المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ (1): (وَهُوَ الإرْدَافُ): التَّتْبِيْعُ: هُوَ أَنْ يُرِيْدَ الشَّاعِرُ مَعْنًى - الدر الفريد وبيت القصيد - جـ ١

[محمد بن أيدمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌الدر الفريد وبيت القصيد

- ‌فَرادةُ الدر الفريد

- ‌محمَّد بن أيدمر

- ‌ثقافته وأدبه:

- ‌شاعريته وشعره:

- ‌الأشعار:

- ‌مؤلفاته:

- ‌مصادر ترجمته:

- ‌النسخة المعتمدة في التحقيق:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ضرُوْبِ الشِّعْرِ

- ‌وَالشِّعْرُ لَهُ أسْبَابٌ:

- ‌وَإِبْدَاعُ المَعْنَى

- ‌وَيَتْلُوْهُمَا أصْنَافُ البَدِيْعِ:

- ‌أَمَّا صِدْقُ التَّشبِيْهِ

- ‌وَمُشَاكَلَةُ التَّجْنِيْسِ

- ‌وَمُبَايَنَة التَّطْبِيْقِ

- ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ

- ‌وَنُصُوْعُ التَّرْصِيْعِ

- ‌وَاتِّزَانُ التَّسْمِيْطِ

- ‌وَصِحَّةُ التَّقسِيْمِ

- ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ

- ‌وَحِدَّةُ الاسْتِطْرَادُ:

- ‌وَحَلَاوَةُ الاسْتِعَارَةِ

- ‌وَلُطْفُ المَخْلَصِ:

- ‌وَنَظَافَةُ الحَشْوِ:

- ‌وَالتَّرْدِيْدِ وَالتَّصْدِيْرِ:

- ‌وَتَأكِيْدُ الاسْتِثْنَاءِ

- ‌وَكَمَالُ التَّتْمِيْمِ:

- ‌وَالإِيْغَالُ فِي التَّبْلِيْغِ:

- ‌وَالإِغْرَاقُ فِي الغُلُوِّ:

- ‌وَمُوَازَاةُ المُقَابَلَة:

- ‌وَسُهُوْلَةُ التَّسْهِيْمِ:

- ‌وَوُقُوْعُ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ:

- ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ

- ‌وَالوَحْيُ وَالإِشَارَةُ وَتَكرِيْرُهَا:

- ‌وَبَرَاعَةُ الابْتِدَاءِ:

- ‌وَأَمَّا تَمْكِيْنُ القَوَافِي:

- ‌وَالمُلَائَمَةُ بَيْنَ صَدْرِ البَيْتِ وَعَجُزِهِ

- ‌وَإِرْدَافُ البَيْتِ بِأَخِيْهِ

- ‌وَإشْبَاعُ المَعْنَى بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَإبْرَازهُ فِي أحْسَنِ صِيْغَةٍ مِنَ البيانِ:

- ‌وَخَلُوْصُ السَّبْكِ:

- ‌وَلِلشَّاعِرِ أدَوَات لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا

- ‌أَقْسَامُ الأَدَبِ

- ‌فَأَمَّا صِحَّةُ الانْتِقَادِ:

- ‌وَأَمَّا التَّمْيِيْزُ بَيْنَ المَدْحِ وَالشُّكْرِ

- ‌وَالفَصْلُ بَيْنَ الهَجْوِ وَالذَّمِّ

- ‌وَالبَوْنُ بَيْنَ الولَعِ وَالهَمْزِ

- ‌وَالتَّرْجِيْحُ بَيْنَ اللَّوْمِ وَالعَتَبِ

- ‌وَالفَرْقُ بَيْنَ الهَزِّ وَالاسْتِزَادَةِ

- ‌وَالتَّصَارفُ بَيْنَ التَّنَصُّلِ وَالاعْتِذَارِ

- ‌وَالحَدُّ بَيْنَ التَّقَاضِي وَالإِذْكَارِ

- ‌وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أنْوَاع السَّرِقَاتٍ:

- ‌فَالسَّرِقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ:

- ‌فَنَظْم المَنْثُوْرِ

- ‌وَإحْسَانُ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ، وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ:

- ‌وَالشِّعْرُ المَحْدُوْدُ وَالمَجْدُوْدُ:

- ‌وَتَكَافُؤُ إحْسَانِ المُتَّبِع وَالمُبْتَدِعِ:

- ‌وَنَقْلُ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ:

- ‌وَتَقَابُلُ النَّظَرِ فِي المَعْنَى إِلَى مِثْلِهِ:

- ‌وَالسَّلْبُ

- ‌وَالسَّلْخُ:

- ‌وَالالْتِقَاطُ وَالتَّلْفِيْقُ:

- ‌فَالخَلْعُ

- ‌وَالاصْطِرَافُ:

- ‌وَالإِغَارَةُ

- ‌وَالاجْتِلَابُ، وَالاسْتِلْحَاقُ:

- ‌وَالانْتِحَالُ

- ‌وَالإِنْحَالُ:

- ‌وَالمُرَافَدَةُ:

- ‌وَتَنَازُعُ الشَّاعِرَيْنِ فِي الشِّعْرِ

- ‌تَقْصِيْرُ المُتَّبعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ، وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَّقْصِيْرِ

- ‌وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَقْصِيْرِ:

- ‌وَبَاقِي المَجَازَاتِ

- ‌الاسْتِعَارَاتُ المُسْتْكْرَهَةُ:

- ‌وَمَا اجْتَمَع فِيْهِ لِلشَّيْءِ الوَاحِدِ اسْمَانِ

- ‌وَمَا يُحْمَلُ الكَلَامُ فِيْهِ عَلَى المَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ

- ‌وَمَا لفظُهُ لَفْظُ الموجَبِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى النَّفْي

- ‌وَمَا يُخْبَرُ فِيْهِ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ يُرَادُ بِهِ جَمِيْعُهُ

- ‌وَمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ

- ‌وَالحَذْفُ

- ‌وَمَا جَاءَ مِنَ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأْخِيْرِ

- ‌وَمَا يُحْذَفُ مِنْهُ المُضَافُ، فَيَقُوْمُ المُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ

- ‌وَمَا فُرِّقَ فِيْهِ بينَ المُضَافِ وَالمُضَافِ إِلَيْهِ

- ‌وَمَا يُشَبَّهُ فِيْهِ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يُجْعَلُ المُشَبَّهُ بِهِ هُوَ المُشَبَّهُ بِعَيْنِهِ

- ‌[خاتمة المقدمة]

الفصل: ‌ ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ (1): (وَهُوَ الإرْدَافُ): التَّتْبِيْعُ: هُوَ أَنْ يُرِيْدَ الشَّاعِرُ مَعْنًى

‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ

(1): (وَهُوَ الإرْدَافُ):

التَّتْبِيْعُ: هُوَ أَنْ يُرِيْدَ الشَّاعِرُ مَعْنًى فَلَا يَتَأتَّى لَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، بَلْ بِلَفْظٍ تَابِعٍ لَهُ، فَإِذَا دَلَّ التَّابِعُ، أَبَانَ عَنِ المَتْبُوْعِ، وَأَوْضَحَهُ. وَأَحْسَنُ مَا قِيْلَ وَأَبْدَعَهُ قَوْلُ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيِّ (2):[من الطويل]

بَعِيْدَةُ مَهْوَى القُرْطِ إمَّا لِنَهْشَلٍ أبُوْهَا

وَإمَّا عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمُ (3)

وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى وَصْفِ طُوْلِ الجِّيْدِ فلم يَذْكُرهُ بِلَفْظِهِ الخَاصِّ بِهِ، بلْ أَتَى بِمَعْنًى

= فَتَعلقن بِبَنَاتِ نَعْشٍ هَارِبًا

أَوْ بِالبُحُوْرِ وَشدَّةِ الأَمْوَاجِ

مَنْ سَدَّ مُطَّلِعَ النّفَاقِ عَلَيْهُمُ

أَمْ مَنْ يَصوْلُ كَصوْلَةِ الحَجَّاجِ

أَم مَنْ يَغَارُ عَلَى النِّسَاءِ حَفِيْظَةً

إِذْ لَا - بِغَيْرِهِ الأزْوَاجِ

إِنَّ ابنَ يُوْسُفَ فَاعْلَمُوا وَتَيَقَّنُوا

مَاضِي البَصيْرَةِ وَاضحُ المِنْهَاجِ

إِنَّي لِمُرْتَقِبٌ لَمَّا خَوَّلْتَنِي

وَلِفَضْلِ سَيْبك يَابن يُوْسُفَ رَاجِ

* * *

يُقَالُ: إنَّه لَمَّا نُعِيَ الفَرَزْدَقُ إِلى جَريرٍ قالَ (1):

اعَمْرِي لَئِنْ كَانَ المخبرُ صادِقًا

لقدْ عَظُمَتْ بَلوى تميمٍ وَجَلَّتِ

فَلَا حَمَلَتْ بعدَ الفرزدقِ حُرة

ولا ذَاتُ بَعْلٍ مِنْ نفاسٍ تَعَلَّتِ

هُوَ الْواحِدُ الْمَخبوء وَالرَاقعُ الّذي

إِذَا النَّعْلُ يَوْمًا بِالعَشِيَرةِ زَلَّتِ

(1)

الدِّلَالَةُ بِالكَسْرِ الصِّنَاعَةُ وَالدِّلَالَةُ بِالفَتْحِ هِيَ نَفْسُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ.

(2)

ديوانه ص 314.

(3)

وَهَذَا البَيْتُ مِنْ جُمْلَةِ أَبْيَاتٍ لِعُمَرَ فَصيْحَةِ الأَلْفَاظِ يَقُوْلُ مِنْهَا (2):

نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالمُحَصَّبِ مِنْ مُنًى

ولي نَظَرٌ لَوْلَا التَّحَرُّجِ عَارِمُ

فَقُلْتُ أَشَمْسٌ أَمْ مَصَابِيْحُ رَبِيْعَةٍ

بَدَتْ لَك تَحْتَ الحجْبِ أَمْ أَنْتَ حَالِمُ

_________

(1)

ديوان جرير 636.

(2)

لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 314.

ص: 270

هُوَ تَابِعٌ لِطُوْلِ الجيْدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:

بَعِيْدَةُ مَهْوَى القُرْطِ (1)

(1) بَعِيْدَةُ مَهْوَى القَرْطِ. البَيْتُ

يَقُوْلُ مِنْهَا:

وَمَدَّ عَلَيْهَا السَّجْفَ يَوْمَ لَقَيْتُهَا

عَلَى عَجَلٍ أَتْبَاعُهَا وَالخَوَادِمُ

وَلَمْ نَسْتَطِعْهَا غَيْرَ أَنْ قَدْ بَدَا أَنَّنَا

عَشِيَّةَ رَاحَتْ وَجْهُهَا وَالمَعَاصِمُ

مَعَاصِمُ لَمْ تَضرِبْ عَلَى البَهْمِ بِالضحَى

عَصَاهَا وَوَجْهٌ لَمْ تَلُحْهُ السَّمَائِمُ

نَضْيِرٌ تَرَى فِيْهِ أَسَارِيْعُ مَائِهِ

صَحِيْحٌ تُغَادِيْهِ الأكُفُّ النَّوَاعِمُ

إِذَا مَا دَعَتْ أَتْرَابَهَا فَاكْتَنَفْنَهَا

تَمَايَلْنَ أَوْ مَالَتْ بِهِنَّ المَآكِمُ

طَلَبْنَ الصِّبَى حَتَّى إِذَا مَا أَصَبْنَهُ

نَزَعْنَ وَهُنَّ المُسَلِّمَاتُ الظَّوَالِمُ

* * *

قَوْلُهُ: بَعِيْدَةُ مَهْوَى القُرْطِ وَتَبِعَهُ سَعْدُوْن بن عُمَرَ البَرِيُّ مِنْ شُعَرَاءِ الأَنْدَلُسِ فَقَالَ مِنْ قَصِيْدَةٍ فِي سَعِيْدِ بنِ المُنْذِرِ:

مُنَعَّمَةٌ يَصْبُو إِلَيْهَا أَخُو النُّهَى

وَمِنْ حُسْنِ أَذْوَى مَا يُحَنُّ وَمَا يُصْبِي

تَرَى البَدْرَ مِنْهَا طَالِعًا فَكَأَنَّمَا

يَحوْلُ وِشَاحًا عَلَى لُؤْلُؤٍ رَطِبِ

بَعِيْدَةُ مَهْوَى القُرْطِ مُخْطِفَةُ

الحَشَا وَمُفْعِمَةُ الخَلْخَالِ مُفْعِمَةِ القَلْبِ

مِنَ اللَّائِي لَمْ يَرْحَلْنَ فَوْقَ رَوَاحِلٍ

وَلَا قمْنَ قُرْبًا مِنِّي رِكَابَا وَلَا رَكْبِ

وَلَا أَبْرَزَتْهُنَّ المَدَامُ لِنَشْوَةٍ وَشَدْوٍ

كَمَا يَشْدُو القِيَانُ عَلَى الشَّرْبِ

وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشُّعَرَاءُ هَذَا كَثِيْرًا.

قَالَ الصَّدْرُ العَالِمُ الكَامِلُ بَهَاءُ الدِّيْنِ عَلِيِّ بن فَخْرِ الدِّيْنِ عَيْسَى الأرْطَيّ كَاتِب الإِنْشاءِ بِبَغْدَادَ أَدَامَ اللَّهُ تَوْفِيْقَهُ وَسَعْدَهُ وكبتَ ضِدَّهُ مِنْ قَصيْدَةٍ لَهُ فِي الصَّاحِبِ المَرْحُوْمِ شَمْسِ الدِّيْنِ مُحَمَّد الجُّوَلْنِي صَاحِبِ دِيْوَانِ المَمَالِكِ رحمه الله:

كَلِفْتُ بِهَا هَيْفَاءَ نَاعِمَةَ الصِّبَى

بَعِيْدَةَ مَهْوَى القُرْطِ كَالبَدْرِ تَجْتَلِى

هَذَا البَيْتُ لَهُ أَدَامَ اللَّهُ مَجْدَهُ وَأسْعَدَ جَدَّهُ مِنْ قَصِيْدَةٍ سَهْلَةِ الكَلَامِ رَقِيْقَةِ حَوَاشِي النِّظَامِ أَوَّلُهَا: =

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أَقِيْلِي مِنَ الصَّدِّ المُبَرِّحِ وَالقِلَى

وَلَا تَقْبَلِي فِي الحُبِّ مِمَّنْ تَقَوَّلَا

وَرَقِّي لِمَنْ أَطْلَقْتِ بِالهَجْرِ دَمْعَهُ

وَأَقْصيْتِ عَنْهُ صبْرَهُ فَتَرَحَّلَا

أَيَا ظَبْيَةَ الوَادِي أتقْضِي العُمْرُ بِالجفَا

وَأَشْمَتِّ لُوَّامًا عَلَيْكِ وَعُذَّلَا

وَقَالُوا سَلَا حُوْشِيْتِ أَنْ تَسْمَعِي لَهُمْ

فَمِثْلكِ مَا يُسْلَى وَمِثْلِي مَا سَلَا

أُرِيْدُ بَقَاءً مَا أَرَدْتِ تَوَاصُلًا

فَأَمَّا وَقَدْ عَوَّلْتِ أَنْ تَهْجُرِي فَلَا

كَلِفْتُ بِهَا هَيْفَاءَ. البَيْتُ.

أَمَّا قوْلُهُ أَدَامَ اللَّهُ أَيَّامُهُ:

وَقَالُوا سَلَا حُوْشِيْتِ أَنْ تَسْمَعِي لَهُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى قَوْلِ مِهْيَارَ (1):

أمَا وَهَوَاهَا عذْرَةً وَتَنَصُّلًا

لَقَدْ نَقَلَ الوَاشِي إِلَيْهَا فَأَمْحَلَا

سَعَى جُهْدَهُ لَكِنْ تَجَاوَزَ حَدَّهُ

وَأَكْثَرَ فَارْتَابَتْ وَلَوْ شَاءَ قَلَّلَا

وَقَالَ وَلَمْ يُقْبَلْ وَلَكِنْ أَلُوْمُهُ

عَلَى أَنَّهُ مَا قَالَ إِلَّا لِيُقْبَلَا

وَطَارَحَهَا أنِّي ممَلَوْتُ فَهَلْ رَأَى

لَهُ الذَّمُ مِثْلِي عَنْ هَوَى مِثْلَهَا سَلَا

وَقَوْلُهُ:

(أُرِيْدُ بَقَاءً مَا أَرَدْتِ تَوَاصُلًا) فَيُنْظَرُ إِلَى قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ (2):

بِمَا بِجَفْنَيْكَ مِنْ سُقْمٍ مِثْلِي دَنِفَا

يَهْوَى الهَوَى وَأَمَّا إِنْ صَدَدْتِ فَلَا

* * *

وَمِنْ ذلكَ قَوْلُ أمرئِ القيسِ (3):

ويُضْحِي فتيتُ المِسْكِ فَوْقَ فراشِها

نَؤومُ الضُّحى لم تنتِطقْ عَنْ تَفَضُّلِ

وإِنَّما أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ تَرَفُّهَ هَذِه الْمَرْأَة، وَأَنَّ لَهَا مَنْ يَكْفِيها فَأَتَى باللَّفْظِ التّابعِ

_________

(1)

ديوانه 3/ 194.

(2)

ديوانه 3/ 163.

(3)

ديوانه ص 17.

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لِذلِكَ، ولَعَمْري إن هذا البابَ غامِضٌ دقيقَ يحَتْاجُ إلى فَهْمٍ صحيحٍ، وَهُوَ قريبٌ مِنَ الْوَحْي وَإِنْ كَانَ لَيْسَ هُوَ، وَإِنَّمَا يُسَمّى الإرْداف.

وَمِنْ مَلِيحِ التّتبيعِ قوْلُ عَبْدِ الصمَدِ بْنِ المعذّل (1):

فَضَحِكْنَ فِي وَجْهِ الدُّجَى

وَبَكَيْنَ فِي وَجْهِ الصّباحْ

أَرادَ أَنْ يَقُولَ: أَحْبَبْنَ الَّليْلَ وَآثَرْن طولَهُ لِيَسْتَمْتِعْنَ بالحديثِ وَكَرِهْنَ الصّبْحَ لِئَلا يَفْضَحهنَ: فَلَمْ يَقُلْ ذلكَ، وَأَتى بما هُوَ تابعٌ لَهُ يَدْلّ التاجُ عَلَي الْمَتبْوَعِ.

وَمِنْ ذلكَ قَوْلُ مُسْلِم (2):

فَرْعَاءُ فِي فَرْعهِا لَيْلٌ عَلَى قَمَرٍ

عَلَى قَضيبٍ عَلَى حِقْفِ النَّقَا الدَّهِسِ

كأَنّ قَلْبِي وِشَاحَاهَا إِذَا خَطَرَتْ

وَقَلْبهَا قُلْبُها فِي الصَّمْتِ والْخَرَسِ

تَجرِي مَحَبَّتهُا فِي قَلْبِ عاشقِها

مجَرْى السلامةِ في أعضاءِ مُنْتَكِسِ

ذَهَب إلى أَنَّ قَلْبهُ مِثْلُ وِشاهي مَحْوبهِ قَلَقًا وَحَرَكَةَ.

وفي قوله: "إِذَا خَطَرتْ" زيادةٌ لطيفةٌ، فإنّه أَشْبَع المعنى وأكدّه: لأنَّها إِذَا خَطَرتْ كَانَّ أَشَدَّ لِلْحَركةِ. وَقَوْلُه "قُلْبُها" القُلْبُ: السّوارُ. وَفِي قَوْلِهِ هَذَا دلالةَ عَلى أَنَّها عَبْلَةُ المِعْصَمِ ممتلئةُ المسوّرِ، ومِنْ شأنِهم يَصِفُون المرأةَ بضِيقِ السِّوارِ والْخَلْخَالِ، وَصْمِتهِمَا، وَشَبَعِهِمَا، لِيَنْفَوا عَنْها الْحَمْشَ، كَمَا يَصِفُونَ وِشَاحَها بالجوعِ والظمأ، والْقَلَقِ، دَلالةً عَلَى رقَّةِ خَصْرِهَا، فَذِكْرُ مُسْلِم صَمْتَ سِوَارٍ هذهِ الموصوفةِ وَخَرَسِه دَلِيلٌ عَلى امتلاءِ مِعْصَمِها؛ لأَنَّهُ تَابعٌ لَهُ.

* * *

وقال عُمَرُ بْنُ أَبي رَبيعةَ أَيْضًا (3):

_________

(1)

الأشباه والنظائر 1/ 57.

(2)

ديوان مسلم بن الوليد ص 325.

(3)

ديوانه ص 266.

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَبَانَتْ تَمُجُ المِسْكَ في فيِّ غَادةٌ

بعيدةٌ مهَوى القُرْطِ صامِتَةُ الْحَجْلِ

وَقَالَ ذُو الرُّمة (1):

بَعِيدَاتُ مهَوْى كُلّ قُرْطٍ عَقَدْنَهَ

لِطَافُ الخصُورِ مُشْرِفاتُ الرّوادفِ

وَقَدْ كرَّرَ ذلِكَ ذوُ الرُّمة قالَ (2):

بَعِيدَاتُ مهَوْى كلّ قُرْطٍ عَقَدْنَهُ

لِطَافُ الحشَا تَحْتَ الثُّدِيِّ الفَوالِكِ

إِذَا غَابَ عَنْهُنَّ القصورُ تَهَلَّلَتْ

لنَا الأرضُ باليومِ القصيرِ المباركِ

* * *

وَمِنْ ذلك قوْلِ مُحَمَّد بن صَالح الطُّوْسِيّ:

رَقِيْقَةُ مَجْرَى الدَّمْعِ أَمَّا شَبَابُها

فَغَضُّ وَأَمَّا الرَّأْيُ مِنْهَا فَكامِلُ

رُدَينيَّةُ الأعْلَى هجانٌ عقِلَةٌ

بِأَعْطَافِهَا الجادِيُّ وَالمِسْكُ شَامِلُ

* * *

وَمِنَ الإِرْدَافِ وَالتَّتْبِيْعِ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ يَصِفُ فَرَسَهُ (3):

وَقَدِ اغْتَدَى الطَّيْرُ فِي وَكَنَاتِهَا

بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ

أَرَادَ أَنْ يَصِفَ الفَرَسَ بِالسُّرْعَةِ وَأَنَّهُ جَوَادٌ فَلَمْ يَتَكَلَّم بِاللَّفْظِ بعَيْنِهِ وَلَكِنْ بِأَرْدَافِهِ وَلَوَاحِقِهِ التَّابِعَةِ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ سُرْعَةَ إِحْضارِ الفَرَسِ يَتْبَعُهَا أَنْ تَكُوْنَ الأوَابِدُ وَهِيَ الوُحُوْشُ كَالمُقَيدَةِ لَهُ إِذَا جَرَى فِي طَلَبِهَا وَالنَّاسُ يَسْتَجِيْدُوْنَ لامْرِئِ القَيْسِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فَيَقُوْلُوْنَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَيَّدَ الأَوَابِدَ وَإِنَّمَا عَنَا بِهَا الدَّلَالَةَ عَلَى جَوْدَةِ عَدْوِ الفَرَسِ وَسُرْعِةِ حُضْرِهِ فلو قَال ذَلِكَ بِلَفْظِهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الاسْتِجَادَةِ كَقَوْله هَذَا وَأَبْيَاتِهِ بِالرِّدْفِ لَهُ.

_________

(1)

ديوانه 3/ 1626.

(2)

ديوانه 3/ 1720 - 1722.

(3)

ديوانه ص 19.

ص: 274