الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالانْتِحَالُ
(1):
قَالَ الحَاتِمِيُّ أَيْضًا (2): قَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ بِالشِّعْرِ، وَرُوَاةُ العَرَبِيَّةِ عَلَى أَنْ امْرَأَ القَيْسِ أَوَّلُ مَنْ بَكَى الدِّيَارَ، وَأَبَّنَ الآثَارَ. وَإِذَا تَصَفَّحْتَ شِعْرَهُ، اسْتَدْلَلْتَ بِبَعْضِهِ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الإِجْمَاعِ، ألَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ (3):[من الكامل]
عُوْجَا عَلَى الطِّلَلِ المحِيْلِ لعَلَّنَا
…
نَبْكِي الدِّيَارَ كَمَا بَكَى ابْنُ حُمَامِ
قَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: فَإِذَا سُئِلَ عُلَمَاءُ كَلْبٍ عما وَصَفَ بِهِ ابْنُ حُمَامٍ الدِّيَارَ، وَأَنْشَدُوا
= يَعْنِي بِالمرَقَّقِ الرِّقَاقِ مِنَ الخِبْزِ وَهُوَ خَالِصُ الدَّقِيْق يُرِيْدُ الحَوَارِيَّ. وَالصِّنَابُ صِبَاغٌ يُتَّخَذُ مِنَ الخَرْدَلِ وَالزَّبِيبِ.
* * *
وَمِنَ الدَّلِيْلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ سَرْقًا وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مُعَابَا قَوْلُ عُمَارَةَ بن الوَلِيْدِ المَخْزُوْمِيّ:
خُلِقَ البيْضُ الحِسَانُ لَنَا
…
وَجِيَادُ الرَّيْطِ وَالأُزُرُ
كَابِرًا كُنَّا أَحَقَّ بِهِ حِيْنَ
…
صِيْغَ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ
فَقَالَ مُسَافِرُ بن أَبِي عَمْرو يَرُدّ عَلَيْهِ (1):
خُلِقَ البيْضُ الحِسَانُ
…
لنَا وَجِيَادُ الرَّيْطِ وَالحَبِرَه
كَابَرًا كُنَّا أَحَقَّ بِهِ
…
مِنْ كُلِّ حَيٍّ بَالِغٌ كِبَرَه
(1)
يقال انْتحَلْتُ الشَّيْءَ إِذَا ادَّعَيْتَهُ وَأَنْتَ مُحْقٌّ وَتَنَحَّلتُهُ إِذَا ادَّعَيْتَهُ مُبْطِلًا. وَقَالُوا بَيْتُ الأَعْشَى يُبْطِلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
فَكَيْفَ أَنَا وَانْتِحَالُ القَوَافِي
…
بَعْدَ المَشِيْبِ كَفَى ذَاكَ عَارَا
(2)
حلية المحاضرة 2/ 30.
(3)
لأمرئ القيس في ديوانه ص 114.
_________
(1)
الأغاني 9/ 49.
أَبْيَاتًا مِنْ قِفَا نَبْكِ، وَذَكَرُوا أَنَّ امْرَئِ القَيْسِ انتحَلَهَا، فَسَارَتْ لَهُ، وَخَمُلَ ابْنُ حُمَامٍ.
وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ امْرَئ القَيْسِ بنَ حُمَامِ الكَلْبِيَّ كَانَ يَصْحَبُ امْرَئ القَيْسِ بن حُجْرٍ الكِنْدِيَّ، وَأَنَّهُ أوَّلُ مَنْ وَصفَ الدِّيَارَ وَهُوَ القَائِلُ (1):[من البسيط]
لآلِ هِنْدٍ بِجَنْبَيْ نَفْنَفٍ دَارُ
…
لَمْ تَمْحُ جِدَّتَهَا رِيْحٌ وَأَمْطَارُ
إمَّا تَرَيْنِي بِجَنْبِ البَيْتِ مَضطجِعًا
…
لَا يَطَّبِيْنِي لَدَى الحَيَّيْنِ إِبْكَارُ
فَرُبَّ نَهْبٍ تُصمُّ القَوْمَ رَجَّتُهُ
…
أَفَأْتُهُ إِنَّ بَعْضَ القَوْمِ عُوَّارُ
وَكَانَ خِرَاشُ بن إسْمَاعِيْلٍ العِجْلِيُّ يَقُؤلُ: إِنَّ أَوَّلِيَّةَ بكْرِ بنِ وَائِلٍ كَانُوا يَحْلِفُوْنَ أَنَّ عَامَّةَ شِعْرِ امْرِيءِ القَيْسِ لِعَمْرُو بن قَمِيْئَةَ الرَّبْعِيِّ، وَأنَّهُ كَانَ يَصحَبُ امْرَأَ القَيْسِ، فَغَلَبَ عَلَى شِعْرِهِ. وَإِيَّاهُ أرَادَ أمْرُؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (2):[من الطويل]
بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دُوْنَهُ
…
وَأَيْقَنَ أنَّا لَاحِقَانِ بِقَيْصرَا
وَاسْتَنْشَدَ أَبُو عَمْرُو بن العَلَاءِ الفَرَزْدَقَ يَوْمًا، فَأَنْشَدَهُ (3):[من البسيط]
كَمْ دُوْنَ مَيَّةَ مِنْ مُسْتَعْمِلٍ قَذَفٍ
…
وَمِنْ فَلَاةٍ بِهَا تُسْتَوْدَعُ العِيْسُ
فَقَالَ: يا سُبْحَانَ اللَّهِ أنْتَ قُلْتَ هَذَا؟ فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: اكْتُمْهَا عَلَيَّ، فَوَاللَّهِ لَضَوَالُّ الشِّعْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ضوَالِّ الإِبلِ.
وَحَكَى ابْنُ سَلامٍ قَالَ: كَانَ أوَّلُ مَنْ جَمَعَ أشَعَارَ العَرَبِ، وَسَاقَ الأَحَادِيْثَ حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ. وَكَانَ غَيْرَ مَوْثُوْقٍ بِهِ، وَكَانَ يَنْحِلُ شِعْرُ الرَّجُلِ غَيْرَهُ، وَيُنْحِلُهُ غَيْرَ شِعْرِهِ، وَيَزِيْدُ فِي الأَشْعَارِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ يُوْنسُ النَّحْوِيَّ يَقُوْلُ: العَجَبُ مِمَّنْ يَأْخُذُ عَنْ حَمَّادٍ وَكَانَ يَكْذِبُ، وَيَلْحَنُ، وَيَكَسْرُ. قَالَ: وَلَمَّا رَاجَعَتِ العَرَبُ رِوَايَةَ أَشْعَارِهَا، وَذِكْرَ أَيَّامِهَا، وَمَآثِرِهَا، اسْتَقْبَلَ بَعْضُ العَشَائِرِ شِعْرَ شُعَرَائِهِمْ، وَمَا ذَهَبَ
(1) جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 458.
(2)
لامرئ القيس في ديوانه ص 65.
(3)
لم يرد في ديوانه، والبيت والخبر في حلية المحاضرة 2/ 32.
مِنْ ذِكْرِ وَقَائِعِهِمْ وَأَيَّامِهِمْ، وَأَرَادُوا أَنْ يُلْحَقُوا بِمَنْ لَهُ الوَقَائِعُ وَالأَشْعَارُ، فَقَالُوا عَلَى أَلْسِنَةِ شُعَرَائِهِمْ، ثُمَّ تَكَاثَرَتِ الرُّوَاةُ بَعْدُ، فَزَادَتْ فِي الأشْعَارُ الَّتِي قِيْلَتْ، وَلَيْسَ يُشْكِلُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ زِيَادَةُ الرُّوَاةِ، وَلَا مَا وَضَعُوا، وَلَا مَا وَضَعَ المُوَلَّدُوْنَ. وَإِنَّمَا عَضَّلَ بِهِمْ أَنْ يَقُوْلَ الرَّجُلُ مِنَ البادِيَةِ مِنْ وُلْدِ شَاعِرٍ، أَوْ الرَّجُلُ مِنْ قَوْمِهِ لِسَانُهُ كَلِسَانِ الشَّاعِرِ وَمَنْشَؤُهُ كَمَنَشئهِ عَلَى لِسَانِ الشاعِرِ، فَيُشْكِلُ حِيْنَئِذٍ بَعْضَ الإِشْكَالِ (1).
(1) أَخْبَرَ أَبُو الحَسَنِ بن أَبِي غَسَّانَ عَنْ أَبِي خَلِيْفَةَ الفَضْل بن الحَبَابِ الجُّمْحِيّ أَنَّ بَنِي سَعْدِ بن زَيْدِ مَنَاةَ بن تَمِيْمٍ تَزْعَمُ أَنَّ هَذَا البَيْت (1):
وَلَسْتُ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لا تلمّهُ
…
عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ المُهَذَّبُ
لِرَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ.
قَالَ: وَأَنْشَدْنِيْهِ حُلَابِسُ العُطَارِدِيّ عَنْ خَلَفٍ الأَحْمَرَ قَالَ: إِنَّ أَعْرَابَ بَنِي سَعْدٍ تقول ذَلِكَ.
وَحَكَى أَبُو مُحَمَّد التَّوْزِيّ أَنَّ زُهَيْرًا اسْتَلْحَقَ قَوْلَ الخِنَّوْتِ السَّعْدِيّ (2):
وَأَهْلُ خَبَاءٍ صَالِحٍ ذَاتِ بَيْنهمْ
…
قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُهُ
فَأَقْبَلْتُ فِي السَّاعِيْنَ أَسْأَلُ مَالَهُمْ
…
سُؤَالَكَ بِالشَّيْءِ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهُ
وَانْتَحَلَ عَنْتَرَةُ قَوْلَ بُشْرِ بن شِلْوَةَ التَّغْلِبِيّ (3):
نُبِّئْتُ عمرًا غَيْرَ شَاكِرِ نِعْمَتِي
…
وَالكفْرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ المُنْعِمِ
وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة أَنَّ عَامَّةَ الشِّعْرِ الَّذِي يَرْوِيْهِ النَّاسُ لِعَنْتَرَةَ هُوَ لِشَدَّادٍ العَبْسِيّ وَإِنَّمَا كَانَ عَنْتَرَةُ عَبْدًا لَهُ فَقَالَ لَهُ يَوْمًا وَقَدْ كَرَّتِ الخَيْلُ: احْمِل. فَقَالَ: وَكِيْفَ يَحْمِلُ العَبْدُ؟ قَالَ: أَنْتَ ابني فَالسْتَلْحَقَهُ وَأَخُوْهُ مِنْ أُمِّهِ هَرَأسَةُ وَأُمَّهُمَا زُبَيْنَةُ.
_________
(1)
للنابغة في ديوانه ص 74.
(2)
حلية المحاضرة 2/ 31.
(3)
ديوان عنترة ص 214.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَانْتَحَلَ أَبُو ذُؤَيْبٍ قَوْلَ أُهْبَانَ بن عَادِيَةَ الخُزَاعِيّ (1):
وَالنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَهَا
…
وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيْلٍ تَقْنَعُ
وَانْتَحَلَ جَرِيْرٌ قَوْلَ المُعَلْوِطِ بن كُنَيْفٍ السَّعْدِيّ (2):
إِنَّ الَّذِيْنَ غَدُوا بِلِبِّكَ غَادَرُوا
…
وَشلًا بِعَيْنِكَ لَا يَزَالُ مَعِيْنَا
غَيَّضْنَ مِنْ غَبَرَاتِهِنَّ وَقُلْنَ لِي
…
مَاذَا لَقَيْتَ مِنَ الهَوَى وَلَقِيْنَا
وَانْتَحَلَ الفَرَزْدَقُ قَوْلَ أَخِيْهِ الأَخْطَلُ بن غَالِبٍ المُجَاشِعِيّ (3):
وَرَكْبٍ كَأَنَّ الرِّيْحَ تَطْلِبُ عِنْدَهُمْ
…
لَهَاتِرَةٌ مِنْ جَدْبِهَا بِالعَصَايِبِ
وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الأَبْيَاتُ بِبَابِ الفَصَاحَةِ فِي اللَّفْظِ تَمَامًا.
وَانْتَحَلَ جَرِيْرٌ قَوْلَ طُفَيْلِ الغَنَوِيِّ (4):
وَلَمَّا التقَى الحَيَّانُ أَلْقَيْتُ العَصَا
…
وَمَاتَ الهَوَى لَمَّا أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُه
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بن رُؤْبَةَ يَقُوْلُ قَالَ أَبِي: مَرَّ بِيَ العَجَّاجُ وَنَحْنُ مُتَوَجِّهَانِ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ وَأَنَا أَقُوْلُ (5):
حِيْنَ احْتَضَرْنَا بَعْدَ سَيْرٍ جَدْسِ
…
أمَامَ رَغْسٍ فِي نِصابِ رَغْسِ
فَقَالَ: يَا أَحْمَقُ أَلَا تَقُوْلُ (6):
ابْنُ مَرْوَانَ قَرْنَعَ الإِنْسِ
_________
(1)
لأبي ذؤيب الهذلي في أشعار الهذليين 1/ 11.
(2)
لجرير في ديوانه ص 386، وللمعلوط في الشعر والشعراء ص. . . . [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع بياض].
(3)
ديوان الفرزدق 1/ 29.
(4)
لجرير في ديوانه ص 964، ولطفيل في ديوانه ص 109.
(5)
ديوان رؤبة 2/ 43.
(6)
ديوان العجاج 2/ 208.