الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أَنْوَاعِ السَّرِقَاتِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ شَتَّى مُخْتَلِفَات عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ ضُرُوْبٍ. وَسَيَأتِي ذِكْرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مُفَصَّلًا إِنْ شَاء اللَّهُ. وَبَاقِي المَجَازَاتِ، وَهِيَ أَيْضًا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عِدَّةِ صُنُوفٍ.
فَأَمَّا صِحَّةُ الانْتِقَادِ:
فَإِنَّهَا صِنَاعَةٌ وغَيْرُ نَظْمِ صَنْعَةِ الشِّعْرِ، وَهِيَ أصْعَبُ مِنْهُ، فَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ نَقْدَ الشِّعْرِ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، وَقَدْ يَسْتَسْهِلُهُ جَاهِلٌ بِعَمِلِهِ، وَمَغْرُوْرٌ بِمُطَاوَعَةِ طَبْعِهِ فِي نَظْمِهِ، مُعْتَقِدًا أَنَّ كُلَّ نَظْمٍ شعْرٌ، أَوْ كُلَّ نَاظِمٍ شَاعِرٌ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ الشِّعْرَ مَا دَخَلَ الأُذْنَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَأَنَّ الشَّاعِرَ مَنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الفَضَائِلُ إِلَى أشْيَاءَ مِمَّا يُنَاسِبُهَا (1)، كَمَا يَسْتَسْهِلُ نَظْمَ الشِّعْرِ الَّذِي قَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ وَالبُلَغَاءُ، وَالفُضَلَاءُ
(1) أَبُو أَحْمَدَ المُنَجِّمُ (1):
رُبَّ شِعْرٍ نَقَدْتُهُ مِثْلُ مَا
…
يُنْقِذُ رَأْسِ الصَّيَارِفِ الدِّيْنَارَا
ثُمَّ أَرْسَلْتُهُ فَكَانَتْ مَعَانِـ
…
ـيْهِ وَأَلْفَاظُهُ مَعًا أَبْكَارَا
لَوْ تَأَتَّى لِقَالَةِ الشِّعْرِ مَا
…
أَسْقَطَ مِنْهُ حَلُّوا بِهِ الأَشْعَارَا
إِنَّ خَيْرَ الكَلَامِ مَا يَسْتَعِيْرُ النَّـ
…
ـاسُ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعَارَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الأَهْوَازِيّ (2):
يَعِيْبُ الأَحْمَقُ المَغْرُوْرُ شِعْرِي
…
وَهَجْوِي فِي بَلَادَتِهِ يَسِيْرُ
وَيَزْعُمُ أَنَّهُ نُقَّادُ شِعْرٍ
…
هُوَ الحَادِي وَلَيْسَ لَهُ بَعِيْرُ
آخَرُ (3):
قَدْ عَرَفْنَاكَ بِاخْتِيَارِكَ إِذْ كَانَ
…
دَلِيْلًا عَلَى اللَّبِيْبِ اخْتِيَارُه
_________
(1)
الكشف عن مساوئ المتنبي ضمن كتاب الإبانة عن سرقات المتنبي ص 245، محاضرات الأدباء 1/ 93، العمدة 2/ 105.
(2)
الكشف عن مساوئ المتنبي ص 245.
(3)
محاضرات الأدباء 1/ 93.
وَالأُدَبَاءُ عَلَى اسْتِصْعَابِهِ، حَتَّى لَقَدْ كَانَ الفُحُوْلُ مِنَ الشُّعَرَاءِ يَنْظِمُ أحَدُهُمُ القَصِيْدَةَ فِي سَنَةٍ كَامِلَةٍ، وَيَفْتَخِرُ بِذَلِكَ، وَيَمُنُّ بِهِ عَلَى المَمْدُوْحِ، فَيَقُوْلُ: جئْتُكَ بِبِنْتِ حَوْلهَا، وَهَذِهِ مِنَ الحَوْليِّ المُنَقَّحِ. وَلِذَلِكَ قِيْلَ: حَوْليَّاتُ زُهَيْرٍ؛ لأَنَّ كُلَّ قَصِيْدَةٍ نَظَمَهَا فِي حَوْلٍ كَامِلٍ. فَمَثَلُ الشَّاعِرِ كَحَائِكِ الثَّوْبِ، يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا دَخَلَهُ مِنَ المَغْزُوْلِ، وَمِقْدَارَ الغَرَامَةِ عَلَيْهِ، وَيَعْرِفُ طُوْلَهُ وَعَرْضَهُ، وَمُدَّة عَمَلِهِ (1). وَنَاقِدُ
= آخَرُ:
وإذَا حَكَمْتَ عَلَى القَرِيْضِ وَأَهْلِهِ
…
نَفَذَ القَضَاءُ وَسَلَّمَ الحُكَّامُ
قَالَ أَبُو عَمْرُو بن العَلَاءِ: انْتِقَادُ الشِّعْرِ أَشَدُّ مِنْ نَظْمِهِ وَاخْتِيَارُ الرَّجُلِ الشِّعْرَ قِطْعَةٌ مِنْ عَقْلِهِ.
(1)
أَخْبَرَ رُوَاةُ الشّعرِ عَنْ أَبِي دِهبَلٍ الجُمْحِيّ، قَالَ: قُلْتُ:
وَإنَّ شُكْركَ عِنْدِي لَا انْقِضَاءَ لَهُ
ثُمَّ أُرْتِجَ عَلَى النِّصْفِ الأَخِيْرِ فَأَقَمْتُ عَلَيْهِ حَوْلَيْنِ ثُمَّ سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ يَذْكِرُ لُبْنَانَ. قُلْتُ: وَمَا لُبْنَانَ؟ فَقَالَ: جَبَلٌ بِالشَّامِ فَفُتِحَ عَلَيَّ فَقُلْتُ:
وَإنَّ شُكْرَكَ عِنْدِي لَا انْقِضَاءَ لَهُ
…
مَا دَامَ بِالجزْعِ مِنْ لُبْنَانَ جَلْمُوْدِ (1)
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي تَمَّامٍ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وأَحْسَنُ مِنْ رَوْضٍ يُفتّحُهُ الصِّبَا ثُمَّ وَقَفَ خَاطِرُهُ فَلَمْ يَخْطِرُ وَأَخْلَفَتْ أَخْلَافُ فِكْرِهِ فَلَمْ تُمْطِرُ حَتَّى سَمِعَ قَائِلًا يَقُوْلُ نَوِّرُوا بِبِيْضِ عَطَايَاكُم سَوَادِ مَطَالِبِنَا فَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ (2):
وَأَحْسَنُ مِنْ رَوْضٍ يُفتِّحُهُ الصِّبَا
…
بِيَاضُ العَطَايَا فِي سَوَادِ المَطَالِبِ
وَأَخْبَرَ الحَاتِمِيُّ عَنْ عَلِيّ بن هَارُوْنِ المُنَجِّمِ يَرْفَعَهُ إِلَى إِسْمَاعِيْل بن جَعْفَر مَوْلَى خُزَاعَةَ الفَقِيْهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ مَرَرْتُ بِابْنِ هَرمَةَ جَالِسًا عَلَى دُكَّانٍ لِبَني زُرَيْقٍ فَقُلْتُ: مَا أَقْعَدَكَ هَاهُنَا يَا أَبَا إسْحَقَ؟ فَقَالَ قُلْتُ:
_________
(1)
ديوان أبي دهبل ص 104.
(2)
ديوانه (شاهين) ص 42.
الشِّعْرِ كَالبَزَّازِ الَّذِي يَبِيع الثَّوْبَ، وَيَسْتَعْمِلُهُ فَهُوَ لِكَثرَةِ مُلَابَسَتِهِ للثِّيَابِ، وَمُدَاوَمَةِ بَيْعِهِ لَهَا وَمقَايَسَةِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ يَعْرِفُ مِنْهَا الرَّفِيع مِنَ الغَلِيْظِ، وَالرَّسْمِيَّ مِنَ الاسْتِعْمَالِ، وِالَّذِي لَهُ بَقَاءٌ عَلَى الكَدَّ مِنَ الَّذِي لَا بَقَاءَ لَهُ. فَصنَاعَةُ البَزَّازِ غَيْرُ صِنَاعَةِ الحَائِكِ، وَكَذَلِكَ صَنْعَةُ نَقْدِ الشِّعرِ غَيْرُ صَنْعَةِ نَظْمِهِ.
وَمَا زَالَ الشُّعَرَاءُ مِنَ الجَّاهِلِيَّةِ وَالمُخَضْرَمِيْنَ وَالإْسْلَامِيِّيْنَ يَنْتَقِدُ عَلَيْهِمْ الفُضَلَاءُ أَشْعَارَهُمْ الَّتِي اسْتَرَقُّوا أَلْفَاظَهَا، وَاسْتَعْذَبُوا شَرْبَهَا، وَابْتَدَعُوا مَعَانِيْهَا، فَيُظْهِرُوْنَ فِيْهَا مِنْ قُصُوْرِ اللَّفْظِ عَنِ المَعْنَى ونُقْصان المعنى عَنِ الكَمَالِ مَا لَوْ سَمِعَهُ الشَّاعِرُ لَخَفَّ وَزْنُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ بَعْدَ الإِيْفَاءِ، وَخَجِلَ لِمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ
= فَإِنَّكَ وَاطِّرَاحَكَ وَصلُ سُعْدَى
…
لأُخْرَى فِي مَوَدَّتِهَا نُكُوْبُ
ثُمَّ قُطِعَ بِي فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَجُوْزَهُ فَمَرَّتْ بِي وَصِيْفَةٌ لِلحَيِّ قَدْ ثَقَبَتْ أُذْنَيْهَا وَفِيْهُمَا خُيُوْطُ عَهْنٍ وَقَدْ فَاحَتَا فَذرَّتْ عَلِيْهُمَا آسًا فَقُلْتُ لَهَا: مَالَكِ وَيْحَكِ يَا فُلَانَةُ؟ فَقَالَتْ: ثَقَبْتُ أُذْنيَّ لِعُرْسِ بَنِي فُلَانٍ. فَقُلْتُ: أَلَكِ شُنُوْفٌ؟ فَقَالَتْ: لَا وَلَكِنِّي اسْتَعَرْتُهَا. قَالَ فَقُلْتُ:
كَثَاقِبَةٍ لِحَلْيٍ مُسْتَعَارٍ
…
لأُذْنَيْهَا فَشَانَهُمَا الثُّقُوْبُ
فَأَدَّتْ حَلْي جَارَتِهَا إِلَيْهَا
…
وَقَدْ بَقِيَتْ لأُذْنَيْهَا نُدُوْبُ (1)
وَحَكَى أَبُو يُوْسُفَ عَنْ أَبي نَصْرٍ أَنَّ ذَا الرُّمَّةِ لَمَّا عَمِلَ بَيْتَهُ فَقَالَ:
(كَحْلَاءَ فِي بَرَجٍ صفْرَاءَ فِي نَعَجٍ) أَرْتَجَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ نَعَجٍ مدَّةَ سَنَةٍ حَتَّى مَرَّ عَلَى صَائِغٍ يُشْرِبُ فِضَّةً بِذهَبٍ فَقَالَ:
كَأَنَّهَا فِضَّةٌ قَدْ مَسَّهَا ذَهَبُ (2).
ثُمَّ أَتَمَّ القَصِيْدَةَ بَعْدَ ذَلِكَ.
النَّعَجُ: البَيَاضُ، وَالدَّعَجُ: السَّوَادُ.
_________
(1)
البيتان لابن هرمة في ديوانه ص 69.
(2)
ديوان ذي الرمة 1/ 34.
الخُيَلَاءِ (1). وَأوَّلُ مَنِ انْتُقِدَ عَلَيْهِ الشِّعْرُ، وَرُدَّ عَلَيْهِ امْرُؤُ القَيْسِ بن حُجْرٍ فِي
(1) قِيْلَ: أَنْشَدَ الكَمِيْتُ بن زَيْدٍ نَصِيْبًا فَاسْتَمَعَ لَهُ فَكَانَ فِيْمَا أَنْشَدَهُ (1):
وَقَدْ رَأَيْنَا بِهَا حُوْرًا مُنَعّمَةً
…
بِيْضًا تَكَامَلَ فِيْهَا الدّلُّ وَالشَّنَبُ
فَثَنَى نَصيْبُ خُنْصرَهُ فَقَالَ الكَمِيْتُ: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أحْصِي خَطَأَكَ إِنَّكَ تَبَاعَدْتَ فِي قَوْلكَ تَكَامَلَ فِيْهَا الدّلُّ وَالشَّنَبُ هَلَّا قُلْتَ كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ (2):
لَميَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لِعَسٌ
…
وَفِي اللّثَاثِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ
ثُمَّ أَنْشَدَهُ فِي أُخْرَى (3):
كَأَنَّ الغُطَامِطُ مِنْ جَرْيِهَا
…
أَرَاجِيْزُ أَسْلَمَ تَهْجُو غِفَارَا
فَقَالَ لَهُ نَصِيْبٌ: مَا هَجَتْ أَسْلَمُ فَاسْتَحِيَا الكَمِيْتُ فَسَكَتَ وَالَّذِي عَابَهُ نَصِيْبٌ قَوْلهُ:
تَكَامَلَ فِيْهَا الدّلّ وَالشَّنَبُ.
قَبِيْح جِدًّا وَذَلِكَ إِنَّ الكَلَامَ لَمْ يَجِئ عَلَى نَظْمٍ وَلَا وَقَعَ إِلَى جَانِبِ الكَلِمَةِ مَا يُشَاكِلهَا (4).
وَمِمَّا قَدْ وَقَعَ فِيْهِ كَثيْرٌ مِنْ فُضَلَاءِ الشُّعَرَاءِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الهَاءَ فِي صِلَةٌ فِي القَافِيَةِ كَالهَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ الكَلِمَةِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ العُلَمَاءِ سَامَحَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَكَثِيْرًا مَا يَسْقِطُ الشُّعَرَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا النَّوْعِ.
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ (5):
أَنَا بِالوشَاةِ إِذَا ذَكَرْتُكِ أَشبَهُ
…
يَأَتِي النّدَى وَيُذَاعُ عَنْكِ فتكَرَهُ
_________
(1)
ديوان الكميت 1/ 93.
(2)
ديوانه 1/ 32، أنظر: أمالي المرتضى 2/ 254 - 255.
(3)
ديوان الكميت 1/ 195.
(4)
أنظر: الموشح ص 204، أمالي المرتضى 2/ 254.
(5)
ديوانه 2/ 91.
قَوْلِهِ (1): [من الطويل]
كَأنِّي لَمْ أَرْكَب جَوَادًا لِلَذَّةٍ
…
وَلَمْ أتَبَطَّن كَاعِبًا ذَاتَ خِلْخَالِ
وَلَمْ أَسْبَأِ الزِّقَّ الرَّوِيَّ وَلَمْ
…
أَقُلْ لِخَيْلِيَ: كُرِّي كَرَّةً بَعْدَ إجْفَالِ
= فَغَلطَ فِي التَّصْرِيْعِ وَسَمَحَ بِهَاءِ تَكْرَهُ فَصَيَّرَهَا صلَةً وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَفْسِ الكَلِمَةِ. وَقَدْ وَقَعَ ابن المُعْتَزِّ فِي مِثْلِ حالِ أَبُو الطَّيِّبِ فَقَالَ (1):
أَفْنَى العدَاةَ إِمَامٌ شَبَةٌ
…
وَلَا يُرَى مِثْلهُ يَوْمًا وَلَا يَرَهُ
ضَارِ إِذَا انْقَضَّ لَمْ يَحْرِمْ مُخَايَلَةً
…
مُسْتَوْفِر لأَتْبَاعِ الحَزْمِ مُنتبهِ
مَا يَحسنُ القَطْرُ أَنْ يَنْهَلَّ عَارِضُهُ
…
كَمَا تَتَابَعَ أَيَّام الفتُوْحِ لهُ
وَوَقَعَ بَشَّارٌ عَلَى تَقَدّمهِ فِي مِثْلِ عِلَّتِهِمَا فَقَالَ (2):
اللَّهُ صَوَّرَهَا وَصَيَّرَهَا
…
لَاقِيْكَ أَوْ لَمْ تَلْقهَا نُزَهَا
نَصْبًا لِعَيْنِكَ لَا تَرَى
…
حُسْنًا إِلَّا ذَكَرْتَ بِهِ شَبَهَا
وَقَدْ رُوِيَ بَيْتُ بَشَّارٍ "نُزَهَا" بَالنُّوْنِ وَالزَّاءِ جَمْعُ نُزْهَةٍ وَلَا عَيْبَ فِيْهِ عَلَى هَذَا. وَمَعْنَى بَيْتُ أَبِي الطَّيِّبِ فِي قَوْلِهِ أَنَا بِالوشَاةِ إِذَا ذَكَرْتُكِ أَشْبَهُ.
يَقُوْلُ أَنَا أَنْشِرُ ذِكْرَ سَخَائِكَ وَأَنْتَ تُرِيْدُ طَيَّهُ فَكَأَنِّي مَضَادٌ لَكَ كَالوشَاةِ بِكَ.
قِيْلَ لَمَّا مَدَحَ مَرْوَانُ بن أَبي الجنوب المَأْمُوْن بِقَصِيْدَتِهِ الَّتِي يَقُوْلُ فِيْهَا:
تَشَاغَلَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَزِبْرجهَا
…
وَأَنْتَ بِالدِّيْنِ عَنْ دُنِيَاكَ مُشْتَغِلُ
قَالَ لَهُ المَأْمُوْنُ: وَيْحَكَ مَا زِدْتَ عَلَى أَنْ جَعَلْتَنِي عَجُوْزًا فِي مِحْرَابِهَا بِيَدِهَا سُبحْتَهَا هَلَّا قُلْتَ كَمَا قَالَ جَرِيْرٌ فِي عَبْدِ العَزِيْزِ بن مَرْوَان (3):
ولا هُوَ فِي الدُّنْيَا مُضِيْعٌ نَصيْبَهُ
…
وَلَا عَرضُ الدُّنْيَا عَنِ الدِّيْنِ شَاغِلُه
(1)
ديوانه ص 35.
_________
(1)
ديوان ابن المعتز 1/ 524.
(2)
ديوانه 4/ 428.
(3)
لجرير في ديوانه ص 435.
فَقِيْلَ إِنَّ امْرَئَ القَيْسِ لَمْ يُلَائِمْ بَيْنَ صُدُوْرِ شِعْرِهِ وَأعْجَازِهِ، وَقَدْ أَخْطَأَ مِنْ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَ. وَإِنَّمَا المُلَاءمَةُ لَوْ قَالَ:
كَأنِّي لَمْ أَرْكَب جَوَادًا وَلَمْ أَقُلْ
…
لِخَيْلِيَ: كُرِّي كَرَّةً بَعْدَ إجْفَالِ
وَلَمْ أَسْبَأِ الزِّقَّ الرَّوِيَّ لِلَذَّةٍ
…
وَلَمْ أتَبَطَّن كَاعِبًا ذَاتَ خِلْخَالِ (1)
وَهَذَا نَقْدٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَوْلٌ لَا يَمَجُّهُ سَمَعُ سَامِعِهِ (2).
(1) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا أدْرَكَ عَلَى امْرِئِ القَيْسِ قَوْلهُ (1):
أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
…
وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ
فَقَالُوا إِذَا لَمْ يَعُزَّ مِثْلُ هَذَا فَمَا الَّذِي يَغِرُّ وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا البَيْتِ يُنَاقِضُ مَعْنَى البَيْتِ قَبْلَهُ حَيْثُ يَقُوْلُ:
وَإِنْ كُنْتِ قَدْ سَاءَتْكِ مِنَي خَلِيْقَةٌ
…
فَسَلِي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسَلِي
لأَنَّهُ ادَّعَى فِي هَذَا البَيْتِ أَنَّ فِيْهِ فَضْلًا لِلتَّجَلُّدِ وَقُوَّةً عَلَى الصَّبْرِ بِقَوْلهِ: فَسَلِي ثيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسَلِي وَزَعَمَ فِي البَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا مَحْمَلَ فِيْهِ لِلضَبْرِ وَلَا قُوَّة لَهُ عَلَى المَلَالِ وَالهَجْرِ بِقَوْلهِ: وَأَنَّكِ مَهْمَا تاْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ فَخَالَفَ بَيْنَ البَيْتَيْنِ فِي مَعْنَاهُمَا.
(2)
وَمِمَّا انتقِدَ عَلَى المُتَلَمِّسِ قَوْلُهُ مِنْ قَصِيْدَتِهِ:
وَقَدْ أَتَنَاسَى الهَمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ
…
بِنَاجٍ عَلَيْهِ الصَّيْعَرِيَّةِ مُكْدِمِ
وَالصَّيْعَرِيَّةُ سِمَة لِلنُّوْقِ فَجَعَلَهَا لِلبَعِيْرِ، وَسَمِعَهُ طُرْفَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ يَنْشِدُ هَذَا البَيْتِ فَقَالَ: اسْتَنْوَقَ الجَّمَلُ، فَضَحِكَ النَّاسُ، وَسَارَتْ مَثَلًا.
وَمِمَّا انتقِدَ عَلَى لَبِيْدٍ قَوْلُهُ (2):
وَمَقَامٍ ضَيِّقٍ فَرَّجْتُهُ
…
بِمَقَامِي وَلِسَانِي وَجَدل
لَوْ يَقُوْمُ الفِيْلُ أَوْ فِيَّالُهُ
…
زَلَّ عَنْ مِثْلِ مَقَامِي وَرَحَل
_________
(1)
لم ترد في ديوانه (صادر).
(2)
ديوانه ص 131.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فَظَنَّ أَنَّ الفِيَّالَ أَقْوَى النَّاسِ، كَمَا أَنَّ الفِيْلَ أَقْوَى البَهَائِمِ.
قِيْلَ وَسَمِعَ بَشَّارٌ قَوْلُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ (1):
ألَا إِنَّمَا لَيْلِي عَصَى خَيْزُرَانَةٍ
…
إِذَا غَمَزُوْهَا بِالأَكُفِّ تَلِيْنُ
فَقَالَ بَشَّارٌ: جَعَلَهَا عَصَى خَيْزُرَانَةٍ فَوَاللَّهِ لَوْ جَعَلَهَا عَصَى زُبْدٍ لَهَجَّنَهَا بذكْرِهِ لِلْعَصَى ألَا قَالَ كَمَا قُلْتُ (2):
وَبَيَضَاءَ المَحَاجِرِ مِنْ مَعَدٍّ
…
كَأَنَّ حَدِيْثَهَا قِطْعُ الجمَانِ
إِذَا قَامَتْ لِسَبْحَتِهَا تَثَنَّتْ
…
كَأَنَّ عِظَامَهَا مِنْ خَيْزَرَانِ
وَدَخَل الرَّاجِزُ عَلَى الرَّشِيْدِ فَأَنْشَدَهُ فِي وَصفِ الفَرَسِ (3):
كَأَنَّ أُذْنَيْهِ إِذَا تَشَوَّفَا
…
قَادِمَةً أَوْ قَلَمًا مُحَرَّفَا
فَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ لحنٌ وَلَمْ يِهْتَدِ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى إِصْلَاحِهِ إِلَّا الرَّشِيْدُ فَإِنَّهُ قَالَ: قُلْ أَحْسَبُ أُذْنَيْهِ إِذَا تَشَوَّفَا. البَيْتُ والرَّاجَزُ وَإِنْ كَانَ قَدْ لحَنَ فَإِنَّهُ أَصَابَ التَّشْبِيْهَ.
قِيْلَ وَدَخَلَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ عَلَى سَكِيْنَةَ بِنْت الحُسَيْنِ عليه السلام فَقَالَتْ لَهُ: يَا ابنَ أَبِي جَعْدَةَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِكَ فِي عَزَّةَ (4):
وَمَا رَوْضَةٌ بِالخَزْنِ طَيِّبَةُ الثَّرَى
…
يَمجُّ النَّدَى وَعَرَارُهَا
بِأَطْيَبَ مِنْ أَرْدَانِ عَزَّةَ مَوْهِنًا
…
وَقَدْ وَقِدَتْ بِالمنْدَلِ الرَّطْبِ نَارُهَا
وَيْلَكَ وَهَلْ عَلَى الأَرْضِ ذَنْجِيَّةٌ مُنْتِنَةُ الإِبْطَيْنِ تُوْقِدُ بِالمَنْدَلِ الرَّطْب نَارَهَا إِلَّا طَابَ رِيْحُهَا ألَا قُلْتَ كَمَا قَالَ عَمّكَ امْرُؤُ القَيْسِ (5):
_________
(1)
لم يرد في ديوانه.
(2)
ديوان بشار 4/ 22.
(3)
للعماني الراجز في ديوان المعاني 1/ 36 - 37.
(4)
ديوانه ص 109 - 110.
(5)
ديوانه ص 41.
وَذَكَرَ أَبُو الفَرَجِ الأَصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِ الأَغَانِي الكَبيْرِ (1): أَنَّهُ أُنْشَدَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الزَّيَّاتِ قَوْلُ الفَرَزْدَقِ (2): [من الطويل]
فَإِنَّكَ إِنْ تَهْجُو تَمِيْمًا وَتَرْتَشِي
…
سَرَابِيْلَ قَيْسٍ أَوْ سَحُوْقَ العَمَائِمِ
كَمُهْرِيْقِ مَاءٍ بِالفَلَاةِ وَغَرَّهُ
…
سَرَابٌ أَثَارَتْهُ رِيَاحُ السَّمَائِمِ
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بَيْتَا الفَرَزْدَقِ هَذَانِ، وَبَيْتَا ابنِ هَرمَةَ احْتَاجَا إِلَى تَبْدِيْلِ
= أَلَمْ تَر أنِّي كُلَّمَا جِئْتُ زَائِرًا
…
وَجَدْتُ بِهَا طِيْبًا وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ
* * *
وَأَقُوْلُ: رُبَّمَا غُلِطَ عَلَى الشُّعَرَاءِ فِي الأَخْذِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسُوا فِي شَيْءٍ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِمْ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا أدْرِكَ عَلَى الشُّعَرَاءِ اسْتِعْمَالُ مَجَازٍ أَوْ تَوْجِيْهٍ وَلَكِنَّ أَصْحَابَ اللُّغَةِ رُبَّمَا غَلِطُوا عَلَيْهِمْ وَتَأَوَّلُوا غَيْرَ مَعَانِيْهِمْ الَّتِي ذَهَبُوا إِلَيْهَا فَمِنْ ذَلِكَ:
قَوْلُ سَيَبَويهِ وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتٍ فِي كِتَابِهِ فِي إِعْرَابِ الشَّيْءِ عَلَى المَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ وَأَخْطَأَ فِيْهِ وَهُوَ:
مُعَاوِيَ إِنَّنَا بَشَرٌ فَأسْجِح
…
فَلَسْنَا بِالجبَالِ وَلَا الحَدِيْدَا
هَكّذَا رَوَاهُ سَيَبَويهِ عَلَى النَّصْبِ وَزَعَمَ أَنَّ إِعْرَابَهُ عَلَى مَعْنَى الضَّمِيْرِ الَّذِي فِي لَيْسَ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّاعِرُ عَلَى الخَفْضِ وَالشِّعْرُ كُلّهُ مَخْفُوْضٌ فَأَيُّ ضرُوْرَةِ دَعَتْهُ إِلَى أَنْ يَنْصِبَ آخِرَ البَيْتِ وَيَحْتَالُ فِي إِعْرَابِهِ بِهَذِهِ الحِيْلَةِ السَّخِيْفَةِ وَالحِجَّةِ الضَّعِيْفَةِ وَإِنَّمَا الشِّعْرُ:
مُعَاوِيَ إِنّنَا بَشَرٌ فَاسْجِح
…
فَلَسْنَا بِالجبَالِ وَلَا الحَدِيْدِ
أَكَلْتُمْ أَرْضنَا فَحَرَثْتُمُوْهَا
…
فَهَلْ مِنْ قَائِمٍ أَوْ مِنْ حَصِيْدِ
أَتَطْمَعُ بِالخُلُوْدِ إِذَا هَلَكْنَا
…
وَلَيْسَ لنَا وَلَا لَكَ مِنْ خُلُوْدِ (1)
(1)
الأغاني 9/ 43 - 44.
(2)
ديوانه 2/ 313.
_________
(1)
انظر: كتاب سيبويه 1/ 34، شرح شواهد المغني للسيوطي ص 294.
بَعْضِهِمَا مِنْ بَعْضٍ؛ لَيَصِحَّ مَعْنَاهُمَا. قِيْلَ لَهُ: وَكِيْفَ؟ قَالَ: لأنَّ ابنَ هَرمَةَ يَقُوْلُ: [من المتقارب]
وَإنِّي وَتَرْكِي نَدَى الأَكْرَمِيْنَ
…
وَقَدْحِي بِكَفِّي زِنَادًا شِحَاحَا
كَتَارِكَةٍ بَيْضَهَا بِالعَرَاءِ
…
وَمُلْحِفَةٍ بَيْضَ أُخْرَى جَنَاحَا
فَلَو جَعَلَ بَيْتُ ابنِ هَرمَةَ الثَّانِي ثَانِي بَيْتِ الفَرَزْدَفِ، لَصَحَّ مَعْنَاهُمَا، وَرَاقَ نَظْمُهُمَا.
وَكَانَ الفَرَزْدَقُ يَقُوْلُ: [من الطويل]
فَإِنَّكَ إِنْ تَهْجُو تَمِيْمًا وَتَرْتَشِي
…
سَرَابِيْلَ قَيْسٍ أَوْ سَحُوْفَ العَمَائِمِ
[في المتقارب]
كَتَارِكَةٍ بَيْضَهَا بِالعَرَاءِ
…
وَمُلْحِفَةٍ بَيْضَ أُخْرَى جَنَاحَا (1)
وَكَانَ ابْنُ هَرمَةَ يَقُوْلُ (2):
وَإِنِّي وَتَرْكِي نَدَى الأَكْرَمِيْنَ
…
وَقَدْحِي بِكَفِّي زِنَادًا شِحَاحَا
كَمُهْرِيْقِ مَاءٍ بِالفَلَاةِ وَغَرَّهُ
…
سَرَابٌ أَثَارَتْهُ رِيَاحُ السَّمَائِمِ
وَانْتَقِدَ عَلَى البُحْتُرِيِّ قَوْلُهُ فِي المَدْحِ (3): [من البسيط]
لِلشَّيْءِ وَقْتٌ وَإِبَّانٌ وَلَسْتَ تَرَى
…
يَوْمًا لِنَائِلِهِ وَقْتًا وَإبَّانَا
وَقِيْلَ: هَذَا مَدْحٌ يَخْرُجُ فِي مَعْرِضِ الهِجَاءِ؛ لِنُقْصانِ لَفْظِ البَيْتِ عَنِ المَعْنَى المَطْلُوْبِ (4)؛ فَإنَّ البُحْتُرِيَّ قَصَدَ بِهَذَا القَوْلِ أَنَّ هَذَا المَمْدُوْحَ كُلُّ زَمَانِهِ مَقْصُوْرٌ عَلَى
(1) هَذَا مِثْلُ قَوْلِ الآخَرِ:
كَانُوا كَتَارِكَةٍ بَنِيْهَا جَانِبًا سَفهًا
…
وَغَيْرَهُمُ تَصُوْنُ وَتُرْضِعُ
(2)
الأغاني 9/ 43 - 44.
(3)
ديوانه 4/ 215.
(4)
كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَأبُو عُثْمَانَ الخَالِدِيَّانِ مِنْ خَوَاصِّ شُعَرَاءِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمَا مَرَّةً =
النَّيْلِ وَالعَطَاءِ (1)، فَمَا لَهُ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِالكَرَمِ فِيْهِ دُوْنَ وَقْتٍ، فَنَقَصَ لَفْظُ
= وَصِيْفًا وَوَصِيْفَةً وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدْرَةٌ وَتَخْتٍ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ قَصِيْدَةٍ طَوِيْلَةٍ:
لَمْ يَغْدُ شكْركَ فِي الخَلَائِقِ مُطْلَقًا
…
إِلَّا وَمَالَكَ فِي النَّوَالِ حَبِيْسُ
خَوَّلْتنَا شَمْسًا وَبَدْرًا أَشْرَقَتْ
…
بِهِمَا لَدَيْنَا الظِلْمَةُ الحنْدِيْسُ
رَشَاءٌ أَتَانَا وَهُوَ حُسْنًا يُوْسُفٌ
…
وَغَزَالَةٌ هِيَ بَهجَةً بَلْقِيْسِ
هَذَا وَلَمْ تَقْنَعْ بِذَاكَ وَهَذِهِ
…
حَتَّى بَعَثْتَ المَالَ وَهُوَ نَفِيْسُ
أَتَتِ الوَصِيْفَةُ وَهِيَ تَحْمِلُ بَدْرَةً
…
وَأَتَى عَلَى ظَهْرِ الوَصِيْفِ الكِيسُ
وَبَرَّرَتَا مِمَّا أَجَادَتْ حَوْكَهُ
…
مِصْرٌ وَزَادَتْ حُسْنَهُ تَنِّيْسُ
فَغَدَا لنَا مِنْ جُوْدِكَ المَأْكُوْلُ
…
وَالمَشْرُوْبُ وَالمَنْكُوْحُ وَالمَلْبُوْسُ (1)
فَقَالَ لَهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ: أَحْسَنْتَ إِلَّا فِي لَفْظَةِ "المَنْكُوْحُ" فَلَيْسَتْ مِمَّا يُخَاطَبُ بِهِ المُلُوْكُ وَهَذَا مِنْ عَجِيْبِ نَقْدِهِ.
(1)
قِيْلَ: قَدُمَ عُمَرَ بن أَبِي رَبِيْعَةَ المَدِيْنَةَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الأَحْوَصُ وَنَصيْبُ فَجَلِسُوا يَتَحَدَّثُوْنَ ثُمَّ سَأَلَهُمَا عَنْ كُثَيِّرٍ عزَّةَ فَقَالَا: هُوَ هَاهُنَا قَرِيْبًا. قَالَ: فَلَمَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِ فَإلَّا هُوَ أَشَدُّ إِبَاءً مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَاذْهَبُوا بِنَا إِلَيْهِ فَقَامُوا نَحْوَهُ فَأَلْفُوْهُ جَالِسًا فِي خَيْمَةٍ لَهُ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ لِلقُرْشِيّ وَلَا وَسَّعَ لَهُ فَجَلَسُوا إِلَيْهِ فَيَتَحَدَّثُوا سَاعَةً فَالْتفَتَ إِلَى عُمَرَ بن أَبِي رَبِيْعَةَ فَقَالَ: إِنَّكَ لَشَاعِرٌ لَوْلَا أَنَّكَ تُشَبِّبُ بِالمَرْأَةِ ثُمَّ تَدَعُهَا وَتُشَبِّبُ بِنَفْسِكَ. أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِكَ (2):
ثُمَّ اسْبَطَرَتْ تَشْتّدُّ فِي إِثْرِي
…
تَسْأَلُ أَهْلُ الطَّوَافِ عَنْ عُمَرِ
وَاللَّهِ لَوْ وَصَفْتَ بِهَذَا هِرَّةً لَكَانَ كَثِيْرًا ألَا قُلْتَ كَمَا قَالَ هَذَا يَعْنِي الأَحْوَصُ (3):
أَزُوْرُ وَلَوْلَا أَنْ أَرَى أُمَّ جَعْفَرٍ
…
بِأَبْيَاتِكُمْ مَا زِرْتُ حَيْثُ أَزُوْرُ
_________
(1)
ديوان الخالديين ص 162.
(2)
ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 198.
(3)
ديوان الأحوص الأنصاري ص 125.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَمَا كُنْتُ زَوَّارًا وَلَكِنْ ذَا الهَوَى
…
إِذَا لَمْ يُزَرْ لَا بُدَّ أَنْ سَيَزُوْرُ
قَالَ: فَانْكَسَرَ عُمَرُ بنُ أَبي رَبِيْعَةَ وَدَخَلَتِ الأَحْوَصُ الأُبَّهَةُ قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتُّ إِلَى الأَحْوَصِ فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِكَ (1):
فَإنْ تَصلِي أَصِلْكِ وَإِنْ تَبِيْنِي
…
بِهَجْرِكِ قَبْلَ وَصْلِكِ لَا أُبَالِى
أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ حُرًّا لَبَالَيْتَ أَلَا قُلْتَ كنا قَالَ هَذَا الأَسْوَدُ وَأَشَارَ إِلَى تَصَبُّبٍ:
بِزَيْنَب ألْمِمْ قَبْلَ أَنْ يَرْحَلَ الرَّكْبُ
…
وَقُلْ أَنْ طيْنَا فَمَا مَلَّكِ القَلْبُ
قَالَ: فَانْكَسَر الأَحْوَصُ وَدَخَلَتْ نَصِيْبًا الأَنْفَةُ ثم الْتفَتَ إِلَى نَصيْبٍ فَقَالَ أَخْبرْنِي عَنْ قَوْلِكَ:
أهِيْمُ بِدَعْدٍ مَا حَيِيْتُ وَإِنْ أَمُتْ
…
فَوَاكَبِدِي مِمَّنْ يَهِيْمُ بِهَا بَعْدِي
أَهَمَّكَ وَيْحَكَ مَنْ يَفْعَلُ بهَا بَعْدَكَ فَقَالُوا اللَّه أَكْبَرُ قَدْ اسْتَوَتِ القِرْقَةُ قُوْمُوا بنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا (2).
الفُرْقَةُ هِيَ لِعْبَةٌ لَهُمْ عَلَى خُطُوْطٍ وَاسْتِوَاؤُهَا انْقِضاؤُهَا. قَالَ الطِّبْنُ السِّدَرُ فَإِذَا زِيْدَ فِي خُطُوْطِهِ سَمَّتْهُ العَرَبُ القِرْقَةُ وَالسِّدَرُ تُسَمِّيْهِ العَامَّةُ.
وَسَمَرَ عَبْدُ الَملِكِ ابْنُ مَرْوَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَعِنْدَهُ كُثَيِّرِ عزَّة فَقَالَ لَهُ: انْشُدْنِي بَعْض مَا قُلْتَ فِي عزَّةَ فَأَنْشَدَهُ حَتَّى أَتَى عَلَى هَذَا البَيْتِ (3):
هَمَمْتُ وَهَمَّتْ ثُمَّ هَابَتْ وَهِبْتُهَا
…
حَيَاءً وَمِثْلِي بِالحَيَاءِ حَقِيْقُ
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَلِكِ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا بَيْتٌ أَنْشَدْتِنِيْهِ قَبْلَ هَذَا لَحَرَمْتُكَ جَائِزَتَكَ. قَالَ: وَلِمَ يَا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: لأَنَّكَ شَرَكْتهَا مَعَكَ فِي الهَيْبَةِ ثُمَّ أسْتَأْثَرْتَ بِالحَيَاءِ
_________
(1)
ديوان الأحوص ص 186.
(2)
العقد الفريد 5/ 372، الموشح ص 163.
(3)
ديوان كثير (إحسان عباس) ص 505.
البَيْتِ عَنْ إتْمَامِ هَذَا المَعْنَى، وَصَارَ لَفْظًا تَامًّا فِي الهَجْوِ، كَوْنَهُ جَحَدَ أَنْ يَرَى لِنَائِلِهِ وَقْتًا فِي يَوْمٍ مِنَ الدَّهْرِ، كَمَا تُرَى الأَشْيَاءُ فِي أوْقَاتِهَا. وَأَخَذَ أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا المَعْنَى، وَجَاءَ بِهِ تَمَامًا فِي لَفْظٍ تَامٍ فَقَالَ (1):[من البسيط]
وَوَاهِبًا كُلَّ وَقْتٍ وَقْتَ نَائِلِهِ
…
وَرُبَّمَا يَهَبُ الوَهَّابُ أَحْيَانَا (2)
= دُوْنَهَا. قَالَ: فَأَيُّ بَيْتٍ عَفَوْتَ عَنِّي بِهِ يَا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ قَوْلُكُ (1):
دَعْوُنِي لَا أرِيْدُ بِهَا سِوَاهَا
…
دَعْوُنِي هَائِمًا فِيْمَنْ تَهِيْمُ
(1)
ديوان المتنبي 4/ 235.
(2)
هَذَا البَيْتُ مِنْ جمْلَةِ أَبْيَاتٍ لأَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّيّ يَمْدَحُ بِهَا أَبَا سَهْلٍ سَعِيْدُ بن عَبْد اللَّهِ الأنْطَاكِيّ أَخَا القَاضِي مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الخَصيْبِيّ قَاضِي أَنْطَاكِيَةَ وَكَانَ بَيْنَ أَبِي الطَّيِّبِ وَبَيْنَهُمَا مَوَدَّةً فَمِنْ مُسْتَحْسَنِهَا قَوْلهُ (2):
قَدْ كُنْتُ أَشْفِقُ مِنْ دَمْعِي عَلَى بَصَرِي
…
فَاليَوْمَ كُلُّ عَزِيْزٍ بَعْدَكُمْ هَانَا
أَبْدُو فَيَسْجُدُ مَنْ بِالسُّوْءِ يَذْكرُنِي
…
وَلَا أُعَاتِبُهُ صَفْحًا وَأَهْوَانَا
وَهَكَذَا كُنْتُ فِي أَهْلِي وَفِي وَطَنِي
…
إِنَّ الشَّرِيْفَ عَزِيْزٌ حَيْثُمَا كَانَا
يَقُوْلُ فِي المَدْحِ مِنْهَا:
قَدْ شَرَّفَ اللَّهُ أَرْضًا أَنْتَ سَاكِنُهَا
…
وَسَرَّفَ النَّاسَ إِذْ سَوَّاكَ إِنْسَانَا
إِنْ كُوْتِبُوا وَلقُوا وَحُوْرِبُوا وُجِدُوا
…
وَفِي الخَطِّ وَاللَّفْظِ وَالهَيْجَاءِ فُرْسَانَا
وَوَاهِبًا كُلَّ وَقْتٍ. البَيْتُ
وَقَدْ أُخِذَ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ اسْتِفْتَاحَهُ قَصِيْدَةٍ فِي مَدْحِ مَلِكٍ يُرِيْدُ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا أَوَّلَ لِقْيَةٍ (3):
كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى المَوْتَ شَافِيًا
…
وَحَسْبُ المَنَايَا أَنْ يُكنَّ أمَانيَا
_________
(1)
العقد الفريد 5/ 374.
(2)
ديوانه 4/ 222 - 223، 227، 231.
(3)
ديوانه 4/ 281.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَفِي الابْتِدَاءِ يَذْكرُ الدَّاءَ وَالمَوْتَ وَالمَنَايَا مَا فِيْهِ مِنَ الطَّيْرَةِ الَّتِي يَنْفرُ مِنْهَا السُّوْقَةُ فَضْلًا عَنِ المُلُوْكِ. وَذَلِكَ كَمَا أَنْشَدَ أَبُو مُقَاتِلِ الدَّاعِيَّ وَمَدَحَهُ بِقَوْلهِ فِي يَوْمِ المَهْرَجَانِ (1):
لَا تَقُل بُشْرَى وَلَكِنْ بُشْرَيَانِ
…
غُرَّةُ الدَّاعِي وَيَوْمُ المَهْرَجَانِ
فَإِنَّهُ نفرَ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَقُلْ بُشْرَى أَشَدُّ نَفَارٍ.
وَمِمَّا أُخِذَ عَلَى المُتَنَبِّيّ قَوْلهُ لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ فِي التَّسْلِيَةِ عَنِ المُصِيْبَةِ (2):
لَا يُحْزِنُ اللَّهُ الأَمِيْرَ فَإِنَّنِي
…
لآخِذٌ مِنْ حَالَاتِهِ بِنَصِيْبِ
قَالَ الصَّاحِبُ بن عبَّادٍ: لَا أَدْرِي لِمَ لَا يَحْزَن سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِذْ أَخَذَ المُتَنَبِّيّ بنَصِيْبهِ مِنَ القَلَقِ (3)
وَمِمَّا أُخِذَ عَلَى المُتَنَبِّيّ أَيْضًا لَهُ (4):
لَوْ اسْتَطَعْتُ رَكِبْتُ النَّاسَ كُلّهُمُ
…
إِلَى سَعِيْدِ بن عَبْد اللَّهِ بُعْرَانَا
قَالَ الصاحِبُ: وَمِنَ النَّاسِ أُمّهُ فَهَلْ يَنْشطُ لِرِكُوْبهَا المَمْدُوحُ لَعَلَّ لَهُ عُصْبَةً لَا يرِيْدُ أَنْ يَرْكبُوا إِلَيْهِ هَلْ فِي الأَرْضِ أَفْحَشُ مِنْ هَذَا التَّسَحُّبِ وَأَوْضَعُ مِنْ هَذَا التَّبَسُّطِ (5)؟
* * *
وَقَدْ أُخِذَ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ قَوْلهُ (6):
شَدِيْدُ البُعْدِ مِنْ شربِ الشمُوْلِ
…
تَرَنْجِ الهِنْدُ أَوْ طَلْعُ البَخِيْلِ
_________
(1)
الكشف عن مساوئ المتنجي ص 249 - 250.
(2)
ديوان المتنجي 1/ 49.
(3)
الكشف عن مساوئ المتنجي ص 255.
(4)
ديوان المتنبي 4/ 224.
(5)
الكشف عن مساوئ المتنجي ص 269.
(6)
ديوانه 3/ 90.
فَالبُحْتُرِيُّ أَرَادَ هَذَا المَعْنَى فِي البَيْتِ المُقَدَّمِ ذِكْرُهُ، وَلَمْ يَتَأَتَّ لَهُ، وَقَصَّرَ عَنْهُ، وَالمُتَنَبِّيّ جَاءَ بِهِ فِي نِصْفِ بَيْتٍ، وَاسْتَوْفَى المَعْنَى تَمَامًا، وَجَعَلُ نِصْفَهُ الآخَرَ مَثَلًا سَائِرًا، لِيُحْكِمَ بِهِ المَعْنَى (1).
= الترنجُ: مِمَّا تَغْلِظُ فِيْهِ العامَّةُ وَإِنَّمَا المَعرُوْفُ عِنْدَ العَرَبِ الأترج.
قَالَ الصَّاحِبُ: لَا أَدْرِي الاسْتِهْلَالُ أَحْسَن أَم المَعْنَى أَبْدَعُ أَم قَوْلُ ترنج أَفْصَحُ (1).
(1)
وَمِمَّا أُخِذَ عَلَى أَبُو الطيِّبِ المُتَنَبِّيّ تَكْرِيْرهُ اللَّفْظِ فِي البَيْتِ الوَاحِدِ من غير تَجْنِيْسٍ فِي قَوْلِهِ (2):
وَمِنَ جَاهِلٍ بي وَهُوَ يَجْهَلُ جَهْلَهُ
…
وَيَجْهَلُ عِلْمِي أَنَّهُ بِي جَاهِلُ
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ القَصِيْدَةِ أَيْضًا (3):
فَقَلْقَلْتَ بِالهَمِّ الَّذِي قَلْقَلَ الحَشَا
…
قَلَاقِلَ عَيْشٍ كُلُّهُنَّ قَلَاقِلُ
وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ فِي مَرْثِيَّةٍ (4):
وَأَفْجَعُ مِنْ فَقدَنَا مَنْ وَجَدْنَا
…
قَبِيْلَ الفَقْدِ مَفْقُوْدَ المِثَالِ
قَالَ الصَّاحِبُ بن عَبَّادٍ: إِنِّي لأَظنُّ المصِيْبَةَ فِي الرَّاثِي أَعْظَمُ مِنْهَا فِي المَرْثِيَّ لَا سِيِّمَا وَقَدْ اتَّخَذَ هَذِهِ الطَّرِيْقَةِ فِي شِعْرِهِ دَيْدَناص، فَقَالَ -يَعْنِي- أَبَا الطَّيِّبِ (5):
عَظُمْتَ فَلَمَّا لَمْ تُكَلّمْ مَهَابَةً تَوَاضَعْتَ
…
وَهُوَ العُظْمُ عُظْمًا عَنِ العُظْمِ
وَقَالَ أَبُو الطِّيِّبِ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ (6):
_________
(1)
أنظر: الكشف عن مساوئ المتنبي ص 257.
(2)
ديوانه 3/ 174 - 175.
(3)
ديوانه 3/ 174 - 175.
(4)
ديوانه 3/ 18.
(5)
ديوان المتنبي 4/ 58.
(6)
ديوانه 2/ 290.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَلَا الضِّعْفُ حَتَّى يَبْلُغَ الضِّعْفَ ضِعْفُهُ
…
وَلَا ضِعْفُ ضِعْفِ الضِّعْفِ بَلْ مِثْلُهُ أَلْفُ
وَقَالَ (1):
وَكُلُّكُمْ أَتَى مَا أَتَى أِبيْهِ
…
فَكُلُّ فعَالِ كُلّكُمْ عِجَابُ
وَقَالَ (2):
وَنَهْبُ نُفُوْسِ النَّهْبِ أَوْلَى
…
بِأَهْلِ النَّهْبِ مِنْ نَهْبِ القمَاشِ
مَعَ أَنَّ قَوْلهُ: مِنْ نَهْبِ القمَاشِ كَلَامٌ رَكِيْكٌ يَشْبِهُ كَلَامَ السُّوْقَةِ.
وَقَالَ (3):
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ جِيْرَانِي وَمِثْلِي
…
لِمِثْلِي عِنْدَ مثْلَهُمُ مُقَامُ
وَقَالَ (4):
مَلُوْلَةٌ مَا يَدُوْمُ لَيْسَ
…
لَهَا مِنْ مَلَلٍ دَائِمٍ بِهَا مَلَلُ
وَقَالَ (5):
أَرَاهُ صَغِيْرًا قَدْرَهَا عِظْمُ قَدْرِهِ
…
فَمَا لِعظْمٍ قَدْرُهُ عِنْدَهُ قَدْرُ
وَقَالَ (6):
جَوَابُ مُسَائِلِي مَا لَهُ نَظِيْرٌ
…
وَلَا لَكَ فِي سُؤَالِكِ لَا إِلَّا
قَالَ الصَّاحِبُ: مَا قَدّرْتُ إِنَّ مِثْلَ هَذَا البيتِ يلحُ مُسْتمعًا وَلَقَدْ سَمِعْتُ بِالفَافَاءِ وَلَمْ
_________
(1)
ديوانه 1/ 85.
(2)
ديوانه 2/ 210.
(3)
ديوانه 4/ 73.
(4)
ديوانه 3/ 309.
(5)
ديوانه 2/ 15.
(6)
ديوانه 3/ 229.
وَلَوْلَا مَخَافَةُ الإِطَالَةِ وَالإِسْهَابِ، لأَوْرَدْنَا مِنْ هَذَا البَابِ مَا قَدْ جَرَى فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَلْفَاظِ الوُزَرَاءِ وَالأُمَرَاءِ فِي مُذَاكَرَاتِهِم وَمُحَاضَرَاتِهِم مِنْهُ كَثيْرًا، وَلَكِنَ الشَّرْطَ فِي هَذِهِ المُقَدَّمَةِ الاخْتِصَارُ (1).
= أَسْمَعُهُ يَقُوْلُ لَا إِلَّا لَا حَتَّى رَأَيْتُ هَذَا المُتَكَلِّفَ المُتَعَسِّفَ يَقُوْلُ مِثْل هَذَا (1).
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الأَصْمَعِيُّ لِلَّذِي أَنْشَدَهُ قَوْلُ القَائِلُ:
فَمَا لِلنَّوَى جَدّ النَّوَى قُطعَ النَّوَى
…
كَذَاكَ النَّوَى قطَّاعَةٌ لِوِصَالِ
لَوْ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَى هَذَا البَيْتِ شَاةً لأكَلَتِ النَّوَى كُلَّهُ (2).
وَقَدْ يَرِدُ مِنْ هَذَا البَابِ مَا يَدْخُلُ فِي حَيِّزِ الاسْتِحْسَانِ كَقَوْلِ أَبِي العَشَائِرِ:
هِيَ الخَمْرُ فِي حُسْنٍ وَكَالخَمْرِ رِيْقُهَا
…
وَرِقَّةُ ذَاكَ اللَّوْنِ فِي رِقَّهِ الخَمْرِ
فَقَدْ جُمِعَتْ فِيْهَا خُمُورٌ ثَلَاثَةٌ وَفِي وَاحِدٍ سُكْرُ يَزِيْدُ عَلَى السُّكْرِ.
فَأَمَّا قَوْلُ المُتَنَبِّيّ (3):
العَارِضُ الهتْنُ بنِ العَارِضِ الهْتنِ
…
بنِ العَارِضِ الهتْنِ
وَالعَارِضُ فَلَيْسَ بِمَوْضِعِ مَا حدٍ تَكْرِيْرهُ لذلك أَرْبَع مَرَّاتٍ وَغَرَضَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ المَمْدُوْحَ مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَد بن - الَّذِي - لأَنَّ هَذَا المَمْدُوْحَ سَيِّدُ بنِ سَيِّدِ بنِ سَيِّدِ بنِ سَيِّدِ وَأَنَّ جَدُّهُ إِنْ كَانَ فَاتِحَةَ سُؤْدَدٍ فَإِنَّ ----- عَهْدِهَا القَاضِي الممدوح لَمْ يُقَصِّر هو ولا أَبُوْهُ ولا جَدُّهُ عَنْ سُؤْدَدِ الخَصِيْبِ.
(1)
وَأَقُوْلُ: كَمْ مِنْ قَارِضٍ لِلشِّعْرِ حَاذِق فِي نَظْمِهِ وَيَأْتِي فِيْهِ بِالدرّةِ وَالبَعْرَةِ لَا يَسْتَطِيْعُ التَّمْيِيْز بَيْنَهُمَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّقْدِ وَصُعُوْبَتِهِ عَلَيْهِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ القَائِلُ:
يَا أَبَا جَعْفَر أَتَحْكِمُ فِي الشِّـ
…
ـعْرِ وَمَا فِيْكَ إلهُ الحُكَّامِ
إِنَّ نَقدَ الدِّيْنَارِ إِلَّا عَلَى الصَّيْرَفِ
…
صعْبٌ فَكيْفَ نَقْدُ الكَلَامِ
_________
(1)
الكشف عن مساوئ المتنبي ص 260.
(2)
نفس المصدر ص 256.
(3)
ديوانه 4/ 216.