءَةِ وَنَقَصَ أَحَدَ المَثْلَيْنِ ابْنُ هِرْمَةَ قَالَ امْرُؤُ القَيْسِ بن حَجرِ الكِنْدِيّس (1):

_________

(1)

ديوانه ص 238.

ص: 416

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= اللَّهُ أَنْجَحُ مَا طَلَبْتَ بِهِ

وَالبِرُّ خَيْرُ حَقِيْبَةِ الرَّحْلِ

أخَذَهُ ابْنُ هَرمَةَ فَأَفْسَدَهُ حَيْثُ قَالَ (1):

اللَّهُ أَنْجَحُ مَا طَلَبْتَ بِطُوْلهِ

وَالقَوْلُ يَعْرِفُهُ الرِّجَالُ ذَوُو النُّهَى

وَكَقَوْلِ امْرِىِ القَيْسِ أَيْضًا (2):

كَأَنَّ قُلُوْبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا. البَيْتُ

أخَذَهُ أَبُو صَخْرٍ الهَذَلِيُّ أَفَجَّ أَخْذٍ فَقَالَ (3):

كَأَنَّ قُلُوْبَ الطَّيْرِ عِنْدَ مَبِيْتهَا

نَوَى القَسْبِ يُلْقَى عِنْدَ بَعْضِ المَآدِبِ

فَقَصَّرَ فِي العِبَارَةِ وَأَخَذَ بِأَحَدِ المَعْنَيَيْنِ لأَنَّهُ شَبَّهَ اليَابِسَ دُوْنَ الرَّطْبِ.

وَكَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ أَيْضًا (4):

وَلَوْ عَنْ غَيْرِهِ جَاءَنِي

وَجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ اليَدِ

وَهَذَا مِنَ التَّشْبِيْهَاتِ البَدِيْعَةِ أخَذَهُ طُرْفَةُ فَأَسَاءَ فِي العِبَارَةِ عَنْهُ وَأَبْهَمَهُ فَقَالَ (5):

بِحُسَامِ سَيْفِكَ أَوْ لِسَانِكَ

وَالكَلمُ الأَصِيْلُ كَأَرْغَبِ الكَلِمِ

فَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَبَايُنٌ شَدِيْدٌ.

وَمِنْ تَقْصِيْرِ المُتَّبِعِ عَنْ إحْسَانِ المُبْتَدِعِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَقَدْ لَاحَ لِلسَّارِي سُهَيْلٌ كَأَنَّهُ

عَلَى كُلِّ نَجْمٍ فِي السَّمَاء رَقِيْبُ

_________

(1)

لم يرد في ديوانه، وهو في حلية المحاضرة 2/ 74.

(2)

ديوانه.

(3)

لم يرد في ديوانه وهو له في حلية المحاضرة 2/ 74.

(4)

ديوانه ص 185.

(5)

ديوانه ص 219.

ص: 417

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أخَذَهُ ابْنُ الدُّمَيْنَةِ فَقَالَ (1):

وَأنِّي لأَرَى النَّجْمَ حَتَّى كَأَنَّنِي

عَلَى كُلِّ نَجْمٍ فِي السَّمِاءِ رَقِيْبُ

فَمَا زَادَ فِي البَيْتِ سِوَى تَكْرِيْرِ لَفْظِ النَّجْمِ مَرَّتَيْنِ.

وَمِثْلُهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا المَثَلِ (2):

فَشَكَكْتُ بِالرّمْحِ الطَّوِيْلِ ثيَابَهُ

لَيْسَ الكَرِيْمُ عَلَى القَنَا بِمُحَرَّمِ

فَقَالَ حَسَّانُ وَوَقَعَ دُوْنَهُ (3):

وَمَا السَّيِّدُ الجبَّارُ حِيْنَ يُرِيْدُنَا .... بِكَيْدٍ عَلَى أَرْمَاحِنَا بِمُحَرَّمِ

فَلَمْ يُفِدْ أَكْثَرَ مِنْ تَكْرِيْرِ العِبَارَةِ بِعَيْنِهَا حَسْبُ.

وَكَقَوْلِ طُرْفَةَ (4):

يَشُقُّ حُبَابَ المَاءِ حَيْزُوْمُهَا بِهَا

كَمَا قَسَمَ التُّرْبُ المَفَايِلَ بِاليَدِ

فَاهْتَدَمَهُ لَبِيْدٌ وَقَصَّرَ عَنْهُ فَقَالَ (5):

يِشُق خَمَايِلَ الدَّهْنَا يَدَاهَا

كَمَا لَعِبَ المُفَايِلُ بِالفِيَالِ

وَهَذَا بِبَابِ الاهْتِدَامِ أَلْيَقُ هانَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا لأَنَّهُ قَصَّرَ عَنِ المَأْخُوْذِ مِنْهُ.

* * *

وَمِمَّا أَخَذَ البُحْتُرِيُّ عَنْ أَبِي تَمَّامٍ فَقَصَّرَ عَنْهُ وَكَانَ لَفْظُ أَبِي تَمَّامٍ فِيْهِ أَرْطَبُ وَأَعْذَبُ

_________

(1)

ديوانه ص 108.

(2)

ديوانه ص 210.

(3)

ديوانه ص 183.

(4)

شرح ديوانه ص 90.

(5)

ديوانه ص 156.

ص: 418

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَفِي القَلْبِ أَحْلَى وَإلَى الفَهْمِ أَقْرَبُ قَوْلهُ (1):

لآلِ وَهْب أَيَادٍ كُلَّمَا اجْتُدِيَتْ

فَعَلْنَ فِي المَحْلِ مَا لَا تَفْعَلُ اليَمُّ

قَوْمٌ تَرَاهُمْ غَيَارَى دُوْنَ مَجْدِهِمُ

حَتَّى كَأَنَّ المَعَالِي عِنْدَهُمْ حُرَمُ

وَقَالَ البُحْتُرِيُّ (2):

الفَاعِلُوْنَ إِذَا لُذْنَا بِظِلّهمُ

مَا يَفْعَلُ الغَيْثُ فِي شُؤْبُوْبِهِ الهَتِنِ

فَاسْتَكْرَهَ العِبَارَةَ وَنَقَصَ عَنِ اسْتِفَاءِ المَعْنَى لأنَّ الغَيْثَ فِي شُؤْبُوْبِهِ الهَتِنِ رُبَّمَا عَفَى الآثَارَ وَهَدَمَ الدِّيَارَ وَأَسَالَ الأَوْدِيَةَ فَأَهْلَكَ مَنْ مَرَّ بِهَا سَالِكًا وَاقْتَلَعَ الشَّجَرَ وَهَشَمَ الثَّمَرَ وَأَبُو تَمَّامٍ جَعَلَ مَا يُجْدِي بِهِ هَؤُلاءِ المَمْدُؤحُوْنَ فَاعِلًا مَا تَفْعَلَهُ الأَنْوَاءُ فِي المُحُوْلِ مِنْ اهْتِزَازِ الثَّرَى وإِنْبَاتِ المَرعَى وإِحْيَاءِ مَيِّتِ الكَلِأ وَإِيْرَاقَ مَا ذَوَى مِنَ الشَّجَرِ وَهَذَا كُلَّهُ مِنْ فِعْلِ الوَبْلِ فِي المَحْلِ وَالقَطْرِ فِي البَلَدِ القَفْرِ كَمَا قَالَ الآخَرُ:

لَهُ فِي ذَوِي المَعْرُوْفِ نُعْمَى كَأَنَّهَا

مَوَاقعُ صوْب القَطْرِ فِي البَلَدِ القَفْرِ

وَمِنْ لَفْظِ أَبِي تَمَّامٍ الرَّابِعِ وَتَشْبِيْهِهِ الوَاقِع قَوْلُهُ (3):

بِيْضٌ يُدِرْنَ عُيُوْنَهُنَّ إِلَى الصِّبَى

فَكَأَنَّهُنَّ بها يُدِرْنَ كُؤُوْسَا

فَأخَذَ هَذَا المَعْنَى مِنْهُ البُحْتُرِيُّ وَتَكَلَّفَ العِبَارَةَ عَنْهُ فَقَالَ (4):

قَدْ تُدِيْرُ العُيُوْنُ مِنْ عَدَمِ

الأَلْبَابِ مَا لَا يَدُوْرُ فِي الأَقْدَاحِ

وَأوَّلُ هَذَا قَوْلُ الأَعْرَابِيِّ:

ظَللْنَا كَأَنَّا عِنْدَ أُمِّ مُحَلَّمٍ

نَشَاوَى وَلَمْ نشرَبْ طِلَاءً وَلَا خَمْرَا

_________

(1)

لأبي تمام في ديوانه 4/ 490.

(2)

ديوانه 4/ 2159.

(3)

ديوانه 2/ 264.

(4)

ديوانه 1/ 458.

ص: 419

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قَالَ أَبُو تَمَّامٍ (1):

لَا تَدْعُوْنَ نُوْح بن عَمْرٍو

دَعْوَةً لِلْخَطْبِ إِلَّا أنْ يَكُوْنَ خَلِيْلَا

وَهَذَا مِنْ أَحِسَنِ الكَلَامَ وَأَشْرَفهِ مَعْنًى أخَذَهُ البُحْتُرِيُّ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ غَيْرُ مُرْضِيَةٍ فَقَالَ (2):

مَا أَبَا جَعْفَرٍ وَمَا أَنْتَ بِالمَدْعُوِّ

إِلَّا لِكُلِّ خَطْبٍ جَلِيْلِ

ومِنْ هَذَا قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ (3):

فَمَا أنْ نُبَالِي أنْ يُجَهِّزَ رَأْيَهُ

إِلَى نَاكِثٍ أَلَّا يُجَهِّزَ جَحْفَلَا

أخَذَهُ البُحْتُرِيُّ وَقَصَّرَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ (4):

يَعْنِي عَنَاءَ الجيُوْشِ فِي طَلَبِ

الفَيْءِ إِذَا مَا تَنَاصَرَتْ كُتُبُه

وَمِمَّا اخْتَصَرَهُ أَبُو تَمَّامٍ وَأَوْجَزَهُ قَوْلُهُ (5):

فَرَاخَ فِي ثَنَائِي وَرُحْتُ فِي ثيابه

أخَذَهُ البُحْتُرِيُّ وَأَطَالَ العِبَارَةَ عَنْهُ فَقَالَ:

وَلَوْلَا يَكْسِبُهُ غير فَتًى

يَبْزَغُ فِيْهِ الخَطِيْئَةَ مَنْ سَلَبَه

* * *

وَمِنْ بَابِ تَقْصِيْرِ المُتَّبَعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ وَابْتَدَعَ المَعْنَى (6):

رَأَيْتُ رَجَائِي فِيْكَ وَحْدَكَ هِمَّةً

وَلَكِنَّهُ فِي سَائِرِ النَّاسِ مَطْمَعُ

_________

(1)

ديوانه 2/ 70.

(2)

لم يرد في ديوانه.

(3)

ديوانه 2/ 101.

(4)

ديوانه 1/ 280.

(5)

ديوانه 1/ 114.

(6)

ديوانه 2/ 333.

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أَخَذَهُ البُحْتُرِيّ وَقَصَّرَ عَنْ لَفْظِ أَبِي تَمَّامٍ فَقَالَ (1):

ثَنَى أَمَلِي وَاحْتَازَهُ عَنْ مَعَاشِرٍ

يَبِيْتُوْنَ وَالآمَالُ فِيْهِمْ مَطَامِعُ

وَمِمَّا هَذِهِ سَبِيْلهُ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ (2):

فَإِنِّي مَا جُوْزِفْتُ فِي طَلَبِ العُلَى

وَلَكِنَّكمْ جُوْزِفْتُمُ فِي المَكَارِمِ

وَهَذَا كَلَامٌ كَرِيْمُ المَغْرسِ سَلِيْمُ المَنْشَأِ فَمَاثَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلُ البُحْتُرِيّ مُحْتَذِيًا حَذْوَهُ (3):

إِذَا ابْتَدَا بُخَلَاءُ النَّاسِ عَارِفَةً

يَتْبعُهَا المَنُّ فَالمَرْوُوْقُ مَنْ حُرِمَا

تَجِدْ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ظَاهِرًا وَتَفَاوُتًا بَيِّنًا سَافِرًا وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ (4):

أَوَ يَخْتَلِفُ نَسَبٌ يُؤَلِّفُ بَيْنَنَا

أَدَبٌ أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الوَالِدِ

فَقَالَ البُحْتُرِيّ فِي مَعْنَاهُ وَقَصَّرَ عَنْهُ (5):

فَلَمْ يَضِرْنَا تَنَائِي المُنْصبِيْنَ وَقَدْ

رُحْنَا خَلِيْطَيْنِ فِي خُلُق وفي أدبِ

وَتَأَمَّلْ قَوْلِ أَبِي تَمَّامٍ وَهُوَ السَّابِقُ إِلَى المَعْنَى (6):

وَلَيْسَتْ فَرْحَةُ الأَوْبَاتِ إِلَّا

لِمَوْقُوْفٍ عَلَى تَرْحِ الوَدَاعِ

وَقَوْلُ البُحْتُرِيّ سَارِقًا مِنْهُ (7):

مَا لِشَيْءٍ بَشَاشَةٌ بَعْدَ شَيْءٍ

كَتَلاقٍ مواتيكَ بعدَ بَيْنَ بَيْنِ

_________

(1)

ديوانه 2/ 1303.

(2)

ديوانه 3/ 220.

(3)

ديوانه 3/ 2048.

(4)

ديوانه 1/ 402.

(5)

ديوانه 1/ 254.

(6)

ديوانه 2/ 336.

(7)

ديوانه 4/ 2260.

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= تَجِدِ التَّفَاوُتِ شَدِيْدًا وَالتَّبَايُنِ بَعِيْدًا.

وَمِمَّا أَحْسَنَ قيه أَبُو تَمَّامٍ وَأَسَاءَ اتِّبَاعَهُ البُحْتُرِيّ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ (1):

إِذَا نَزَلُوا رَوَّضُوْهُ بِآثَارٍ كَآثَارِ الغُيُوْمِ

فَقَالَ البُحْتُرِيّ (2):

سُرَى الغَيْثِ يَرْوِي غُزْرُهُ وَهُوَ هَاطِلٌ

وَيَتْبعُهُ أَكْلَاؤُهُ حِيْنَ يُقْلِعُ

وَهَذَا مُتَكَلِّفٌ عَلَى مَا تَرَى قَلِيْلُ الحَظِّ مِنَ القُبُوْلِ وَإِنْ كَانَ فَصيْحَ اللَّفْظِ صَحِيْحَ المَعْنَى. وَمِمَّا أَجَادَ فِيْهِ أَبُو تَمَّايم مَعْنًى وَعِبَارَةً وَأَسَاءَ البُحْتُرِيّ فِيْهِ سَرْقًا وَغَارَةً وَجَفَاءً لَفْظٍ وَمَكْرُوْهَ اسْتِعَارَةٍ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ (3):

فَلَمْ يَجْتَمِعْ شَرْقٌ وَغَرْبٌ لِقَاصِدٍ

فِي كَفِّ امْرِئٍ والدّراهمُ

فَقَالَ البُحْتُرِيّ (4):

لِيَفْرُو فرك المُوَقَّى وَإِنْ

أَعْوَزَ أَنْ يُجْمَعَ النّدَى وَوُفُوْرُه

وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ (5):

لَيْسَ الحِجَابُ بِمُقْصٍ عَنْكَ لِي أَمَلًا

أَنَّ السَّمَاءَ تُرَجَّى حِيْنَ تحتجبُ

فَأَحْسَنَ أَبُو تَمَّامٍ، كَمَا أَسَاءَ البُحْتُرِيّ فِي قَوْلِهِ (6):

فَإِنْ أَتَى دُوْنَهُ الحِجَا

فَمَا تَسْتُرُ عَنَّا إِلَّا حُجُبُه

_________

(1)

ديوان أبي تمام 3/ 164.

(2)

ديوانه 2/ 1271.

(3)

ديوانه 3/ 178.

(4)

لم يرد في ديوانه.

(5)

ديوانه 4/ 446.

(6)

ديوانه 1/ 281.

ص: 422

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَأَبُو تَمَّامٍ احْتَذَى فِي هَذَا المَعْنَى قَوْلُ مُسْلِمٍ (1):

كَذَلِكَ الغَيْثُ يُرْجَى فِي تَحَجُّبهِ

حَتَّى يُرَى مُسْفِرًا عَنْ وَابِلِ المطرِ

وَمِنْ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ أَبُو عِيْسَى بنُ الرَّشِيْدِ:

دَهَانِي شَهْرُ الصوْمَ لَا كَانَ مِنْ شَهْرِ

وَلَا صِمْتُ شَيْئًا بَعْدَهُ آخِرَ الدَّهْرِ

وَلَوْ كَانَ يُعْدِيْنِي الإِمَامُ بِقُدْرَةٍ

عَلَى الشَّهْرِ لاسْتَعْذَبْتُ جَهْدِي عَلَى الشَّهْرِ

أَصَابَهُ عَقِيْبَ هَذَا القَوْلُ صرَعٌ فَكَانَ يُصْرَعُ فِي اليَوْمِ مَرَّاتٍ إِلَى أنْ مَاتَ وَلَمْ يَبْلغ شَهْرًا مِثْلَهُ.

* * *

هَذَانِ البَيْتَانِ مِنْ قَصِيْدَةٍ لِلشَّمَّاخِ يَمْدَحُ بِهَا عَرَابَةَ الأَوْسِيَّ أوَّلُهَا (2):

كِلَا يَوْمَي طُوَالَةَ وَصْلُ أَرْوَى

ظُنُوْنٌ آنَ مُطَّرِحَ الظُّنُوْنِ

طُوَالهُ: اسْمُ سَيْرٍ انْتَجَعَتْ أَرْوَى عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ الشَّمَاخُ مِنْ أَجْلِهَا وَالظُّنُوْنُ كُلُّ أمَرٍ كُنْتَ مِنْهُ عَلَى تُهْمَةِ أَيْ آنَ أنْ أَطَّرِحَ عَنِّي الظُّنُوْنُ يَقُوْلُ (3):

ولست إِذَا الهُمُوْمُ تَحَضَّرَتْنِي

بِأَخْضَعَ فِي الحَوَادِثِ مُسْتَكِيْنِ

فَسَلِّ الهَمَّ عَنْكَ بِذَاتِ لوْثٍ

مُضبّرَةٍ كَمِطْرَقَةِ القُيُوْنِ

وَيُرْوَى مضبرّة عَذَافِرَةٍ أمُوْن. اللَّوْثُ: الشِّدَّةُ. وَمَضْبَرَةٌ مُجْتَمِعَةُ الخَلْقِ وَأمُوْنِ أَيْ يُؤْمِن عثارُهَا.

إِذَا بَلغْتني وَحَمَلْتِ رِحْلِي. البَيْتَانِ

يَقُوْلُ مِنْهَا:

_________

(1)

لم ترد في ديوان مسلم بن الوليد.

(2)

ديوانه ص 319.

(3)

للشماخ بن ضرار الذبياني في ديوانه ص 319.

ص: 423