المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وإحسان الآخذ على المأخوذ منه، وزيادته عليه: - الدر الفريد وبيت القصيد - جـ ١

[محمد بن أيدمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌الدر الفريد وبيت القصيد

- ‌فَرادةُ الدر الفريد

- ‌محمَّد بن أيدمر

- ‌ثقافته وأدبه:

- ‌شاعريته وشعره:

- ‌الأشعار:

- ‌مؤلفاته:

- ‌مصادر ترجمته:

- ‌النسخة المعتمدة في التحقيق:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ضرُوْبِ الشِّعْرِ

- ‌وَالشِّعْرُ لَهُ أسْبَابٌ:

- ‌وَإِبْدَاعُ المَعْنَى

- ‌وَيَتْلُوْهُمَا أصْنَافُ البَدِيْعِ:

- ‌أَمَّا صِدْقُ التَّشبِيْهِ

- ‌وَمُشَاكَلَةُ التَّجْنِيْسِ

- ‌وَمُبَايَنَة التَّطْبِيْقِ

- ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ

- ‌وَنُصُوْعُ التَّرْصِيْعِ

- ‌وَاتِّزَانُ التَّسْمِيْطِ

- ‌وَصِحَّةُ التَّقسِيْمِ

- ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ

- ‌وَحِدَّةُ الاسْتِطْرَادُ:

- ‌وَحَلَاوَةُ الاسْتِعَارَةِ

- ‌وَلُطْفُ المَخْلَصِ:

- ‌وَنَظَافَةُ الحَشْوِ:

- ‌وَالتَّرْدِيْدِ وَالتَّصْدِيْرِ:

- ‌وَتَأكِيْدُ الاسْتِثْنَاءِ

- ‌وَكَمَالُ التَّتْمِيْمِ:

- ‌وَالإِيْغَالُ فِي التَّبْلِيْغِ:

- ‌وَالإِغْرَاقُ فِي الغُلُوِّ:

- ‌وَمُوَازَاةُ المُقَابَلَة:

- ‌وَسُهُوْلَةُ التَّسْهِيْمِ:

- ‌وَوُقُوْعُ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ:

- ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ

- ‌وَالوَحْيُ وَالإِشَارَةُ وَتَكرِيْرُهَا:

- ‌وَبَرَاعَةُ الابْتِدَاءِ:

- ‌وَأَمَّا تَمْكِيْنُ القَوَافِي:

- ‌وَالمُلَائَمَةُ بَيْنَ صَدْرِ البَيْتِ وَعَجُزِهِ

- ‌وَإِرْدَافُ البَيْتِ بِأَخِيْهِ

- ‌وَإشْبَاعُ المَعْنَى بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَإبْرَازهُ فِي أحْسَنِ صِيْغَةٍ مِنَ البيانِ:

- ‌وَخَلُوْصُ السَّبْكِ:

- ‌وَلِلشَّاعِرِ أدَوَات لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا

- ‌أَقْسَامُ الأَدَبِ

- ‌فَأَمَّا صِحَّةُ الانْتِقَادِ:

- ‌وَأَمَّا التَّمْيِيْزُ بَيْنَ المَدْحِ وَالشُّكْرِ

- ‌وَالفَصْلُ بَيْنَ الهَجْوِ وَالذَّمِّ

- ‌وَالبَوْنُ بَيْنَ الولَعِ وَالهَمْزِ

- ‌وَالتَّرْجِيْحُ بَيْنَ اللَّوْمِ وَالعَتَبِ

- ‌وَالفَرْقُ بَيْنَ الهَزِّ وَالاسْتِزَادَةِ

- ‌وَالتَّصَارفُ بَيْنَ التَّنَصُّلِ وَالاعْتِذَارِ

- ‌وَالحَدُّ بَيْنَ التَّقَاضِي وَالإِذْكَارِ

- ‌وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أنْوَاع السَّرِقَاتٍ:

- ‌فَالسَّرِقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ:

- ‌فَنَظْم المَنْثُوْرِ

- ‌وَإحْسَانُ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ، وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ:

- ‌وَالشِّعْرُ المَحْدُوْدُ وَالمَجْدُوْدُ:

- ‌وَتَكَافُؤُ إحْسَانِ المُتَّبِع وَالمُبْتَدِعِ:

- ‌وَنَقْلُ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ:

- ‌وَتَقَابُلُ النَّظَرِ فِي المَعْنَى إِلَى مِثْلِهِ:

- ‌وَالسَّلْبُ

- ‌وَالسَّلْخُ:

- ‌وَالالْتِقَاطُ وَالتَّلْفِيْقُ:

- ‌فَالخَلْعُ

- ‌وَالاصْطِرَافُ:

- ‌وَالإِغَارَةُ

- ‌وَالاجْتِلَابُ، وَالاسْتِلْحَاقُ:

- ‌وَالانْتِحَالُ

- ‌وَالإِنْحَالُ:

- ‌وَالمُرَافَدَةُ:

- ‌وَتَنَازُعُ الشَّاعِرَيْنِ فِي الشِّعْرِ

- ‌تَقْصِيْرُ المُتَّبعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ، وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَّقْصِيْرِ

- ‌وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَقْصِيْرِ:

- ‌وَبَاقِي المَجَازَاتِ

- ‌الاسْتِعَارَاتُ المُسْتْكْرَهَةُ:

- ‌وَمَا اجْتَمَع فِيْهِ لِلشَّيْءِ الوَاحِدِ اسْمَانِ

- ‌وَمَا يُحْمَلُ الكَلَامُ فِيْهِ عَلَى المَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ

- ‌وَمَا لفظُهُ لَفْظُ الموجَبِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى النَّفْي

- ‌وَمَا يُخْبَرُ فِيْهِ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ يُرَادُ بِهِ جَمِيْعُهُ

- ‌وَمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ

- ‌وَالحَذْفُ

- ‌وَمَا جَاءَ مِنَ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأْخِيْرِ

- ‌وَمَا يُحْذَفُ مِنْهُ المُضَافُ، فَيَقُوْمُ المُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ

- ‌وَمَا فُرِّقَ فِيْهِ بينَ المُضَافِ وَالمُضَافِ إِلَيْهِ

- ‌وَمَا يُشَبَّهُ فِيْهِ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يُجْعَلُ المُشَبَّهُ بِهِ هُوَ المُشَبَّهُ بِعَيْنِهِ

- ‌[خاتمة المقدمة]

الفصل: ‌وإحسان الآخذ على المأخوذ منه، وزيادته عليه:

مَا زَالَ طلُمُنِي وَأَرْحَمُهُ

حَتَّى رَثِيْتُ لَهُ مِنَ الظُّلْمِ

‌وَإحْسَانُ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ، وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ:

وَهُوَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الشَّاعِرُ بِمَعْنًى قَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، فَيَزِيْدَهُ إحْكَامًا وَإفْصَاحًا، وَكَشْفًا وَإيْضَاحًا، وَيَكْسُوْهُ أحْسَنَ لَفْظٍ، وَأَجْمَلَ عِبَارَةٍ، وَيُبْرِزُهُ فِي أبْهَى حُلَّةٍ، وَأَلْطَفُ إشَارَةٍ، وَيَخْتَارُ لَهُ الوَزْنَ الرَّشِيْقَ (1)، وَالمَعْنَى الدَّقِيْقَ؛ لِيَصِيْرَ عَلَى

(1) وَمِنْ هَذَا البَابِ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ (1):

مِنْ كُلِّ زَاهِرَةٍ تَرَقْرَفَ بِالنَّدَى

وَكَأَنَّهَا عَيْنٌ عَلَيْهِ تَحَدَّرُ

أَخَذَهُ البُحْتُرِيُّ فَزَادَ عَلَيْهِ فَصارَ أَحَقُّ بِالمَعْنَى فَقَالَ (2):

شَقَائِقُ يَحْمِلْنَ النّدَى فَكَأَنَّهُ

دُمُوْعُ التَّصَابِي فِي خُدُوْدِ الخَرَائِدِ

فَأَتَى بِدُمُوْعِ التَّصَابِي وَخُدُوْدِ الخَرَائِدِ وَكِلَا هَذَيْنِ زِيَادَةٌ مَلَكَ خصلَ الإحْسَان بِهُمَا. وَقَالَ جَرَّانُ العُوْدِ (3):

أَبيْتُ كَاَنَّ العَيْنَ أَفْنَانُ سِدْرَةٍ

عَلَيْهَا سَقِيْطٌ مِنْ نَدَى اللَّيْلِ يَنْطفُ

أَخَذَهُ الآخَرُ فَقَالَ:

لَعَيْنَاكَ يَوْمَ البَيْنِ أَسرَعُ وَاكِفًا

مَنَ الفَنَنِ المَطْمُوْرِ وَهُوَ مُرَوَّحُ

لَمْ يَرْضَ هَذَا الآخِذُ أَنْ يَكُوْنَ دَمْعهُ مُتَسَاقِطًا تَسَاقطَ القَطْرِ مِنْ وَرَفِ الغُصْنِ المَمْطُوْرِ حَتَّى جَعَلَهُ مُرَوّحًا ذهَابًا إِلَى أَنَّ الرِّيْحَ تُحَرِّكُهُ فَهُوَ لَا يَهْدَأُ مِنَ القطْرِ السَّرِيْع التَّتَابُعِ وَهَذَا نِهَايَةٌ فِي وَصْفِ كُثْرَةِ تَحَدُّرِ الدُّمُوْعِ وَتَسَاقُطِهَا.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ قَيْسُ بن زُهَيْرٍ (4):

تَرَكْتُ النّهَابَ لأَهْلِ النّهَابِ

وَأَكْرَهْتُ نَفْسِي عَلَى ابنِ الحَمِق

_________

(1)

ديوانه 2/ 195.

(2)

ديوانه 1/ 623.

(3)

ديوانه ص 52.

(4)

ديوانه.

ص: 346

الأَنْفُسِ أشَدَّ عَلَقًا، وَفِي الآذَانِ أنْفَذَ مَسْلَكًا، فَيَكُوْنَ عَلَى رَأْيِي مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَعَلَى رَأْي المُتَقَدِّمِيْنَ أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ ابْتَدَعَهُ، لَا سِيَّمَا إِذَا أخْفَى مَخَايلَهُ، وَأسَرَّ تَنَاوُلَهُ، وَزَادَ عَلَيْهِ زِيَادَةً مُسْتَحْسَنَةً، أَوْ اتَّفَقَ لَهُ نَقْلُهُ مِنْ طَرِيْقٍ سَلَكَ بِهِ شَاعِرُهُ إِلَى مَعْنًى غَيْرِهِ، أَوْ عَكَسَهُ، إِنْ كَانَ تَشْبِيْهًا، أَوْ تَمَّمَهُ إِنْ كَانَ نَاقِصًا. فَحِيْنَئِذٍ تَظْهَرُ قُدْرَةُ الصِّنَاعَةِ،

= فَأَخَذَ هَذَا عَنْتَرَةُ وَأَحْسَنَ فَقَالَ (1):

يُنْبِيْكَ مِنْ شَهْدِ الوَقِيْعَةِ إِنَّنِي

أَغْشَى الوَغَا وَأَعُفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ

وَهَذَا البَيْتُ أَكْرَمُ لَفْظًا وَأَعْذَبُ مَوْرِدًا وَإِنْ كَانَ قَيْسُ بن زُهَيْرٍ إِلَى المَعْنَى مُرْشِدًا وَقَدْ حَاوَلَ أَبُو تَمَّامٍ أَخْذُ هَذَا المَعْنَى فَلَمْ يَصِفْ لَفْظُهُ بِقَوْلِهِ (2):

إِنَّ الأُسُوْدَ أُسُوْدَ الغَابِ هِمّتُهَا

يَوْمَ الكَرِيْهَةِ فِي المَسْلُوْبِ لَا السَّلَبِ

عَلَى أَنَّ عَمْرو بن كُلْثُوْم قَدْ قَالَ (3):

فَآبُوا بِالنّهَابِ وَبِالسَّبَايَا

وَأُبْنَا بِالمُلُوْكِ مُصَفَّدِيْنَا

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابن أُخْتِ تَأَبَّطَ شَرًّا وَقَتَلَتهُ هَذِيْلٌ (4):

شَامِسٌ فِي القرِّ حَتَّى إِذَا مَا

أَذْكَتِ الشعْرَى فَبَرْدٌ وَظِلُّ

طَاعِنٌ فِي الحَزْمِ حَمًّى إِذَا مَا

حَلَّ حَلَّ الحَزْمُ حَيْثُ يَحلُّ

أَخَذَ مَعْنَى البَيْتِ الأَوَّلِ أَعْرَابِيٌّ فَخَلَّاهُ فِي أَحْسَنِ صنْعَةٍ وَأَسْهَلِ دِيْبَاجَةٍ فَقَالَ:

إِذَا نَزلَ الشِّتَاءُ فَأَنْتَ شَمْسٌ

وَإِنْ نَزلَ المَصِيْفُ فَأَنْتَ ظِلُّ

وَأَخَذَ مَعْنَى البَيْتِ الثَّانِي أَبُو نُوَّاسٍ فَقَالَ فِي الخَصِيْبِ (5):

فَمَا جَازَهُ جُوْدٌ وَلَا حَلَّ دُوْنَهُ

وَلَكِنْ نَصِيْرُ الجوْدِ حَيْثُ يَصِيْرُ

_________

(1)

ديوانه ص 25.

(2)

ديوانه 1/ 66.

(3)

ديوانه ص 83.

(4)

حماسة أبي تمام 1/ 400.

(5)

ديوانه ص 481.

ص: 347

وَيَنْطِقُ بِالتَّفْضِيْلِ لِسَانُ البَلَاغَةِ، وَيُحْكَمُ لِلشَّاعِرِ بِالحِذْقِ وَالبَرَاعَةِ. عَلَى أَنَّ لِلسَّابِقِ إِلَى المَعَانِي، وَالمُفْتَرِعِ أَبْكَارَ أَلْفَاظِهَا فَضيْلَتُهُ الَّتِي لَا يُدَافَعُ عَنْهَا، وَمَزِيَّتُهُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنَ الاعْتِرَافِ لَهُ بِهَا، كَقوْلِ الأَعْشَى يَصِفُ نَاقَةً (1):[من المتقارب]

كَتُوْمُ الرُّغَاءِ إِذَا هَجَّرَتْ

وَكَانَتْ بَقِيَّةَ ذَوْدٍ كُتُم

فَأَخَذَهُ الكَمِيْتُ، وَزَادَ عَلَيْهِ أَحْسَنَ زِيَادَةٍ فَقَالَ (2):[من الطويل]

كَتُوْمٌ إِذَا ضجَّ المَطِيُّ كَأَنَّهَا

تَكَرَّمُ عَنْ أخْلَاقِهِنَّ وَتَرْغَبُ

وَكَقَوْلِ زُهَيْرٍ يَصِفُ فَرَسًا (3): [من الطويل]

بِذِي مَيْعَةٍ لَا مَوْضِعُ الرُّمْحِ مُسْلَمٌ

لِبُطْءٍ وَلَا مَا خَلْفَ ذَلِكَ خَاذِلُه

أخَذَهُ القُطَامِيُّ، فَنَقَلَهُ إِلَى وَصفِ الإِبلِ، وَتَقَدَّمَهُ فِي الإحْسَانِ فَقَالَ (4):[من البسيط]

يَمْشِيْنَ رَهْوًا فَلَا الأَعْجَازُ خَاذِلَةٌ

وَلَا الصُّدُوْرُ عَلَى الأَعْجَازِ تَتَّكِلُ

وَكَقَوْلِ الأَعْرَابِيِّ (5): [من الرمل]

لَا تَكُنْ مُحْتَقِرًا شَأنَ امْرِيءٍ

رُبَّمَا كَانَ مِنَ الشَّأْنِ شُؤُوْنُ

رُبَّمَا قَرَّتْ عُيُوْنٌ بِشَجًى

مُمْرِضٍ قَدْ سَخُنَتْ مِنْهُ عُيُونُ

أخَذَهُ أَبُو تَمَّامٍ، فَكَسَاهُ لَفْظًا أرْشَقَ مِنْ لَفْظِهِ الأَوَّلِ، فَقَالَ (6):[من البسيط]

وَحُسْنُ مُنْقَلَبٍ تَبْقَى عَوَاقِبُهُ

جَاءَتْ بَشَاشتُهُ مِنْ سُوْءِ مُنْقَلَبِ

(1) ديوانه ص 87.

(2)

حلية المحاضرة 2/ 72، شرح هاشميات الكميت ص 92.

(3)

لزهير بن أبي سلمة في ديوانه 121.

(4)

زهر الآداب 2/ 592.

(5)

لعمرو بن حلزة (أخي الحارث) في الموشح ص 8.

(6)

ديوانه 1/ 63.

ص: 348

فَأخَذَهُ الآخَرُ فَجَاءَ بهِ أَبْيَنَ مِمَّا جَاءَ بهِ أَبُو تَمَّامٍ فِي لَفْظٍ أسْهَلَ وَأَقْرَبَ إِلَى الفَهْمِ فَقَالَ (1): [من مجزوء الرمل]

رُبَّ أمْرٍ تتَقِيْهِ

جَرَّ أمْرٍ تَرْتَجِيْهِ

خَفِيَ المَحْبُوْبُ مِنْهُ

وَبَدَا المَكْرُوْهُ فِيْهِ (2)

(1) لعبد اللَّه بن المعتز في ديوانه ص 749.

(2)

وَمِنْ بَابِ نَثْرِ المَنْظُوْمِ وَهُوَ ضِدُّ نَظْمِ المَنْثُوْرِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا لِلْمُقَارَبَةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ قَالَ سَعِيْدُ بن حِمِيْدٍ (1):

أَرَى أَلْسُنَ الشَّكْوَى إِلَيْكَ كَلِيْلَةً

وَفِيْهِنَّ عَنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ فُتُوْرُ

مُقِيْمًا عَلَى العَتْبِ الَّذِي ليسَ نَافِعًا

فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا إِلَيْكَ مَصِيْرُ

وَمَا أَنْتَ إِلَّا كَالزَّمَانِ تَلَوَّنَتْ

نَوَائِبُ مِنْ أَحْدَاثِهِ وَأُمُوْرُ

وَإِنْ قَلَّ إنْصَافُ الزَّمَانِ وَعَدْلِهِ

فَمَنْ ذَا الَّذِي مِمَّا جَنَاهُ يُجيْرُ

فَنَثَرَ مَنْظُوْمَ هَذَا بَعْضُ الكُتَّابِ فَقَالَ: قَدْ كَلَّتِ أَلْسُنُ الشَّكْوَى إِلَيْكَ وَفَتَرَتْ عَنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْكَ لإِقَامَتِكَ عَلَى العَتَبِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِعٍ مَعَ عِلْمِكَ بِأنَّهُ لَا مُعْدِلَ لنَا عَنْكَ وَلَا مُنْتَصِفَ لنَا مِنْكَ فَمَا أَنْتَ إِلَّا كَالزَّمَانِ يَقِلَّ إنْصَافُهُ وَتَتَلَوَّنُ نَوَائِبُهُ وَأَحْدَاثَهُ وَمَا مِنْهُ مُغِيْثٌ وَلَا مِمَّا جَنَاهُ مُجِيْرٌ.

فَقَوْلُ سَعِيْدٍ وَمَا أَنْتَ إِلَّا كَالزَّمَانِ مِنْ قَوْلِ مُسْلِمٍ (2):

وَمَا أَنَا إِلَّا كَالزَّمَانِ إِذَا صَحَا

صَحَوْتُ وَإِنْ مَاقَ الزَّمَانُ أَمُوْقُ

وَحَكَى أَبُو عَلَيّ مُحَمَّد بنُ الحَسَنِ الحَاتِمِيُّ قَالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ الوَزِيْرِ ابن أَبِي المُهَلَّبي عَلَى رَسْمِ مُنَادَمَتِهِ وَكِتَابَتِهِ وَكَان مَا عَلِمْتَهُ فَكِهَا حُلْوًا عَذْبَ المُذَاكَرَةِ حَاضِرَ النَّادِرَةِ أَرْيَحِيَّ الهِمَّةِ كَرِيْمَ الشِّيْمَةِ يَخْضرُّ عُوْدُهُ إِذَا ذَوَى عُوْدُ الكَرَمِ وَتَسْمَحُ يَدَاهُ إِذَا بَخِلَتْ أَيْدِي الدِّيَمِ وَيَطُوْلُ إِلَى المَعَالِي إِذَا تَقَاصَرَتِ الهِمَمُ، وَحَضرَ أَبُو إسْحَقَ

_________

(1)

شعراء عباسيون 3/ 232.

(2)

لم يرد في ديوانه، ولبشار بن برد في ديوانه 4/ 123.

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الصَّابِئُ، وَكُنْتُ حِيْنَئِذٍ حَدَثَ السِّنِّ غَضَّ الغُصْنِ لَابِسًا ثَوْبِي حَيَاءً وَغَرَارَةٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله: أَجِدُكَ تُصَرِّفُ فِي الكِتَابَةِ تَصَرُّفًا حَسَنًا وَتَتَعَاطَى قَوْلَ الشَعْرِ وَلَيْسَتْ بِضَاعَتُكَ فِيْهِ مِزْجَاةً فَمَا بَالَكَ لَا تَتَعَاطَى نَظْمَ المَنْثُوْرِ وَنَثْرَ المَنْظُوْمِ؟ فَقَالَ أَبُو إِسْحَق: لأنَّهُمَا طَرِيْقَان وَعْرَانِ كُلَّ مَنْ سَلَكَهُمَا إِلَّا ضَلَّ. فَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بن عَبْدُ العَزِيْزَ بن إبْرَاهِيْمِ رحمه الله وَكَانَ مِصْبَاحًا مِنْ مَصَابِيْحِ الفَضْلِ يُسْتَضَاءُ بِنُوْرِهِ إِذَا أَظْلَمَ الخَطْبُ: هَمَا لَعَمْرِ طَرِيْقَانِ وَغرَانِ عَلَى كُلِّ أحَدٍ يَضلُّ فِيْهِمَا كُلّ سَالِكٍ إِلَّا هَذَا وَأَوْمَأَ إِلَيَّ فَإِنَّهُ فِي مَسْلِكِهُمَا هَادٍ وَزنَادهُ فِيْهِمَا أَوْرَى زَنَادٍ فَاسْتَشْرَفَ المُهَلَّبِيُّ مَا عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَكُنْتُ قَرِيْبَ العَهْدِ بِخِدْمَتِهِ وَمُبَاسَطَتْهِ وَمُؤَانِسِتِهِ فَقَبَضَنِي عَنِ الجَّوَابِ الحَصْرُ ثُمَّ حَرَّكَنِي مُحَرِّكٌ مِنَ الاقْبَالِ فَقُلْتُ الَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ فكان أَبَا إِسْحَاقَ وَجِمَ مِنْ ذَلِكَ وُجُوْمًا ظَهَرَتْ إِمَارَتهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا كَمَا ذَكَرْتَ فَانْثر قَوْلُ البُحْتُرِيِّ (1):

أَرَى بَيْنَ مُلتفِّ الأرَاكَ مَنَازِلًا

مَوَاثِلَ لَوْ كَانَتْ مَهَاهَا مَوَاثِلَا

وَنَحْنُ نَقْتَصِرُ عَلَيْهِ دُوْنَ غَيْرِهِ فَمَدَتُ يَدِي إِلَى الدَّوَاةِ وَكَتَبْتُ:

أَرَى بَيْنَ مُلتفِّ الأرَاكَ وَحَيْثُ أَنْتَ ثُمَّ السِّمَاكِ مَنَازِلَ لَمْ يُنَازِلُهَا الزَّمَانُ وَلَا عَادَتْ رُسُوْمَهَا الحَدَثَانُ وَمَعَالِمٍ لِلْبَلَى وَطُلُوْلًا مَوَاثِلَ لَوْ كَانَتْ مَهَاهَا مثُولًا. فَتَطَلَعِّ المُهَلَّبِيُّ رحمه الله فِي الدَّرْجِ ثُمَّ قَالَ: أَحْسَنْتَ وَاللَّهِ وَزُدْتَ عَلَى الإِحْسَانِ. قَالَ أَبُو عَلَيٍّ: فَغَيَّرتُ هَذَا الفَصْلَ فِي الحَالِ أَرَى بَيْنَ مُلتفِّ الأرَاكِ وَحَيْثُ السَّمَاكِ وَبَاتَ الثَّرَى وَهُوَ ضَاحِكٌ بَاكِ مَنَزِلَ وَطُلُوْلًا يَظَلُّ بِهَا الوَجْدُ مَطْلُوْلًا وَمَعَالِمَ عَلَّمَتِ العَيْنَ هُمُوْلًا مَوَاثِلَ لَوْ كَانَتْ مَهَاهَا مُثُوْلًا. فَأُعْجِبَ المُهَلَّبِيُّ إِعْجَابًا بِمَا أَسْرَفَ فِيْهِ فَازْدَادَ الصَّابِئُ غَيْظًا وَحَسَدًا وَقَالَ: مَا بَعْدَ هَذَا. فَقَالَ المُهَلَّبيُّ: مَا أَقْتَرِحُهُ أَنَا ثُمَّ لَا بَعْدُ وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: انْثر قَوْلَهُ (2):

أُنَاسٌ يُعِدُّوْنَ الرِّمَاحَ مَخَاصِرًا

إِذَا زَعْزَعُوْهَا وَالذُرُوْعَ غَلَائِلَا

_________

(1)

ديوانه 3/ 1693.

(2)

ديوان البحتري 3/ 1606.

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَوَكِّدِ المَعْنَى وَأَشْبِعْهُ. فَكَتَبْتُ فِي الحَالِ: أُنَاسٌ يُعِدُّوْنَ الخَطِيَّ أَشْطَانًا وَالبيْضَ غُدْرَانًا وَأَجْفَانَ السُّيُوْفِ أَجْفَانًا وَالأسِنَّةَ شُنُوْفًا وَالدُّرُوْعَ شُفُوْفًا وَالنَّجَيْعَ رُضَابًا وَالنُّحُوْرَ مَنَاهِلَ عِذَابًا وَالفَنَاءَ بَقَاءً وَالعَجَاجِ مُلَاءً وَصَلِيْلِ الهِنْدِيَّةِ غِنَاءً وَأَكْتَادَ الجِّيَادِ مهُوْدًا وَالكُمَاةَ عَذَارَى غِيْدًا. فَلَمَّا انتهَيْتُ إِلَى هَذَا وَأبُو مُحَمَّدٍ مُشَارِفٌ مَا أَكْتُبُهُ قَالَ: حَسْبُكَ انْتَهِ إِلَى هَذَا قَدْ أَتَيْتَ بِالبَيْتِ وَزِدْتَ عَلَيْهِ زِيَادَاتٍ لَا تُنْتِجُها فِطْنَةٌ وَلَا تُوْلِدُها قَرِيْحَةٌ.

* * *

يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَمَرَّ بِمَقْبَرَةٍ فَقَالَ: قِفُوا حَتَّى آتِي الأَحِبَّةَ فَأَسْأَلَهُمْ وَأُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا تَوَسَّطهَا وَقَفَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ لَمَّا عَادَ إِلَيْهِمْ: إِلَّا تَسْأَلُوْنَ مَاذَا قُلْتُ وَمَاذَا قِيْلَ لِي؟ فَقَالُوا: تُعَرِّفُنَا يَا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: لَمَّا وَقَفْتُ فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدُّوا وَدَعَوْتُ فَلَمْ يُجِيْبُوا نُوْدِيْتُ يَا عُمَرُ أَمَا تَعْرِفُنِي أَنَا الَّذِي غَيَّرْتُ مَحَاسِنَ وُجُوهِهِمْ وَمَزَّقْتُ الأَكْفَانَ عَنْ جُلُوْدِهِمْ وَفَرَّقْتُ المَفَاصِلَ وَالأَقْدَامَ وَمَنَعْتُهُمْ الأَنْفَاسَ وَالكَلَامَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى سَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.

أَخَذَ هَذَا المَعْنَى أَبُو العَتَاهِيَةِ فَقَالَ (1):

إِنِّي سَأَلْتُ التُّرْبَ مَا فَعَلَتْ

بَعْدِي وُجُوْهٌ فِيْكَ مُنْعَفِرَه

فَأَجَابَنِي صَيَّرْتُ رِيْحهُمُ

تُؤْذِيْكَ بَعْدَ رَوَائِحٍ عَطِرَه

وَأَكَلْتُ أَجْسَادًا مُنَعَّمَةً

كَانَ النَّعِيْمُ يَصُوْنهَا نَضِرَه

لَمْ تَبْقَ غَيْرُ جَمَاجِمٍ بَلِيَتْ

بِيْضٍ تَلُوْحُ وَأَعْظُمٌ نَخِرَه

وَمِنْ نَظْمِ المَنْثُوْرِ:

قِيْلَ لأَعْرَابِيٍّ: قَدْ خَلَا بِمَنْ أَحَبَّ مَاذَا رَأَيْتَ؟ فَقَالَ: مَا زَالَ القَمَرُ يُرِيْنِيْهَا فَلَمَّا غَابَ أَرَتْنِيْهِ.

_________

(1)

ديوانه ص 204.

ص: 351

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَنَظَمَ هَذَا الحَسَنُ بن سَهْلٍ فَقَال (1):

أَرَانِي البَدْرَ سُنَّتِهَا عَشَاءً

فَلَمَّا أَزْمَعَ البَدْرُ الأفُوْلَا

أَرَتْنِيْهِ بِسُنَّتِهَا فَكَانَت

مِنَ البَدْرِ المُنَوَّرِ لِي بَدِيْلَا

فَنَظَرَ إِلَى هَذَا البُحْتُرِيّ فَقَالَ (2):

أَضَرَّتْ بِضوْءِ البَدْرِ وَالبَدْرُ طَالِعٌ

وَقَامَتْ مَقَامَ البَدْرِ لَمَّا تَغَيَّبَا

وَلَوْ قَالَ الحَسَنُ بن سَهْلٍ:

أَرَانِي البَدْرَ سُنَّتَهُ عَشَاءً

وَغَابَ فَكَانَ لِي مِنْهُ بَدِيْلَا

لَجَمَعَ المَعْنَى فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَكَانَ أَوْجَزَ. وَقَالَ ابن حَازِمٍ:

بَانَ عَنِ الأَشْكَالِ فِي حُسْنِهِ

فَلَمْ تَقَعْ عَيْنٌ عَلَى شَبْهِهِ

يُغْنِيْكَ عَنْ بَدْرِ الدُّجَى وَجْهُهُ

وَالبَدْرُ لَا يُغْنِيْكَ عَنْ وَجْهِهِ

كَمْ قَدْ تَلَهَّى بِهَوَى غَيْرِهِ قَلْبِي

فَأَغْرَاهُ وَلَمْ يُلْهِهِ

وَفِي وَجْهِ الحَبِيْبِ وَالقَمَرِ يَقُوْلُ آخَرُ:

رَأَيْتُ الهِلَالَ عَلَى وَجْهِهِ

فَلَمْ أَرَ أيّهُمَا أَنْوَرُ

سِوَى أَنَّ هَذَا قَرِيْبُ المَزَارِ

وَذَاكَ بَعِيْدٌ لِمَنْ يَنْظرُ

وَذَاكَ يَغِيْبُ وَذَا حَاضِرٌ

وَمَا مَنْ يَغِيْبُ كَمَنْ يَحْضَرُ

وَنَفْعُ الهِلَالِ كَثِيْرُ لنَا

وَنَفْعُ الحَبِيْبِ لنَا أَكْثَرُ

* * *

وَمِنْ باب إِحْسَانِ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ وَزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ قَوْلُ المَسِيْبِ بن عَلَسٍ يَصِفُ سَيْرُوْرَةَ شِعْرِهِ (3):

_________

(1)

حلية المحاضرة 2/ 94، الصناعتين ص 3238.

(2)

ديوانه 1/ 197.

(3)

ديوان بني بكر ص 608 وفيه أنه للمسيب بن علس.

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بِهَا تُنْفَضُ الأَحْلَاسُ وَالدِّيْكُ نَائِمٌ

إِلَى مَشْنَفَاتٍ آخِرَ اللَّيْلِ ضُمَّرِ

أخَذَهُ الأَعْشَى فَأَحْسَنَ لَمَّا قَالَ (1):

بِهَا تُنْفَضُ الأَحْلَاسُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ

وَتُعْقَدُ أَطْرَافُ الجِّبَالِ وَتُطْلَقُ

وَكَقَوْلِ أَبِي دُؤَادٍ يَصِفُ فَرَسًا (2):

زَينُ البَيْتِ مَرْبُوْطًا

وَيَشْفِي قَرمَ الرَّكْبِ

فَأَخَذَهُ عُدَيُّ بن زَيْدٍ وَزَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ (3):

مُسْتَخِفِّيْنَ بِلَا أَزْوَادِهِمْ ثِقَةً

بِالمُهْرِ مِنْ غَيْرِ عَدَم

فَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ عَدَم زَيَادَةٌ لَطِيْفَةٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ رُثَيْمَةَ بن عُثْمَانَ النَّصْرِيُّ (4):

يُبَصْبِصُ الأَضْيَافَ كَلْبِي تَأَلُّفًا

وَإِنْ رَامَ نَبْحًا لَمْ يَعِشْ فِي بَنِي نَضْرِ

أخَذَهُ حَسَّانُ فَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ (5):

يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تَهِرُّ كِلَابُهُمْ

لَا يَسْأَلُوْنَ عَنِ السَّوَادِ المُقْبِلِ

وَقَالَ الأَعْشَى يَصِفُ نَاقَةً (6):

تُرَاقِبُ مِنْ أَيْمَنِ الجَّانِبَيْنِ

بِالكَفِّ مِنْ مُحْصَدٍ قَدْ مَرَن

أخَذَهُ بَعْضُ المُتَقَدِّمِيْنَ فَقَالَ (7):

_________

(1)

ديوانه ص 373.

(2)

ديوانه ص 290.

(3)

ديوانه ص 74.

(4)

حلية المحاضرة 2/ 70 وفيه أنه لوثيمة بن موسى المضري.

(5)

ديوانه ص 180.

(6)

ديوانه ص 69.

(7)

حلية المحاضرة 2/ 71.

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَتَقْسِمُ طَرْفَ العَيْنِ شَطْرًا أَمَامَهَا

وَشَطْرًا تَرَاهُ خِيْفَةَ السَّوْطِ أَزْوَرَا

وَقَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيّ (1):

سَقَطَ النَّصِيْفُ وَلَمْ تَزِدْ إسْقَاطَهُ

فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِاليَدِ

وَهُوَ أَوَّلُ مَن افْتَرَعَ هَذَا المَعْنَى فَأَخَذَهُ أَبُو حَيَّةَ النُّمَيْرِيُّ فَأَحِسَنَ فِي قَوْلِهِ (2):

فَأَلْقَتْ قِنَاعًا دُوْنَهُ الشَّمْسُ وَاتَّقَتْ

بِأَحْسَنَ مَوْصُوْلَيْنِ كَفٍّ وَمِعْصَمِ

وَكَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ (3):

نَمُشُّ بِأَعْرَافِ الجيَادِ أَكُفَّنَا

إِذَا نَحْنُ قُمْنَا عَنْ شَوَاءٍ مُهَضَّبِ

نمش: أي نمسح، والمشوشُ: المنديل.

فكشف هذا المعنى عبدة بن الطبيب، فقال (4):

ثَمَّتَ قُمْنَا إِلَى جُرْدٍ مسوَّمَةٍ

أَعْرَافُهُنَّ لأَيْدِيْنَا مَنَادِيْلُ

وَكَقَوْلِ هُدْبَةَ بنِ خَشْرَم (5):

ألا لَيْتَ الرِّيَاحَ مُسَخَّرَاتٍ

لِحَاجَتِنَا تُبَاكِرُ أَوْ تَؤُوْبُ

أَخَذَ جَمِيْلٌ فَقَالَ (6):

فَيَا لَيْتَ أَنَّ الرِّيَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ

بِبَعْضِ الَّذِي أَهْوَى إِلَيْكِ بَرِيْدُ

* * *

_________

(1)

ديوانه ص 93.

(2)

مجموع شعره ص 76.

(3)

ديوانه ص 54.

(4)

المفضليات 1/ 491.

(5)

مجموع شعره ص 59.

(6)

لم يرد في ديوانه.

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَمِنْ بَابِ الأَخْذِ وَهُوَ كَثِيْرٌ جِدًّا قَوْلُ أَبِي نُوَّاسٍ (1):

وَكَأْسٍ كَمِصْبَاحِ السَّمَاءِ شَرِبْتُهَا

عَلَى قُبْلَةٍ أوْ مَوْعِدٍ بِلِقَاءِ

أَتَتْ دُوْنَهَا الأَيَّامُ حَتَّى كَأَنَّهَا

تَسَاقُطَ نُوْرٍ مِنْ فُتُوْقِ سَمَاءِ

أخَذَهُ مِنْ قَوْلِ جَرِيْرٍ (2):

تُجْرِي السِّوَاكَ عَلَى أَغَرَّ كَأَنَّهُ

بَرَدٌ تَحَدَّرَ مِنْ مُتُوْنِ غَمَامِ

وَقَوْلُ ابن المُعْتَزِّ (3):

مَنْ لَامَنِي فِي المَدَامِ فَهُوَ كَمَنْ

يَكْتِبُ بِالمَاءِ عَلَى القَرَاطِيْسِ

أخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الأَعْرَابِيِّ:

فَأَصْبَحْتُ مِنْ لَيْلَى الغَدَاةَ وَذِكْرِهَا

كَقَابِضِ مَاءٍ تَسُفُّهُ أَنَامِلُه

* * *

وَمِنْ هَذَا البَابِ أَيْضًا قَوْلُ ابن أَبِي خَازِمٍ يَمْدَحُ أَوْسًا (4):

إِذَا مَا المَكْرُمَاتِ رُفِعْنَ يَوْمًا

وَقَصَّرَ مُبْتَغُوْهَا عَنْ مَدَاهَا

وَضاقَتْ أَذْرُعُ المُثْرِيْنَ عَنْهَا

سَمَا أَوْسٌ إِلَيْهَا فَاحْتَوَاهَا

فَأَتَى بِالمَعْنَى فِي بَيْتَيْنِ فَأَخَذَهُ الشَّمَاخُ وَأَتَى بِهِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ بِأَخْصَر عبَارَةٍ وَأَرْطَب لَفْظٍ فَقَالَ (5):

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ

تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِاليَمِيْنِ

_________

(1)

لم يردا في ديوانه.

(2)

ديوانه ص 551.

(3)

ديوانه 2/ 272.

(4)

ديوان بشر بن أبي خازم ص 150.

(5)

ديوان الشماخ ص 336.

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قِيْلَ: وَلَوْلَا هَذَا البَيْتُ لَمْ يَشْتَهِر لعَرَابَةَ هَذَا اسْمٌ وَلَا عُرِفَ لَهُ رَسْمٌ.

وَمِنْ بَابِ كَشْفِ المَعْنَى وَإِبْرَازِهِ بِزِيَادَةٍ تَكْسُوْهُ نَصَاعَةً وَبَرَاعَةً قَوْلُ امْرُؤ القَيْسِ (1):

كَبَكْرِ المقَانَاةِ البيَاضِ بِصُفْرَةٍ

غَذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ مُحَلَّلِ

أَخَذَهُ ذُو الرُّمَّةِ فَكَشَفَهُ وَأَبْرَزَهُ بِزِيَادَةٍ لَطِيْفَةٍ أَوْضَحَتْ مَعْنَاهُ فَقَالَ (2):

حَوْرَاءُ فِي دَعَجٍ صَفْرَاءُ فِي نَعَجٍ

كَأَنَّهَا فِضَّةٌ قَدْ مَسَّهَا ذَهَبُ

وَكَقَوْلِ أَبِي دُؤَادٍ (3):

إِنَّهَا حَربٌ عَوَانٌ لقِحَتْ عَنْ

حِيَالٍ فَهِيَ تَقْتَاتُ الإِبِل

جَعَلَهَا تَقْتَاتُ الإِبِل أي تُؤَدِّي الإِبِلُ فِي الدِّيَّاتِ عَنِ القَتْلَى بِهَا فَأَخَذَ بَعْضُ المُتَقَدِّمِيْنَ هَذِهِ الاسْتِعَارَةَ وَقَالَ (4):

فَوَضَعْتُ رجِلِي فَوْقَ نَاجِيَةٍ

يَقْتَاتُ شَحْمَ سَنَامِهَا الرّحلُ

فَأَخَذَهُ أَبُو تَمَّامٍ وَزَادَهُ زِيَادَةً حَسَنَةً فَقَالَ (5):

فَقَدْ أَكَلُوا مِنْهَا الغَوَارِبَ بِالسَّرَى

وَصارَتْ لَهَا أَشْخَاصُهَا كَالغَوَارِبِ

وَكَقَوْلِ العَبَّاسِ بنِ الأَحْنَف (6):

زَعَمُوا لِي أَنَّهَا بَاتَتْ تحمُّ

ابْتَلَى اللَّهُ بِهَذَا مَنْ زَعَمْ

اشْتَكَتْ أَكْمَلَ مَا كَانَتْ كَمَا

يَشْتَكِي البَدْرُ إِذَا مَا قِيْلَ تَم

_________

(1)

ديوانه ص 16.

(2)

ديوانه 1/ 33.

(3)

ديوانه ص 329.

(4)

حلية المحاضرة 2/ 90.

(5)

ديوانه 1/ 209.

(6)

ديوانه ص 284.

ص: 356