الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَنَازُعُ الشَّاعِرَيْنِ فِي الشِّعْرِ
،
= أَخْبَرَ أَحْمَدُ بن هَارُوْنَ المُؤَدِّبُ عَنْ مُحَمَّد بن يَزِيْد عَنْ المَازِنِيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ الهِجَاءِ بَيْنَ ذِي الرُّمَّةِ وَهِشَامٍ المَرْئِيّ أَنَّ ذَا الرُّمَّةِ نَزَلَ بِقَرْيَةٍ لِبَنِي امْرِئِ القَيْسِ يُقَالُ لَهَا مَرْآةٌ فَلَمْ يَقُرُّوْهُ وَلَمْ يَعْلِفُوا لَهُ فَارْتَحَل وَقَالَ:
نَزَلْنَا وَقَدْ طَالَ النَّهَارُ وَأُوقِدَتْ
…
عَلَيْنَا حَصَى المِعْزَاءِ شَمْسٌ تَنَالُهَا
أَنخْنَا فَأَظْلَلْنَا بِابْرَادِ يُمْنَةٍ
…
رِقَاقٍ وَأَسْيَافٍ قَدِيْمٌ صِقَالُهَا
فَلَمَّا رَآنَا أَهْلُ مِرْآةَ أَغْلَقُوا
…
مَصَارِعَ لَمْ تُرْفَعْ لِخَيْرٍ ظِلَالُهَا
وَقَدْ سُمِّيَتْ بِاسْمِ امْرِىِ القَيْسِ قَرْيَةٌ
…
كرام ضَوَارِيْهَا لِئَامٌ رِجَالُهَا
يظَلُّ الكِرَامُ المُرْملُوْنَ بِجَوِّهَا
…
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ حِمْلُهَا وَحَيَالُهَا
وَلَوْ وُضِعَتْ أَكْوَارُهَا عِنْدَ بَيْهَسٍ
…
عَلَى ذَاتِ غِسْلٍ لَمْ تُشَمَّسْ رِحَالهَا
فَقَالَ جِرِيْرٌ لِهِشَامٌ: عَلَيْكَ العَبْدَ، وَكَانَ جَرِيْرٌ يَتَّهِمُ ذَا الرُّمَّةِ وَتَيْمٌ وَعُدَيٌّ أخْوَانِ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَصْنَعُ يَا أَبَا حَرْزَةَ وَأَنَا أَرْجُزُ وَهُوَ يَقْصدُ فلو رَفَدْتَنِي، فَقَالَ: قُلْ لَهُ (1):
غَضِبْتَ لِرَهْطٍ مِنْ عَدِيٍّ تَشَمَّتُوا
…
وَفِي أَيِّ يَوْمٍ لَمْ تُشَمَّسْ رِحَالُهَا
وَفِيْهِمْ عَدِيٌّ عَبْدُ تَيْمِ مِنَ العُلَى
…
وَأَيَّامُنَا اللَّاتِي تُعَدُّ فِعَالُهَا
وَضبَّةُ عَمِىِّ يَا بنَ جَلَّ فَلَا تَرُمْ
…
مَسَاعِيَ قَوْمٍ لَيْسَ مِنْكَ سِجَالُهَا
يُمَاشِي عَدِيًّا لُؤْمُهَا مَا تُجِنُّهُ .. مِنَ النَّاسِ مَا مَاشَتْ عَدِيًّا ظِلَالُهَا
فَقُلْ لِعَدِيٍّ تَسْتَعِنْ بِنِسَائِهَا
…
عَلَيَّ فَقَدْ أَعْيَا عَدِيًّا رِجَالُهَا
إِذَا الرُّمّ قَدْ قَلَّدَتْ قَوْمَكَ رُمَّةً
…
بَطِئًا بِأَيْدِي المطْلِقِيْنَ انْحِلَالُهَا (2)
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَهَا ذُو الرُّمَّة قَالَ هَذَا كَلَامُ ابْنُ الأَتَانِ.
قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو البَيْدَاءِ قَالَ لَمَّا سَمِعَ ذُو الرُّمَّة هَذِهِ الأَبْيَاتِ قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ شِعْرٌ حَنْظَلِيٌّ وَغُلِبَ هِشَامٌ عَلَيْهِ.
_________
(1)
لجرير في ديوانه ص 1034.
(2)
طبقات فحول الشعراء 2/ 555.
وَادِّعَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ دُوْنَ صَاحِبِهِ.
كَمَا أَخْبَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ أَحْمَدَ النَّحَوِيُّ عَنْ ابنِ دُرَيْدٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِيْهِ عَنِ ابنِ الكَلْبِيّ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: حَضرَ الحَارِثُ بنُ الطُّفَيْلِ الأَزْدِيُّ عُكَاظَ، وَكَانَ فَارِسًا شَاعِرًا، وبِهَا عَنْتَرَةُ بنُ شَدَّادٍ العَبْسِيُّ، وَكَانَ عَنْتَرَةُ قَدْ قَالَ:[من الكامل]
لِمَنِ الدِّيَارُ عَفَوْنَ بِالسَّهْبِ
…
بُنِيَتْ عَلَى خَطْبٍ مِنَ الخَطْبِ
ثُمَّ أجْبَلَ، أي انْقَطَعَ، فَقَالَ الحَارِثُ بنُ الطُّفَيْلِ:[من الكامل]
إِذْ لَا تَرَى إِلَّا مُقَاتِلَةً
…
وَعَجَالِزًا يُرْقِلْنَ بِالرَّكْبِ
وَمُدَجَّجًا (1) يَسْعَى بِشِكَّتِهِ
…
مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ كَالْكَلْبِ
وَمَعَاشِرًا صَدَأُ الحَدِيْدِ بِهِمْ
…
عَبَقَ الهَنَاءِ مَخَاطِمَ الجُرْبِ
لَمَّا سَمِعْتُ نَزَالِ قَدْ دُعِيَتْ
…
أيْقَنْتُ أنَّهُمُ بنُو كَعْبِ
كَعْبِ بنِ عَمْرِو لَا كَكَعْبِ
…
بَنِي العَنْقَاءِ وَالبَيْتَانِ لِلسَّبِّ
فَرَمَيْتُ كَبْشَهُمُ بِقَرْحَتِهِ
…
فَمَضَى وَرَاشُوهُ بِذِي لَغْبِ
شَكُّوا يَدَيْهِ بِالرِّمَاحِ كَمَا
…
شَكَّ الصَّرِيْعُ تَرَافُدَ الشَّعْبِ
فَكَأَنَّ مُهْرِي ظَلَّ مُنْغَمِسًا
…
بِشَبَا الأَسِنَّةِ مَغْرَةَ الجَأْبِ
بَلْ رُبَّ مَوْضُوْعٍ رَفَعْتُ وَمَرْ
…
فُوْعٍ وَضعْتُ بِمَنْزِلِ النُّصِبِ
فَقَالَ عَنْتَرَةُ: أَنَا وَاللَّهِ قَاِئِلُهَا، فَقَالَ الحَارِثُ: أَنَا وَاللَّهِ قَائِلُهَا، فَتَبَاهَلَا أَنْ
(1) يُقَالُ: كَمِيٌّ مُدَجِّجٌ وَمُدَجَّجٌ بِكَسْرِ الجِّيْمِ الأوْلَى وَفتحَهَا مَعًا. مَأْخُوْذٌ مِنَ الدُّجنَّةِ وَهِيَ الظُّلْمَةِ.
* * *
قَالَ الأَصمَعِيُّ: قِيْلَ لِكُثَيِّرٍ مَا لَكَ لَا تَقُوْلُ الشِّعْرَ أَجْبَلْتَ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ وَلَكِنْ فَقَدْتُ الشَّبَابَ فَمَا أَطْرَبُ وَزُرِيْتُ عزَّةَ فَمَا أَنْسبُ وَمَاتَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فَمَا أَرْغَبُ يَعْنِي عَبْدُ العَزِيْزِ بن مَرْوَانَ. أَجْبَلْتَ أَيْ انْقَطَعْتَ عَنْ قَوْلِ الشِّعْرِ مَأْخُوْذٌ مِنْ قَوْلهِمْ أَجْبَلَ الحَافِرُ إِذَا انْتَهَى إِلَى جَبَلٍ فَلَمْ يُمْكِنُهُ الحَفْرُ.
يَقْتُلَ اللَّهُ الكَاذِبَ مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ يَأتِي مِثْلُ ذَلِكَ اليَوْمَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ، وَتَفَرَّقَا، فَخَرَجَ عَنْتَرَةُ فِي بَاقِي الأَشْهُرِ الحَرَامِ يَتَحَاذَى دَيْنًا لَهُ، فَلَقِيَهُ الأَسَدُ الرَّهِيْصُ الطَّائِيُّ فِي نَفَرٍ، فَقَتَلُوْهُ. وَيُقَالُ بَلْ لَقِيَهُ بُرْبخ بنُ مُسْهرٍ الطَّائيُّ فَقَتَلَهُ:
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بَلْ أَصَابَتْهُ رِيْحٌ قرَّةٌ بَيْنَ شَرْجٍ وَنَاظِرَةَ، فَهَرَّأَتْهُ، فَمَاتَ. وَالقَصِيْدَةُ تَرْوِيْهَا عَبْسٌ لِعَنْتَرَةَ، وَتَرْوِيِهَا الأَزْدُ لِلحَارِثِ بنِ الطُّفَيْلِ (1):
(1) أَخْبَرَ أَبُو عُمَرَ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ الأَشْرَمِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُنْتَجِعُ بنْ نَبْهَانَ التَّمِيْمِيُّ وَيُقَالُ مِنْ عَدِيٍّ قَالَ دَخَلَ عُمَرُ بنُ لَجَأ عَلَى ابن لُقَمَانِ الخُزَاعِيّ وَكَانَ عَلَى صَدَقَاتِ تَمِيْمٍ فَأَنْشَدَهُ بَيْتًا وَهُوَ (1):
تُرِيْدِيْنَ أنْ أَرْضَى وَأَنْتِ بَخِيْلَةٌ
…
وَمَنْ ذَا الَّذِي يُرْضِي الأَخِلَّاءَ بِالبُخْلِ؟
قَالَ: لَقَدْ أَنْشَدَنِي هَذَا البَيْتَ جَرِيْرٌ فَقَالَ عُمَرُ سَرَقَهُ جَرِيْرٌ مِنِّي قَالَ فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ إِذْ دَخَلَ جَرِيْرٌ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ لُقْمَانَ: مَنْ يَقُوْلُ هَذَا البَيْتَ فَقَدْ زَعَمَ عُمَرُ بنُ لَجَأ إنَّكَ سَرَقْتَهُ مِنْهُ فَقَالَ جَرِيْرٌ أَنَا أسْرقُهُ مِنَكَ وَأَنْتَ وَصَفْتَ فَحْلهَا كَالظَّرْبِ الأَسْوَدِ مِنْ وَرَائِهَا فَقَالَ عُمَرُ بنُ لَجَأ أَتَعِيْبُ هَذَا عَلَيَّ وَأَنْتَ القَائِلُ (2):
وَأُكْرِمُ عِنْدَ المُرْدَفَاتِ عَشِيَّةً
…
لِقَاحًا إِذَا مَا جَرَّدَ السَّيْفَ لَامِعُ
فَتَرَكْتَهُنَّ حَتَّى أَلْقَحْنَ أَيْ نُكِحْنَ ثُمَّ لَحِقْتَهُنَّ عَشِيَّةً أَيْ قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَكِ أنْ تَحْمِيْهِنَّ قَبْلَ أنْ يُسْبَيْنَ وَيُنْكَحْنَ ثُمَّ تَلْحَقَهُنَّ عَشِيَّةً فَقَالَ جَرِيْرٌ (3):
يَا تَيْمُ تَيْمُ عَدِيٍّ لَا أَبَالَكُمُ
…
لَا يُلْقِيَنَّكُمْ فِي سَوْءَةٍ عُمَرُ
أَحِيْنَ صِرْتُ سَنَامًا يَا بَنِي لَجَأٍ
…
وَخَاطَرَت بِي عَنْ أَحْسَابِهَا مُضَرُ
خَلِّ الطَّرِيْقَ لِمَنْ يَبْنِي المنَار
…
بِهِ وَابْرُزْ بِبَرْزَةَ حَيْثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ
_________
(1)
لعمر بن لجأ في ديوانه ص 141.
(2)
لجرير في ديوانه ص 924.
(3)
ديوانه ص 210.
وَضرْبٌ يَسْتَحِقُّ مُعْتَمِدُهُ عَلَيْهِ الضَّرْبَ بَلِ القَطْع، لافْتِضَاحِهِ بِشُنْعَةِ السَّرَقِ وَقَبِيْحِ الأَخْذِ وَالإِفْسَادِ فِيْهِ وَهُوَ:
= فَقَالَ عُمَرُ (1):
لَقَدْ كَذَبْتَ وَشَرُّ القَوْلِ أَكْذَبُهُ
…
مَا خَاطَرَتْ بكَ عَنْ أَحْسَابِهَا مُضَرُ
أَلَسْتَ نِزْوَةَ خَوَّارٍ عَلَى أَمَةٍ
…
لَبِئْسَتِ الخَلَّتَانِ اللَّوْمُ وَالخَورُ (2)
قَالَ فَهَذَا بُدْءَ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا.
* * *
قِيْلَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ يَوْمًا عَلَى مُعَاوِيَةَ وَكَانَ وَاجدًا عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اسْمَعْ أَبْيَاتًا قُلْتَهَا.
قَالَ: هَاتِ فَأَنْشَدَهُ (3):
إِذَا أَنْتَ لَمْ تُنْصِفْ أَخَاكَ وَجَدْتَهُ
…
عَلَى طَرَفِ الهِجْرَانِ إِنْ كَانَ يَعْقِلُ
وَتَرَكْتَ حَدَّ السَّيْفِ مِنْ أنْ تُصِيْمَهُ
…
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَفْرَةِ السَّيْفِ مَرْحَلُ (4)
فَقَالَ مُعَاوِيَةَ: لَقَدْ شَعَرْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَعْنُ بن أَوْسٍ المَزْنِيُّ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَقُلْتَ بَعْدَنَا شَيْئًا فَأَنْشَدَهُ (5):
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجَلُ
…
عَلَى أَيِّنَا تَغْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
حَتَّى صَار إِلَى الأَبْيَاتِ الَّتِي أَنْشَدَهَا ابن الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا بَكْرِ أَمَا ذَكَرْتَ آنِفًا أنْ هَذَا الشِّعْرَ لَكَ فَقَالَ: أَنَا أَصْلَحْتُ المَعَانِي وَهُوَ أَلَّفَ الكَلَامَ وَهُوَ بِعْدُ طَرِيٌّ وَمَا قَالَ شَيْءٌ فَهُوَ لِي وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ مُسْتَرْضِعًا فِي مُزَيْنَةَ.
_________
(1)
لعمر بن لجأ في ديوانه (الجبوري) ص 95.
(2)
النقائض 1/ 487.
(3)
لمعن بن أوس المزني في ديوانه من 93.
(4)
الوساطة من 192.
(5)
لمعن بن أوس المزني في ديوانه من 93.