المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ (1): - الدر الفريد وبيت القصيد - جـ ١

[محمد بن أيدمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌الدر الفريد وبيت القصيد

- ‌فَرادةُ الدر الفريد

- ‌محمَّد بن أيدمر

- ‌ثقافته وأدبه:

- ‌شاعريته وشعره:

- ‌الأشعار:

- ‌مؤلفاته:

- ‌مصادر ترجمته:

- ‌النسخة المعتمدة في التحقيق:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ضرُوْبِ الشِّعْرِ

- ‌وَالشِّعْرُ لَهُ أسْبَابٌ:

- ‌وَإِبْدَاعُ المَعْنَى

- ‌وَيَتْلُوْهُمَا أصْنَافُ البَدِيْعِ:

- ‌أَمَّا صِدْقُ التَّشبِيْهِ

- ‌وَمُشَاكَلَةُ التَّجْنِيْسِ

- ‌وَمُبَايَنَة التَّطْبِيْقِ

- ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ

- ‌وَنُصُوْعُ التَّرْصِيْعِ

- ‌وَاتِّزَانُ التَّسْمِيْطِ

- ‌وَصِحَّةُ التَّقسِيْمِ

- ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ

- ‌وَحِدَّةُ الاسْتِطْرَادُ:

- ‌وَحَلَاوَةُ الاسْتِعَارَةِ

- ‌وَلُطْفُ المَخْلَصِ:

- ‌وَنَظَافَةُ الحَشْوِ:

- ‌وَالتَّرْدِيْدِ وَالتَّصْدِيْرِ:

- ‌وَتَأكِيْدُ الاسْتِثْنَاءِ

- ‌وَكَمَالُ التَّتْمِيْمِ:

- ‌وَالإِيْغَالُ فِي التَّبْلِيْغِ:

- ‌وَالإِغْرَاقُ فِي الغُلُوِّ:

- ‌وَمُوَازَاةُ المُقَابَلَة:

- ‌وَسُهُوْلَةُ التَّسْهِيْمِ:

- ‌وَوُقُوْعُ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ:

- ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ

- ‌وَالوَحْيُ وَالإِشَارَةُ وَتَكرِيْرُهَا:

- ‌وَبَرَاعَةُ الابْتِدَاءِ:

- ‌وَأَمَّا تَمْكِيْنُ القَوَافِي:

- ‌وَالمُلَائَمَةُ بَيْنَ صَدْرِ البَيْتِ وَعَجُزِهِ

- ‌وَإِرْدَافُ البَيْتِ بِأَخِيْهِ

- ‌وَإشْبَاعُ المَعْنَى بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَإبْرَازهُ فِي أحْسَنِ صِيْغَةٍ مِنَ البيانِ:

- ‌وَخَلُوْصُ السَّبْكِ:

- ‌وَلِلشَّاعِرِ أدَوَات لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا

- ‌أَقْسَامُ الأَدَبِ

- ‌فَأَمَّا صِحَّةُ الانْتِقَادِ:

- ‌وَأَمَّا التَّمْيِيْزُ بَيْنَ المَدْحِ وَالشُّكْرِ

- ‌وَالفَصْلُ بَيْنَ الهَجْوِ وَالذَّمِّ

- ‌وَالبَوْنُ بَيْنَ الولَعِ وَالهَمْزِ

- ‌وَالتَّرْجِيْحُ بَيْنَ اللَّوْمِ وَالعَتَبِ

- ‌وَالفَرْقُ بَيْنَ الهَزِّ وَالاسْتِزَادَةِ

- ‌وَالتَّصَارفُ بَيْنَ التَّنَصُّلِ وَالاعْتِذَارِ

- ‌وَالحَدُّ بَيْنَ التَّقَاضِي وَالإِذْكَارِ

- ‌وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أنْوَاع السَّرِقَاتٍ:

- ‌فَالسَّرِقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ:

- ‌فَنَظْم المَنْثُوْرِ

- ‌وَإحْسَانُ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ، وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ:

- ‌وَالشِّعْرُ المَحْدُوْدُ وَالمَجْدُوْدُ:

- ‌وَتَكَافُؤُ إحْسَانِ المُتَّبِع وَالمُبْتَدِعِ:

- ‌وَنَقْلُ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ:

- ‌وَتَقَابُلُ النَّظَرِ فِي المَعْنَى إِلَى مِثْلِهِ:

- ‌وَالسَّلْبُ

- ‌وَالسَّلْخُ:

- ‌وَالالْتِقَاطُ وَالتَّلْفِيْقُ:

- ‌فَالخَلْعُ

- ‌وَالاصْطِرَافُ:

- ‌وَالإِغَارَةُ

- ‌وَالاجْتِلَابُ، وَالاسْتِلْحَاقُ:

- ‌وَالانْتِحَالُ

- ‌وَالإِنْحَالُ:

- ‌وَالمُرَافَدَةُ:

- ‌وَتَنَازُعُ الشَّاعِرَيْنِ فِي الشِّعْرِ

- ‌تَقْصِيْرُ المُتَّبعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ، وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَّقْصِيْرِ

- ‌وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَقْصِيْرِ:

- ‌وَبَاقِي المَجَازَاتِ

- ‌الاسْتِعَارَاتُ المُسْتْكْرَهَةُ:

- ‌وَمَا اجْتَمَع فِيْهِ لِلشَّيْءِ الوَاحِدِ اسْمَانِ

- ‌وَمَا يُحْمَلُ الكَلَامُ فِيْهِ عَلَى المَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ

- ‌وَمَا لفظُهُ لَفْظُ الموجَبِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى النَّفْي

- ‌وَمَا يُخْبَرُ فِيْهِ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ يُرَادُ بِهِ جَمِيْعُهُ

- ‌وَمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ

- ‌وَالحَذْفُ

- ‌وَمَا جَاءَ مِنَ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأْخِيْرِ

- ‌وَمَا يُحْذَفُ مِنْهُ المُضَافُ، فَيَقُوْمُ المُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ

- ‌وَمَا فُرِّقَ فِيْهِ بينَ المُضَافِ وَالمُضَافِ إِلَيْهِ

- ‌وَمَا يُشَبَّهُ فِيْهِ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يُجْعَلُ المُشَبَّهُ بِهِ هُوَ المُشَبَّهُ بِعَيْنِهِ

- ‌[خاتمة المقدمة]

الفصل: ‌ ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ (1):

‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ

(1):

= تَسَوِّدُ الشَّمْسُ مِنَّا بِيْضَ أَوْجُهِنَا

وَلا تُسَوِّدُ بِيْضَ العُذْرِ وَاللمَمِ

وَكَأَنَّ حَالِمُهَا فِي الحكمِ وَاحِدَةً

لَوْ احْتَكَمْنَا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى حَكَمِ

(1)

وَمِنَ التَّضْمِيْنِ دوْلُ عِيْسَى القَاشِي يُخَاطِبُ الحَسَن بنُ مُخْلِدٍ الكَاتِبَ وَيُعَاتِبُهُ:

أَقِيْكَ بِنَفْسِي سُوْءَ عَاقِبَةِ الدَّهْرِ

أَلَسْتَ تَرَى صَرْفَ الزَّمَانِ وَمَا يَجْرِي

يُصَابُ الفَتَى بِالأَمْرِ يَأَمَنُ نَحْسَهُ

وَتُسْعِدُهُ الأَيَّامُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي

وَقَدْ كُنْتُ أَشْكُو مِنْ تَحَامُلِ صاعِدٍ

وَأَشْكُو أُمُوْرًا مِنْهُ ضاقَ بِهَا صَدْرِي

فَلَمَّا انْقَضَتْ أَيَّامُهُ وَتَبَدَّلَتْ

بِأَيَّامِ مَيْمُوْنِ التَّقِيَّةِ وَالذِّكْرِ

سَرَى أَسْهُمٌ مِنْهُ إلَيَّ أَمِنْتُهَا

وَلَوْ خِفْتُهَا دَاوَيْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَسْرِي

خَبَّأْتُ لِدَهْرِي إِنْ أَرَى بِهِ ابْنُ مَخْلدٍ

فَأَلْفَيْتُهُ عَوْنًا عَلَيَّ مَعَ الدَّهْرِ

فَذَكَّرَنِي بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ سَائِرًا

وَقَدْ تُضْرَبُ الأَمْثَالُ فِي مُحْكَمِ الشِّعْرِ

(عَتَبْتُ عَلَى عَمْرٍو فَلَمَّا فَقَدْتهُ

وَجَرَّبْتُ أَقْوَامًا بَكِيْتُ عَلَى عَمْرُوِ)

هَذَا البَيْتُ الأَخِيْرُ تَضْمِيْنٌ وَهُوَ لِنَهَارِ بن تَوْسِعَةَ.

* * *

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ العَتْبِيِّ فِي كُتْمَانِ السِّرِّ (1):

ولي صاحِبٌ سِرِّي المُكَتَّمُ عِنْدَهُ

مَخَارِيْق نِيرَانٍ بِلَيْلٍ تَخَرَّقُ

عَطَفْتُ عَلَى أَسْرَارِهِ فَكسَوْتُهَا

بَابًا مِنَ الكِتْمَانِ مَا تَتحَرَّقُ

فَمَنْ يَكُنِ الأَسْرَارُ تَطْفُو بِصدْرِهِ

فَأَسْرَارُ صَدْرِي بِالأَحَادِيْثِ تَغْرَقُ

فَلَا تُؤَدِّ عَنِ الدَّهْرِ سِرَّكَ أَحْمَقًا

فَإِنَّكَ إِنْ أَوْدَعْتَهُ مِنْهُ أَحْمَقُ

وَحَسْبُكَ فِي سِتْرِ الأَحَادِيْثِ وَاعِظًا

مِنَ القَوْلِ مَا قَالَ الأَرِيْبُ المُوَفَّقُ

إِذَا ضَاقَ صَدْرُ المَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ

فَصدْرُ الَّذِي يَسْتَوْدِعُ السِّرَّ أَضْيَقُ

* * *

_________

(1)

المحاسن والمساوي للبيهقي ص 378.

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= هَذَا البَيْتُ الأَخِيْرُ تَضْمِيْنٌ.

قَالَ عَمْرُو بن العَاصِ: إِذَا أَفَشَيْتُ سِرِّي إِلَى صدِيِقِي فَأَذَاعَهُ فَهُوَ فِي حِلٍّ. فَقِيْلَ لَهُ: كِيْفَ؟ قَالَ: أنَا كُنتُ أَحَقُّ بِصِيَانَتِهِ مِنْهُ.

وَنَعُوْدُ إِلَى البَابِ فَمِنَ التَّضمِيْنِ قَوْلُ جَحْظَةَ (1):

قَوْمٌ أُحَاوِلُ نَيْلَهُمْ فَكَأَنَّنِي

حَاوَلْتُ نَتْفَ الشَّعْرِ مِنْ آنَافِهِم

قُمْ فَاسْقِنِيْهَا بِالكَبِيْرِ وَغَنِّنِي

(ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِم)

* * *

وَمِنْهُ قَوْلُ الخبز أرْزيّ فِي طَبِيْبٍ اسْمُهُ نُعْمَانَ (2):

أَقُوْلُ لِنُعْمَانٍ وَقَدْ سَاقَ طُبُّهُ

نُفُوْسًا نَفِيْسَاتٍ إِلَى سَاكِنِي الأَرْضِ

(أبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا

حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ) (3)

* * *

هَذَا البَيْت لإِيَاسِ بنِ القَائِفِ وَفِيْهِ مَثَلَانِ سَائِرَانِ صدْرُهُ وَعَجْزُهُ وَمِثْلُ هَذَا كَثيْرٌ قَدْ ضَمَّنَهُ الشُّعَرَاءُ أَشْعَارَهُمْ.

* * *

وَمِنْ هَذَا البَابِ قَوْلُ أَبي نُوَّاسٍ (4):

أَحْبَبْتُ مِنْ شِعْرِ بَشَّارٍ لِحِبّكُمُ

بَيْتًا لَهَجْتُ بِهِ مِنْ شِعْرِ بَشَّارِ

(يا رَحْمَةَ اللَّهِ حَلَّي فِي مَنَازِلِنَا

وَجَاوِرِيْنَا فَدَتْكِ النَّفْسُ مِنْ جَارِ) (5) =

_________

(1)

ديوانه ص 310.

(2)

ديوانه ص 398 تحقيق: د. مصطفى عناية.

(3)

البيت لطرفة في ديوانه ص 66.

(4)

ديوانه ص 323.

(5)

ديوان بشار 3/ 146.

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي الحَسَنِ اللَّحَّامِ الحَرَّانِيّ (1):

يا سَائِلِي عن جعفرٍ عِلْمِي بِهِ

رَطبَ العَجَانِ وَكَفّهُ كَالجلْمَدِ

كَالأقْحُوَانِ غَدَاةَ غبّ سَمَائِهِ

وَجَفَّتْ أَعَالِيْهِ وَأَسْفَلهُ نَدِي

هَذَا البَيْتُ تَضْمِيْنٌ وَهُوَ لِلنَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيّ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الآخَر:

وَأَصْبَحْتَ لَا أَدْرِي مِنَ الشِّعْرِ مَا الَّذِي

أَقُوْلُ وَبَابُ الشِّعْرِ لِلنَّاسِ وَاسِعُ

سِوَى قَوْلُ غَيْلَانَ بن عقبَةَ مُعْلِنًا

هَلِ الأَزْمُنِ اللَّاتِي مَضَيْنَ رَوَاجِعُ

وَقَوْلُ أَبِي فِرَاسِ بن حَمْدَانَ (2):

أَيُّهَا المُلْزِمِي جَرَائِرَ قَوْمِي

بَعْدَ مَا قَدْ مَضتْ عَلَيْهِا اللَّيَالِي

لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّهُ

وَأَنِّي بِحَرِّهَا اليَوْمَ صالِ

هَذَا البَيْتُ لِلْحَارَثِ بنِ عُبَّادٍ وَكَانَ مِنْ حُكَّامِ رَبِيْعَةَ وَفُرْسَانِهَا وَكَانَ قَدْ اعْتَزَلَ حَرْبَ ابْنَي وَائِلٍ وَتَنَحَّى بِأَهْلِهِ وَوَلدِهِ وَحَلَّ وَتَرَ قَوْسِهِ وَنَزَعَ سِنَانَ رُمْحِهِ وَقَالَ لَا نَاقَةٌ لِي فِي هَذَا وَلَا جَمَلٌ.

فَذَهَبَتْ مَثَلًا وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ حُرُوْبِهِمْ خَرَجَ بُجَيْرُ بن عَمْرُو بن عبَّادٍ فِي إِثْرِ إِبْلٍ لَهُ نَدَّتْ يَطْلِبُهَا فَعَرَضَ لَهُ مُهَلْهَلُ بنُ رَبِيْعَةَ بنُ مُرَّةَ فِي مُقْنَبٍ مِنْ مَقَانِبَ بَنِي ثَعْلَبَ يَطْلِبُوْنَ غِرَّةَ بَكْرِ بنِ وَائِلِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَعْجَبَهُ الغُلَامُ وَمَا رَأَى مِنْ جَمَالِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ:

مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟

قَالَ: أَنَا بُجَيْرُ بن عَمْرو بن عُبَّادٍ.

قَالَ: فَمَنْ خَالُكَ؟

قَالَ: أُمِّي أُخِيذَةٌ. =

_________

(1)

يتيمة الدهر 4/ 119.

(2)

ديوانه ص 229.

ص: 179

التَّضْمِيْنُ (1) مَصْدَرٌ سُمِيِّ بِهِ، وَهُوَ نَوْعَانِ:

أحَدُهُمَا: أَنْ يَنْظِمَ الشَّاعِرُ بَيْتًا، وَيَأتِي بِبَيْتٍ آخَرَ لِغَيْرِهِ يِلْتَحِمُ مَعَهُ، وَيَقْتَضِي

= فَبَوَّأَ لَهُ الرُّمْحَ لِيَطْعَنَهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ امْرُؤُ القَيْسِ بن أَبَانَ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ تَغْلِبَ وَكَانَ عَلَى مُقَدّمَتِهِمْ زَمَانًا طَوِيْلًا لَا تَفْعَلَ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتَهُ لَيَقْتُلَنَّ بِهِ مِنْكُمْ كَبْشٌ لَا يُسْأَلُ عَنْ خَالِهِ مَنْ هُوَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَحْتَقِرَ البَغْيَ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُمَا وَبِيْئَة وَقَدْ اعتزله عَمُّهُ وَأَبُوْهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ فَحَلّ عَنْهُ وَأَطِعْنِي فَأَبَى عَلَى امْرِئِ القَيْسِ المُهَلْهَلُ إِلَّا قَتْلَهُ فَطَعَنَهُ بِرِمْحِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ وَقَالَ: بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ.

فَبَلَغَ كَلَامُهُ عَمَّ الغلَامِ الحَارثَ بن عُبَّادٍ وكانَ مِنْ أَحْلَمِ أَهْلِ زمانه، وَأَشَدِّهمْ بَأْسًا وَكَانَ أَحَد حُكَّامِ وَائِلٍ وَامْرُؤُ القَيْسِ بن أَبَانَ الآخَرُ.

فَقَالَ الحَارَثُ: نِعْمُ القَتِيْلُ قتيل أَصلَحَ بَيْنَ ابْنَي وَائِلٍ فَكَفَّ سُفَهَائَهُمْ وَحَقَنَ دِمَاءَهُمْ، فَقِيْلَ لَهُ: أنَّ المُهَلْهِلَ إِنَّمَا قَتَلَهُ بِشَسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ، فَلَمْ يَقْبَل ذَلِكَ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى امْرِىِ القَيْسِ:

أنْ كُنْتُمْ قَدْ قَتَلْتُمْ بُجَيْرًا بِكُلَيْبٍ وَانْقَطَعَتِ الحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أخْوَانِكُمْ فَإِنِّي رَاضٍ بِذَلِكَ لِيَهْدَأَ هَذَا الأَمْرُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ المُهَلْهِلُ:

إِنَّمَا قَتَلْتُهُ بِشَسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ.

فَقَالَ الحَارثُ بنُ عُبَّادٍ لأَمَةٍ لَهُ: رُدِّي أَجْمَالِكِ ألْحَقَكِ الشِّتمُّ بِأَهْلِكِ فَمِنْ أُنّاسٍ مَا أَنْتِ فَذَهَبَتْ مَثَلًا وَدَعَا بِفَرَسِهِ النَّعَامَةِ فَجَزَّ نَاصِيَتِهَا وَهَلَبَ ذَنْبَهَا وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ فَعَل ذَلِكَ بالخيل، عَلَى مَا أَزْعَمُوا فَقَالَ بَعْضُ العَرَبِ رُدَّهَا جَذْعَةً.

وَقَالَ الحَارثُ:

لَا بُجَيْرٌ أَغْنَى ولا رَهـ

ـطُ كُلَيْبٍ وَأَبْحَرُوا عَنْ بِلَالِ

قَرِّبَا مَرْبَطَ النَّعَامَةِ مِنِّي

لقحتْ حَرْبُ وَائِلٍ عَنْ حَيَالِ

لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّهُ

وَأَنِّي بِحَرِّهَا اليَوْمَ بِصالِ

قَرِّبَا مَرْبَطَ النَّعَامَةِ مِنِّي

إِنْ قْتَلَ الغلامِ بالشُسعِ غَالِ

(1)

أنظر: البدج لابن أفلح العبسي ص 78 وما بعدها.

ص: 180

المَعْنَى أَنْ يَكُوْنَ تَالِيًا لَهُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ، فَيُسَمَّى الثَّانِي مُضَمِّنًا لِلأَوَّلِ.

وَالآخَرُ: أَنْ يَذْكُرَ الشَّاعِرُ فِي صَدْرِ بَيْتِهِ مَعْنًى، يَقْتَضي أَنْ يَكُوْنَ عَجْزُهُ نِصْفَ بَيْتٍ لِشَاعِرٍ آخَرَ، فَيُضَمِّنُهُ إيَّاهُ.

وَإِذَا وَقَعَ التَّضْمِيْنُ حَادًا فِي مَوْقِعِهِ كَانَ أحْسَنَ عِنْدِي مِنْ كَوْنِهِمَا لِشَاعِرٍ وَاحِدٍ، كَقَوْلِ أبِي سَعِدٍ بن خَلَفٍ (1):[من الطويل]

وَقَائِلَةٍ لَوْ كَانَ وُدُّكَ صَادِقًا

لِبَغْدَادَ لَمْ تَرْحَل فَكَانَ جَوَابِيَا:

(يُقِيْمُ الرِّجَالُ الأَغْنِيَاءُ بِأرْضِهِمْ

وَتَرْمِي النَّوَى بِالمُقْتِرِيْنَ المَرَامِيَا) (2)

فَالبَيْتِ الثَّانِي تَضْمِيْنٌ وَقَامَ بِالمَعْنَى.

وَالنَّوْعُ الآخَرُ نَحْوَ (3): [من الطويل]

خُلِقْتُ عَلَى بَابِ الأمِيْرِ كَأنَّنِي

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ

إِذَا جِئْتُ أشْكُو طُوْلَ ضرٍّ وَفَاقَةٍ

يَقُولُوْنَ: لَا تَهْلِك أَسًى وَتَجَمَّلِ

لَقَدْ طَالَ تَرْدَادِي وَقَصْدِي إلَيْهُمُ

فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ

وَكَقَوْلِ القَاضِي أبِي بَكْرٍ الأَرَّجَانِيِّ (4): [من الوافر]

ألَا يا صَاحِ أسْعِدْنِي فَإنِّي

(نَزَعْتُ عَنِ الصِّبَا إلَّا بَقَايَا)

النِّصْفُ الأَخِيْرُ لأَبِي فِرَاس (5)، وَعَجْزُهُ:

يُخَفِّرُهَا عَنِ الشَّيْبِ الوَقَارُ

وَوَافَقَ مَذْهَبِي أبَدًا فَإنِّي

(أنَا ابْنُ جَلَا وَطَلَّاع الثَّنَايَا)

(1) الوافي بالوفيات 21/ 455 - 456، فوات الوفيات 3/ 75 - 76.

(2)

لإياس بن القائف في الحماسة بشرح المرزوقي 3/ 1133، مجموعة المعاني 334.

(3)

للصولي في العمدة 2/ 7، والبديع لأسامة ص 250، ولم ترد في ديوانه.

(4)

ديوانه 3/ 1557.

(5)

ديوانه (ط التونجي) ص 132.

ص: 181

لِسُحَيْمِ بن وَثيْلٍ الرِّيَاحِي وَعَجْزُهُ (1): [من الوافر]

مَتَى أضَعُ العِمَامَةَ تَعْرِفُوْنِي

وَخَالَفَ فِي التَّنسُّكِ رَأيَ قَوْمٍ

(أتُوْكَ بِأكْبُدِ الإبل الأَبَايَا)

لِلمُتَنَبِّي وَعَجْزُهُ (2):

فَسقْتَهُمُ وَحَدُّ السَّيْفِ حَادي

وَقُمْ نَأخُذْ من الدُّنيا بِحَظٍّ

(فَإِنَّا سَوْف تُدْرِكُنَا المَنَايَا)

لِعَمْرِو بن كُلْثُومٍ وَعَجْزُهُ (3):

مُقَدَّرَةٌ لنَا وَمُقَدَّرِيْنَا

وَسَاعِدْ زُمْرَةً رَكَضُوا إِلَيْهِ

فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا

لابن كُلْثُومٍ أَيْضًا وَعَجْزِهُ (4):

وَأُبْنَا بِالمُلُوكِ مُصفَّدِيْنَا

وَكُنْ مَوْلًى أثِيْرَ المُلْكِ نَجْعَلْ

لَكَ المِرْبَاعَ مِنْهَا وَالصَّفَايَا

لابنِ عَنَمَةَ الضَّبيِّ. وَعَجُزِهُ (5):

وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيْطَةُ وَالفُضُوْلُ

وَهَذِهِ طِرِيْقٌ مَهْيَعٌ قَدْ سَلَكهَا الشُّعَرَاءُ كثيْرًا وَتَدَاوَلَهَا البُلَغَاءُ.

(1) الأصمعيات ص 17.

(2)

ديوانه 1/ 362.

(3)

ديوانه ص 66.

(4)

ديوانه ص 83.

(5)

لعبد اللَّه بن عنمة الضبي في حماسة أبي تمام 1/ 503.

ص: 182