المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ووقوع الحافر على الحافر: - الدر الفريد وبيت القصيد - جـ ١

[محمد بن أيدمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌الدر الفريد وبيت القصيد

- ‌فَرادةُ الدر الفريد

- ‌محمَّد بن أيدمر

- ‌ثقافته وأدبه:

- ‌شاعريته وشعره:

- ‌الأشعار:

- ‌مؤلفاته:

- ‌مصادر ترجمته:

- ‌النسخة المعتمدة في التحقيق:

- ‌منهجي في التحقيق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ضرُوْبِ الشِّعْرِ

- ‌وَالشِّعْرُ لَهُ أسْبَابٌ:

- ‌وَإِبْدَاعُ المَعْنَى

- ‌وَيَتْلُوْهُمَا أصْنَافُ البَدِيْعِ:

- ‌أَمَّا صِدْقُ التَّشبِيْهِ

- ‌وَمُشَاكَلَةُ التَّجْنِيْسِ

- ‌وَمُبَايَنَة التَّطْبِيْقِ

- ‌وَوُقُوْعُ التَّضْمِيْنِ

- ‌وَنُصُوْعُ التَّرْصِيْعِ

- ‌وَاتِّزَانُ التَّسْمِيْطِ

- ‌وَصِحَّةُ التَّقسِيْمِ

- ‌وَمُوَافَقَةُ التَّوْجِيْهِ

- ‌وَحِدَّةُ الاسْتِطْرَادُ:

- ‌وَحَلَاوَةُ الاسْتِعَارَةِ

- ‌وَلُطْفُ المَخْلَصِ:

- ‌وَنَظَافَةُ الحَشْوِ:

- ‌وَالتَّرْدِيْدِ وَالتَّصْدِيْرِ:

- ‌وَتَأكِيْدُ الاسْتِثْنَاءِ

- ‌وَكَمَالُ التَّتْمِيْمِ:

- ‌وَالإِيْغَالُ فِي التَّبْلِيْغِ:

- ‌وَالإِغْرَاقُ فِي الغُلُوِّ:

- ‌وَمُوَازَاةُ المُقَابَلَة:

- ‌وَسُهُوْلَةُ التَّسْهِيْمِ:

- ‌وَوُقُوْعُ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ:

- ‌وَدِلَالَةُ التَّتْبِيْعِ

- ‌وَالوَحْيُ وَالإِشَارَةُ وَتَكرِيْرُهَا:

- ‌وَبَرَاعَةُ الابْتِدَاءِ:

- ‌وَأَمَّا تَمْكِيْنُ القَوَافِي:

- ‌وَالمُلَائَمَةُ بَيْنَ صَدْرِ البَيْتِ وَعَجُزِهِ

- ‌وَإِرْدَافُ البَيْتِ بِأَخِيْهِ

- ‌وَإشْبَاعُ المَعْنَى بِأَوْجَزِ لَفْظٍ، وَإبْرَازهُ فِي أحْسَنِ صِيْغَةٍ مِنَ البيانِ:

- ‌وَخَلُوْصُ السَّبْكِ:

- ‌وَلِلشَّاعِرِ أدَوَات لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا

- ‌أَقْسَامُ الأَدَبِ

- ‌فَأَمَّا صِحَّةُ الانْتِقَادِ:

- ‌وَأَمَّا التَّمْيِيْزُ بَيْنَ المَدْحِ وَالشُّكْرِ

- ‌وَالفَصْلُ بَيْنَ الهَجْوِ وَالذَّمِّ

- ‌وَالبَوْنُ بَيْنَ الولَعِ وَالهَمْزِ

- ‌وَالتَّرْجِيْحُ بَيْنَ اللَّوْمِ وَالعَتَبِ

- ‌وَالفَرْقُ بَيْنَ الهَزِّ وَالاسْتِزَادَةِ

- ‌وَالتَّصَارفُ بَيْنَ التَّنَصُّلِ وَالاعْتِذَارِ

- ‌وَالحَدُّ بَيْنَ التَّقَاضِي وَالإِذْكَارِ

- ‌وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أنْوَاع السَّرِقَاتٍ:

- ‌فَالسَّرِقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ:

- ‌فَنَظْم المَنْثُوْرِ

- ‌وَإحْسَانُ الآخِذِ عَلَى المَأْخُوْذِ مِنْهُ، وَزِيَادَتُهُ عَلَيْهِ:

- ‌وَالشِّعْرُ المَحْدُوْدُ وَالمَجْدُوْدُ:

- ‌وَتَكَافُؤُ إحْسَانِ المُتَّبِع وَالمُبْتَدِعِ:

- ‌وَنَقْلُ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ:

- ‌وَتَقَابُلُ النَّظَرِ فِي المَعْنَى إِلَى مِثْلِهِ:

- ‌وَالسَّلْبُ

- ‌وَالسَّلْخُ:

- ‌وَالالْتِقَاطُ وَالتَّلْفِيْقُ:

- ‌فَالخَلْعُ

- ‌وَالاصْطِرَافُ:

- ‌وَالإِغَارَةُ

- ‌وَالاجْتِلَابُ، وَالاسْتِلْحَاقُ:

- ‌وَالانْتِحَالُ

- ‌وَالإِنْحَالُ:

- ‌وَالمُرَافَدَةُ:

- ‌وَتَنَازُعُ الشَّاعِرَيْنِ فِي الشِّعْرِ

- ‌تَقْصِيْرُ المُتَّبعِ عِنْ إِحْسَانِ المُبْتَدِعِ، وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَّقْصِيْرِ

- ‌وَتَكَافُؤُ السَّارِقِ وَالسَّابِقِ فِي الإِسَاءةِ وَالتَقْصِيْرِ:

- ‌وَبَاقِي المَجَازَاتِ

- ‌الاسْتِعَارَاتُ المُسْتْكْرَهَةُ:

- ‌وَمَا اجْتَمَع فِيْهِ لِلشَّيْءِ الوَاحِدِ اسْمَانِ

- ‌وَمَا يُحْمَلُ الكَلَامُ فِيْهِ عَلَى المَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ

- ‌وَمَا لفظُهُ لَفْظُ الموجَبِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى النَّفْي

- ‌وَمَا يُخْبَرُ فِيْهِ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ يُرَادُ بِهِ جَمِيْعُهُ

- ‌وَمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ

- ‌وَالحَذْفُ

- ‌وَمَا جَاءَ مِنَ التَّقْدِيْمِ وَالتَّأْخِيْرِ

- ‌وَمَا يُحْذَفُ مِنْهُ المُضَافُ، فَيَقُوْمُ المُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ

- ‌وَمَا فُرِّقَ فِيْهِ بينَ المُضَافِ وَالمُضَافِ إِلَيْهِ

- ‌وَمَا يُشَبَّهُ فِيْهِ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ يُجْعَلُ المُشَبَّهُ بِهِ هُوَ المُشَبَّهُ بِعَيْنِهِ

- ‌[خاتمة المقدمة]

الفصل: ‌ووقوع الحافر على الحافر:

فَأَقْسَمْتُ يا عَمْرُو لَوْ نَبَّهَاكَ

إِذًا نَبَّهَا مِنْكَ دَاءً عُضَالَا

إِذًا نَبَّهَا لَيْثَ عِرِّيْسَةٍ

مُفِيْتًا مُفِيْدًا نُفُوْسًا وَمَالَا

وَخَرْقٍ تَجَاوَزْتَ مَجْهُوْلَهُ

بِوَجْنَاءَ لَا تَتَشَكَّى الكَلَالَا

فَكُنْتَ النَّهَارَ بِهَا شَمْسَهُ

وَكُنْتَ دُجَى اللَّيْلِ فِيْهَا الهِلَالَا (1)

فَانْظُرْ إِلَى دِيْبَاجَةِ هَذَا الكَلَام مَا أَصْفَاهَا، وَإلَى تَقَاسِيْمِهِ مَا أَوْفَاهَا، وَانْظُرْ قَوْلَهَا مُفِيْتًا مُفِيْدًا، وَوَصْفهَا إيَّاهُ بِالشّمْسِ بِالنَّهَارِ، وِبِالهِلَالِ فِي اللَّيْلِ، تَجِدِ المُطْمِعَ المُمْتَنِعَ، القَرِيْبَ البَعِيْدَ (2).

‌وَوُقُوْعُ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ:

وَيُسَمَّى المُوَارَدَةَ وَالاشْتِرَاكَ فِي اللَّفظِ وَالمَعْنَى أَوْ كِلَيْهِمَا. قَالَ الأَصمَعِيُّ (3): قُلْتُ لأَبِي عَمْرِو بنِ العَلَاءِ: أَرَأَيْتَ الشَّاعِرَيْنِ يَتَّفِقَانِ فِي المَعْنَى، وَيَتَوَارَدَانِ فِي اللَّفْظِ، لَمْ يَلْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَلَا سَمِعَ شِعْرَهُ؟ فَقَالَ: تِلْكَ عُقُوْلُ رِجَالٍ تَوَافَتْ عَلَى ألْسِنَتِهَا. وَقَدِ اعْتَدَّ قَوْم ذَلِكَ سَرَقًا، وَلَيْسَ بِسَرَقٍ وَإِنَّمَا هِيَ ألْفَاظٌ مُشْتَرَكَة مَحْصُوْرَةٌ يَضطَرُّ الشَّاعِرُ إِذَا اعْتَمَدَ النَّظْمَ فِي مَعْنَاهَا إِلَى المُوَارَدَةِ فِيْهَا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَذَلِكَ لاتِّسَاعِ الكَلَامِ، وَتَقَارُبِ طِبَاعِ الشُّعَرَاءِ بَعْضهَا مِنْ بَعْضٍ في

(1) وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى هَذَا الشِّعْر وَصْفُ الوَرْدِ الأَحْمَرِ وَالأَبْيَضِ (1):

قَرَاحُ وَرْدٍ مُوْيقٌ نَبْتُهُ بِالحُـ

ـسْنِ وَالبَهْجَةِ مَنْعُوْتُ

مُبْيَضَّةٌ فِيْهِ وَمُحْمَرَّةٌ

كَأَنَّهُ دُرٌّ وَيَاقُوْتُ

(2)

وَذَلِكَ كَمَا قَالَ أَبُو نَصْر بن نُبَاتَةَ يَصِفُ شِعْرَهُ (2):

خُذْهَا إِذَا أَنْشَدْتَ فِي القَوْمِ مِنْ طَرَبٍ

صُدُوْرُهَا عُلِمَتْ مِنْهَا قَوَافِيْهَا

يَنْسَى لَهَا الرَّاكِبُ العَجْلَانُ حَاجَتَهُ

وَيُصْبِحُ الحَاسِدُ الغَضْبَانُ مطرِيْهَا

(3)

العقد الفريد 5/ 340.

_________

(1)

للوزير المهلبي في حدائق الأنوار ومحاسن الأشعار ص 208.

(2)

ديوانه 1/ 475.

ص: 257

التَّصَرُّفِ بالعِبَارَةِ عَنِ الأَمُورِ وَالوَقَائِعِ المُتَقارِبَةِ المعَانِي بَعْضُها بَعْضًا فَتَشَابَهَ بِالسَّرقَةِ حَتَّى لَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَا اجْتِلَابَ، وَلَا اسْتِعَارَةَ، وَلَا أخْذَ، وَإنَّ الكَلَامَ كُلَّهُ مُشْتَرَكٌ مُتَدَاوَلٌ، وَالأَلْفَاظَ كُلُّهَا مُبَاحَةٌ. وَلَيْسَ كَمَا قالُوا أَيْضًا، وَإِنَّمَا لِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ حَدٌّ وَمِقْدَار يُعْرَفُ بِهِ. فَمِنَ المُوَارَدَةِ وَالاشْتِرَاكِ في اللَّفِظْ، ووقُوع الحافِرِ على الحافِرِ، مِمَّا لَيْسَ بِسَرَقٍ قَوْلُ عَنْتَرَةَ العَبْسِيِّ (1):[من الوافر]

وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ

عَلَيْهَا الأُسْدُ تَهْتَصرُ اهْتِصارَا

فَقَالَ عَمْرُو بن مَعدِ يكَرِبٍ (2): [من الوافر]

وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتَ لَهَا بِخَيْلٍ

تَحِيَّةُ بَيْنِهِم ضرْبٌ وَجِيْعُ

فَقَالَتْ الخَنْسَاءُ بِنْتُ عَمْرٍو (3): [من الوافر]

وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتَ لَهَا بِخَيْلٍ

فَدَارَتْ بَيْنَ كَبْشَيْهَا رَحَاهَا

وَقَالَ أعْرَابِيٌّ (4): [من الوافر]

وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ

تَرَى فُرَسَانهَا مِثْلَ الأُسوْدِ

فَلَو اجْتَهَدَ هَؤُلَاءِ عِنْدَ قَصْدِهِمْ الإِخْبَارَ بما أخبَرُوا بِهِ مِنْ هَذَا الوَصْفِ أَنْ يُوردُوهُ بِغَيْرِ هَذِهِ العِبَارَةِ فِي هَذَا العُرُوْضِ، لَمَا اسْتَطَاعُوا؛ لأنَّ اللَّفْظَ يَضْطَرُّهُمْ، وَاعْتِمَادَ العِبَارَةِ الشَّرِيْفَةِ يَقُوْدُ أعِنَّتَهُم إِلَى ذَلِكَ. فَرُبَّ مَعَانٍ تَخْتَصُّ بِألْفَاظٍ شَرِيْفَةٍ، لَا يُمْكِنُ تَعَدِّيْهَا إِلَى مَا هُوَ أشْرَفُ مِنْهَا فَهَذَا مِنَ الاشْتِرَاكِ فِي اللَّفْظِ. وَأَمَّا الإشْرَاكُ فِي المَعْنَى مِمَّا يُشْبِهُ المَأْخُوْذُ، وَلَيْسَ بِمَأخُوْذٍ، كَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ (5):[من السريع]

إنَّا وَإيَّاهُم وَمَا بَيْنَنَا

كَمَوْضِعِ الزَّوْرِ مِنَ الكَاهِلِ

(1) ديوانه ص 239.

(2)

ديوانه ص 149.

(3)

ديوانها ص 150.

(4)

العمدة 2/ 292.

(5)

لم يرد في ديوانه.

ص: 258

فَقَالَ الحَارِثُ بنُ حِلْزَةَ (1): [من المتقارب]

وَبَيْتُ شُرَاحِيْلَ فِي وَائِلٍ

مَكَانَ الثُّرَيَّا مِنَ الأنْجُمِ

وَقَالَ سُحَيْم بن وَثيْلٍ (2): [من الوافر]

ألَمْ تَرَ أنَّنِي مِنْ حِمْيَرِيٍّ

مَكَانَ اللَّيْثِ مِنْ وَسطِ العَرِيْنِ

وَلِمَعْقِلِ بن مُجَمَّعٍ الأسَدِيِّ (3): [من الوافر]

وَلَوْ أنِّي أشَاءُ لَكُنْتُ مِنْهُمْ

مَكَانَ الفَرْقَدَيْنِ مِنَ النُّجُوْمِ

وَقَالَ الطِّرِمَّاح (4): [من الوافر]

نَزَلْنَا فِي التَّعَزُّزِ مِنْ مَعَدٍّ

مَكَانَ القِدْرِ مِنْ وَسْطِ الأَثَافِي

وَقَالَ الفَرَزْدَقُ (5): [من الطويل]

وَنَحْنُ إِذَا عَدَّتْ مَعَدٌّ قَدِيْمهَا

مَكَانَ النَّوَاصِي مِنْ وُجُوْهِ السَّوَابِقِ

وَقَالَ المُنَخَّلُ السَّعْدِيِّ (6): [من الطويل]

وَإنَّا لَنُعْطِي النِّصْفَ مَنْ لَوْ نَضِيْمُهُ

أقرَّ وَنَأبَى نَخْوَةُ المُتَظَلِّمِ

وَقَالَ الفَرَزْدَقُ (7): [من الطويل]

تَرَى كُلَّ مَظْلُوْمٍ إلَيْنَا فِرَارُهُ

وَيَهْرُبُ مِنَّا جُهْدَهُ كُلُّ ظَالِمِ

(1) ديوانه ص 58.

(2)

الأصمعيات 1/ 18.

(3)

معجم الشعراء ص 371.

(4)

ديوانه ص 328.

(5)

ديوانه 2/ 55.

(6)

حلية المحاضرة 2/ 96.

(7)

ديوانه 2/ 314.

ص: 259

وَمِنَ التَّشْبِيْهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَأْخُوْذٍ قَوْلُ نَهْشَلِ بنِ حَرِّيٍّ (1): [من الطويل]

أقُوْلُ وَقَدْ سَافَتْ لَبُوْنِي بِلَادَهَا

كَمَا سَافَ أعْجَازَ التِّلَادَ الطَّرَائِفُ

وَقَوْلُ عَلِيّ بن الغَدِيْرِ الغَنَوِيِّ (2): [من الطويل]

أُدَافِعُ عَنْ مَجْدٍ تَلِيْدٍ وِرَاثَةً

وَقَدْ تَرْفِدُ المَجْدَ التَّلِيْد الطَّرَائِفُ

فَهَذَا وَأَمْثَالِهِ اتِّسَاعٌ وَاشْترَاكٌ، وَلَيْسَ هُوَ اسْشِرَاقٌ وَلَا اجْتِلَابٌ.

وَمِنَ المُوَارَدَةِ مَا أخْبَرَ بهِ الطَّاهِرِيُّ عَنْ ابن المُعْتَزِّ. قَالَ: سَألنَا أبَا سَعِيْدٍ هُبَيْرَةَ النَّحْوِي الأسَدِيَّ عَنْ هَذِهِ الأَبْيَاتِ وَهِيَ لامْرِئِ القَيْسِ (3): [من مخلَّع البسيط]

عَينَاكَ دَمعهُمَا سِجَالُ

كَأَنَّ شَأنَيْهِمَا أوْشَالُ (4)

أَوْ جَدْوَل فِي ظِلَالِ نَخْلٍ

لِلمَاءِ مِنْ تَحْتِهِ مَجَالُ

وَقَوْلِ عَبِيْدٍ (5): [من مخلع البسيط]

عَينَاكَ دَمعهمَا سَرُوْبُ

كَأَنَّ شَأنَيْهِمَا شَعِيْبُ

أَوْ جَدْوَلٌ فِي ظِلَالِ نَخْلٍ

لِلمَاءِ مِنْ تَحْتِهِ قَسِيبُ

وَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ (6): [من البسيط]

وَكُلِّ ذِي إبْلٍ مُودٍ فَتَارِكُهَا

وَكُلِّ ذِي سَلَبٍ لَا بُدَّ مَسْلُوْبُ

وَقَوْلِ عَبِيْدٍ: [من مخلّع البسيط]

وَكُلُّ ذِي إبْلٍ مَوْرُوْثها

وَكُلُّ ذِي سلَبٍ مَسْلُوْبُ

(1) حلية المحاضرة 2/ 96.

(2)

حلية المحاضرة 2/ 96.

(3)

ديوانه ص 189.

(4)

أوْشَال: جَمْعُ وَشَلٍ وَهُوَ القَطْرُ.

(5)

ديوان عبيد بن الأبرص ص 20 - 21.

(6)

لم يرد في ديوانه.

ص: 260

فَقَالَ: لَا أجِدُ نَفْسِي سَرِيْعَةً إِلَى التَّصْدِيْقِ بِأنَّ العُقُوْلَ في مِثْلِ هَذَا تَتَوَافَى وَعَبِيْدٌ وَامْرُؤُ القَيْسِ كانا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ.

وَأخْبَرَ مُحَمَّدُ بن عِمْرَانَ عَنْ ابن دُرَيْدٍ عَنِ عَمِّهِ عَنِ أبِيْهِ عَنِ ابنِ الكَلْبِيِّ عَنِ رَجُلٍ مِنْ أهْلِ خُرَاسَانَ. قَالَ: لَمَّا أُصِيْبَتْ عَيْنُ ثَابِتِ قُطْنَةَ العَتَكِيِّ يَوْمَ سَمَرْقَنْدَ، قَالَ بَيْتًا يَهْجُو فيْهِ نَفسَهُ، وَهُوَ (1):[من البسيط]

مَا يَعْرِفُ النَّاسُ مِنْهُ غَيْرَ قُطْنَتِهِ

وَمَا سِوَاهَا مِنَ الأَنْسَابِ مَجْهُوْلُ

ثُمَّ اسْتَوْدع هَذَا البَيْتَ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ، وَقَالَ: عَسَى أَنْ يَرْمِيَني بِهِ شَاعِرٌ، فأكُونَ قَدْ سَبَقْتُهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ جَاوَرَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْ بَنِي حَنِيْفَةَ يُقَالُ لَهُ: حَاجِبُ الفِيْلِ، فَرَكِبَ الرَّجُلُ مُهْرًا لَهُ، فَسَقَطَ عَنْهُ، فَتَشَاغَلَ أهْلُهُ بِهِ عَنْ ثَابِتِ قُطْنَةَ، وَأبْطَأَ عَلَيْهِ عَشَاؤُهُ، فَقَالَ:[من البسيط]

أتَارِكُوُنَ عَشَائِي لَا أبَالَكُمُ

أَنْ خَرَّ عَنْ ظَهْرِ مُهْرٍ حَاجِبُ الفِيْلِ

خَطْب يَسِيْر عَلَيْنَا فَلْقُ حَاجِبِهِ

وَشَجَّة سَبَرُوْهَا بِالمَلَا مِيْلِ

فَلَمَّا أصْبَحَ حَاجِبُ الفِيْلِ، أَنْشَدُوْهُ هَذَيْنِ البَيْتِيْنِ، فَقَالَ:

مَا يَعْرِفُ النَّاسُ مِنْة غَيْرَ قُطْنَتِهِ

وَمَا سِوَاهَا مِنَ الأنْسَابِ مَجْهُوْلُ

فَقَالَ ثَابِتٌ: [من البسيط]

هَيْهَاتَ ذَلِكَ شَيْء قَدْ سُبِقْتَ بِهِ

فَاطْلُبْ لَهُ ثَانِيًا يا حَاجِبَ الفِيْلِ

وَمِمَّا يَبْعُدُ فِي نَفْسِي صِحَّةُ مِثْلِهِ، وَالاتِّفَاقُ فِيْهِ حَتَّى لَا يَقَعَ فيهِ تَبَاينٌ، وَلَا تَغَايرٌ مَا رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ الأَثْرَمِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. قَالَ: خَرَجَ جَرِيْرٌ والفَرَزْدَقُ مُرْتَدِفِيْنَ عَلَى نَاقَةٍ إِلَى هِشَامِ بن عَبْدِ المَلِكِ، فَنَزَلَ جَرِيْرٌ يَبُوْلُ، فَجَعَلتِ النَّاقَةُ تَتَلَفَّتُ، فَضَرَبَهَا الفَرَزْدَقُ وَقَالَ (2):[من الوافر]

(1) ديوانه، الأغاني 14/ 266.

(2)

ديوانه (صادر) 2/ 292.

ص: 261

إِلَامَ تَلَفَّتِيْنَ وَأَنْتِ تَحْتِي

وَخَيْرُ النَّاسِ كلُّهم أمَامِي

مَتَى تَرِدِي الرُّصَافَةَ تَسْتَرِيْحِي

مِنَ التَّهْجِيْرِ وَالدَّبَرِ الدَّوَامِي

ثُمَّ قَالَ الآنَ يَجِيْءُ جَرِيْرٌ، فَأُنْشِدُهُ هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ، فَيُرِدُّ عَلَيَّ، وَيَقُوْلُ (1):[من الوافر]

تَلَفَّتُ أَنَّهَا تَحْتَ ابنِ قَيْنٍ

إِلَى الكِيْرَيْنِ وَالفَاسِ الكَهَامِ

مَتَى تَرِدِ الرُّصَافَةَ تَخْزَ فِيْهَا

كَخَزْيِكَ فِي المَوَاسِمِ كُلَّ عَامِ

وَقَالَ: فَجَاءَ جَرِيْرٌ وَالفَرَزْدَقُ يَضْحَكُ. فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكَ يا أبَا فِرَاسٍ؟ فَأنْشَدَهُ البَيْتَيْنِ الأوَّلَيْنِ، فَقَالَ جَرِيْرٌ:[من الوافر]

تَلَفَّتُ أَنَّهَا تَحْتَ ابنِ قَيْنٍ

وَأَنْشَدَهُ البَيْتَيْنِ بِعَينهِمَا، كَمَا قَالَ الفَرَزْدَقُ سَوَاءً.

فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: وَاللَّهِ لَقَدْ قُلْتُ هَذَا أمَا عَلِمْتَ أَنْ شَيْطَانَنَا وَاحِدٌ؟

وَكَذَلِكَ مَا أخْبَرَ بِهِ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابنِ الأَعْرَابِيِّ عَنِ المُفَضَّلِ. قَالَ: مَرَّ رَاكِبٌ بِالبَصْرَة، فَرَآهُ الفَرَزْدَقُ، فَقَالَ: مِنْ أيْنَ وَجْهُكَ؟ قَالَ: مِنَ اليَمَامَةِ. قَالَ: فَهَلْ لَكَ عَهْدٌ بِابْنِ المَرَاغَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ أَحْدَثَ شِعْرًا عَلِقْتَ مِنْهُ شَيْئًا؟ فَأَنْشَدَهُ: [من الكامل]

هَاجَ الهَوَى بِفُؤَادِكَ المُهْتَاجِ

فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: [من الكامل]

فَانْظُرْ بِتُوْضِحَ بَاكِرَ الأَحْدَاجِ

قال فقال: [من الكامل]

هَذَا هَوًى شَعفَ الفُؤَادَ مُبَرِّحٌ

فقال الفرزْدَقَ: [من الكامل]

وَنَوى تَقَاذَفُ غَيْرُ ذَاتِ خِلَاجِ

(1) ديوان جرير ص 502.

ص: 262

فَقَال: [من الكامل]

لَيْتَ الغُرَابَ غَدَاةَ يَنْعَبُ لِلنَّوَى

فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: [من الكامل]

كَانَ الغُرابُ مُقَطَّعَ الأَوْدَاجِ

فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَقُوْلُ صَدْرًا، وَالفَرَزْدَق عَجُزًا حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ قَالَ القَصِيْدَةَ، وَسَرَقَهَا جَرِيْرٌ مِنْهُ، ثُمَّ قَال: وَيْحَكَ. دَعْنَا مِنْ هَذَا أَذَكَرَ الحَجَّاجَ فِيْهَا؟ قَال: نَعَمْ. قَالَ: إيَّاهُ أرَادَ (1).

(1) أَخْبَرَ أَبُو مُحَمَّد بن دَرَستَوِيْهِ عَنْ أَبِي دُرَيْدٍ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ الأَصْمَعِيّ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَمْرُو أَخْبِرْنِي عَنْ هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءِ يَسْرِقُ بَعْضهُمْ بَعْضًا قَالَ: مِثْلُ ماذا؟ قُلْتُ: مِثْلُ قَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ (1):

لَهُ أُذُنَانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فِيْهِمَا

كَسَامِعَتَي مَذْعُوْرَةٍ أُمِّ رَبْرَبِ

وَيُرْوَى:

كَسَامِعِتَي مَذْعُوْرَةٍ وَسْطَ رَبْرَبِ

مَذْعُوْرَةٌ: بَقَرَةٌ ذُعِرَتْ فَنَصَبَتْ أُذُنَيْهَا. وَالرَّبْرَبُ: قَطِيع مِنَ البَقَرِ وَالظِّبَاءِ وَالقَطَا وَالنِّسَاء.

وَقَوْلُ طَرْفَةَ (2):

لَهُ أُذُنَانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فِيْهِمَا

كَسَامِعَتَي مَذْعُوْرَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ

وَقَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ أَيْضًا (3):

وَعَنْسٍ كَأَلْوَاحِ الأَرَانِ نَسَأْتُهَا

عَلَى لَاحِبٍ كَالبُرْدِ ذِي الحَبَرَاتِ

_________

(1)

ديوانه ص 48.

(2)

شرح ديوانه ص 99.

(3)

ديوانه ص 81.

ص: 263

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَقَوْلُ طَرْفَةَ (1):

وَعَنْسٍ كَأَلْوَاحِ الأَرَانِ نَسَأْتُهَا

عَلَى لَاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجِدِ

فَقَالَ لِي: لَا تِلْكَ عُقُوْلُ رِجَالٍ تَوَافَتْ.

وَيُرْوَى هَذَا البَيْتُ:

أمُوْنٍ كَأَلْوَاحٍ الأَرَانِ

وَقَالَ: وَالأَمُوْنُ المُؤْبقَةُ الخَلْقِ الَّتِي يُؤْمَنُ ظَهْرَهَا وَسَقْطتهَا وَعِثَارُهَا. قَوْلهُ: كَأَلْوَاح الأَرَانِ. الأَرَانِ شَيْءٌ كَانَتْ العَرَبُ فِي الأَمْصَارِ يَجْعَلُوْنَ مَوْتَاهُمْ فِيْهِ وَأَلْوَاحُهُ خَشِنَةٌ. يَقُوْلُ: أَطْبَاقُهَا وَأَظْلَاعُهُا كَأَنَّهَا أَلْوَاحُ سَاجٍ فِي صَلَابَتِهَا وَعَرْضِهَا. وَيُرْوَى نَضَاءَتُهَا وَهُوَ بِمَعْنَى نَسَأْتُهَا أَيْ زَجَرْتُهَا وَنَسَاءِتُهَا ضرَبْتُهَا بِالمَنْسَأَةِ وَهِيَ العَصَا. قَالَ عز وجل: تأْكِلُ مَنْسَأَتَهُ. وَاللَّاحِبُ طَرِيْقٌ بَيِّنٌ قَدْ أَثَّرَتْ فِيْهِ السَّفَارُ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجَدُ فِي وُضُوْحِهِ وَبَيَانِهِ. وَالبُرْجُدُ كِسَاءٌ مِنْ أَكْسِيَةِ الأَعْرَابِ مُخَطَّطٌ.

* * *

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرو بنُ كُلْثوْمٍ (2):

تَرَكْنَا الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ

مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَاصُفُوْنَا

فَقَالَ عَنْتَرَةُ (3):

تَرَكْنَا الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ

كَمَا عَكَفَ النّسَاءُ عَلَى دَوَارِ

[دوار] اسْمُ صَنَمٍ.

فَقَالَ العَدِيْلُ بن الفَرخِ:

تَرَكْنَا الطَّيْرَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ

وَلِلْغِرْبَانِ مِنْ شَبَعٍ نَعِيْقُ

_________

(1)

شرح ديوانه ص 93.

(2)

ديوانه ص 72.

(3)

لم يرد في ديوانه.

ص: 264

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَكَقَوْلِ المنَخَّلِ بنُ سُبَيْعٍ العَنبرِيّ:

أَلَا قَدْ أَرَى وَاللَّهِ إِنْ لَسْتُ مِنْكُمْ

وَإِنْ لَسْتُمُ مِنِّي وَإِنْ كُنْتُمُ أَهْلِي

فَقَالَ الآخرُ:

أَلَا قَدْ أَرَى وَاللَّهِ أَنَي مَيِّتٌ

وَنَخْلٌ مُقِيْم سِدْرهَا وَسَيَالِهَا

وَكَقَوْلِ عَنْتَرَةَ (1):

أَلا قَاتَلَ اللَّهُ الطُلُوْلَ البَوَالِيَا

وَقَاتَلَ ذِكْرَاكَ السِّنِيْنَ الخَوَالِيَا

فَقَالَ جَمِيْلٌ (2):

أَلا قَاتَلَ اللَّهُ النَّوَى كيْفَ أَصْبَحَتْ

أَلَحَّ عَلَيْنَا يَا بُثَيْنُ ضَرِيْرُهَا

* * *

كَقَوْلِ مُهَلهلٍ بن رَبِيْعَةَ (3):

تَرَكْنَا الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ

كَأَنَّ الخَيْلَ تَدْحَضُ فِي غَدِيْرِ

عَاكِفَةً مُقِيْمَةً وَتَدْحَضُ تَزْلقُ.

* * *

وَمِنَ الاشْتِرَاكِ فِي المَعْنَى مِمَّا يشبهُ المَأْخُوُذَ وَلَيْسَ بِمَأْخُوْذٍ قَوْلُ أَبِي كَنُوْدٍ الخزَاعِيّ وَهُوَ جَاهِلِيٌّ قَدِيْمٌ (4):

أَرَادُوا أَنْ نَزُوْلَ لَهُمْ فَكُنَّا

مَكَانَ يَدِ النَّدِيْمِ مِنَ النَّدِيْمِ

_________

(1)

ديوانه ص 224.

(2)

لم يرد في ديوانه.

(3)

ديوانه ص 42.

(4)

حلية المحاضرة 2/ 95.

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَقَالَ عتبَةُ بن الوَعْلِ التَّغْلِبِيُّ فِي كَعْبِ بنِ جُعَيْلٍ (1):

وَسُمِّيْتَ كَعْبًا بِشَرِّ العِظَامِ

وَكَانَ أَبُوْكَ يُسمَّى الجعَل

وَإِنَّ مَكَانَكَ مِنْ وَائِلٍ

مَكَانَ القرَادِ مِن أَسْتِ الجمَل

وَقَالَ بَعْضُ بَنِي عِجلٍ (2):

فَأُقسم أنّهُ قد حلَّ مِنهَا

مَحَلّ السَّيفِ من قَعْرِ القِرابِ

وَقَالَ أَلَا سَلْعُ بنُ قَصَّافٍ الطُّهَوِيُّ (3):

تَكُوْنُ إِذَا دَارَتْ عَلَيْهِمْ عَظِيْمَةً

وَفِي أَيِّ يَوْمٍ لَا تنُوْبُ العَظَائِمُ

مَكَانَ القدَامَى فِي الجّنَاحِ وَإِنَّمَا

تَطِيْرُ بِظُهْرَانِ الجّنَاحِ القَوَادِمُ

وَكَقَوْلِ أَبي صَمْعَاءَ مُسَاوِر بن هِنْدٍ (4):

إِنِّي أَنَا اللَّيْثُ يَحْمِي عَنْ فَرِيْسَتِهِ

وَقَدْ يحكّ بِقَرْنَيْهِ أُسْتَهُ الوَعْلُ

وَقَالَ الأَعْشَى (5):

كَنَاطِحٍ صخْرَةً يَوْمًا لِيَفْلِقهَا

فَلَمْ يَضِرهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ

* * *

أَخْبَرَ عَلِيّ بن غَسَّانَ عَنِ الفَضْلِ ابْنُ الحَبَابِ عَنْ ابنِ سَلَامٍ عَنْ حَاجِبِ بن يَزِيْدَ بن شَيْبَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بن زَرَارَةَ قَالَ: قَالَ جَرِيْرٌ بِالكُوْفَةِ:

لَقَدْ قَادَنِي مِنْ حُبِّ مَاوِيَةَ الهَوَى

وَمَا كُنْتُ أَلْقَى لِلْحَبِيْبَةِ أَقْوَدَا

_________

(1)

المؤتلف والمختلف ص 84.

(2)

حلية المحاضرة 2/ 95.

(3)

حلية المحاضرة 2/ 96.

(4)

حلية المحاضرة 2/ 96.

(5)

ديوانه ص 286.

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أُحِبُّ ثَرَى نَجْدٍ وِبِالغَوْرِ حَاجَ

فَغَارَ الهَوَى يَا عَبْدَ قَيْسٍ وَأَنْجَدَا

أَقُوْلُ لَهَا يَا عَبْدَ قَيْسٍ صَبَابَةً

بِأَيٍّ تَرَى مُسْتَوْقَدَ النَّارِ أُوْقِدَا

فَقَالَ أَرَاهَا أُوْرِثتْ وَوَقُودُهَا

بِحَيْثُ اسْتَفَاضَ القِنْعُ شِيْحًا وَغَرْقَدَا

فَأعْجَبَتِ النَّاسَ وَتَنَاشَدُوْهَا.

قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: فَحَدَّثَنِي جَابِرُ بنَ جَنْدَلٍ قَالَ: فَقَالَ جَرِيْرٌ: أَعْجَبَتْكُم هَذِهِ الأَبْيَاتُ؟ قَالُوا: نَعَمُ. قَالَ: كَأَنَّكُمْ بِالقَيْنِ قَدْ قَالَ (1):

أَعِدْ نَظَرًا يَا عَبْدَ قَيْسٍ لَعَلَّما

أَضاءَتْ لَكَ النَّارُ الحِمَارَ المُقَيَّدَا

قَالَ: فَلَمْ يَلْبِثُوا أَنْ جَاءَهُمُ الفَرَزْدَقُ بِهَذَا البَيْتِ وَبَعْدَهُ:

كُلَيبِيَّةٌ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ وَجْهَهَا

كَرِيْمًا وَلَمْ تَزْجُر لَهَا الطَّيْرُ أَسْعُدَا

فَتَنَاشَدَتْهَا النَّاسُ فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: كَأَنَّكُمْ بِابْنِ المَرَاغَةِ قَدْ قَالَ:

وَمَا عِبْثَ مِنْ نَارٍ أَضاءَ وَقُوْدُهَا

فِرَاسًا وَبِسْطَامَ بنِ قَيْسٍ مُقْتَدَا

فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ لِجَرِيْرٍ وَهَذَا البَيْتُ مَعَهُ (2):

وَأَوْقَدْتَ بِالسّنْدَانِ نَارًا ذَلِيْلَةً

فَأَشْهَدْتَ مِنْ سَوءَاتِ جِعْثِنَ مَشْهَدَا

جِعْثِنُ: أُخْتُ الفَرَزْدَقِ.

حَدَّثَ سَعِيْدُ بن هَمَامِ اليَمَانِيِّ قَالَ: نَزَلَ الفَرَزْدَقُ مَنْزِلًا بِاليَمَامَةِ وَهُوَ يُرِيْدُ العِرَاقَ فَقَالَ لِصَاحِب لَهُ: إِنَّ الغَلَمَةَ قَدْ أَذَتْنِي فَاطْلُبْ لِي بَغِيًا. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أُصِيْبُ هَاهُنَا بَغِيًا؟ قَالَ: فلا بُدَّ لَكَ أَنْ تَحْتَالَ فِي ذَلِكَ. فَمَضى الرَّجُلَ إِلَى القَرْيَةِ وَالفَرَزْدَقُ نَازِلًا نَاحِيَةً مِنَ القَرْيَةِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَا مِنْ امْرَأَةٍ تَقْبَلُ فَإنَّ مَعِي امْرَأَتِي وَقَدْ أَخَذَها الطلِيْقُ وَالمُخَاضُ فَبَعَثُوا مَعَهُ امْرَأَةً تَقْبَلُ فَأَدْخَلَهَا عَلَى الفَرَزْدَقُ وَقَدْ غَطَّاهُ بِثِيَابٍ فَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُ

_________

(1)

ديوان الفرزدق 1/ 180.

(2)

ديوان جرير ص 158.

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَأبث ثُمَّ ارْتَحَل وَمَضَى مُبَادِرًا وَقَالَ لِصَاحِبِهِ كَأَنِّي بِالخَبِيْثِ يَعْنِي جَرِيْرًا إِذَا بَلَغَهُ هَذَا قَالَ:

وَكُنْتُ إِذَا نَزَلْتُ بِدَارِ قَوْمٍ

رَحَلْتُ بِخِزْيَةٍ وَتَرَكْتُ عَارَا

قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ جَرِيْرًا قَالَ هَذَا البَيْتَ يَهْجُو الفَرَزْدَقَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ سَمِعَهُ فَعَرِفَ جَرِيْرٌ مَا قَالَ الفَرَزْدَقُ فَقَالَ إِنَّ جِنِّيَةَ ابن الخَبِيْثَةِ وَجِنِّيَتِي وَاحِا وَوَاللَّهِ أَنَّهُ لَيَعْرِفُ مَا يَجُوْلُ فِي صَدْرِي وَأَعْرِف مَا يُضْمِرُهُ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِأَنْ قَالَ (1):

أَجِدَّكَ مَا تَقُوْلُ بَنُو نُمَيْرٍ

إِذَا مَا الأَيْرُ فِي أَسْتِ أَبِيْكَ غَارَا

* * *

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ أَبُو عَمْرُو بن العَلَاءِ: كَانَ امْرُؤُ القَيْسِ مَعَنَا ضِلِّيْلًا يُنَازعُ مَنْ قِيْلَ أَنَّهُ يَقُوْلُ الشَعْرَ فَنَازَعَ التُّؤَامَ جَدَّ قَتَادَةَ بن الحارثِ بن التُّؤَامِ اليَشْكُرِيَّ فَقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ شَاعِرًا فَمَلِّطِ أَنْصافَ مَا أَقُوْلُ فَأَجزْهَا قَالَ نَعَمْ (يقال فَرَسٌ مُلَطٌّ إِذَا رَمَتْ وَلَدَهَا) فَقَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:

أَصَاحِ تَرَى بَرِيْقًا هَبَّ دَهنًا

فَأَجَابَهُ التّؤَامُ:

كَنَارِ مَجُوْسٍ يَسْتَعِرُ اسْتِعَارَا

فَقَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:

أَرَقْتُ لَهُ وَنَامَ أَبُو شُرَيْحٍ

فَأَجَابَهُ التُّؤَامُ:

إِذَا مَا قُلْت قَدْ هَدَأَ اسْتَطَارَا

فَقَالَ امْرُؤُ القَيْسِ: =

_________

(1)

ديوان جرير ص 787.

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= كَأَنَّ هِزَبْرَهُ بورَاءِ عَيْبٍ

هِزَبْرَهُ صَوْتهُ - غَيْب أي مِنْ حَيْثُ لَا أَرَاهُ.

فَقَالَ التُّؤَامُ:

عِشَارٌ - لَاقَتْ عِشَارَا

فَقَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:

فَلَمَّا إِنْ عَلَا لقفاءَ ضَاحٍ

فَأَجَابَهُ التُّؤَامُ:

وَهَتْ أَعْجَازُ رِيَّقِهِ فَحَارَا

فَقَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:

فَلَمْ يَتْرِكْ بِذَاتِ السِّرِّ ظَبْيًا

فَأَجَابَهُ التُّؤَامُ:

وَلَمْ يَتْرِكْ بِجَلّتِهَا حِمَارَا

قَالَ فَلَمَّا رَأَى امْرُؤُ القَيْسِ أَنَّهُ قَدْ مَا تنه وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ -الحرس شَاعِرٌ- إِلَى أَنَّهُ لَا ينازع الشِّعْرَ أَحَدًا بَعْدَهُ حيري الدهر.

الحَرسُ الدَّهْرُ يماتِنُهُ يُقَاوِمُهُ وَقَوْلهُ لَقْفَاءُ ضَاع مَوْضِع وَقَوْلُ التُّؤَامِ وَهَتْ أَعْجَازُ رِيَّقِهِ فَحَارَا أي تَحَيَّرَ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ رَيَّقهُ نَاحِيَتهُ يَقُوْلُ وَهَتْ أعْجَازُ نَاحِيَتِهِ فَهُوَ مُتَحَيِّرٌ لَا يبزخ. قَالَ حَكَى البَرق ثُمَّ أَضْمَر الرعد لأَنَّهُمَا يَصْطَحِبَانِ كَثيرًا إِعْجَازُ رِيقه أَوّله يَقُوْلُ أشْرَخَت إعْجَازِهُ فَسَالَ سَيْلًا.

كَمَا يَسِيْلُ مَاءُ القِرْبَةِ إِذَا وَهَتْ وَانْشَقَّتْ.

* * *

يَقُوْلُ مِنْهَا:

قُلْ للجبَانِ إِذَا تَأَخَّرَ سَرْحهُ

هَلْ أَنْتَ مِنْ شَرْكِ المَنِيَّةِ نَاجِ

ص: 269