الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ وَاحِدٍ
…
وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا
فَأبْرَزَ المَعْنَى فِي عِبَارَةٍ مُرْهَفَةٍ، فَتَكَافَأَ إحْسَانُهُمَا، وَقَالَ الأَعْشَى (1):[من الطويل]
إِذَا حَاجَةٌ وَلَّتْكَ لَا تَسْتَطِيْعُهَا
…
فَخُذْ طَرَفًا مِنْ غَيْرِهَا حِيْنَ تُسْبَقُ
وَقَالَ عَمْرُو بن مَعْدِ يْكَرِبَ (2): [من الوافر]
إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ
…
وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيْعُ
فَتَكَافَأَ إحْسَانُ المُتَّبِعِ وَالمُبْتَدِعِ تَكَافُؤًا لَا يَخِيْلُ عَلَى مَنْ يَعْرِفُ أَسْرَارَ الكَلَامِ فِي هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ. وَكَقَوْلِ النَّابِغَةِ (3): [من البسيط]
يَوْمًا بِأَجْوَدَ مِنْهُ سَيْبَ نَافِلَةٍ
…
وَلَا يَحُوْلُ عَطَاءُ اليَوْمِ دُوْنَ غَدِ
أخَذَهُ الحُطَيْئَةُ فَأَحْكَمَهُ لَمَّا قَالَ (4): [من الطويل]
تَزُوْرُ امْرَأً إِنْ يُعْطِكَ اليَوْمَ نَائِلًا
…
بِكَفَّيْهِ لَا يَمْنَعْكَ مِنْ نَائِلِ الغَدِ
وَنَقْلُ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ:
كَالتَّرْكِيْبِ وَالعَكْسِ وَمَا نَاسَبَهُمَا، وَهُوَ أَنْ يَنْقُلَ الشَّاعِرُ المَعْنَى مِنْ وَجْهِهِ الَّذِي وُجِّهَ لَهُ، وَيَنْقُلَ اللَّفْظَ عَنْ طِرِيْقِهِ الَّذِي سُلِكَ بِهِ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَطَرِيْقٍ آخَرَ صَنْعَةً مِنْ رَاضَةِ الكَلَامِ، وَصاغَةِ المَعَانِي، وَحُذَّاقِ السُّرَاقِ إخْفَاءً لِلسَّوَقِ، وَالاحْتِذَاءِ، وَتَوْرِيَةً عَنْ الاتِّبَاعِ وَالاقْتِفَاءِ. وَأكْثَرُ مَا يَأتِي بِهِ المُحْدَثُوْنَ؛ لأنَّهُمْ هُمُ الَّذِيْنَ فَتَّحُوا مِنْ أَبْوَابِ الكَلَامِ مَا كَانَ هَامِدًا وَأَيْقَظُوا مِنْ عُيُونهِ مَا كَانَ رَاقِدًا، وَاقْتَدَحُوا مِنْ زَنْدِهِ مَا كَانَ خَامِدًا، وَأَجْرَوا مِنْ مَعِيْنِهِ مَا كَانَ راكِدًا. فَأَمَّا المُتَقَدِّمُوْنَ، فَكَقَوْلِ
(1) ديوانه ص 271.
(2)
ديوانه ص 148.
(3)
ديوان النابغة الذبياني ص 27.
(4)
ديوانه ص 284.
امْرِئِ القَيْسِ يَصِفُ فَرَسًا (1): [من الطويل]
طَوِيْلٌ عَظِيْمٌ مُطْمَئِنٌّ كَأَنَّهُ
…
بِأَسْفَلِ ذِي مَاوَانَ سَرْحَةُ مَرْقَبِ
أخَذَتْهُ الخَنْسَاءُ، فَنَقَلَتْهُ إِلَى المَدْحِ، وَزَادَتْ فِيْهِ زِيَادَةً لَطِيْفَةً، فَقَالَتْ (2):[من البسيط]
وَإنَّ صَخْرًا لتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ
…
كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
وَنَقَلَهُ أَبُو نُوَاسٍ إِلَى وَصْفِ الخَمْرِ فَقَالَ (3): [من المديد]
فَاهْتَدَى سَارِي الظَّلَامِ بِهَا
…
كَاهْتِدَاءِ السَّفْرِ بِالعَلَمِ (4)
(1) ديوانه ص 46.
(2)
ديوانها ص 45.
(3)
ديوانه ص 41.
(4)
وَمِمَّا تَكَافَأ فِيْهِ إِحْسَانُ المُتَّبِعِ وَالمُبْتَدِعِ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ (1):
إِذَا وَعَدَ انْهَلَّتْ يَدَاهُ فَأَهْدَتَا
…
لَكَ النُّجْحَ مَحْمُوْلًا عَلَى كَاهِلِ الوَعْدِ
سَفُوْحَان تَعْتَزُّ المَكَارِمُ عَنْهُمَا
…
كَمَا الغَيْثُ مُفتَرُّ عَنِ البَرْقِ وَالرَّعْدِ
فَتَبَعَهُ البُحْتُرِيّ وَأَحْسَنَ فَقَالَ (2):
يُوْليْكَ صَدْرَ اليَوْمِ قَاصِيَةَ الغِنَى
…
بِمَوَاهِبٍ قَدْ كُنَّ أَمْسِ مَوَاعِدَا
سَوْمَ السَّحَائِبِ مَا يُدِلْنَ بَوَارِقًا
…
فِي عَارِضٍ إِلَّا ابْتَنَيْنَ رَوَاعِدَا
فَتَأَمَّل قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ وَقَوْلُ البُحْتُرِيّ فَإِنَّكَ تَجِدْهُمَا يَتَجَاوَبَانِ فِي عُلُوِّ اللَّفْظِ وَفَصَاحَتِهِ وَيَجْرِيَانِ إِلَى غَايَةٍ وَاحِدَةٍ يَتَسَاوَيَانِ فِيْهَا إِحْسَانًا وَبَلَاغَةً وَبَيَانًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ أَيْضًا مُخْتَرِعًا مَعْنَاهُ (3):
وَإِذَا سَرَجْتَ الطَّرْفَ حَوْلَ فِنَائِهِ
…
لَمْ تَلْقَ إِلَّا نِعْمَةً وَحَسُوْدَا
_________
(1)
ديوانه 2/ 113 - 114.
(2)
ديوانه 2/ 823.
(3)
ديوانه 1/ 424.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فَأَخَذَهُ البُحْتُرِيّ وَأَحْسَن عَلَى أَنَّ لَفْظَ أَبِي تَمَّامٍ أَجْلَى فَقَالَ (1):
مُحَسَّدٌ بِخَلَالٍ فِيْهِ فَاضِلَةٍ
…
وَلَيْسَ تَفْتَرِقُ النّعْمَاءُ وَالحَسَدُ
* * *
وَمِنْ تَكَافُؤِ احْسَانِ قَوْلُ زَيْدُ الخَيْلِ (2):
أَعَلْقَمُ لَا تَكفر جَوَادَكَ بَعْدَ مَا
…
نَجَا بِكَ مِنْ بَيْنَ المَنَايَا الحَوَاضِرِ
وَنَجَّاكَ يَوْمَ الرَّوْعِ إِذْ حَضَرَ الوَغَى
…
مَسْحٌ كَفَتْحَاءِ الجِنَاحَيْنِ كَاسِرِ
فَأخَذَهُ النَّجَاشِيُّ فَقَالَ (3):
وَنَجَا ابنَ حَرْبٍ سَابِحٌ ذُو عُلَالَةٍ
…
أَجَشٌّ هَزِيْمٌ وَالرِّمَاحُ دَوَانِ
قَبْلَهُ: حَسِبْتُمْ قِتَالَ الأَشْعَرِيّ وَمَذْحُجٍ وَكِنْدَةَ أكل الزُّبْدِ بِالصَّرَفَانِ. الصَّرَفَانِ: جِنْسٌ مِنَ التَّمْرِ وَمَا أُهْدِيَ إِلَى الزَّبَّاءِ أحَبَّ مِنْهُ إِلَيْهَا وَإِيَّاهُ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا: أَمْ صَرَفَانًا بَارِدًا شَدِيْدًا. وَلَمْ تُرِدْ بِالصَّرَفَانِ الرَّصَاصَ.
إِذَا قِلْتُ أَطْرَافُ الرِّمَاحِ يَنَلْنَهُ
…
مَرْتهُ بِهِ السَّاقَانِ وَالقَدَمَانِ
وَيُرْوَى: إِذَا قِلْتُ أَطْرَافُ الرِّمَاحِ يَنَشْنَهُ تَمَطَّتْ بِهِ. البَيْتُ
وَكَقَوْلِ عَدِيّ بن زَيْدٍ (4):
بِفَلَاةٍ كَأَنَّمَا الضَّبُّ فِيْهَا
…
حِيْنَ يُوْفَى نَعَامَةٌ أَوْ بَعِيْرُ
أخَذَهُ الحَطِيْئَةُ فِي الإسْلَامِ فَقَالَ (5):
_________
(1)
ديوانه 1/ 496.
(2)
شعراء إسلاميون ص 181.
(3)
الوحشيات ص 113، وقعة صفين 601 - 602.
(4)
لم يرد في ديوانه.
(5)
ديوانه ص 148.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بِأَرْضٍ تَرَى فَرْخَ الحَبَارَى كَأَنَّهُ
…
بِهَا رَاكِبٌ مُوْفٍ عَلَى ظَهْرِ قَرْدَدِ
وَكَقَوْلِ أَبُو تَمَّامٍ (1):
إِنَّمَا البَشَرُ رَوْضةٌ فَإِذَا
…
كَانَ وَبْرٌّ فَرَوْضَةٌ وَغَدِيْرُ
فَاحْتَذَى حَذْوَهُ البُحْتُرِيُّ وَسَاوَاهُ فِي الإِحْسَانِ فَقَالَ (2):
فَإنَّ العَطَاءَ الجَّزُلَ مَا لَمْ تُحِلِّهِ
…
بِبِشْرِكَ مِثْلُ الرَّوْضِ غَيْر مُنَوَّرِ
* * *
وَمِنْ نَقْلِ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ قَوْلُ أَبُو تَمَّامٍ فِي الهَجْوِ (3):
يَتَغَطَّى عَنْهُمُ وَلَكّنَهُ
…
تَنْصُلُ أَخْلَاقُهُ نُصُوْلَ المَشِيْبِ
فَقَالَ البُحْتُرِيُّ وَنَقَلَهُ إِلَى جِهَةِ أُخْرَى وَأَخْفَى السَرَقَ فِيْهِ (4):
وَالعِيْسُ تنصُلُ مِنْ دُجَاهُ كَمَا انْجَلَى
…
صَبْغُ الشَّبَابِ عَنِ القَذَالِ الأَشْيَبِ
وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ (5):
نَارٌ يُسَاوِرُ جِسْمَهُ مِنْ حَرِّهَا
…
لَهَبٌّ كَمَا عَصْفَرْتَ شِقَّ إِزَارِ
فَقَالَ البُحْتُرِيُّ وَطَوَى الأَخْذَ وَرَوَّى عَنْهُ (6):
وَفِي كُلِّ عَالٍ مِنْ قُرَاهُمْ وَسَافِلٌ
…
لَهِيْبٌ تَخَالُ الوَشْيَ فِيْهِ مُشَقَّقَا
وَالأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ الأَوَّلِ:
_________
(1)
ديوانه 4/ 448.
(2)
ديوانه 2/ 891.
(3)
ديوانه 1/ 131.
(4)
ديوانه 1/ 80.
(5)
ديوانه 2/ 203.
(6)
ديوانه 2/ 1506.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كَأَنَّ نِيْرَانَهُمْ فِي كُلِّ شَارِفَهٍ
…
مُصَبَّغَاتٌ عَلَى أَرْسَانِ قَصَّارِ
وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ فِي المَدْحِ (1):
يَمُدُّوْنَ بِالبِيْضِ القَوَاطِعِ أَيْدِيًا
…
فَهُنَّ سَوَاءٌ وَالسُّيُوْفُ القَوَاطِعُ
أخَذَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فَأَوْقَعَ التَّشْبِيْهَ عَلَى الجُّمْلَةِ فَقَالَ (2):
هُمَامٌ إِذَا مَا فَارَقَ الغَمْدَ سَيْفِهِ
…
وَعَايَنْتَهُ لَمْ تَدْرِ أَيُّهُمَا النَصْلُ
* * *
وَمِنْ الأَخْذِ وَنَقْلِ المَعْنَى إِلَى غَيْرِهِ قول أَبِي نُوَّاسٍ (3):
وَكَأْسٍ كَمِصْبَاحِ السَّمَاءِ شَرِبْتُهَا
…
عَلَى قُبْلَةٍ أَوْ مَوْعِدٍ بِلِقَاءِ
أَتَتْ دُوْنَهَا الأَيَّامَ حَتَّى كأَنَّهَا
…
تَسَاقطُ نورًا مِنْ فُتُوْقِ سَمَاءِ
أخَذَهُ مِنْ قَوْلِ جَرِيْرٍ (4):
تَجْرِي السِّوَاكَ عَلَى أَغَرَّ كَأَنَّهُ
…
بَرَدٌ تَحَدَّرَ مِن مُتُوْنِ غَمَامِ
وَقَوْلُ ابن المُعْتَزِّ:
مَنْ لَامَنِي فِي المُدَامِ فَهُوَ كَمَنْ
…
يَكْتِبُ بِالمَاءِ عَلَى القَرَاطِيْسِ
أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الأَعْرَابِيّ:
فَأَصْبَحْتُ مِنْ لَيْلَى الغَدَاةَ وَذِكْرِهَا
…
كَقَابِضِ مَاءٍ تَسُفُّهُ أَنَامِلُه
* * *
_________
(1)
ديوانه 4/ 589.
(2)
ديوانه 3/ 186.
(3)
لم ترد في ديوانه.
(4)
ديوانه (صادر) ص 452.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ امْرُؤُ القَيْسِ (1):
فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمَيْنَ بِلَحْمِهَا
…
وَشَحْمٍ كَهِدَابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
الدِّمَقْسُ: الحَرِيْرُ الأَبْيَضُ، وَقِيْلَ هُوَ القطْنُ.
فَنَقَلَهُ الأَعْشَى إِلَى تَشْبِيْهِ البَنَانِ فَقَالَ (2):
فَأَلْوَتْ بِكَفٍّ مِنْ سِوَارٍ يَزِيْنَهَا
…
بَنَانٌ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفتَّلِ
وَتَبِعَهُ مَجْنُوْنُ بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ (3):
أَشَارَتْ بِمَخْضُوْبٍ رَخْمٍ بَنَانُهُ
…
كَهُدَّابِ رِيْطٍ مِنْ دِمَقْسٍ مُفَتَّلِ
وَيُرْوَى أَشَارَتْ بِمَوْشُوْمٍ كَانَ بَنَانَهُ. وَكَقَوْلِ امْرُؤُ القَيْسِ (4):
إِذَا مَا رَكِبْنَا قَالَ وُلْدَانُ أَهْلِنَا
…
تَعَالُوا إِلَى أَنْ يَأَتِيَ الصَّيْدُ يَحْطِبِ
أَخَذَ هَذَا المَعْنَى ابن المُعْتَزِّ بِاللَّهِ فَقَالَ (5):
قَدْ وَثِقَ القَوْمُ لَهُ بِمَا طَلَبْ
…
فَهُوَ إِذَا عُرِّي لِصَيْدٍ وَاضْطَرَبْ
عَروا سَكَاكِيْنَهُمُ مِنَ القُرَب.
فَنَقَلَ هَذَا المَعْنَى ابْنُ مُقْبِلٍ إِلَى صِفَةِ القِدَاحِ فَقَالَ (6):
إِذَا امْتَحَنَتْهُ مِنْ مَعْدٍ عِصابَةٌ
…
غَدَا ربّهُ قَبْلَ المُفِيْضِيْنَ يَقْدَحُ
يَصِفُ ثِقَتهُ بِفَوْزِ قدحِهِ.
_________
(1)
ديوانه ص 11.
(2)
ديوانه ص 401.
(3)
حلية المحاضرة 2/ 83.
(4)
لم يرد في ديوانه.
(5)
ديوانه 2/ 115.
(6)
ديوان المعاني 2/ 243.