المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ (1): التَّوْجِيْهُ (2): أَنْ يَأتِيَ الشَّاعِرَ فِي البَيْتِ بِلَفْظٍ - الدر الفريد وبيت القصيد - جـ ١

[محمد بن أيدمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌الدر الفريد وبيت القصيد

- ‌فَرادةُ الدر الفريد

- ‌محمَّد بن أيدمر

- ‌ثقافته وأدبه:

- ‌شاعريته وشعره:

- ‌الأشعار:

- ‌مؤلفاته:

- ‌مصادر ترجمته:

- ‌النسخة المعتمدة في التحقيق:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ضرُوْبِ الشِّعْرِ

- ‌وَالشِّعْرُ لَهُ أسْبَابٌ:

- ‌وَإِبْدَاعُ المَعْنَى

- ‌وَيَتْلُوْهُمَا أصْنَافُ البَدِيْعِ:

- ‌أَمَّا صِدْقُ التَّشبِيْهِ

- ‌وَمُشَاكَلَةُ التَّجْنِيْسِ

- ‌وَمُبَايَنَة التَّطْبِيْقِ

- ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ

- ‌وَنُصُوْعُ التَّرْصِيْعِ

- ‌وَاتِّزَانُ التَّسْمِيْطِ

- ‌وَصِحَّةُ التَّقسِيْمِ

- ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ

- ‌وَحِدَّةُ الاسْتِطْرَادُ:

- ‌وَحَلَاوَةُ الاسْتِعَارَةِ

- ‌وَلُطْفُ المَخْلَصِ:

- ‌وَنَظَافَةُ الحَشْوِ:

- ‌وَالتَّرْدِيْدِ وَالتَّصْدِيْرِ:

- ‌وَتَأكِيْدُ الاسْتِثْنَاءِ

- ‌وَكَمَالُ التَّتْمِيْمِ:

- ‌وَالإِيْغَالُ فِي التَّبْلِيْغِ:

- ‌وَالإِغْرَاقُ فِي الغُلُوِّ:

- ‌وَمُوَازَاةُ المُقَابَلَة:

- ‌وَسُهُوْلَةُ التَّسْهِيْمِ:

- ‌وَوُقُوْعُ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ:

- ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ

- ‌وَالوَحْيُ وَالإِشَارَةُ وَتَكرِيْرُهَا:

- ‌وَبَرَاعَةُ الابْتِدَاءِ:

- ‌وَأَمَّا تَمْكِيْنُ القَوَافِي:

- ‌وَالمُلَائَمَةُ بَيْنَ صَدْرِ البَيْتِ وَعَجُزِهِ

- ‌وَإِرْدَافُ البَيْتِ بِأَخِيْهِ

- ‌وَإشْبَاعُ المَعْنَى بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَإبْرَازهُ فِي أحْسَنِ صِيْغَةٍ مِنَ البيانِ:

- ‌وَخَلُوْصُ السَّبْكِ:

- ‌وَلِلشَّاعِرِ أدَوَات لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا

- ‌أَقْسَامُ الأَدَبِ

- ‌فَأَمَّا صِحَّةُ الانْتِقَادِ:

- ‌وَأَمَّا التَّمْيِيْزُ بَيْنَ المَدْحِ وَالشُّكْرِ

- ‌وَالفَصْلُ بَيْنَ الهَجْوِ وَالذَّمِّ

- ‌وَالبَوْنُ بَيْنَ الولَعِ وَالهَمْزِ

- ‌وَالتَّرْجِيْحُ بَيْنَ اللَّوْمِ وَالعَتَبِ

- ‌وَالفَرْقُ بَيْنَ الهَزِّ وَالاسْتِزَادَةِ

- ‌وَالتَّصَارفُ بَيْنَ التَّنَصُّلِ وَالاعْتِذَارِ

- ‌وَالحَدُّ بَيْنَ التَّقَاضِي وَالإِذْكَارِ

- ‌وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أنْوَاع السَّرِقَاتٍ:

- ‌فَالسَّرِقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ:

- ‌فَنَظْم المَنْثُوْرِ

- ‌وَإحْسَانُ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ، وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ:

- ‌وَالشِّعْرُ المَحْدُوْدُ وَالمَجْدُوْدُ:

- ‌وَتَكَافُؤُ إحْسَانِ المُتَّبِع وَالمُبْتَدِعِ:

- ‌وَنَقْلُ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ:

- ‌وَتَقَابُلُ النَّظَرِ فِي المَعْنَى إِلَى مِثْلِهِ:

- ‌وَالسَّلْبُ

- ‌وَالسَّلْخُ:

- ‌وَالالْتِقَاطُ وَالتَّلْفِيْقُ:

- ‌فَالخَلْعُ

- ‌وَالاصْطِرَافُ:

- ‌وَالإِغَارَةُ

- ‌وَالاجْتِلَابُ، وَالاسْتِلْحَاقُ:

- ‌وَالانْتِحَالُ

- ‌وَالإِنْحَالُ:

- ‌وَالمُرَافَدَةُ:

- ‌وَتَنَازُعُ الشَّاعِرَيْنِ فِي الشِّعْرِ

- ‌تَقْصِيْرُ المُتَّبعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ، وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَّقْصِيْرِ

- ‌وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَقْصِيْرِ:

- ‌وَبَاقِي المَجَازَاتِ

- ‌الاسْتِعَارَاتُ المُسْتْكْرَهَةُ:

- ‌وَمَا اجْتَمَع فِيْهِ لِلشَّيْءِ الوَاحِدِ اسْمَانِ

- ‌وَمَا يُحْمَلُ الكَلَامُ فِيْهِ عَلَى المَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ

- ‌وَمَا لفظُهُ لَفْظُ الموجَبِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى النَّفْي

- ‌وَمَا يُخْبَرُ فِيْهِ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ يُرَادُ بِهِ جَمِيْعُهُ

- ‌وَمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ

- ‌وَالحَذْفُ

- ‌وَمَا جَاءَ مِنَ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأْخِيْرِ

- ‌وَمَا يُحْذَفُ مِنْهُ المُضَافُ، فَيَقُوْمُ المُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ

- ‌وَمَا فُرِّقَ فِيْهِ بينَ المُضَافِ وَالمُضَافِ إِلَيْهِ

- ‌وَمَا يُشَبَّهُ فِيْهِ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يُجْعَلُ المُشَبَّهُ بِهِ هُوَ المُشَبَّهُ بِعَيْنِهِ

- ‌[خاتمة المقدمة]

الفصل: ‌ ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ (1): التَّوْجِيْهُ (2): أَنْ يَأتِيَ الشَّاعِرَ فِي البَيْتِ بِلَفْظٍ

‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ

(1):

التَّوْجِيْهُ (2): أَنْ يَأتِيَ الشَّاعِرَ فِي البَيْتِ بِلَفْظٍ يُشِيْرُ فِيْهِ إِلَى المَعْنَى الَّذِي هُوَ آخِذٌ فِيْهِ، وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إِلَى مَعْنًى آخَرَ، وَكِلْتَا الإشَارَتَيْنِ تَقَعَانِ فِي البَيْتِ مَوْقِعَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، كَقَوْلِ بَعْضِ المُحْدَثِيْنَ:[من الكامل]

أهْدَيْتَ نَرْجِسَكَ المُحَدِّقَ فَاغْتَنِمْ

شُكْرِي المُضَاعَفَ يا فَتَى الفِتْيَانِ

فَالمُضَاعَفُ هَهُنَا ظَاهِرُهُ المُكَرَّرُ المَرْدُوْدُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ المُضَاعَفُ تَطْبِيْقًا فِي لَفْظِهِ حَيْثُ ذَكَرَ المُحَدِّقَ، وَهُوَ ضِدُّهُ؛ لأَنَّهُمَا نَوْعَانِ للنَّرْجِسِ وَكَقَوْلِ الآخَرِ:[من المتقارب]

إِذَا كَانَ مَوْتِي بِقَتْلِ الجُفُوْنِ

فَقَتْلُ السُّيُوفِ إذًا أرْوَحُ

الإِشَارَةُ هَاهُنَا إِلَى جُفُوْنِ الحَدَقِ. وَالتَّوْجِيْهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُوْنَ الإِشَارَةُ إِلَى جُفُوْنِ السُّيُوْفِ أَيْضًا حِيْنَ ذَكَرَ السُّيُوْفَ وَالقَتْلَ بِهَا أرْوَحُ مِنَ التَّعْذِيْبِ.

‌وَحِدَّةُ الاسْتِطْرَادُ:

الاسْتِطْرَادُ (3) هُوَ أَنْ يَكُوْنَ الشَّاعِرُ آخِذًا في ذِكْرِ شَيْءٍ، وَهُوَ يُرِيْدُ ذِكْرَ شَئٍ آخَرَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتْقَطِعَ الكَلَامُ بَفَاصِلٍ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا بَابٌ أُعْجِبَ بِهِ المُحْدِثُوْنَ، وَتَخَيَّلُوا أَنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا بَلْ قَدْ اسْتَعْمَلَتْهُ العَرَبُ قَدِيْمًا فِي أشْعَارِهَا.

(1) وَمِنَ التَّوْجِيْهِ قَوْلُ عَبْدِ المُحْسِنِ فِي الشُّكْرِ وَهُوَ مِنْ مُسْتَحْسَنِ الطِّبَاقِ (1):

جَاءَتْ عَطِيَّاتِكَ مَطْوِيَّةً

فَلَمْ يَكُنْ عِندِي سِوَى النَّشْرِ

مَقْرُوْنَةً بِالعُذْرِ إِنِّي لَفِي

التَّقْصِيْرِ أوْلَى مِنْهُ بِالعُذْرِ

(2)

أنظر: البديع لابن أفلح العبسي ص 93.

(3)

أنظر: البديع لابن أفلح العبسي ص 96 وما بعدها.

_________

(1)

لعبد المحسن بن محمد الصوري في يتيمة الدهر 1/ 374، وهما في ديوانه 1/ 190.

ص: 198

وَمَتَى جَاءَ الاسْتِطْرَادُ حَادًّا، فَهُوَ دَلِيْلٌ عَلَى تَمَكُّنِ الشَّاعِرِ فِي صَنْعَتِهِ، وَإِنْ جَاءَ مُقْلَقًا تَعْرُوْهُ رِكَّةٌ، دَلَّ عَلَى تَقْصِيْرِهِ. فَالأُوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَضَايِقِ الشِّعْرِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيْهَا إِلَّا الفُحُوْلُ مِنْ كُمِاتِهِ، وَيُرِيْحَ نَفْسِهِ مِنْ تَعَاطِي مَا لَا يَكَادُ يَنْهَضُ بِهِ، وَلَا يَتَأتَّى لَهُ فِي أبْيَاتِهِ؛ لِئَلَّا يَفْتَضِحَ، وَقَدْ أَعْذَرَ مَنْ نَصَحَ، لَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَى ذَلِكَ مُضْطَرًّا، وَألْفَيْتَهُ بِإجَابَةِ طَبْعِهِ مُغْتَرًّا. والاسْتِطْرَادُ لهُ مَوْضِعَانِ أكْثَرُ مَا يُوْجَدُ فيهِمِا، وَيَلِيْقُ بِهِمَا. أحَدُهُمَا فِي التَّشْبِيْهِ، وَالآخَرُ فِي المَخْلَصِ، إمَّا إِلَى مَدْحٍ أَوْ إِلَى ذَمٍّ.

وَقَدْ تَعَاوَرَ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ قَدِيْمًا وَحَدِيْثًا. وَأَوَّلُ مَنِ ابْتَكَرَهُ السَّمَوْألُ بنُ عَادِيَاءَ. وَكُلُّ أحَدٍ تَابِعٌ له فَقَالَ (1): [من الطويل]

وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً

إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُوْلُ

يُقَرِّبُ حُبُّ المَوْتِ آجَالنَا لنَا

وَتَكْرَهُهُ آجَالُهُمْ فَتَطُوْلُ

وَكَقَوْلِ الفَرَزْدَقِ (2): [من الطويل]

كَأَنَّ فِقَاحَ الأَزْدِ حَوْلَ ابنِ مِسْمَعٍ

إِذَا جَلَسُوا أفْوَاهُ بَكْرِ بنِ وَائِلِ

وَأَتَى جَرِيْرٌ بِذَلِكَ، فَغَبَّرَ فِي وَجْهِ السَّابِقِ إِلَى هَذَا المَعْنَى، فَضْلًا عَمَّنْ تَلَاهُ، فَإِنَّهُ اسْتَطْرَدَ بِاثِنَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ هَجَا فِيْهِ الفَرَزْدَقَ فَقَالَ (3):[من الكامل]

لَمَّا وَضعْتُ عَلَى الفَرَزْدَقِ مَيْسَمِي

وَضَغَا البَعِيْثُ جَدَعْتُ أنْفَ الأَخْطَلِ (4)

(1) حلية المحاضرة 1/ 62 - 63.

(2)

لم ترد في ديوانه، وهي له في حلية المحاضرة 1/ 62 والعمدة 2/ 39.

(3)

ديوان جرير ص 940.

(4)

وَمِنْ هَذَا البَابِ قَوْلُ ابن الزَّمْكدَمِ (1):

وَلَيْلٍ كَوَجْهِ البَرقَعِيْدِيّ

ظُلْمَةً وَبَرْدِ أَغَانِيْهِ وَطُوْلِ قُرُوْنِهِ

_________

(1)

المثل السائر 3/ 106، الصبح المنبي عن حيثية المتنبي ص 404.

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سَرِيْتُ وَنَوْمِي فِيْهِ نَوْمٌ مُشَرَّدٌ

كَعَقْلِ ابن هَارُوْنٍ وَرِقَّةِ دِيْنِهِ

عَلَى أَوْلَقٍ فِيْهِ الْتِفَاتٌ كَأَنَّهُ

أَبُو جَابِرٍ فِي خَبْطِهِ وَجُنُوْنِهِ

إِلَى أَنْ بَدَا وَجْهُ الصَّبَاحِ كَأَنَّهُ

سَنَا وَجْهِ وَاشٍ وَضوْءُ جَبِيْنِهِ

* * *

أَخْبَرَ يَحْيَى بن مُحَمَّد الصَّوْلِيّ عَنْ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ قَالَ: سَمِعْتُ البُحْتُرِيّ يَقُوْلُ أَنْشَدَنِي أَبُو تَمَّامٍ لِنَفْسِهِ يَهْجُو عُثْمَانَ بن إِدْرِيْسَ الشَّامِيّ وَيَصِفُ فَرَسًا:

وَسَاخٍ هَطِلَ التَّعْدَاءِ هَتَّانِ

عَلَى الجَرَّاءِ أَمِيْنٍ غَيْر خَوَّانِ

أَظْمَى الفُصُوْصَ وَمَا تَظْمَى قَوَائِمُهُ

فَخَلِّ عَيْنَيْكَ فِي ظَمْآنَ رَيَّانِ

فلو تَرَاهُ مُشِيْحًا وَالحَصى زِيَمٌ

تَحْتَ السَّنَابِكِ مِنْ مَثْنًى وَوُجْدَانِ

أَيْقَنْتَ أنْ لَمْ يُثبّتُ أَنَّ حَافِرَهُ

مِنْ صخْرِ تَدْمُرَ أَوْ مِنْ وَجْهِ عُثْمَانِ

أَخَذَ فِي وَصْفِ فَرَسٍ وَشَوْقُهُ إِلَى هِجَاءِ عُثْمَانَ. ثُمَّ قَالَ لِي مَا هَذَا مِنَ الشِّعْرِ؟ قُلْتُ لَا أَدْرِي فَقَالَ هَذَا المُسْتَطْرِدُ أَوْ قَالَ الاسْتِطْرَادُ.

قَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى فَاحْتَذَى هَذَا البُحْتُرِيُّ فَقَالَ فِي قَصِيْدَتِهِ الَّتِي يَمْدَحُ بِهَا مُحَمَّد بن عَلِيٍّ القُمِّيّ يَصفُ فِيْهَا فَرَسًا أَيْضًا:

وَأَغَرَّ فِي الزَّمَنِ البَهِيْمِ مُحَجَّلٌ

قَدْ رُحْتَ مِنْهُ عَلَى أَغَرَّ مُحَجَّلِ

كَالهَيْكَلِ المَبْنِيِّ إِلَّا أَنَّهُ

فِي الحُسْنِ جَاءَ كَصُوْرَةٍ فِي هَيْكَلِ

مَلَكَ العُيُوْنَ فَإِنْ بَدَا أَعْطَيْنَهُ

نَظَرَ المُحِبُّ إِلَى الحَبِيْبِ المُقْبِلِ

مَا إِنْ يَعَافُ قَذًى وَلَوْ أَوْرَدْتَهُ

يَوْمًا خَلَائِقَ حَمْدَوِيهِ الأَحْوَلِ

قَالَ وَحَمْدَوِيهِ هَذَا كَانَ عَدُوًّا لِلْمَمْدُوْحِ فَاسْتَطْرَدَ بِهِ وَحَكِيَ أَنَّ أَصْحَابَ البُحْتُرِيِّ قَالُوا لَهُ: سَتُعَابُ بِهَذَا البَيْتِ. قَالَ: وَلِمْ؟ قَالوا: لأَنَّكَ سَرَقْتَهُ مِنْ أَبِي تَمَّامٍ. فَقَالَ: أُعَابُ بِأَخْذِي مِنْ أَبِي تَمَّامٍ وَوَاللَّهِ مَا قُلْتُ شِعْرًا إِلَّا بَعْدَ أَنْ أخطر شِعْرَهُ بِفِكْرِي. قَالَ: وَأَسْقَطَ البَيْتَ مِنْ بَعْدُ فَمَا يَكَادُ يُوْجَدُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ. قَالَ: وَإِنَّمَا أَخَذَ أَبُو تَمَّامٍ هَذَا الاسْتِطْرَادُ مِنَ الفَرَزْدَقِ فِي قَوْلِهِ: كَانَ فِقَاحَ الأَزْدِ حَوْلَ ابنِ مَسْمَعٍ. البَيْتُ.

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَمِنْ بَدِيْعِ هَذَا البَابِ قَوْلُ بَشَّارٍ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ قَزْعَةَ (1):

خَلِيْلَيَّ مِنْ كَعْبٍ أَعِيْنَا أَخَاكُمَا

عَلَى دَهْرِهِ إِنَّ الكَرِيْمَ مُعِيْنُ

وَلَا تَبْخَلَا بخلَ ابنِ قَزْعَةَ إِنَّهُ

مَخَافَةَ أَنْ يُرْجَى نَدَاهُ حَزِيْنُ

إِذَا جِئْتَهُ فِي حَاجَةٍ سَدَّ بَابَهُ

فَلَمْ تَلْقَهُ إِلَّا وَأَنْتَ كَمِيْنُ

وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ لَمْ يلقَ مَاجِدًا

وَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ المَكْرُمَاتُ تَكُوْنُ

قُلْ لأَبِي يَحْيَى متى تملك العُلَى

وَفِي كُلِّ مَعْرُوْفٍ عَلَيْكَ يَمِيْنُ

إِذَا جِئْتَهُ. البيتُ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ جَحْظَةَ البَرْمَكِيِّ (2):

وَلَيْلٍ فِي كَوَاكِبهِ حِرَانٌ

فَلَيْسَ لِطُوْلِ مُدَّتِهِ انْقِضَاءُ

عَدِمْتُ مَحَاسِنَ الَإِصْبَاحِ فِيْهِ

كَأَنَّ الصُّبْحَ جُوْدٌ أَوْ وَفَاءُ

* * *

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الخَلِيع فِي كَلِمَةٍ يَمْدَحُ بِهَا عَاصمًا الغَسَّانِيّ (3):

أَقُوْلُ وَنَفْسِي بَيْنَ شَوْقٍ وَحَسْرَةٍ

قَدْ شَخَصتْ عَيْنِي وَدَمْعِي عَلَى خَدِّي

أَرِيْحِي بِقَتْلٍ مَنْ تَرَكْتِ فُؤَادَهُ

بِلَحْظَتِهِ بَيْنَ التَّأَسُّفِ وَالوَجْدِ

فَقَالَتْ عَذَابٌ بِالهَوَى قَبْلَ مِيْتَةٍ

وَمَوْتٌ إِذَا أَقْرَحْتَ قَلْبَكَ مِنْ بَعْدِي

لَقَدْ فَطَنَتْ لِلجُّوْدِ فِطْنَةَ عَاصِمٍ

لِصُنْعِ الأَيَادِي الغُرِّ فِي طَلَبِ الحَمْدِ

سَأَشْكُوْكِ فِي الأَشْعَارِ غَيْرَ مُقَصِّرٍ

إِلَى عَاصِمٍ ذِي المَكْرُمَاتِ وَذِي المَجْدِ

عَلَى أَنَّ قَوْلهُ فَطَنَتْ لِلجُوْدِ فِطْنَةَ عَاصِمٍ هُوَ إِلَى بَابِ حُسْنِ المخلَصِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى هَذَا البَابِ وَإِنَّمَا الاسْتِطْرَادُ المَحْضُ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن

_________

(1)

ديوانه 4/ 63.

(2)

شعره ص 221.

(3)

الكامل للمبرد 2/ 202.

ص: 201

وَقَالَ الحُسَيْنُ بن عَلِيٍّ القُمِّيُّ (1):

جَاوزْتُ أجْبَالًا كَأَنَّ صُخُوْرَهَا

وَجَنَاتُ نَجْمٍ ذِي الحَيَاءِ الجامِدِ

في حِنْدِسٍ يحكي سوادَ أَديمهِ

وَهَوًى كَمَنْطِقِهِ الخبيث الباردِ

وَالشَّوْكُ يَعْمَلُ فِي ثِيَابِي مِثْلَمَا

عَمِلَ الهِجَاءُ بِعِرْضِ عَبْدِ الوَاحِدِ

أَخَذَ فِي ذِكْرِ صُعُوْبَةِ الجِبَالِ، وَاشْتِيَاكِهِ بِشِيَاكِهَا، وَقَطْعِهِ إيَّاهَا فِي ظَلَامِ لَيْلِ الشِّتَاءِ، وَهُوَ يُرِيْدُ هِجَاءَ نَجْمٍ وَعَبْدِ الوَاحِدِ. وَرُبَّمَا يَأتِي مِنْ هَذَا البَابِ اسْتِطْرَادٌ يَخْرُجُ مِنْ ذَمٍّ إِلَى مَدْحٍ، كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ (2):

إِنَّ البَخِيْلَ مَلُوْمٌ حَيْثُ كَانَ

وَلَكِنَّ الجَوَادَ عَلَى عِلَّاتِهِ هَرِمُ

= عَائِشَةَ فِي نَفْسِهِ (1).

مَنْ يَكُنْ إِبْطُهُ كَإِبَاطِ ذَا الخَلْـ

ـقِ فَإِبطَايَ فِي عِدَادِ الفِقَاحِ

إِلَى إِبْطَانِ يَرْمِيَانِ جَلِيْسِي

وَنَدَامَايَ مِنْهُمَا بِسِلَاحِ

فَكَأَنَي مِنْ هَذَا وَهَذَا جَالِسٌ

بَيْنَ مُصْعَبٍ وَصبَاحِ

مُصْعَبُ بن عَبْدُ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ وَصَبَاحُ بنُ خَاقَانَ المِنْقَرِيُّ فَكَانَا جَليْسَيْنِ لَا يَكَادَانِ يَفْتَرِقَانِ وَكَانَا أَبْخَرَيْنِ.

وَكَقَوْلِ إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيْمِ المُوْصَليِّ (2):

وَصافِيَةٍ تُغْشِي العُيُوْنَ رَقِيْقَةٍ

رَهِيْنَةِ عَامٍ فِي الدِّنَانِ وَعَامِ

أَدَرْنَا بِهَا الكَأْسَ الرَّوِيَّةَ مَوْهِنًا

مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى انْجَابَ كُلُّ ظَلَامِ

فَمَا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ حَتَّى كَأَنَّنَا

مِنَ العَيِّ نَحْكِي أَحْمَدَ بنَ هِشَامِ

(1)

معاهد التنصيص 1/ 386، خزانة الأدب للحموي ص 56.

(2)

ديوانه ص 129.

_________

(1)

الكامل للمبرد 2/ 33.

(2)

الكامل للمبرد 2/ 54، الأغاني 17/ 113.

ص: 202