الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَوْلُهُ: جَعَلْتُ يَدَيَّ وِشَاحًا لَهُ إشَارَةً بَدِيْعَةً بِغَيْرِ لَفْظِ الاعْتِنَاق، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ. وَالنَّوْعُ الآخَرُ أَنَّ الإِشَارَةَ هِيَ الإيْمَاءُ إِلَى الشَّخْصِ المُخَاطَبِ المُعَايَنِ، وَهِيَ مُسْتَحْلَاةٌ وَإِذَا تَكَرَّرَتْ فِي الشِّعْرِ بِالإِشَارَةِ إِلَى المَمْدُوْح أَوْ المَذْمُوْمِ، وَكَانَتْ مَعَ تَكْرَارِهَا حَادَّةً لَا يَعْتَرِيْهَا فُتُوْرٌ، وَلَا رِكَّةٌ، دَلَّتْ عَلَى تَمَكُّنِ الشَّاعِرِ، وَقُدْرَتهِ عَلَى الكَلَامِ، وَحِذْقِهُ وَبَرَاعَتِهِ فِي صَنْعَتِهِ، كَقَوْلِ الفَرَزْدَقِ (1):[من البسيط]
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ
…
وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهمُ
…
هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إِنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ
…
بِجَدِّهِ أنْبِيَاءُ اللَّهِ قَدْ خُتِمُوا
وَبَرَاعَةُ الابْتِدَاءِ:
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: لامْرِئِ القَيْسِ بَيْتٌ لَمْ يَسْبِقَهُ إِلَيْهِ أحَد، وَلَا ابْتَدَأَ بِمِثْلِهِ شَاعِرٌ.
= ثُمَّ قَالَ (1): تَأَمَّل مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ لَفْظَةُ أَفَانِيْنَ مِمَّا لَوْ عَدّهُ لَكَانَ كَثِيْرًا وَمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ جَمِيع أَصْنَافِ الجُّوْدَةِ طَوْعًا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَلَا مَسْأَلَةٍ ثمَّ نَفَى عَنْهُ الكَزَازَةَ وَالوَنَا وَهُمَا أَكْبَرُ مَعَايِبِ الخَيْلِ الَّتِي يَرْتَبِطُهَا الفُرْسَانُ لِلْمُنَازَلَةِ. وَهَذَا مِنْ بَابِ إِشْبَاعِ المَعْنَى بأَوْجَزِ لَفْظٍ وَإِبْرَازِهِ فِي أَكْمَلِ صِيْغَةٍ مِنَ البَيَانِ وَقَدْ ذُكرَ فِي بَابِهِمَا عَلَى الانْفِرَادِ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِذِكرِ هَذِهِ الحِكَايَةِ هَاهُنَا لِنُبيِّنَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ قُدَامَةَ الكَاتِب.
* * *
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابن الدُّمَيْنَةَ (2):
وَأَنْتِ الَّتِي كَلَّفَتْنِي دَلْجَ السَّرَى
…
وَجُوْنُ القَطَا بِالجلْتَمَيْنِ جُثُوْمُ
وَأَنْتِ الَّتِي أَحْفَظتِ قَوْمِي فَكُلُّهُمْ
…
بَعِيْدُ الرِّضَا دَانِي الصُّدُوْدِ مُلِيْمُ
وَأَنْتِ الَّتِي قَطَعْتِ قَلْبِي جَزَازَةً
…
وَفَرَّقْتِ قَرْحَ الطِّيْبِ فَهُوَ كَلِيْمُ
(1)
ديوانه ص 511.
_________
(1)
حلية المحاضرة 1/ 39، شرح مقامات الحريري 2/ 229.
(2)
ديوانه ص 42.
وَقَفَ فِيْهِ، وَاسْتَوْقَفَ، وَبَكَى، وَاسْتَبْكَى، وَذَكَرَ الأحِبَّةِ وَالدِّمَنَ، وَالمَنَازَلَ فِي المِصْرَاعِ الأوَّلِ، فَقَالَ (1):[من الطويل]
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمْ يَبْتَدِئْ أحَدٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ بأحْسَنَ مِمَّا ابْتَدَأَ بهِ أوْسُ بن حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ (2): [من المنسرح]
أيَّتُهَا النَّفْسُ اجْمِلِي جَزَعًا
…
إِنَّ الَّذِي تَحْذَرِيْنَ قَدْ وَقَعَا
لأَنَّهُ افْتَتَحَ المَرْثِيَّةَ بِلَفْظٍ نَطَقَ بِهِ عَلَى المَذْهَبِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْهَا فَأَشْعَرَنَا مُرَادَهُ فِي أوَّلِ بَيْتٍ، وَهَذَا نِهَايَةٌ فِي وَصْفِ الشِّعْرِ وَالشَّاعِرِ. وَقَوْلِ أَبِي ذُؤَيْبِ لأَنَّهُ ابْتَدَأَ كَلَامَهُ بِمَا دَلَّ فِي أوَّلِهِ عَلَى آخِرِ غَرَضِهِ، فَقَالَ (3):[من الكامل]
أَمِنَ المَنُوْنِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ
…
وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قَالَ: وَإِنِّي لأعْجَبُ كِيْفَ لَمْ يَقُلِ النَّاسُ: إِنَّ أَشْعَرَ بَيْتٍ قَالتهُ العَرَبُ قَوْلَهُ أَيْضًا (4): [من الكامل]
وَالنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَهَا
…
وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيْلٍ تَقْنَعُ
وَمِنْ بَدِيْع ابْتِدَاآتِ المُحْدِثينَ قَوْلُ أَبِي نُوَاسٍ (5): [من الطويل]
لَمِنْ دِمنٌ تَزْدَادُ حُسْنَ رُسُوْمِ
…
عَلَى طُوْلِ مَا أَقْوَتْ وَطِيْبَ نَسِيْمِ
تَجَافَى البِلَى عَنْهُنَّ حَتَّى كَأَنَّمَا
…
لَبِسْنَ عَلَى الإِقْوَاءِ ثَوْبَ نَعِيْمِ
وَأكْثَرُ ابْتِدَاآتِهِ وَأَتْبَاعُهَا مَنْصُوْرَةٌ (6).
(1) ديوان امرئ القيس ص 8.
(2)
ديوانه ص 54.
(3)
لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 4.
(4)
شرح أشعار الهذليين 1/ 11.
(5)
ديوانه ص 447.
(6)
للحاتمي في حلية المحاضرة 1/ 99.
وَمِمَّنْ تَنَاصَرَ إحْسَانُهُ فِي ابْتِدَاآتِهِ أَبُو تَمَّامٍ حَيْثُ يَقُوْلُ (1): [من البسيط]
السَّيْفُ أصْدَقُ أنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
وَكَقَوْلِهِ أَيْضًا (2): [من الكامل]
الحَقُّ أبْلَجُ وَالسُّيُوْفُ عَوَارِي
…
فَحَذَارِ مِنْ أسْدِ العَرِيْنِ حَذَارِ
وَمِمَّا أحْسَنَ فِيْهِ أَبُو تَمَّامٍ كُلَّ الإِحْسَانِ (3) حَتَّى لَقَدْ جَرَى هُوَ وَأَوْسٌ فِي
(1) ديوانه 1/ 40.
(2)
ديوانه 1/ 198.
(3)
مَا عَلِمْتُ أحَدًا مِنَ المُحْدَثِيْنَ تَتَابَعَ إِحْسَانُهُ فِي ابْتِدَائِهِ كَأَبِي تَمَّامٍ حَيْثُ يَقُوْلُ (1):
دَمِنٌ أَلَمَّ بِهَا فَقَالَ سَلَامُكُمْ
…
حَلَّ عِقْدَةَ صَبْرِهِ الإِلْمَامُ
وَكَقوْلِهِ (2):
مَا فِي وُقُوْفِكَ سَاعَةً مِنْ بَاسِ
…
نَقْضِي ذِمَامَ الأَرْبَعِ الأَدْرَاسِ
وَكَقَوْلِهِ (3):
أَرَأَيْتَ أَيُّ سَوَالِفٍ وَخُدُوْدِ
وَكَقَوْلِهِ (4):
أَيُّهَا البَرْقُ بتْ بِأَعْلَى البراقِ
…
وَاغْدُ فِيْهَا بِوَابِلٍ غَيْدَاقِ
وَتَعَلَّمْ بِأَنَّهُ مَا لأنوَاَيِكَ
…
مَا لَمْ تَرَوْهَا مِنْ خَلاقِ
دمنٌ طَالَمَا التَقَتْ أَدْمُعُ المُزْنِ
…
عَلَيْهَا وَأَدْمُعُ العشَّاقِ
وَهَذَا البَيْتُ فِيْهِ أَحْسَنُ مَا وَرَدَ فِي الاسْتِعَارَةِ بِقَوْلهِ أَدْمُعُ المُزْنِ لأَنَّهَا اسْتِعَارَ لَطِيْفَةٌ
_________
(1)
ديوانه 3/ 150.
(2)
ديوانه ص 2/ 242.
(3)
ديوانه ص 1/ 388، وعجزه: عنت لنا بين اللوى وزرود.
(4)
ديوانه ص 2/ 447.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بِارِعَةٌ جِدًّا وَمِنْ مَلِيْحِ ابْتِدَائِهِ قَوْلُهُ (1):
سَعِدَتْ غِرْبَةُ النَّوَى بِسُعَادِ
…
فَهِيَ طَوْعُ الإِتهَامِ وَالإِنْجَادِ
وَكَقَوْلِهِ (2):
أَسْقَى طُلُوْلَهُمُ أَجَشُّ هَزِيْمُ
وَكَقَوْلِهِ (3):
لَا أَنْتَ أَنْتَ وَلَا الدِّيَارُ ديَارُ
…
خَفَّ الهَوَى وَتَقَضَّتِ الأَوْطَارُ
كَانَتْ مُجَاوِرَة الطُّلُوْلِ وَأَهْلهَا
…
زَمَنًا عِذَابَ الوِرْدِ فَهِيَ بِحَارُ
وَمِنْ ابْتِدَاءَات البُحْتُرِيُّ: الَّتِي وُفِّقَ فِيْهَا قَوْلُهُ (4):
عَارَضْنَنَا أَصْلًا فَقُلْنَا الرَّبْرَبُ
…
حَتَّى اسْتَبَانَ الأُقْحوَانُ الأَشْنَبُ
وَقَوْمٌ يَزْعُمُوْنَ أَنَّ أَحْسَنَ ابْتِدَاءَاتِهِ قَوْلُهُ (5):
ضَمَانٌ عَلَى عَيْنَيْكِ إنِّي لَا أَسْلُو
أَخْبَرَ أَبُو عُمَرُ عَنْ أَحْمَدَ بن يَحْيَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيْمِيّ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ الأَعْرَابِيّ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ: مَا ظَنَنْتُ أحَدًا فِي زَمَانِنَا يُحْسِنُ أَنْ يَبْتَدِى فَيَقُوْلَ كَمَا قَالَ إبْرَاهِيْمُ بن إِسْحَاقِ المُوْصَلّيُّ (6):
هَلْ إِلَى أَنْ تَنَامَ عَيْنِي سَبِيْلُ
…
إِنَّ عَهْدِي بِالنَّوْمِ عَهْدٌ طَوِيْلُ
_________
(1)
ديوانه ص 1/ 356.
(2)
ديوانه ص 3/ 289.
(3)
ديوانه ص 2/ 166.
(4)
ديوانه ص 1/ 71.
(5)
ديوان البحتري 3/ 1615، وعجزه:
وأن فؤادي من جوى بك لا يخلو.
(6)
الأغاني 5/ 379 وفيه لإسحاق بن إبراهيم الموصلي.
مِضْمَارٍ وَاحِدٍ بِقَوْلهِ مُبْتَدِئًا فِي مَرْثِيَّةٍ (1): [من الطويل]
أَصَمَّ بِكَ الدَّاعِي وَإِنْ كَانَ أَسْمَعَا
وَلَا أعْلَمُ أحَدًا قَالَ نَظِيْرًا لِقَوْلِ أوْسٍ (2): أيَّتُهَا النَّفْسُ أَجْمِلِي جَزَعَا.
إِلَّا أَبُو تَمَّامٍ بِقَوْلهِ هَذَا.
وَمِنْ إحْسَانِ البُحْتُرِيِّ فِي ابْتِدَائِهِ قَوْلُهُ (3): [من الوافر]
أَنَاةً أيُّهَا الفَلَكُ المُدَارُ
…
أَنَهْبٌ مَا تُقَسِّمَ أمْ جُبَارُ (4)
= أَمَّا بَيْتُ إبْرَاهِيْمَ فَعَذْبُ المَشْرَبِ مُتَوَقِّدُ الكَوْكَبُ إِلَّا أَنَّ قَوْلَ أَبِي نُوَّاسٍ كَدَّرَ صَفْوَهُ وَكَذَّبَ نَوْءَهُ وَهُوَ قَوْلهُ (1):
رَسْمُ الكَرَى بَيْنَ الجُفُوْنِ مُحِيْلُ
…
عَفِّي عَلَيْهِ أَسًى عَلَيْكِ طَوِيْلُ
يَا نَاظِرًا مَا أَقْلَعَتْ لَحَظَاتهُ
…
إِلَّا تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيْلُ
أَحْلَلْتِ قَلْبِي مِنْ هَوَاكِ مَحَلَّةً
…
مَا حَلَّهَا المَشْرُوْبُ وَالمَأْكُوْلَ
(1)
لأبي تمام في ديوانه 4/ 99.
(2)
ديوان أوس بن حجر ص 54.
(3)
ديوانه 2/ 959.
(4)
يَقُوْلُ مِنْهَا (2):
وَمَا أَهْلُ المَنَازِلِ غَيْرُ رَكْبٍ
…
مَطَايَاهُمْ رَوَاحٌ وَابْتِكَارُ
لنَا فِي الدَّهْرِ آمَالٌ طِوَالٌ
…
نُرَجِّيْهَما وَأَعْمَارٌ قِصَارُ
أَصَابَ الدَّهْرُ دَوْلَةَ آلِ وَهْبٍ
…
وَنَالَ اللَّيْلُ مِنْهَا وَالنَّهَارُ
أَعَارَهُمُ ردَاءَ العِزِّ حَتَّى
…
تَقَاضَاهُمْ فَرَدُّوا مَا استَعَارُوا
وَمَا كَانُوا فَأَوْجُهُمْ بُدُوْرٌ
…
لِمُخْتَبِطٍ وأَيْدِيْهِمْ بِحَارُ
* * *
_________
(1)
ديوانه ص 255.
(2)
ديوان البحتري 2/ 960 - 961.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أَخْبَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بنِ دَرَسْتَوَيْهِ عَنْ أَبي دُرَيْدٍ عَنْ أَبي العَالِيَةِ عَنْ الأَصْمَعِيّ عَنْ أَبي عَمْرُو بنِ العَلَاءِ قَالَ: الابْتِدَاءَاتُ البَارِعَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ أَصْحَابُهَا خَمْسَةٌ، قَوْلُ النَّابِغَةِ:
كِلِيْنِي لَهُمٍ يَا أميْمَةَ نَاصِبٍ
…
وَلَيْلٍ أُقَاسيْهِ بَطِيْءِ الكَوَاكِب
وَقَوْلُهُ أَيْضًا (1):
يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ
…
أَقْوَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا سَالِفُ الأَبدِ
وَقَوْلُ عَلْقَمَةَ بن عَبَدَةَ (2):
طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الحِسَانِ طَرُوْبُ
…
بُعَيْدَ الشَّبَابِ حِيْنَ حَانَ مَشِيْبُ
وَقَوْلُهُ أَيْضًا (3):
هَلْ مَا عَلِمْتَ وَمَا اسْتَوْدَعْتَ مَكْتُوْمُ
…
أَمْ حَبْلهَا إِذْ نَأَتْكَ اليَوْمَ مَصْرُوْمُ
وَقَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ (4):
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
…
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
وَقَالَ أَبُو عَمْرُو بن العَلَاءِ: هَذَا مِنْ أَحْسَنِ الابْتِدَاءَاتِ وَأَبْرَعِهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضًا:
ألَا أَنْعِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ البَالِي
وَبَعْدَهُ فِي الإِسْلَامِ قَوْلُ القُطَامِيّ (5):
إنَا مُحَيُّوْكَ فَاسْلَمْ أَيُّهَا الطَّلَلُ
…
وَإِنْ بَلِيْتَ وَإِنْ طَالَتْ بِكَ الطِّيَلُ
_________
(1)
للنابغة الذبياني في ديوانه ص 14.
(2)
ديوانه ص 23.
(3)
ديوانه ص 33.
(4)
ديوانه ص 8.
(5)
ديوانه ص 23.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَمِنْ المُحْدَثِيْنَ بَشَّارٌ فِي قَوْلِهِ (1):
أَبَى طَلَلٌ بِالجزْعِ أَنْ يَتَكَلَّمَا
وَمِنْ الابْتَدَاءَاتِ السَّهْلَةِ المَطْلَعِ قَوْلُ البُحْتُرِيِّ (2):
أَمِنْكَ تَأَوُّبُ الطَّيْفِ الطَّرُوْبِ
…
حَبِيْب جَاءَ يُهْدَى مِنْ حَبِيْبِ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلهُ أَيْضًا (3):
هَذَا الحَبِيْبُ فَمَرْحَبًا بِخَيَالِهِ
…
أَنَّى اهْتَدَى وَاللَّيْلُ فِي سِرْبَالِهِ
وَقَوْلُهُ أَيْضًا (4):
هَذِي المَعَاهِدُ مِنْ سُعَادَ فَسَلِّمِ
…
وَاسْأَل وَإِنْ رَحَمَتْ فَلَمْ تَتَكَلَّمِ
* * *
وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِيْنَ مَا هَذَا لَفْظه أَوْ أَكْثَرُ لَفظِهِ مِنَ الشُّعَرَاءِ مَنْ وَقَفَ وَاسْتَوْقَفَ وَبَكَى وَأَبْكَى وَذَكَر الحَبِيْبَ وَالمَنْزِلَ فِي نِصْفِ بَيْتٍ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ. فَقَالُوا فَدَيْنَاكَ أَنْتَ فِي هَذَا النَّقْدِ أَشْعَرُ مِنْهُ.
* * *
عَنِ الحَكِيْمِيِّ عَنِ الأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَحْبَّتِ النَّاسِ أوَائِلِ شِعْرِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيّ وَالفَرَزْدَقُ وَأَطْيَبُهُمْ أَوَائِلُ شِعْرِ قَيْس بن الخَطِيمِ وَجَرِيْرٌ وَأَنْشَدَ لِقَيْسٍ (5):
أَتَعْرِفُ رَسْمًا كَاطِّرَادِ المَذَاهِبِ
…
لِعَمْرَةَ وَحْشًا غَيرَ مَوْقِفِ رَاكِبِ
_________
(1)
ديوانه 4/ 183.
(2)
ديوانه 1/ 98.
(3)
ديوانه 3/ 1788.
(4)
ديوان البحتري 4/ 2080.
(5)
ديوان قيس بن الخطيم ص 67.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قَالَ وَقَوْلهُ: وَلَا أَعْرِفُ فِي الطَّيْفِ مِثْلهُ (1).
إِنِّي سَرَيْتُ وَكُنْتُ غَيْرَ سَرُوْبِ
…
وَتَقَرُّبِ الأحْلَامُ غَيْرَ قَرِيْبِ
مَا تَمْنَعِي يَقْضِي فَقَدْ تُؤْتِينَهُ
…
فِي النَّوْمِ غَيْرَ مُصرَّدٍ مَحْسُوْبِ
قَوْلُه: مَا تَمْنَعِي يَقْضي فَقَدْ تُؤْتينَهُ مِثْلُ قَوْلِ الأَعْشَى (2):
يَجْحَدْنَ دَيْنِي بِالنَّهَارِ وَأَقْتَضِي
…
دَيْنِي إِذَا وَقَصَ النُّعَاسُ الرُّقَّدَا
وَالأَعْشَى اعْتَمَدَ فِيْهِ عَلَى قَوْلِ عَمْرُو بن قمِيْئَةَ (3):
نَأَتْكَ أَمَامَهُ إِلَّا سُؤَالَا
…
وَإِلَّا خَيَالًا يُبَارِي خَيَالَا
يُوَافِي مَعَ اللَّيْلِ مِيْعَادهَا
…
وَيَأْتِي مَعَ الصُّبْحِ الأَزْيئَالَا
وَمِنْ أَحْسَنِ الابْتِدَاءَاتِ قَوْلُ أَبِي نُوَّاسٍ (4):
أَلَا لَا تَرَى مِثْلِي أمتَرَى اليَوْمَ فِي
…
رَسْمٍ توُهِمُهُ عَيْني وَيَلْفِظُهُ فَمِي
أَنْتَ صُوْرَةُ الأَشْيَاءِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
…
فَظَنِّي كَلا ظنِّي وَعِلْمِي كَلا عِلْمِي
فَالسَّابِقُ إِلَى هَذَا امْرُؤُ القَيْسِ بِقَوْله (5):
لِمَنْ طَلَلٌ دَاثِرٌ آيُهُ
…
أضَرَّ بِهِ سَالِفُ الأَحْرُسِ
تَنْكرهُ العَيْنُ مِنْ حَادِثٍ
…
وِيَعْرفهُ شَعفُ الأَنْفُسِ
وَقَدْ اتَّبَعَ أَبَا نُوَاسٍ طَرِيْحُ ابن إسْمَاعِيْلَ الثَّقْفِي فَقَالَ (6):
تَسْتَخْبِرُ الدِّمْنَ القِفَارَ وَلَمْ تَكُنْ
…
لترُدَّ مُخْبِرَةً عَلَى مُسْتَخْبِرِ
_________
(1)
ديوان قيس بن الخطيم ص 55.
(3)
ديوانه ص 277.
(3)
الأغاني 18/ 138.
(4)
ديوانه ص 87.
(5)
ديوانه ص 339.
(6)
مجموع شعره ص 303، زهر الآداب 1/ 240.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فَظلَلْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ قَلْبٍ عَارِفٍ
…
مَعْنَى أَحبَّتِهِ وَطَرْفٍ منكِرِ
ومِنْ إِحْسَانِ أَبِي نُوَّاس فِي ابْتِدَائِهِ حَيْثُ يَقُوْلُ (1):
صِفَةُ الطُّلُوْلِ بَلَاغَةُ الفَدْمِ
…
فَاجْعَلْ صِفَاتِكَ لابْنَةِ الكَرْمِ
وَإِذَا نَعَتَّ الشَّيْءَ مُتَّبِعًا
…
لَمْ تَخْلُ مِنْ زَلَلٍ وَمِنْ وَهْمِ
لَا تُخْدَ عَنْ عَنِ الَّتِي جُعِلَتْ
…
سَقَمَ الصَّحِيْحِ وَصِحَّةِ السَّقمِ
أَمَّا أَبْيَاتُ أَبِي نُوَّاسٍ هَذِهِ فَمَا يَسْتَطِيْعُ أَحَدٌ يُمَاثِلُهَا فِي مَعْنَاهَا بِشَيْءٍ مِنْ أَشْعَارِ المُتَقَدِّمِيْنَ وَلَا المُتَأَخِّرِيْنَ إِبْدَاعًا لِلْمَعْنَى وَإِفْصَاحًا لِلصَّنْعَةِ وَدِقَّة فِي النَّسْجِ.
* * *
وَمِنْ مَحَاسِنِ ابْتِدَاءَاتِ المُتَنَبِّيّ قَوْلُهُ (2):
الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ
…
هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثَّانِي
وَقَوْلهُ (3):
أَعْلَى المَمَالِكِ مَا يُبْنَى عَلَى الأَسَلِ
…
وَالطَّعْنُ عِنْدَ مُحِبِّيْهِنَّ كَالقُبَلِ
وَقَوْلهُ (4):
أفاضِل النَّاسِ أَغْرَاضٌ لِذَا الزَّمَنِ
…
يَخْلُو مِن الهَمِّ أَخْلَاهُمْ مِنَ الفِطَنِ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلهُ (5):
المَجْدُ عُوْفِي إِذَا عُوْفِيْتَ وَالكَرَمُ
…
وَزَالَ عَنْكَ إِلَى أَعْدَائِكَ الأَلَمُ
وَمَا أخصّكَ فِي برٍّ بِتَهْنِئَةٍ
…
إِذَا سَلِمتَ فَكُلُّ النَّاسِ قَدْ سَلِمُوا
_________
(1)
ديوانه ص 57.
(2)
ديوانه 4/ 174.
(3)
ديوان المتنبي 3/ 34.
(4)
ديوان المتنبي 4/ 209.
(5)
ديوان المتنبي 3/ 375.