الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإشْبَاعُ المَعْنَى بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَإبْرَازهُ فِي أحْسَنِ صِيْغَةٍ مِنَ البيانِ:
فَأَمَّا إشْبَاعُ المَعْنَى بِلَفْظٍ مُخْتَصرٍ، فَكَقَوْلِ كَعْبِ بنِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى فِي رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1):[من البسيط]
تَحْمِلُهُ النَّاقَةُ الأَدْمَاءُ مُعْتَجِرًا
…
بِالبُرْدِ كَالبَدْرِ حَلَّى لَيْلَةَ الظُّلَمِ
وَفِي عِطَافَيْهِ أَوْ أَثناءِ رِبْطَتِهِ
…
مَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْ دِيْنٍ وَمِنْ كَرَمِ (2)
= غَدَتْ مُقْلَتِي فِي جَنَّةٍ مِنْ جَمَالِهَا
…
وَقَلْبِي غَدَا مِنْ حُبِّهَا فِي جَهَنَّمِ
وَكَقَوْلِ الآخَرِ:
سُرِرْتُ بِالطَّيْفِ الَّذِي زَرَانِي
…
مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ كَانَ لِي صَارِمَا
فَقُلْتُ أَهْلًا قَالَ لِي مُعْرِضًا
…
يَا كَاذِبًا فِيْمَا ادَّعَى آثِمَا
تَنَامُ عَيْنَاكَ وَتَشْكُو الهَوَى
…
لَوْ كُنْتَ صَبًّا لَمْ تَكُنْ نَائِمَا
وَكَقَوْلِ كُثَيِّرٍ (1):
يَلُوْمُكَ فِي لَيْلَى وَعَقْلكَ عِنْدَهَا
…
رِجَالٌ وَلَمْ تَذْهَبْ لَهُمْ بِعُقُوْلِ
لَقَدْ كَذَبَ الوَاشُوْنَ مَا بُحْتُ كعنْدَهُمْ
…
بِسِرٍ وَلَا رَاسَلْتُهُمْ بِرَسُوْلِ
وَلَا تَعْجَلِي يَا لَيْلُ أَنْ تَتَفَهَّمِي
…
بِنُصْحٍ أَتَى الوَاشَوْنَ أَمْ بِخُبُوْلِ
(1)
لم يردا في ديوانه.
(2)
وَقَدْ نَسَبَ هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ قَوْمٌ إِلَى أَبِي دَهْبلٍ وَلَيْسَتَا لَهُ.
* * *
فَمِنْ أَبْيَاتِ أَبِي دَهْبَلٍ قَوْلُهُ فِي الأَزْرَقِ المَخْزُوْمِيّ (2):
مَاذَا رُزِئنَا غَدَاةَ الخَيْلِ مِنْ زَمْعٍ
…
عِنْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ خَيْرٍ وَمِنْ كَرَمِ
ظَلَّ لنَا وَاقِفًا يُعْطِي فَأَكْثَر
…
مَا سَمَّى وَقَالَ لنَا فِي قَوْلِهِ نَعَمِ
إِقْوَاءٌ =
_________
(1)
ديوانه ص 177.
(2)
ديوانه 101 - 103.
فَقَوْلُهُ: مَا يَعْلَمُ اللَّهُ، لو أَرَادَ وَاصِفٌ شَرْحَهُ، لاحْتَوَى عَلَى كَثِيْرٍ مِنَ اللَّفْظِ، تَعْجَزُ عَنْهُ العِبَارَةُ.
وَكَقَوْلِ ابنِ الرُّوْمِيِّ فِي الهَجْوِ (1): [من مجزوء الكامل]
مَا شِئْتَ مِنْ مَالٍ حِمًى
…
يَأْوِي إِلَى عِرْضٍ مُبَاحِ (2)
= ثُمَّ انْتَحَى غَيْرُ مَذْمُوْمٍ وَأَعْيُنُنَا
…
لَمَّا توَلَّى بِدَمْعٍ وَاكِفٍ سَجِمِ
تَحْمِلُهُ الناقَةُ الأدْمَاءُ مُعْتَجِرًا
…
كَالبَدْرِ جَلَّى لَيْلَةَ الظُّلمِ
وَكَيْفَ أَنْسَاكَ لَا نَعْمَاكَ وَاحِدَةٌ
…
عِنْدِي وَلَا بِالَّذِي أَسْدَيْتَ مِنْ قدمِ
حَتَّى لَقِيْنَا بُجَيْرًا عِنْدَ مَقْدِمَنَا
…
فِي مَوْكِبٍ كَضبَاعِ الحزْنِ مُزْدَحِمِ
فلو رَأَيْتَ مَقَامِي عِنْدَ بَابِهِمْ
…
أَحْبَبْتَ أنِّي بِذَاكَ البَابِ لَمْ أَقُمِ
يُحتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ أَحَدُهُمَا قَدْ انتحَلَ قَوْلُ الآخَرَ وَهُوَ (تَحْمِلُهُ النَّاقَةُ الأَدْمَاءُ). البَيْتُ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الشُّعَرَاءِ.
(1)
ديوانه 2/ 515.
(2)
وَكَقَوْلِ سَلَمِ الخَاسِرِ (1):
مَنْ رَاقَبَ النَّاسُ مَاتَ غَمًّا
…
وَفَازَ بِاللذَّةِ الجَسُوْرُ
وَكَقَوْلِ الآخَر:
أَنْتَ لِلمَالِ إِذَا أَمْسَكْته
…
وَإِذَا أَنْفَقْتَهُ فَالمَالُ لَك
وَكَقَوْلِ أَبِي العَتَاهِيَةِ (2):
فلو كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا
…
لأَعْطَاهَا وَمَا بَالَى
فَهَذِهِ المَعَانِي لَوْ أَرَادَ الإِنْسَانُ الفَصِيْحُ الفَاضِلُ تَفْسِيْرَ كُلِّ مَعْنًى مِنْهَا نثرًا لَمَا أَدَّتْهُ عِبَارَتهُ إِلَّا بِأَضعَافِ لَفْظِهِ نَظْمًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ جَعْفَرُ بنُ شَمْسِ الخِلَافَةِ فِي الغَزَلِ:
غَادَةٌ كُلُّهَا جَمَالٌ وَكُلِّي
…
أَسَف بَاطِنٌ وَسَقْمٌ بَادِ
_________
(1)
شعراء عباسيون ص 104.
(2)
لم ترد في ديوانه.