الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَلِكَ مِمَّا تَنْقَطِعُ دُوْنَ إدْرَاكِهِ الأنْفَاسُ، وَتَبْطُلُ قَبْلَ بُلُوْغِ نِهَايَتِهِ الحَوَاسُّ.
أَمَّا صِدْقُ التَّشبِيْهِ
،
فَإنَّهُ نِهَايَةُ حِذْقِ الشَّاعِرِ، وَالعَقَبَةُ الَّتِي إِنْ جَاَزَهَا، لَحِقَ بِالمُجِيْدِيْنَ، وَإِنْ قَصَّرَ عَنْهَا، تَخَلَّفَ بِالكَثيْرِ مِنَ المُقَصِّرِيْنَ؛ لأنَّ كَافَ التَّشْبِيْهِ يَسْهُلُ اسْتِلَابُهَا فِي اللَّفْظِ عَلَى الشَّاعِرِ. فَإذَا طُوْلبَ بِرَدِّ الجَّوَابِ عَنْهَا، اسْتَصعَبَ ما اسْتَسْهَلَ وَهُنَالِكَ يُنْصَرُ أَوْ يُخْذلُ.
وَالتَّشْبِيْهُ عَلَى ضُرُوْبٍ:
فَمِنْهُ تَشْبِيْهُ العِيَانِ وَالتَّأمُّلِ (1)، وَهُوَ أَن يُشَبَّهَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، فَيَكُوْنَ كَأنَّهُ هُوَ.
= وَتَشْبِيْهٌ مُتَقَارِبٌ كَقَوْلِ أَبُو نُوَّاسٍ يَصِفُ سَفِيْنَةً:
فَكَأَنَّهَا وَالمَاءُ يَنْطَحُ صَدْرَهَا
…
وَالخَيْزُرَانَةُ فِي يَدِ المَلَّاحِ
جَوْنٌ مِنَ العِقْبَانِ مُبْتَدِرُ الدُّجَى
…
يَهْوِي بِصَوْتٍ وَاصْطِفَاقِ جَنَاحِ
أخَذَ هَذَا عَلِيّ بن جَبَلَةَ فَقَالَ فِي حَمِيدِ بن عَبْدِ الحَمِيْدِ:
يَرْتُقُ مَا يَفْتِقُ أَعْدَاؤُهُ
…
وَلَيْسَ يَأْسُو فتقَهُ آسِي
فَالنَّاسُ جِسْمٌ وَإِمَامُ الهُدَى
…
رَاسٌ وَأَنْتَ العَيْنِ فِي الرَّاسِ
وَالتَّشْبِيْهُ البَعِيْدُ الَّذِي لَا يَقُوْمُ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِ:
بَلْ لَوْ رَأَتْنِي أُخْتُ جِيْرَانِنَا
…
إِذْ أَنَا فِي البَيْتِ كَأَنِّي حِمَارُ
* * *
يُرِيْدُ الصِّحَةَ كَمَا تَقُوْلُ العَامَّةُ كَأَنَّهُ العِجْلُ تَرِيْدُ بِهِ الصِّحَّةَ وَهَذَا بَعِيْدٌ لأنَّ السَّامِعَ لَهُ إِنَّمَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ.
(1)
وَمِنْ تَشْبِيْهِ العِيَانِ وَالتَّأَمُّلِ مَا أَنْشَدَنِي الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الفَاضِلُ الكَامِلُ جَمَالُ الدِّيْنِ يَاقُوْت الَكَاتِبُ لِنَفْسِهِ أَدَامَ اللَّهُ تَوْفِيْقهُ وَمَجْدهُ وَأَسْعَدَ فِي الدَّارَيْنِ جَدِّهِ: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بَدَا بِوَجْهٍ مُخْجِلٍ شَمْسَ النَّهَارِ المُشْرِقَه
فِي أُذْنِهِ لُؤْلُؤَةٌ كَأَنَّهَا وَالحَلَقَه
قَدَّاحَةٌ فِي وَرْدَةٍ بِاليَاسَمِيْنِ مُلْحَقَه
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي عُمَرُ أَحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الأَزْدِيّ البَصْرِي المَعْرُوْفِ باز سرك بِوَاسِط.
كَأَنَّ الرِّيَاضَ وَقَدْ جلَّلَتْ
…
ثِيَابَ الشَّقِيْقِ بِأَفْوَافِهَا
وَقَدْ هَزَّتِ الرِّيْحُ أَغْصَانَهَا
…
دُيُوْكٌ تَمِيْلُ بِأَعْرَافِهَا
* * *
وَكَقَوْلِ جَنُوْبَ أُخْتِ عَمْروٍ ذِي الكَلْبَ (1):
تَمْشِي النُّسُوْرُ إِلَيْهِ وَهِيَ لَاهِيَةٌ
…
مَشْيَ العَذَارَى عَلَيْهِن الجَّلَابِيْبُ
وَكَقَوْلِ الآخَر (2):
كَأَنَّ أَبَارِيْقَ المَدَامِ لَدَيْهُمُ
…
أوَزّ بِأَعْلَى الطَّفِّ عُوْجُ الحَنَاجِرِ
وَكَقَوْلِ عَنْتَرَةَ يَصِفُ ذبَابَ الرَّوْضِ (3):
وَخلَا الذُّبَابُ بِهَا فَلَيْسَ بِبَارِحٍ
…
غَرِدًا كَفِعْلِ الشَّارِبِ المترنمِ
هَزِجًا يُحَكُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ
…
قَدْحَ المَكَبِّ عَلَى الزّنَادِ الأَجْذَمِ
يَقْوْلُ كَأَنَّهُ قَادِحٌ أَجْذَمُ مُكَبٌّ يَقْدَحُ الزّنَادَ.
وَكَقَوْلِ التَّنُوْخِيّ (4): =
_________
(1)
ديوان الهذلين 3/ 125.
(2)
لشبرمة الضبي، انظر: لسان العرب (برق).
(3)
ديوانه ص 19.
(4)
انظر: نهاية الأرب 7/ 42.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كَأَنَّمَا المَرِّيْخُ وَالمُشْتَرِي
…
قدَّامَهُ فِي شَامِخِ الرِّفْعَه
مُنْصرِفٌ بِاللَّيْلِ عَنْ دَعْوَةٍ
…
قَدْ سَرَجُوا قُدَّامَهُ شَمْعَة
وَكَقَوْلِ التَّنُوْخِيّ أَيْضًا (1):
وَلَيْلَةُ مُشْتَاقٍ كَأَنَّ نُجُوْمُهَا
…
قَدِ اغْتَصَبَتْ عَيْني الكَرَى فَهيَ نُوَّمُ
كَأَنَّ عُيُوْنَ السَّاهِرِيْنَ لِطُوْلهَا
…
إِذَا شَخَصتْ لِلأَنْجُمِ الزهر أَنْجُمُ
كَأَنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ وَالصُّبْحُ ضاحِكٌ
…
يَلُوْحُ وَيَخْفَى أَسْوَدٌ يَتَبَسَّمُ
وَكَقَوْلِ ابن المُعْتَزِّ (2):
وَقَدْ رَفَعَ الفَجْرُ الظَّلَامَ كَأَنَّهُ
…
ظَلِيْمٌ عَلَى بِيْضٍ تَكَشَّفَ جَانِبُه
وَكقَوْلِهِ أَيْضًا (3):
فِي لَيْلَةٍ أَكَلَ المحاقُ هِلَالهَا
…
حَتَّى تَبَدَّى مِثْلَ وَقْفِ العَاجِ
وَالصُّبْحُ يتلو المشْتَرِي فَكَأَنَّهُ
…
عُرْيَانُ يَمْشِي فِي الدجى بسراجِ
* * *
عَبْدُ اللَّهِ بن المُعْتَزِّ يَقُوْلُ ذِي الرُّمَّةِ فقال (4):
وَمَا نَزَعَنَا إِلَّا الصَّبَاح كَأَنَّهُ
…
جِلَال نباطيّ عَلَى فَرَسٍ وَرْدِ
وَأشقر الجوّ قَدْ لَاحَتْ كَوَاكِبُهُ
…
فِيْهِ كَدُرٍّ عَلَى اليَاقُوتِ مَنْثُوْرِ =
_________
(1)
يتيمة الدهر 2/ 395 - 396.
(2)
لم يرد في ديوانه.
(3)
ديوانه 2/ 492.
(4)
لم يردا في ديوانه.
وَتَشْبِيْهُ الحِسِّ وَالتَّخَيُّلِ (1)، وَهُوَ تَشْبِيهُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ، فَيَكُوْنُ مَحْسُوْسًا شَبِيْهَهُ
= وَالصَّرِيْحُ فِي هَذَا قَوْلُ الصُّوْلِيّ:
وَنُجُوْمُ اللَّيْلِ تَحْكِي
…
ذَهَبًا فِي لازَوْرَدِ
وَلِمَنْصوْر بن كَيْغَلْغَ:
كَأَنَّهَا وَالقُرْطُ فِي أُذْنِهَا
…
بَدْرُ الدُّجَى قُرِّطَ بِالمُشْتَرِي
قَدْ كتَبَ الحُسْنُ عَلَى وَجْهِهَا
…
يَا أَعْيُنَ النَّاسِ قَفِي فَانْظُرِي
وَلِبَشَّارِ بن بُرْدٍ (1):
كَانَ تَحْتَ لِسَانِهَا
…
هاروت يَنْفِثُ فِيْهِ سِحْرَا
وَتَخَالُ مَا ضَمَّتْ عَلَيْهِ
…
ثِيَابَهَا ذَهَبًا وَعِطْرَا
* * *
قَوْلُ البُحْتُرِيِّ:
كَأنَّ الرِّيْحَ وَالمَطَرَ المُنَاجِي
…
خَوَاطِرَهَا عِتَابٌ وَاعْتِذَارُ
* * *
مِنْ قَصِيْدَةٍ أَوَّلُهَا:
لَعَمْرُ أَبِيْكَ ابنَةَ العَامِرِيّ
…
لَا يَدَّعِي القَوْمَ أَنِّي أفِر
(1)
مِنْ تَشْبِيْهِ الحِسِّ وَالتخِيُّلُ قَوْلُ أَوْسُ بنُ حَجَرٍ وَهِيَ تُخْلَطُ بِشِعْرِ عَبِيْدٍ وَبَنُو تَمِيْمٍ يَقُوْلُوْنَ هِيَ لأَوْسٍ وَبَنُو أَسَدٍ يَقُوْلُوْنَ هِيَ لِعَبِيْدٍ وَقَدْ قَالَ أَوْسٌ هَذِهِ وَقَالَ عَبِيْدٌ تِلْكَ وَيَخْلِطُوْنَ هَذِهِ بِتِلْكَ: =
_________
(1)
ديوانه 4/ 56.
بِالمَعْنَى، وَتَشْبِيْهُ التَّكْثيْرِ (1). . . .
= يَا هَلْ تَرَى البَرْقَ لَمَّا نُمْتُ أَرْقُبُهُ
…
كَمَا اسْتَضاءَ يَهُوْدِىٌّ بِمِصبَاحِ
إنِّي أَرِقْتُ وَلَمْ يَأْرَقْ مَعِي صاحِي
…
بِمُسْتَكِفِّ بُعَيْدَ النَّوْمِ لَوَّاحِ
يَهْدِي الجنُوْبَ بِأُوْلَاهُ وَنَاءَ بِهِ
…
إِعْجَازُ مُزْنٍ يَسُحُّ المَاءَ دَلَّاحِ
كَأنَّ ربقَهُ لَمَّا عَلَا شَطْبًا
…
أَقْرَابُ أَبْلَقِ يَنْفِي الخَبْلُ رَمَّاحِ
دَانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الأَرْضِ هَيْدَبِهِ
…
يَكَادُ يَدْفَعُهُ مَنْ قَامَ بِالرَّاحِ
يَنْفِي الحَصَى عَنْ جَدِيْدِ الأَرْضِ مُبْتَرِكًا
…
كَأنَّهُ فَاحِصٌ أَوْ لَاعِبٌ دَاحِي
كَأنَّ فِيْهِ إِذَا مَا الرَّعْدُ فَجَّرَهُ
…
دُهْمًا مَكَافِيْلَ قَدْ هَمَّتْ بِإِرْشَاحِ
جشًا حَنَاجِرُهَا هُدْلًا مَشَافِرُهَا
…
يَسْتَنُّ أَوْلَادَهَا فِي صَحْصَحٍ ضَاحِي
فَمَنْ بِمِحْفَلِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتهِ
…
وَالمُسْتَكِنُّ يَمْشِي بِقِرْوَاحِ
القِرْوَاحُ: الأَرْضُ البَارِزَةُ لَا يَنْبِتُ. وَالمُحْفِلُ: السَّيْلُ حَيْثُ يَحْتَفِلُ أَيْ يَعْظمُ.
* * *
مُبْتَرِكٌ: مُلِحٌّ وَفَاحِصٌ. أَيْ هَذَا المَطَرُ فِي الأَرْضِ مِثْلَ الأَفَاحِيْصِ.
* * *
يَهْدِيْهِ: أَيْ يَقُوْدُهُ. وَنَاءَ بِهِ: أَيْ صارَ كَأنَّهُ لَا يَبْرَحُ. يُقَالُ نَاءَتْ بِهَا عَجيْزَتَهَا أَيْ ثَقُلَتْ.
* * *
يَقُوْلُ يَنكَشِفُ البَرْقُ كَمَا يَرْمَحُ الأَبْلَقُ فَيَبْدُو بلقه، وشَطِبٌ جَبَلٌ فِي بِلَادِ بَنِي أَسَدٍ.
(1)
وَمِنْ تَشْبِيْهِ التَّكْثِيْرِ أَيْضًا قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ يَصِفُ شِدَّةَ سَوَادِ اللَّيْلِ (1): =
_________
(1)
ديوان امرئ القيس ص 18.
وَالتَّعْظِيْمِ (1)، وَهُوَ أَنْ يُشَبَّهَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ فَيَكُوْنَ شَبِيْهَهُ فِي الكَثْرَةِ وَالعِظَمِ،
= وَلَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ
…
عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتَلِي
شَبَّهَ سَوَادُ اللَّيْلِ بِالبَحْرِ تَكْثِيْرًا لِكَثَافَتِهِ وَتَرَاكُمِهِ لَا لأَنَّهُ شَبَّهَهُ فِي الحَقِيْقَةِ. وَكَقَوْلِ الآخَر وَهُوَ أَبُو القَاسَمِ الزَّاهِي (من شعراء سيف الدولة الحمداني وصَّاف محسن كثير المُلح والطُّرف والغواد - في شعرِهِ):
وَمُلتفِتَاتٍ بِاللِّحَاظِ كَأَنَّمَا
…
سَلَلْنَ سُيُوْفًا وَانْتَضَيْنَ خَنَاجِرَا
سَفَرْنَ بُدُوْرًا وَانتَقَبْنَ أَهِلَّةً
…
وَمِسْنَ غُصُوْنًا وَالتفَتْنَ جَآذِرَا
وَأَطْلَعْنَ فِي الأَجْيَادِ بِالدّرِّ أَنْجُمًا
…
جُعِلْنَ لِحَبَّاتِ الثُّغُوْرِ ضَرَائِرَا
وَمِثْلُ قَوْله: "سَفَرْنَ بدُوْرًا" قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ:
بَدَتْ قَمَرًا وَمَالَتْ خُوْطَ بِانٍ
…
وَفَاحَتْ عَنْبَرًا وَرَنَتْ غَزَالَا
(1)
(بيت أبي تمام) يُرِيْدَ أنَّ هَذَا المَمْدُوْحَ خَيْرُهُ يَشْتَمِلُ عَلَى القَاصِي عَنْهُ وَالدَّانِي مِنْهُ كَالغَيْثِ يَعُمُّ حَيَاةُ المُقِيْمُ وَالرَّاحِلُ تَكْثيْرًا لِفَضلِهِ وَإِحْفَالًا بِكَرَمِهِ.
وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا قَوْلُ البُحْتُرِيّ فِي المَدْحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ التَّشْبِيْهِ (1):
قَدْ قُلْتُ لِلْغَيْمِ الزّكَامِ ولج فِي
…
إبْرَاقِهِ وَالِج فِي إِرْعَادِهِ
لَا تَعرِضَنَّ لِجَعْفَرٍ مُتَشَبِّهًا
…
بِنَدَى يَدَيْهِ فَلَسْتَ مِنْ أَنْدَادِهِ
أَمَرَ العَطَاء فَفَاضَ مِنْ جمَّاتِهِ
…
وَنَهَى الصَّفِيْح فَقَرَّ فِي إِغْمَادِهِ
وَهَذَا كَلَامٌ عُلوِيٌّ لَا تَرْتَقِي إِلَيْهِ كُلّ فكْرَةٍ وَتُقَصِّرُ عَنِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ كُلُّ قَرِيْحَةٍ وَقَوْلُهُ أَيْضًا (2):
تَبَسَّمَ وَقُطُوْبٌ فِي نَدًى وَوَغًى
…
كَالبَرْقِ وَالرَّعْدِ وَسْطَ العَارِضِ البَرِدِ
أَعْطَيْتَ حَتَّى تَرَكْتَ الرِّيْحَ جَاسِرَةً
…
وَجُدْتَ حَتَّى كَأَنَّ الغَيْثَ لَمْ يَجُدِ =
_________
(1)
ديوانه 2/ 703.
(2)
ديوانه 1/ 575.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَنَرْجِعُ إِلَى مَا نَحْنُ آخِذُوْنَ فِيْهِ مِنْ تَشْبِيْهِ التَّكْثِيْرِ وَالتَّعْظِيْمِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ السَّيِّدِ أَبي عَبْدِ اللَّهِ بن عِمَادٍ العَلَوِيّ:
وَالمَاءُ مِنْ عَصْفِ الرِّيَاحِ كَأَنَّهُ
…
أَرْضٌ بِعَقْوَتِهَا رُبًى وَوِهَادِ
وَمَنْ نَسَجَ عَلَى هَذَا المِنْوَالِ أَبُو عَامِرٍ إسْمَاعِيْلَ بن أَحْمَدَ الشَّاشِيّ حَيْثُ قَالَ مِنْ قَصيْدَةٍ (1):
رَأَيْتُ عَلَى أَكْوَارِنَا كُلّ مَاجِدٍ
…
يرَى كُلَّمَا أَبْقَى مِنَ المَالِ مغرمَا
تَدُوْمُ أَسْيَافُنَا وَتَعْلُو قَوَاضِبًا
…
وَتَنْقَضُّ عِقْبَانًا وَتَطْلَعُ أَنْجُمَا
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ الجوْهَرِيّ فِي الخَمْرِ عَلَى أَنَّهُ ثَلَّثَ التَّشْبِيْهَ (2):
يَقُوْلُوْنَ بَغْدَادَ الَّذِي اشْتَقْتَ نِزْهَةٌ
…
دَسَاكرَهَا وَالعَكْبَرِيَّ المُقِيْرَا
إِذَا فُضَّ عَنْهُ الخَتْمُ فَاحَ بَنَفْسَجًا
…
وَأَشْرَقَ مِصْبَاحًا وَنَوَّرَ عُصْفُرَا
وَلِبَعْضهِمْ فِي غُلَامٍ مُغَنٍّ (3):
فدَيْتكَ يَا أتَمَّ النَّاسِ ظُرْفًا
…
وَأَصْلَحُهُمْ لِمُتَّخِذٍ حَبِيْبَا
فَوَجْهُكَ نُزْهَةُ الأَبْصَارِ حُسْنًا
…
وَصَوْتُكَ مُتْعَةُ الإِسْمَاعِ طِيْبَا
وَسَائِلَةٍ تُسَائِلُ عَنْكَ قُلْنَا لَهَا
…
فِي وَصفِكَ العَجَبُ العَجِيْبَا
رَنا ظَبْيًا وَغَنَّى عَنْدَلِيْبًا
…
وَلَاحَ شَقَائِقًا وَمَشَى قَضِيْبَا
* * *
يُقَالُ أَفرَخَ رَوْعُكَ (4): أَيْ ذَهَبَ عَنْكَ مَا تَخَافَهُ وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهُ رَسُوْلُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ =
_________
(1)
يتيمة الدهر 1/ 290.
(2)
يتيمة الدهر 1/ 290.
(3)
يتيمة الدهر 1/ 290.
(4)
انظر: لسان العرب (فرخ).
فَتَشْبِيْهُ العيَانِ وَالتَّأَمُّلِ كَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ (1): [من الطويل]
كَأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا
…
لَدَى وَكْرهَا العُنَّابُ وَالحَشَفُ البَالِي (2)
وَكَقَوْلِهِ أيْضًا (3): [من الطويل]
كَأنَّ عُيُوْنَ الوَحْشِ حَوْلَ خِبَائِنَا
…
وَأرْجُلَنَا الجَزعُ الَّذِي لَمْ يُثَقَّبِ
وَكَقَوْلِ القَاضِي الأرَّجَانِيِّ (4): [من الكامل]
وَإذَا بَكَى أبْصَرْتَ جَامِدَ دَمْعِهِ
…
في الهدبِ منه كلؤلؤٍ في مِثْقَبِ
وَتَشْبِيْهُ الحسِّ وَالتَّخَيُّلِ، كَقَوْلِ مُحَمَّد بن يَزيْدَ بن مَسلمةَ بن عَبْدِ المَلِكِ بن مَرْوَان:[من الكامل]
وَالجَدْيُ كالفَرَسِ الحِصانِ شَدَدْتَهُ
…
بِالسَّرْجِ إلا أنَّهُ لا يَصْهِلُ
= عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُرْوَةَ بنُ مُضَرِّسٍ حِيْنَ انْتَهَى إِلَيْهِ بِجَمْعٍ قَبْلَ أَنْ يُصلِّي الغَدَاةَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ طَوَيتُ الجَّبَلِيْنِ وَلَقَيْتُ شِدَّةً. فَقَالَ رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَفرَخَ رَوْعُكُ مَنْ أَدْرَكَ إِفَاضَتِنَا هَذِهِ فَقَدْ أَدْرَك (1).
(1)
ديوانه ص 38.
(2)
قَبْلَ هَذَا البَيْتِ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ (2):
كَأَنِّي بِفَتْحَاءِ الجَنَاحَيْنِ لِقُوَّةٍ
…
عَلَى عَجَلٍ مِنِّي أُطَأْطِئُ شِمْلَالِي
تَخَطَّفَ خزَّانَ الأُنَيْعِمِ بِالضُّحَى
…
وَقَدْ عَجِزَتْ مِنْهَا ثَعَالِبُ أورَالِ
كَأَنَّ قُلُوْبَ الطَّيْرِ. البَيْتُ.
(3)
ديوانه ص 53.
(4)
ديوانه 1/ 206.
_________
(1)
انظر: مسند أحمد 4/ 5، 261.
(2)
ديوانه ص 38.
وَكَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ يَصفُ طُلُوعَ الفَجْرِ (1): [من الطويل]
وَقَدْ لَاحَ لِلسَّارِي الَّذِي كَمَنَ السُّرَى
…
عَلَى أُخْرَيَاتِ اللَّيْلِ فَتْقٌ مُشَهَّرُ
كَمِثْلِ الحِصَانِ الأنْبَطِ البَطْنِ قَائِمًا
…
تَمَايَلَ عَنْهُ الجُّلُّ وَاللَّوْنُ أشْقَرُ
وَتَشْبِيْهُ التَّكْثِيْرِ، كَقَوْلِ امْرِيءِ القَيْسِ يَصِفُ فَرَسًا (2):[من المتقارب]
لَهَا مَنْخِرٌ كَوِجَارِ الضِّبَاعِ
…
فَمِنْهُ تُرِيْحُ إِذَا تَنْبَهِرْ
لَهَا عُنُقٌ مِثْلُ جِذْعِ السَّحُوْقِ
…
جَاءَ بِهِ عَايِصٌ مُعْتَمِرْ
لَهَا حَافِرٌ مثل قعب الوَلِيْدِ
…
رُكِّبَ فِيْهِ وَظِيْفٌ عَجِرْ
وَكَقَوْلِ أبِي تَمَّامٍ (3): [من البسيط]
كَالغَيْثِ إِنْ جِئْتهُ وَافَاكَ رَيِّقُهُ
…
وَإِنْ تَرَحَّلْتَ عَنْهُ كَانَ فِي الطَّلَبِ
وَقَدْ اسْتَكْثَرَتِ الشُّعَرَاءُ مِنَ التَّشْبِيْهِ، وَتَفَنَّنَتْ بِأَلْفَاظِهَا وَقَرَائِحَهَا فِيْهِ، وَلَمْ يَخْلُ شِعْرٌ قَدِيْمٌ، وَلَا حَدِيْثٌ مِنْهُ، وَهَأنَا ذَاكِرٌ لُمعًا مِنْ مَحَاسِنِهِ الَّتِي وَقَعَ الإِجْمَاعُ عَلَى أنَّهَا أبْدَعُ مَا قِيْلَ فِيْهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الأصْمَعِيُّ: اسْتَدْعَانِي الرَّشِيْدُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي، وَقدْ انْصرَمَتْ قِطْعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَرَاعَتْنِي رُسُلُهُ، وَلَمْ أفتأ أَنْ مَثَلْتُ بِحَضرَتِهِ، وَإذَا فِي المَجْلِسِ يَحْيَى بن خَالِدٍ، وَجَعْفَرٌ وَالفَضْلُ. فَلَمَّا لَحَظَنِي الرَّشِيْدُ، اسْتَدْنَانِي، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، وَتَبَيَّنَ مَا لَبسَنِي مِنَ الوَجَلِ فَقَالَ: لِيُفْرِخْ رَوْعُكَ، فما أرَدْثُكَ إلَّا لِمَا يُرَادُ لَهُ مِثْلِكَ. فَمَكَثْتُ هُنَيْهَةً إلَى أَنْ ثَابَتْ إِلَيَّ نَفْسِي بَعْدَ أَنْ كَادَتْ تَطِيْرُ شَعَاعًا فَقَالَ: إنِّي نَازَعْتُ هَؤُلَاءِ، وَأوْمَأَ إلَى يَحْيَى وَجَعْفَرٍ وَالفَضلُ - قالت العَرَبُ فِي التَّشْبِيْهِ، وَلَمْ يَقَعْ إجْمَاعُنَا عَلَى بَيْتٍ يَكُونُ -- غَيْره، فَأرَدْنَاكَ لِفَصلِ هَذِهِ القَضيَّةِ وَاجْتِنَاءِ ثَمَرَة الخِطَارِ فِيْهَا. فَقُلْتُ: يا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، إنَّ التَّعْيِيْنَ عَلَى بَيْتٍ وَاحِدٍ فِي نَوْعٍ قَدْ تَوَسَّعَتْ فِيْهِ
(1) ديوانه 2/ 626.
(2)
ديوانه ص 163 - 165.
(3)
ديوانه 1/ 113.
العَرَبُ الشُّعَرَاءُ وَنَصبَتْهُ مَعْلَمًا لأَفْكَارِهَا، وَمَسْرَحًا لِخَوَاطِرِهَا لَبَعِيْدٌ أَنْ يَقَعَ النَّصُّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أحْسَنُ النَّاسِ تَشْبِيْهًا امْرُؤُ القَيْسِ قال: فِيْمَ قُلْتُ في قَوْلِهِ (1):
كَأنَّ عُيُوْنَ الوَحْشِ حول خبائنا. . . . البَيْتُ
وَقَوْلِهِ (2): [من الطويل]
كَأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا
وَقَوْلِهِ (3): [من الطويل]
سَمَوْتُ لَهَا مِنْ بَعْدِ مَا نَامَ أهْلُهَا
…
سُمُوَّ حَبَابِ المَاءِ حَالًا عَلَى حَالِ
قَالَ: فَالْتَفَتَ إلَى يَحْيَى، فَقَالَ هَذِهِ وَاحِدَةٌ، قَدْ نَصَّ عَلَى أنَّ امْرَئ القَيْسِ أبْرَعُ النَّاسِ تَشْبيْهًا. فَقَالَ يَحْيَى: هِيَ لَكَ يا أمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. ثُمَّ قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: فَمَا أبْرَعُ تَشْبِيْهَاتِهِ عِنْدَكَ؟ ، قُلتُ: قَوْلهُ يَصفُ فَرَسًا (4): [من المتقارب]
كَأَنَّ تَشَوُّفَهُ بِالضُحَى
…
تَشَوُّفُ أزْرَقَ ذِي مخْلَبِ
إِذَا بُزَّ عَنْهُ جِلَالٌ لَهُ
…
تَقُوْلُ سَلِيْبٌ وَلَمْ يُسْلَبِ
فَقَالَ الرَّشِيْدُ: هَذَا حَسَنٌ وَأحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُهُ (5): [من الطويل]
فَرُحْنَا بِكَآبِنِ المَاءِ يُجنَبُ وَسْطَنَا
…
تَصَعَّدُ فِيْهِ العَيْنُ طُوْرًا وَتَرْتَقِي (6)
(1) ديوانه ص 53.
(2)
ديوان امرئ القيس ص 38.
(3)
ديوان امرئ القيس ص 31.
(4)
لم ترد في ديوان امرئ القيس.
(5)
لامرئ القيس في ديوانه ص 176.
(6)
هَذَا البَيْتُ مِنْ قَصِيْدَةٍ أَوَّلُهَا (1):
آلَا أَنْعِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الرَّبعُ وَانْطِقْ
…
وَحَدِّثْ حَدِيْثِيَ الحَيّ أنْ شِئْتَ وَاصْدقِ =
_________
(1)
ديوان امرئ القيس ص 168.
فَقَالَ جَعْفَرٌ: يَا أمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَا هَذَا هُوَ التَّحْكِيْمُ. فَقَالَ الرَّشِيْدُ فَكَيْفَ؟ قَالَ: يَذْكُرُ أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مَا كَانَ اخْتِيَارُهُ وَقَعَ عَلَيْهِ وَنَذْكُرُ مَا اخْتَرْنَاهُ وَيَكُوْنُ الحُكْمُ وَاقِعًا مِنْ بَعْدُ. فَقَالَ الرَّشِيْدُ: أمرَضتَ؟ قَالَ الأصمَعِيُّ: فَاسْتَحْسَنتهَا. فَقَالَ الرَّشِيْدُ: بَلْ يَبْدَأُ يَحْيَى. فَقَالَ يَحْيَى: أشْعَرُ النَّاسِ تَشْبِيْهًا النَّابِغَةُ فِي قَوْلهِ (1): [من الكامل]
نَظَرَتْ إِلَيْكَ بِحَاجَةٍ لَمْ تَقْضهَا
…
نَظَرَ المَرِيْضِ إلَى وُجُوْهِ العُوَّدِ
وَفِي قَوْلهِ (2): [من الطويل]
فَإنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي
…
وَإِنْ خِلْتُ أنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ واسِعُ
= يَقْوْلُ مِنْهَا (1):
بَعَثْنَا رَبِيْعًا قَبْلَ ذَلِكَ مخملًا
…
كَذِئْبِ الغَضَا يَمْشِي الضَّرَّاءَ وَيَتَّقِي
الرَّبِئُ هُوَ الَّذِي يَنْظرُ لِلقَوْمِ يقال رَبَأْتَ القَوْمَ أرْبَاؤُهُمْ ربأ والرَّئِيَّة الطَّلِيْعَةَ وَالضَّرَّاءُ مُخَفَفًا كُلُّ مَا اسْتَتَرْتَ بِهِ وَمُخْمَلٌ يَخْفِي شَخْصَهُ.
وَقَوْلُهُ وَرُحْنَا بِكَائِنِ المَاءِ يضعْنِي الفَرَسَ يَقُوْلُ كَأَنَّهُ طَيرُ المَاءِ وَابن المَاءِ طَائِرٌ قَالَ ذُو الرُمَةِ (2):
وَرَدْتُ اعْتِسَافًا وَالثُّرَيَّا كَأَنَّهَا
…
عَلَى قمَّةِ الرِّأْسِ ابن مَاءٍ مُحَلَّقِ
كَمَا قَالُوا لِلمُسَافِرِ ابنُ السَّبِيْلِ وَلِلظَّاهِرِ البَارِزِ المُنْكَشِفٍ ابنُ حَلَا وابنُ سَمِيْر لِلَّيْلِ وَالنهار وابن النَّعَامَةِ الخَطِّ أَسْفَلِ القَدَمِ وابن النّمِيْر لِلَّيْلَةِ القَمْرَاءِ وابن حمير لِلَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ السَّوْدَاءَ فِي أَشْيَاءٍ من قِبَلِ هَذَا.
(1)
ديوان النابغة الذبياني.
(2)
ديوان النابغة ص 38.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس ص 172.
(2)
ديوانه 1/ 490.
وَفِي قَوْلِهِ (1): [من البسيط]
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشِيٌّ أَكَارِعُهُ
…
طَاوِي المَصيْرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفَردِ
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَقُلْتُ: أمَّا تَشْبيْهُهُ مَرَضَ الطَرْفِ، فَحَسَنٌ إلَّا أنَّهُ قَدْ هَجَّنَهُ بِذِكْرِ العِلَّةِ، وَتَشْبِيْهِ المَرْأةِ بِالعَلْيِلِ، وَأحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ عَدِّيِ بن الرّقَاعِ (2):[من الكامل]
وَكَأنَّهَا بَيْنَ النِّسَاءِ أعَارَهَا
…
عَيْنَيْهِ أحْوَرُ مِنْ جَآذِرِ جَاسِمِ
وَسْنَانُ أقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ (3)
…
فِي عَيْنهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ
وَأمَّا تَشْبيْهُ الإِدْرَاكِ بِاللَّيْلِ، فَقَدْ تَسَاوَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِيْمَا يُدْرِكَانِهِ. وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ سَبيْلِهِ أَن يَأتِي بِمَا لَيْسَ لَهُ قَسِيْمٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَعْنى يَنْفَرِدُ بِهِ وَلَو شَاءَ قائل أن يقول: إن قولَ النميري فِي هَذَا المَعْنَى أحْسَنُ لَوَجَدَ مَسَاغًا إلَى ذَلِكَ حَيْثُ يقول (4):
فَلَوْ كنتُ بالعَنْقَاء أو بِيَسُومِها
…
لَخِلْتُكَ إلَّا أنَّ تَصُدَّ تَرَانِي (5)
(1) ديوان النابغة ص 17.
(2)
ديوانه ص 122.
(3)
مَعْنَى رَنَقَتْ تَهَيَّأَتْ. يقال رَنَقَ الطَّائِرُ إِذَا تَهَيَّاَ لِلنُّزُوْلِ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عَلَى حَدِّ قَوْسَيْنَا كَمَا رَنَقَ النَّسْرُ.
وَالسِّنَةُ أَوَّلُ النُّعَاسِ.
(4)
لمحمد بن عبد اللَّه بن نمير الثقفي في شعراء أمويون 3/ 134.
(5)
العَنْقَاءُ هَضبَةُ بِعَيْنهَا وَأَسْؤُمُ جَبَلٌ بِعَيْنِهِ.
قالت لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ (1):
لَا تَقْرَبَنَّ الدَّهْرَ آلَ مُطَرَّفٍ
…
لَا ظَالِمًا أَبَدًا وَلَا مَظْلُوْمَا
أنْ سَالَمُوْكَ فَدَعْهُمُ مِنْ بَعْدِهِ
…
وَارْقد كَفَا لَكَ بَالرّقَادِ نَعِيْمَا
لَنْ تَسْتَطِيْعَ بِأَنْ تُحَوِّلَ عِزَّهُمْ
…
حَتَّى تَحُوْلُ ذَا الهِضَابِ يَسُوْمَا
* * *
_________
(1)
ديوانها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هَذَا البَيْتُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بن نُمَيْرِ الثَّقفِيّ وَكَانَ يُشَبِّبُ بِزَيْنَبَ بِنْتُ يُوْسُفَ أُخْت الحَجَّاجِ قَالَ أَبُو العَبَّاسِ المُبَرَّدِ: إنَّ الحَجَّاجَ رَأَى مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بن نُمَيْرٍ الثَّقفِيّ فَارْتَاعَ مِنْ نَظَرِ الحَجَّاجِ إِلَيْهِ فَدَعَا بِهِ فَلَمَّا عَرَفَهُ قَالَ:
هَاكَ يَدِي ضَاقَتْ بِيَ الأَرْضُ رَحْبُهَا
…
وَإِنْ كُنْتُ قَدْ طَوَّفْتُ كُلّ مَكَانِ
وَلَوْ كُنْتُ بِالعَنْقَاءِ أَوْ بِيَسُوْمِهَا. البَيْتُ
ثُمَّ قَالَ والله أيها الأمير ما قلتُ إلّا. . . قلت:
يَحْبِبْنَ بِأَطْرَافِ البَنَانِ مِنَ التُّقَى
…
وَيَخْرُجْنَ شَطْرَ اللَّيْلِ مُعْتَجرَاتِ
فَعَفَا عنه.
وَمِنْ شِعْرِ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بن نُمَيْرِ قَوْلهُ يُشَبِّبُ بِزَيْنَبَ مِنْ أَبْيَاتٍ:
تَضَوَّعَ مِسْكًا بَطْنُ نُعْمَانَ أنْ مَشَتْ
…
بِهِ زَيْنَبُ فِي نِسْوَةٍ خَفِرَاتِ
وَلَمَّا رَأَتْ ركبَ النُّمَيْرِيّ أَعْرَضَتْ
…
وَكُنَّ مِنْ أَنْ تَلَقَّيْنَهُ حَذِرَاتِ
وَيُرْوَى: عَطَاءَاتِ.
دَعَتْ نِسْوَةً شُمَّ العَرَابِيْن بُدَّنًا
…
نَوَاعِمَ لَا شُعْثًا وَلَا غَبرَاتِ
فَأَذْنَيْنَ لَمَّا قُمْنَ يَحْجُبْنَ دُوْنهَا
…
حِجَابَا مِنَ القَسِيِّ وَالحَبِرَاتِ
أَجَلّ الذي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ عَرْشُهُ
…
أَوَانِسَ بِالبَطْحَاءِ مُعْتَمِرَاتِ
يُخْبِئْنَ أَطْرَافَ الأَكُفِّ مِنَ التُّقَى
…
وَيَخْرُجْنَ جِنْحَ اللَّيْلِ مُعْتَجِرَاتِ (1)
وَيُرْوَى: شَطْرَ اللَّيْلِ
فَسَأَلَهُ الحَجَّاجُ بن يُوْسُف فَقَالَ لَهُ: فِي كم كُنْتَ؟ قَالَ وَاللَّهِ أنْ كُنْتُ إِلَّا عَلَى حِمَارٍ هَزِيْلٍ وَمَعِي رَفِيْقِي عَلَى أتَانٍ مِثْلهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ لَيْلَى لأَبيْهَا: أَرَأَيْتَ قَوْلُ أَبيْكَ: =
_________
(1)
شعراء أمويون 3/ 143.
وَأمَا قَوْلِهِ:
طَاوِي المَصِيْرِ كَسَيْفِ الصَّقَيْلِ الفَردِ
فَالطِّرِمَاحُ أحَقُّ بِهَذَا المَعْنَى، لأنَّهُ أخَذَهُ فَجَوَّدَهُ، وَزَادَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ النَّابِغَةُ افْتَرَعَهُ وَهُوَ (1):[من الكامل]
يَبْدُو وَتُضمِرُهُ البِلَادُ كَأنَّهُ
…
سَيْفٌ عَلَى شَرَفٍ يُسَلُّ وَيُغْمَدُ (2)
= بِجَيْشٍ يَضِلُّ البُلقُ فِي حُجُرَاتِهِ
…
بِيَثْرِبَ أُخْرَاهُ وَبِالشَّامِ قَادِمُهُ
كم كُنتم؟ فَقَالَ: حَضَرْتهَا وَكُنْتُ أنا وَأَبِي وَمَعَنَا أتان.
هِيَ - بِنْتُ -- بن --.
وَمِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا فَإِنْ الحَدِيْثَ يَسْتَدْعِي بَعْضهُ بَعْضًا قَالَ رَجُلٌ لِرُؤْبَةَ أَنْ حَدَّثتَنِي بِحَدِيْثٍ لَمْ أُصَدِّقكَ عَلَيْهِ فَلَكَ عِنْدِي جَارِيَةٌ فَقَالَ أَبْقَ لِي غلَامٌ فَاشْتَرَيْتُ بَطِّيْخّةً فَلَمَّا قَطَعْتُهَا وَجَدْتهُ فيها فَقَالَ نَعَمْ قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ فَقَالَ دَبِّر لِي فَرَسٌ فَعَالَجْتهُ بِقُشُوْرِ الرُّمَّانِ فَنصبَتَ عَلَى ظَهْرِهِ شَجَرَةُ رُمَّانٍ تَثْمرُ كُلّ سَنَةٍ فَقَالَ صَدَقْتَ فَقَالَ لَمَّا مَاتَ أَبُوْكَ كَانَ لِي عَلَيْهِ عَشَرَةُ آلَافِ دِيْنَارٍ فَقَالَ هَاتِ الجَّارِيَةَ فَأَخَذَهَا منه بِغَلْبِهِ وَانْصَرَفَ.
(1)
للطرماح في ديوانه ص 146.
(2)
بَيْتُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيّ هَذَا مِنْ قَصِيْدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا (1):
أَمِنْ آلِ أُمَيَّةَ رَايِحٌ أَوْ مُغْتَدٍ
…
عَجْلَانَ ذَا زَادٍ وَغَيْرَ مَزَوَّدِ
زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلتنَا غَدًا
…
وَبِذَاكَ تنعَى بِالغُرَابِ الأَسْوَدِ
لَا مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلَا أَهْلًا بِهِ
…
إِنْ كَانَ تَفْرِيْقُ الأَحِبَّةِ فِي غَدِ
يَقُوْلُ مِنْهَا:
تَسَعُ البِلَادُ إِذَا آلَيْتُكَ زَائِرًا
…
وَإِذَا هَجَرْتُكَ ضَاقَ عَنِّي مَقْعَدِي
يَقُوْلُ مِنْهَا فِي التَّشْبِيْبِ: =
_________
(1)
ديوانه ص 93.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فِي إِثْرِ غَانِيَةٍ رَمَتْكَ بِسَهْمِهَا
…
فَأَصَابَ قَلْبَكَ غَيْرَ إِنْ لَمْ يُقْصدِ
بِالدُّرِّ وَاليَاقُوْتِ زُيِّنَ نَحْرُهَا
…
مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
لَوْ أَنَّهَا عَرَضَتْ لَا شمْطَ رَاهِبٍ
…
عَبَدَ الإِلَهَ صرُوْرَةٍ مُتَعَبِّدِ
لِصبَا بَهْجَتهَا وَحُسْنِ حَدِيْثهَا
…
ولخَالهُ رَشِدًا وَإِنْ لَمْ يَرْشَدِ
قَامَتْ ترَائِي بَيْنَ سِجْفَي قِبَّةٍ
…
كَالشَّمْسِ يَوْمَ طُلُوْعِهَا بِالأَسْعَدِ
سَقَطَ النَّصِيْفُ وَلمْ تُرِدْ إِسْقَاطِهِ
…
فَتَنَاولتْهُ بِاليَدِ
بِمُخَصَّبِ رَخِصٍ كَأنَّ بَنَانَهُ
…
عَنَمٌ عَلَى أَغْصَانِهِ لَمْ يُعْقَدِ
وَبِفَاحِمٍ رَجِلٍ أَثِيْثٍ نَبتهُ
…
كَالْكَرْمِ مَالَ عَلَى الدِّعَامِ المُسْتَدِ
نَظَرَتْ إِلَيْكَ بِحَاجَةٍ لَمْ تَقْضهَا. البَيْتُ.
فَبَدَتْ ترائِبُ شَادِنٍ مُترَتِّبٍ
…
أَحْوَى أَحَمَّ المُقْلتَيْنِ مُقَلَّدِ
أخَذَ العَذَارَى عِقْدَهَا فَنَظَمْنَهُ
…
مِنْ لُؤْلُؤٍ مُتَتَابِعٍ مُتَشَرِّدِ
تَجْلُو بِقَادِمَتِي حَمَامَةُ أَيْكَةٍ
…
بَرْدًا لِتَأْتِهِ بِالأِثْمِدِ
كَالأُقْحَوَانِ غَدَاةَ غَبِّ سَمَائِهِ
…
جَفَّتْ أَعَالِيْهِ وَأًسْفَلُهُ نَدِ
زَعَمَ الهُمَامُ بِأَنَّ فَاهَا بَارِدٌ
…
عَذبٌ إِذَا مَا ذقْتهُ قُلْتُ ازْدَدِ
زَعَمَ الهُمَامُ وَلَمْ أَذُقْهُ بِأَنَّهُ
…
يُشْفَى بِرِيْقِ العَطَشِ الصَّدِي
وَالبَطْنُ ذُو عُكْنٍ لَطِيْفٍ طَيْبُهُ
…
وَالنحرُ بِثَدْيٍ مُقْعَدِ
وَتَخَالَهَا فِي البَيْتِ إذْ فَاجَأْتَهَا
…
قَدْ كَانَ مَحْجُوْبًا سِرَاجُ المَوْقِدِ
صَفْرَاءُ كَالسِّيْرَا خَلْقُهَا
…
كَالغُصْنِ فِي قَنَوَاتِهِ المُتَأَوِّدِ
مَحْظُوْظَةُ المُتْنَيْنِ غَيْرُ مُفَاضَةٍ
…
رَيَّا الرَّوَادِفِ بَضهُ المُتَجَرِّدِ
وَإذَا لَمَسْتَ لَمَسْتَ أَخْثَمَ جَاثِمًا
…
مُتَحَيِّرًا بِمَكَانِهِ مِلْءَ اليَدِ
وَإذَا نَظَرْتَ رَأَيْتَ أقْمَرَ مُشْرِقًا
…
وَمُزَكَّنَا ذَا زَرْنَبٍ كَالجَلْمَدِ
وَإذَا طَعَنْتَ طَعَنْتَ فِي مُسْتَهْدَفٍ
…
رَابي المَجَسَّةَ بِالعَبِيْرِ مُقَرْمَدِ
وَإذَا نَزَعْتَ نَزَعْتَ في مُسْتَحْصَفٍ
…
نَزَعَ الحَزَوَّرِ بِالرَّشَاءِ المُحْصدِ
وَيَكَادُ يَنْزَعُ جِلْدَهُ مِنْ مَلَّةٍ
…
فِيْهَا لَوَافِحُ كَالحَرِيْقِ المُوْقَدِ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لَا وَارِدٌ مِنْهَا يَحُوْزُ إِذَا اسْتَقَى
…
صَدْرًا وَلَا صَدْرٌ يَحُوْزُ لِمُوْرِدِ
الأَخْثَمُ: العَرِيْضُ المُمْتَلِئُ. وَمُتَحَيِّرًا: أي تَحَيَّرَ في مَوْضِعِهِ كَتَحَيُّرِ المَاءِ لا يَجِدُ سَعْدًا. وَمُسْتَهَدف.
لَعَمْرِي وَإِنْ كَانَ النَّابِغَةِ قَدْ أَسَاءَ الأَدَبَ فِي وَصْفِ حرَم المُلُوْكِ بِهَذَا التَّصرِيْحِ الشَّنِيْع الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ أَدْنَى السُّوْقَةِ فَإِنَّ لِسَمَاعِ شِعْرِهِ هَذَا يَحْدُثُ فِي البَدَنِ نَشَاطٌ وَفِي النَّفْسِ انْبِسَاطٌ وَقَدْ تَبِعَهُ الشُّعَرَاءُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَلَهَا هَنٌ مِلْءَ اليَدَيْنِ كَأَنَّهُ
…
خُزَرٌ غَفَا أَوْ جَلْسَةُ المُتَرَبِّعِ
الخُزَزُ: ذَكَرُ الأَرْنَب وَجَمْعُهُ خِزَانٌ.
فَإِذَا طَعَنتْ يَعَضُ عَضَّةَ مُشْفِقٍ
…
وَإِذَا نَزَعْتَ يَمصُّ مَصَّ المُرْضِعِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَلَهَا هَنٌّ رَابٍ مَجَسَّتهُ
…
ضِنْكٌ مَسَالِكُهُ بِهِ وَقْدُ
فَإذَا طَعَنْتَ طَعَنْتَ فِي لِبدٍ
…
وَإِذَا نَزَعْتَ يَكَادُ يَنْسَدُّ
وَقَالَ ابنُ الرُّوْمِيّ (1):
وَقُمْتُ إِذَا لَمَسَت كَفَيَّ أُوَاقِعُهَا
…
ثَقَبْتُهَا مِثْلَ ثُقْبِ الدُّرِّ بِالمَاسِ
فَكَانَ أَلْيَنَ مِن خُلُقِي وَأَضيَقَ مِنْ
…
رِزْقِي وَأَسْخَنَ مِنْ عَيْنِي وَأَنْفَاسِي
وَقَالَ ابنُ الرُّوْمِيّ فِي مِثْلِهِ (2):
لَهَا حَرٌّ يَسْتَعِيْرُ وَقْدَتَهُ
…
مِنْ قَلْبِ صَبٍّ وَصدْرِ ذِي حَنَقِ
كَأَنَّمَا حَرُّهُ لِخَابِرِهِ
…
مَا أَلْهَبَتْ فِي حشَاهُ بِالحرَقِ
يَقُوْلُ مَنْ حدثَ الضَّمِيْرَ بِهِ
…
طُوْبَى لِمُفْتَاحِ ذَلِكَ الغَلَقِ =
_________
(1)
لم ترد في ديوانه.
(2)
ديوانه 4/ 1656 - 1657.
فَقَدْ جَمَعَ فِي هَذَا البَيْتِ اسْتِعَارَةً لَطِيْفَةً بِقَوْلهِ: وَتُضمِرُهُ، وَتَشْبيْهَ اثنيْنِ بِاثنيْنِ يَبْدُو وَيَخْفَى، وَيُسَلُّ وَيُغْمَدُ، وَجَمَعَ حُسْنَ التَّقْسِيْمِ، وَصحَّةَ المُقَابلَةِ.
قَالَ الأَصمَعِيُّ: فَاسْتَبْشَرَ الرَّشِيْدُ، وَبَرَقَتْ أسَارِيْرُ وَجْهِهِ حَتَّى خِلْتُ بَرْقًا يُوْمِضُ مِنْهَا، وَقَالَ لِيَحْيَى: نَضَلْتُكَ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، وَامْتُقعَ لَوْنُهُ فَكَأَنَّ الرَّمَادَ ذُرَّ عَلَى
= لَهُ إِذَا مَا الغُمْدُ خَالَطَهُ
…
أزْمٌ كَأَزْمِ الخِنَاقِ بِالعُنُقِ
يَزْدَادُ ضيْقًا عَلَى المِرَاسِ كَمَا
…
تَزْدَادُ ضيْقًا أُنْشُوْطَةُ الوَهِقِ
* * *
يقال أَمْرَضَ الرَّجُلُ إِذَا قَارَبَ الصَّوَابُ. وَمِنْهُ أَنَّهُ لِيُمْرِضُ فِي القَوْلِ إِذَا قَارَبَ وَلَمْ يُصَرِّحْ.
وَأَنْشَدُوا (1):
رَأَيْتُ أَبَا الوَليْدِ غَدَاةَ جَمْعٍ
…
بِهِ شِيْتٌ وَمَا فَقَدَ الشَّبَابَا
وَلَكِنْ تَحْتَ ذَاكَ الشَّيْبِ حزمٌ
…
إِذَا مَا قَالَ أَمْرَضَ أَوْ أَصَابَا
* * *
قَالَ أَبُو عَلِيّ عسل بن ذكْوَانَ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الرِّيَاحِيّ - الأَصْمَعِيّ يَقُوْلُ الفَرُدُ بِضَمِّ الرَّاءِ يَقُوْلُ هُوَ الأَبْيَضُ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ أكَارِعِهِ وَوَجْهِهِ كَأَنَّ فِيْهِ خُطُوْطًا مِنْ بَيَاضٍ وَسَوادٍ.
* * *
المَصيْرُ وَاحِدُ مِصْرَانُ وَتَقْدِيْرُهُ قَضيْبٌ وَقُضْبَانٌ وَكثِيْبٌ وَكُثْبَانٌ وَالعَامَّةُ يَكْسِرُوْنَ المِيْم وَيَجْعَلُوْنَهُ مُفْرَدًا وَجَمْعُ الجَّمْعِ مَصَارِيْن. يقال فَرْدٌ وَفَرَدٌ وَفَارِدٌ وَفَرِدٌ لِلَّذِي لَا نَظِيْرَ لَهُ.
* * *
_________
(1)
انظر: لسان العرب (مرض).
وَجْهِهِ، فَقَالَ الفَضْلُ: لَا تَعْجَلَ يا أمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ حَتَّى أُمِرَّ مَا قُلْتُهُ بَسَمْعِهِ، فَقَالَ: قُلْ. فَقَالَ الفَضْلُ: أَحْسَنُ النَّاسِ عِنْدِي تَشْبِيْهًا طَرَفَةُ فِي قَوْلِهِ (1): [من الطويل]
يَشُقُّ حَبَابَ المَاءِ حَيزُوْمُهَا بِهَا
…
كَمَا قَسَمَ التُّربَ المُفَايِلُ بِاليَدِ (2)
(1) ديوانه ص 90.
(2)
يُرْوَى المَفَائِلِ بِالهَمْزِ أَيْضًا، فَالمَفَايِلِ بِغَيْرِ الهَمْزِ مِنْ قَوْلهمْ فُلَانٌ فِيْلُ الرَّأيء أي ضَعِيْفهُ وَبِالهَمْزِ مِنَ الفَأْلِ.
* * *
وَأَوَّلُ هَذِهِ القَصِيْدَةِ (1):
لِخَوْلَةَ أَطْلَالٌ بِبَرْقَةِ ثَهْمَدِ
…
تَلُوْحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ
وُقُوفًا بِهَا صَحْبي عَلَى مَطِيِّهِمْ
…
يَقُولُوْنَ لَا تُهْلِكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ خُدُوْجَ المَالِكِيَّةِ غِدْوَةً
…
خَلايَا سَفِيْنٍ بَالنَّوَاصفِ مِنْ دَدِ
عَدُوَلِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِيَنِ ابْنُ يَامِنٍ
…
يَجُوْرُ بِهَا المِلاحُ طُوْرًا وَيَهْتَدِي
يَشقُّ حُبَابَ المَاءِ. البَيْتُ.
وَرَوَى أَبو عُبَيْدَةَ:
يَشِقُّ حُبَابَ المَاءِ حَيْزُوْمُ صَدْرِهَا
وَحُبَابُ المَاءِ هَاهُنَا أَمْوَاجُهُ وَزَخَرَاتِهِ وَمَا طَمَا وَارْتَفَعَ مِنْهُ وَأَصْلُ الحبَابٍ النَّفَاخَاتُ وَمَا عَلَا مِنَ المَاءِ عِنْدَ مَرِّ الرِّيْحِ عَلَيْهِ وَحَيْزُوْمُهَا يَعْنِي حَيْزُوْمُ العَدَولِيَّةِ، وَالعَدَولِيَّةُ نَعْتٌ للسَّفِيْنِ نَسَبَهَا قَوْمٌ كَانُوا يَنْزَالُوْنَ هَجَرَ وَيَامِنُ وَنَيْتَلُ قَوْمٌ كَانُوا يَصْنَعُوْنَ السُّفُنَ مِنْ أَهْلِ هَجَرَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَدُوْلِ قَدِيْمٌ وَيُرْوَى مِنْ سَفِيْن بن نَيْتَلٍ. وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيُّ نَسَبَهَا إِلَى ضَخْمٍ أَوْ قِدَمٍ قَالَ وَالمُفَايِلُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالفِيَالِ وَهِيَ تُرَابٌ مُكَوَّمٌ يُخَبِّئُوْنَ فِيْهِ حَصَاةً أَوْ شَيْئًا ثُمَّ يُغْمَدُ إِلَى ذَلِكَ التُّرَاب فَيُخْلَطُ خَلْطًا شَدِيدًا أَوْ يُكَوَّمُ كَوْمَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُشَقُّ بِنِصفَيْنِ شِقَّيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ وَالَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ هُوَ المُفَايِلُ ثُمَّ يَقُوْلُ لِصاحِبِهِ فِي أَيِّ =
_________
(1)
ديوان طرفة ص 88.
وَفِي قَوْلِهِ (1):
وَوَجْهٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ حَلَّتْ ردَاءهَا
…
عَلَيْهِ نَقِيِّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ (2)
وَفِي قَوْلِهِ (3):
لَعَمْرُكَ إِنَّ المَوْتَ مَا أخطَأَ الفَتَى
…
لَكالطُّوَلِ المُرخَى وَثِنْيَاهُ بِاليَدِ
قَالَ الأَصمَعِيُّ: فَقُلْتُ هَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ، وَغَيْرُهُ أحْسَنُ مِنْهُ، وَقَدْ شَرِكهُ فِي هَذَا المَعْنَى جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ. وَبَعْدُ فَطَرَفهُ صَاحِبُ وَاحِدَةٍ لَا يُقْطَعُ بِقَوْلِهِ عَلَى التَّجَوُّزِ، وَإِنَّمَا يُعَدُّ مِنْ أَصْحَابِ الوَاحِدَةِ. قَالَ: وَمَنْ أَصْحَابُ الوَاحِدَةِ؟
قُلْتُ: الحَارَثُ بن حِلِّزَةَ فِي قَوْلِهِ (4): [من الخفيف]
آذَنَتْنَا بِبَيْنِها أسْمَاءُ
…
ربّ ثاوٍ يملُّ منه الثواءُ
وَالأسْعَرُ الجُعْفِيُّ فِي قَصِيْدَتِهِ الَّتِي أوَّلُهَا (5): [من الكامل]
= الجَّنْبَيْنِ خَبَّأْتُ فَإنْ أَصَابَ الخَبِيْئَةَ ظَفَرَ وَقَمَرَ (1).
(1)
ديوان طرفة ص 92.
(2)
وَقَوْلُهُ: وَوَجْهٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِدَاءَهَا. البَيْتُ. وَيُرْوَى قِنَاعَهَا وَهُوَ وَاحِدٌ مِثْلَ الرِّدَاءِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بَهْجَتَهَا وَضِيَاءَهَا. يَقُوْلُ: كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ عَلَى هَذَا الوَجْهِ بَهْجَتَهَا لَمْ يَتَخَدَّدْ لَمْ يَتَشَنَّج فَيَصِيْرُ فِيْهِ كَالأَخَادِيْدِ وَهُوَ اضْطِرَابُ اللَّحْمِ وَاسْتِرْخَاءِ الجِّلْدِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ مِهْنَةٍ.
وَالرَّفْعُ فِي وَجْهٍ عَلَى الابْتِدَاءِ وَانْخَفَضَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْل هَذَا البَيْتِ وَجْهٍ على وَهُوَ مَخْفُوْضُ.
(3)
ديوان طرفة 109.
(4)
ديوان طرفة ص 9.
(5)
حلية المحاضرة 1/ 70.
_________
(1)
انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني ص 39.
هَلْ بَانَ قَلْبُكَ مِنْ سُلَيْمَى فَاشْتَفَى
…
وَلَقَدْ غَنِيْتَ بِحُبِّهَا فِيْمَا مَضَى
وَالأفْوَهُ الأوْدِيُ فِي قَوْلِهِ (1): [من الرمل]
إِنْ تَرَى رَأسِي فِيْهِ قَرَعٌ
…
وَشَوَاتِي خَلَّةٌ فِيْهَا دَوَارُ
وَعَلْقَمَةُ بن عَبَدَةَ فِي قَوْلِهِ (2): [من الطويل]
طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الحِسَانِ طَرُوْبُ
…
بُعَيد الشباب عصر حان مَشيبُ (3)
وَسُوَيْدُ بنُ أبِي كَاهِلٍ فِي قَوْلِهِ (4): [من الرمل]
بَسَطَتْ رَابِعَةُ الحَبْلَ لنَا
…
فَوَصَلْنَا الحَبْلَ مِنْهَا فَاتَّسَعْ
وَعَمْرُو بن كُلْثُومٍ فِي قَوْلِهِ (5):
ألَا هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا
…
ولا تبقي خمور الأندرينَا
وَعَمْرُ بنُ مَعْدِيْكَرِبَ فِي قَوْلِهِ (6): [من الوافر]
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيْعِ
…
يُؤَرِّقُنِي وَأصْحَابِي هُجُوْعُ
قَالَ: فَاستَحَقَّتْ الرَّشِيْدَ الأرْيَحِيَّةُ، وَقَالَ: ادْنُهُ، فَإنَّكَ جَحِيْشُ وَحْدِكَ.
قَالَ: فَزَادَ فِي عَيْنِي نُبْلًا. قَالَ جَعْفَرُ مُتَمَثِّلًا (7): [من الرجز]
لَبِّثْ قَلِيْلًا يَلْحَقِ الهَيْجَا حَمَل
(1) ديوانه ص 11.
(2)
هَذَا عَلْقَمَةُ بنُ عَبَدَةَ بِتَحْرِيْكِ البَاءِ وَالدَّالِ وَذَاكَ عَبْدَةَ ابْنُ الطَّبيِّبِ بِتَسْكِيْنِ البَاءِ، وَهُمَا شَاعِرَانِ مَجِيْدَانِ.
(3)
ديوانه ص 33.
(4)
ديوانه ص 23.
(5)
ديوانه ص 64.
(6)
ديوانه ص 140.
(7)
جمهرة الأمثال للعسكري 2/ 206.
يُعَرِّضُ بِأنَّهُ قَدْ يَجُوْزُ أَنْ يُدْرِكَ هُوَ مَا يُحَاوِلُهُ.
قَالَ الرَّشِيْدُ: فَاتَتْكَ وَاللَّهِ السَّوَابِقُ وَجِيْبَ كيْتًا ذَا رَوَايِلَ أرْبَعِ (1).
(1) أَسْمَاءُ خَيْلُ الحَلْبَةِ عَشْرَةٌ، لأنَّهُمْ كَانُوا يُرْسِلُوْنَهَا عَشْرَةً عَشْرَةً فَسُمِىَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِاسْمٍ:
فالأَوَّلُ: مِنْهَا السَّابِقُ وَهُوَ المُجَلِيُّ لأنَّهُ كَانَ يُجَلِّي عَنْ صَاحِبِهِ.
والثَّانِي: المُصَلِّي لأَنَّهُ يَدَعُ جَحْفَلَتَهُ على صِلَا السَّابِقِ.
وَالثَّالِثُ: المَسْلِيِّ لأنَّهُ يُسَلِّيْهِ.
وَالرَابِعُ: التَّالِي.
وَالخَامِسُ: المُرْتَاحُ.
وَالسَّادِسُ: الحَظِيُّ.
وَالسَّابِعُ: العَاطِفُ.
وَالثَّامِنُ: المُؤَمَّلُ.
وَالتَّاسِعُ: اللَّطِيْمُ لأنَّهُ يَلْطِمُ عَنِ الحجْرَةِ.
وَالعَاشِرُ: السُّكَّيْتُ لأنَّهُ يَعْلُوْهُ تَخَشُّعٌ وَسُكُوْتٌ، وَيُقَالُ سِكِّيْتُ مُشَدَّدَ الكَافِ.
وَالفسْكِلُ الَّذِي يَجيْءُ آخر الخَيْلِ فِي الحَلَبَةِ.
وَيُقَالُ لِلْخَيْلِ الَّتِي تجعَلُ فِي صُدُوْرِ الخَيْلِ يَوْمَ الرِّهَانِ المِقْبَضُ وَالمِقوسُ.
وَقِيْلَ فِي أَسْمَاءِ خَيْلِ الحَلَبَةِ إِنَّ:
أَوَّلَهَا المُجْلِي
ثُمَّ المُصلِّي
ثُمَّ المُسَلِّي
ثُمَّ العَاطِفُ
ثُمَّ المُرتَاحُ =
قَالَ: وَرَأَيْتُ الحَمِيَّةَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ جَعْفَرٌ عَلَى - حِلْمِكَ يا أمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: أَفَتَرَاهُ يَسَعُ غَيْرَكَ ويَضِيقُ عَنْكَ؟ قَالَ: جَعْفَرُ: لَمسْتُ أنُصُّ عَلَى شَاعِرٍ وَاحِدٍ أنَّهُ أحْسَنُ بَيْتًا وَاحِدًا تَشْبِيْهًا، وَلَكِنْ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ (1):[من الطويل]
كَأَنَّ غُلَامِي إذ عَلَا حَالَ مَتْنِهِ
…
عَلَى ظَهْرِ بَازٍ فِي السَّمَاءِ مُحَلِّقِ
= ثُمَّ الحَظِيُّ ثُمَّ المُؤَمَّلُ، فَهَذِهِ السَّبْعَةُ لَهَا حُظُوْظٌ ثُمَّ اللَّوَاتِي لَا حظُوْظَ لَهَا:
اللَّطِيْمُ
ثُمَّ الوَغْدُ
ثُمَّ السُّكَّيْتُ.
وَقِيْلَ:
الأَوَّلُ: السَّابِقُ المُجَلِيُّ
وَالثَّانِي: المُصَلِّيُّ
وَالثَّالِثُ: التَالِي
وَالرَّابِعُ: المُرْتَاحُ
وَالخَامِسُ: العَاطِفُ
وَالسَّادِسُ: الحَظِيُّ
وَالسَّابِعُ: المُؤَمَّلُ
ثُمَّ يُقَالُ: الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالعَاشِرُ
وَبَعْضُ العَرَبِ يُسَمُّوا الفَاشِرَ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ يُسَمَّى أحدُ الثَّلاثَةِ مِنَ الثَّامِنِ وَالتَاسِعِ وَالعَاشِرِ سُكِّيْتًا (1).
(1)
ديوانه ص 173.
_________
(1)
انظر: كتاب الخيل لعبد اللَّه بن محمد بن جزي الكلبي الغرناطي ص 149.
وَقَوْلُ عَدِيِّ بن الرِّقَاعِ (1): [من الكامل]
يَتَعَاوَرَانِ مِنَ الغُبَارِ مُلَاءةً
…
غَبْرَاءَ مُلْحِمَةً هُمَا نَسَجَاهَا
تُطْوَى إِذَا وَرَدَا مَكَانًا جَاسِيًا
…
فَإِذَا السَّنَابِكُ أسْهَلَتْ نَشَرَاهَا
وَقَوْلُ النَّابِغَةِ (2): [من الطويل]
فَإِنَّكَ شَمْسٌ وَالمُلُوكُ كَوَاكِبٌ
…
إِذَا طَلَعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهُنَّ كَوْكَبُ
قَالَ الأَصمَعِيُّ: فَقُلْتُ: هَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ بَارِعٌ، وَغَيْرُهُ أبْرَعُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقَعَ التَّعْيِيْنُ عَلَى مَا افْتَرَعَهُ قائِلُهُ، فلم يَتَعَرَّضَ لَهُ أَوْ تَعَرَّضَ لهُ شَاعِرٌ بَعْدَهُ فوقع دونه، فَأمَّا قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ (3):[من الطويل]
عَلَى ظَهْرِ بَازٍ فِي السَّماءِ مُحَلِّقِ
فَمِنْ قَوْلِ أبِي دُوَادٍ (4): [من المتقارب]
إِذَا شَاءَ رَاكِبُهُ ضمَّهُ
…
كَمَا ضمَّ بَازٌ إِلَيْهِ الجَنَاحَا
وَأمَّا قَوْلُ عَدِيِّ (5):
يَتَعَاوَرَانِ مِنَ الغُبَارِ مُلَاءةً
فَمِنْ قَوْلِ الخَنْسَاءِ (6): [من الطويل]
جَارَى أبَاهُ فَأقْبَلَا وَهُمَا
…
يَتَعَاوَرَانِ مُلَاءةَ الحُضْرِ
(1) ديوانه ص 85.
(2)
ديوانه ص 74.
(3)
ديوانه.
(4)
ديوانه، ضمن كتاب دراسات في الأدب العربي ص 302.
(5)
ديوانه.
(6)
ديوانه ص 61.
وَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا المَعْنَى شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ قَدِيْمٌ عُقَيْلِيٌّ فَقَالَ (1): [من الطويل]
ألَا يَا دِيَارَ الحَيِّ بِالبَرَدَانِ
…
عَفَتْ حِجَجُ بَعْدِي لَهُنَّ ثَمَانِ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ غَيْرُ نُؤْيٍ مُهَدَّمٍ
…
وَغَيْرُ أثَافٍ كَالرَّكِيِّ دِفَانِ
وَآثَارُ هَابٍ أوْرَقَ اللَّوْنِ سَافَرَتْ
…
بِهِ الرِّيْحُ وَالأَمْطَارُ كُلَّ مَكَانِ
قِفَارٍ مَرُوْرَاتٍ يَحَارُ بِهَا القَطَا
…
وَيُضْحِي بِهَا الجَاآنِ يعتركانِ
يُثِيْرَانِ مِنْ نَسجِ العَجَاجِ عَلَيْهِمَا
…
قَمِيْصَيْنِ أَسْمَالًا ويرتديانِ (2)
(1) لعميرة بن جعل التغلبي، انظر: المفضليات 3/ 933.
(2)
فِي وَصْفِ العَجَاجِ وَمَا أَثَارَتْهُ حَوَافِرِ الخَيْلِ مِنَ القَسْطَلِ فِي الحَرْبِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ سَلَمِ الخَاسِرِ (1):
بِمَجْرٍ يَضِلُّ اللَّيْلَ فِي حَجَرَاتِهِ
…
سُرَادِقُهُ مِمَّا تُثِيْرُ الحَوَافِرُ
نَشَرْنَ عَجَاجَ الأَرْضِ ثُمَّ طَوَيْتَهُ
…
فَمَا هُنَّ إلَّا طَاوِيَاتٌ نَوَاشِرُ
أَبُو الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي (2):
عَجَاجٌ تَعَثرُ العُقْبَانُ فِيْهِ
…
كَأَنَّ الجَّوَّ وَعْثٌ أَوْ خَبَارُ
عُمَرُو بنُ لجأ (3):
وَلَبِسْنَ مِنْ قَتَمِ العَجَا
…
جِ سَرَابِلًا مَعَهَا سَرَابِلُ
كَدُخَانِ مُصْرَدَةٍ يُشَبُّ
…
وُقُوْدُهَا وَالنَّارُ شَامِلُ
أَبُو نُواسٍ (4):
وَالخَيْلُ قَدْ نَسَجَتْ فِي الجَّوِّ أَرْجُلُهَا
…
مِنْ هَلْهَلِ النَّقْعِ مَمْدُوْدًا جَلَابِيْبَا
_________
(1)
لم ترد في ديوانه، وهما في شعراء عباسيون.
(2)
ديوانه 2/ 103.
(3)
لم ترد في ديوانه.
(4)
لم ترد في ديوانه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أَبُو الطَّيِّبِ (1):
خَافِيَاتِ الأَلْوَانِ قَدْ نَسَجَ النَّقْـ
…
ـعُ عَلَيْهَا بَرَاقِعًا وَجلَالَا
الرَّفَاء (2):
وَجُزْنُ عَلَى المُرُوْجِ مُبَرْقِعَاتٍ
…
بَرَاقِعُهُنَّ مَا نَسَجَ الصَّعِيْدُ
المَوْسَوِيُّ (3):
سَتَرْنَ الجَّوَّ بِالقَسْطَالِ حَتَّى
…
كَأَنَّ البَدْرَ أَضْمَرَهُ السِّرَارُ
وَلَهُ (4):
أَثَرْنَا فِي قَنَابِلِهَا عجَاجًا
…
تَرَكْنَا مِنْهُ أَثرًا فِي الهِلَالِ
المَانِيُّ:
وَيَوْمٍ يُمِيْتُ الشَّمْسَ لَيْلُ عَجَاجِهِ
…
وَيَقْبِرُهَا فِي جَوِّهِ مِنْهُ غَيْهَبُ
تَرَى أُفقُهُ يُكْسِي حَدَادًا وَأَرْضَهُ
…
تُعَصْفِرُهَا أَسْيَافُهُ حِيْنَ تَضْرِبُ
أَبُو الطَّيِّبِ (5):
وَالبَاعِثُ الجيْشُ وَقَدْ غَالَتْ عَجَاجَتُهُ
…
ضَوْءَ النَّهَارِ فَصارَ الظُّهْرُ كَالطَّفَلِ
الجَّوُّ أَضْيَقُ مَا لَاقَاهُ سَاطِعُهَا
…
وَمُقْلَةُ الشَّمْسِ فِيْهَا أَحِيَرُ المُقَلِ
البَبَّغَاءُ (6):
رَدَّ الضِّيَاءَ عَلَى الضُّحَى وَاسْتَرْجَعَ
…
الإِظْلَامَ مِنْ لَيْلِ العَجَاجِ الأَرْبَدِ =
_________
(1)
ديوانه.
(2)
ديوان السري الرفاء 2/ 111.
(3)
ديوان الشريف الرضي 1/ 473.
(4)
ديوان الشريف الرضى 2/ 243.
(5)
ديوانه 3/ 38.
(6)
ديوانه ص 77.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَكَأنَّ طَرْفَ الشَّمْسِ مَطْرُوْفٌ فَقَدْ
…
جَعَلَ الغُبَارَ لَهُ مَكَانَ الإِثْمَدِ
الرَّفَاء (1):
حُجِبَتْ لَهُ شَمْسُ النَّهَارِ وَأَشْرَقَتْ
…
شَمْسُ الجَدِيْدِ بِجَانِبَيْهِ شُرُوْقَا
فَتَضَرَّجَتْ تِلْكَ البِطَاحُ بِهِ دَمًا وَ
…
تَضَرَّمَتْ تِلْكَ الفِجَاجُ حَرِيْقَا
وَالدَّهْرُ مُبْتَسِمٌ يَرُوْقُ كَأنَّمَا
…
أَبْدَى بِطَلْعَتِهِ الثَّنَايَا الرُّوقَا
البُحْتُرِيُّ (2):
فِي نَهَارٍ مِنَ السُّيُوْفِ مُضِيْءٌ
…
تَحْتَ لَيْلٍ مِنْ مُسْتَثَارِ الصَّعِيْدِ
وَلَهُ (3):
وَالشَّمْسُ مَاتِعَةٌ تَوَقَّدُ فِي الضُّحَى
…
طَوْرًا وَيُطْفِئُهَا العَجَاجُ الأَكْدَرُ
متع النهار: إذا ارتفع وعلا.
عَلِيَ بن الجهْمِ (4):
نَسَجَتْ سَنَابِكُهَا سَمَاءً فَوْقَهَا
…
جَعَلَتْ أَسِنَّتهَا نُجُوْمَ سَمَاءِ
المُوْسَوِيُ (5):
وَيَوْمٍ تَخَرَّقت فِيْهِ السُّيُوْفَ
…
وَخُضتُ إِلَيْهِ الدِّمَاءَ العَذَارَا
أَثَرْتُ العَجَاجَ عَلَيْهِ دُخَانًا
…
وَأَصْرَمَتْ مِنْ مَآتِمِ الطَّعْنِ مَنَارَا
وَعَانَقْتُ مِنْ بِيْضِهِ فِي النَّجِيْعِ
…
شَقِيْقًا وَمِنْ سُمْرَهِ جُلَّنَارَا =
_________
(1)
ديوان السري الرفاء 2/ 483.
(2)
ديوانه 2/ 770.
(3)
ديوانه 2/ 1072.
(4)
لم ترد في ديوانه.
(5)
ديوان الشريف الرضي 1/ 439.
وَقَدْ شَارَكَ عَدِيًّا أَبُو النَّجْمِ، وَأوْرَدَهُ فِي أخْصَرِ لَفْظِ، فَقَالَ يَصِفُ عَيْرًا أَوْ أتَانًا، وَمَا أثَارَاهُ مِنْ عَدْوِهِمَا (1):[من الرجز]
أَلْقَى بِجَنْبِ القَاعِ مِنْ حِيَالِهَا
…
سِرْبَالَهُ وَانْشَامَ فِي سِرْبَالِهَا
وَأمَّا قَوْلُ النَّابِغَةِ:
فَإِنَّكَ شَمْسٌ. . .
فَقَدْ تَقَدَّمَهُ شَاعِرٌ قَدِيمٌ مِنْ شُعَرَاءِ كِنْدَةَ يَمْدَحُ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ، وَهُوَ أحَقُّ بِهِ مِنَ النَّابِغَةِ؛ إِذْ كَانَ أَبَا عُذْرِهِ وَهُوَ (2):[من الطويل]
تَكَادُ تَمِيْدُ الأَرْضُ بِالنَّاسِ أنْ رَأوا
…
لَعَمْرِو بن هِنْدٍ غَضْبَةً وَهُوَ عَاتِبُ
هُوَ الشَّمْسُ وَافَتْ يومَ سَعْدٍ فَأَفْضَلَتْ
…
عَلَى كُلِّ ضَوْءٍ والمُلُوْكُ كَوَاكِبُ
قَالَ الأَصمَعِيُّ: فَكَأنَيّ وَاللَّهِ أَلقَمْتُ جَعْفَرًا حَجَرًا، وَاهْتَزَّ الرَّشِيْدُ مِنْ فَوْقِ سَرِيْرِهِ أشَرًا، وَكادَ يَطِيْرُ عُجْبًا وَطَرَبًا، وَقَالَ: للَّهِ دَرُّكَ يا أصمَعِيُّ اسْمَعِ الآنَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اختياري. قُلْتُ: لِيَقُلْ أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أحْسَنُ اللَّهُ تَوْفِيْقَهُ.
فَقَالَ: عَيَّنْتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أشْعَارٍ، أُقْسِم بِاللَّهِ إنَّنِي أمْلِكُ قَصَبَ السَّبْقِ بِأحَدِهَا.
= وَلَهُ (1):
مَحْرِكٍ سَحَبَ العَجَاجُ ذَوَائِبًا
…
سُوْدًا بِهِ فَوْقَ النَّجِيْعِ الأَحْمَرِ
فَكَسَّفْتَ ضَاحِيَةً بِنَقْعٍ مُظْلِمٍ
…
وَكَشَفْتَ دَاجِيَةً بِوَجْهٍ مُقْمِرِ
عِمْرَانُ بنُ نَاجِيَةَ:
لِشَمْسِ الضُّحَى سِتْرَانِ
…
سِتْرُ سُيُوْفِهُمْ وَسِتْرٌ لَهَا مِمَّا في الحَوَافِر
(1)
حلية المحاضرة 1/ 175، ولم يرد في ديوانه.
(2)
أخبار أبي تمام ص 132.
_________
(1)
ديوان الشريف الرضي 1/ 471.
فَقَالَ يَحْيَى: خَفِّضْ عَلَى هِمَّتِكَ يا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَأبَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ السَّبْقُ إلَّا لَكَ. قَالَ الرَّشِيْدُ: أتَعْرِفُ يا أصمَعِيُّ تَشْبيْهًا أفْخَمَ وَأعْظَمَ فِي أحْقَرَ مُشَبَّهٍ وَأصْغَرَ بَرَزَ فِي أحْسَنِ معْرَضٍ مِنْ قَوْلِ عَنْترَةَ (1) الَّذِي لَمْ يَسْبِقهُ إِلَيْهِ سَابِقٌ، وَلَا نَازَعَهُ بَعْدَهُ مُنَازعٌ، وَلَا طَمعَ فِي مُجَارَاتِهِ فِيْهِ طَامِع، شَبَّهَ ذُبَابَ الرَّوْضِ العَازِبَ فِي قَولِهِ (2):[من الكامل]
وَخَلَا الذُّبَابُ بِهَا فَلَيْسَ بِبَارِحٍ
…
غَرِدًا كَفِعْلِ الشَّارِبِ المُتَرَنِّمِ
هَزِجًا يَحُكُّ ذِرَاعَهُ بِذِرَاعِهِ
…
قَدْحَ المُكِبِّ عَلَى الزِّنَادِ الأجْذَمِ (3)
(1) نَسَبُهُ:
هُوَ عَنترَةُ بن شَدَّادٍ يُقَالُ إِنَّهُ ابن عَمْرو بن مُعَاوِيَةَ بن قُرَادِ بنِ عَوْفِ بن غَالِبِ بن قَطِيْعَةِ بن عَبْسِ بن بَغِيْضِ بن رَيْثِ بنِ غَطْفَان بن سَعْدِ بنِ قَيْسِ بن عَيْلَانِ بن مُضرَ بنِ نِزَارَ بن مَعْدِّ بنِ عَدْنَانَ. وَكَانَتْ أُمُّهُ حَبَشِيَّةً وَاسْمُهَا زُبَيْنَةُ وَكَانَ لَهُ أُخْوَةٌ مِنْ أمِّهِ وَكَانُوا عَبيْدًا وَكَانَ شَدِيْدَ البَأْسِ جَوَادًا بِمَا مَلَكَتْ يَدَاهُ وَكَانَ لَا يَقُوْلُ الشِّعْرَ إِلَّا البَيْتَ وَالبَيْتَيْنِ فِيَ الحَرْبِ فَشَاتَمَهُ رَجُلٌ يَوْمًا وَقَالَ لَهُ أَنَا أَشْعَرُ مِنْكَ قَالَ سَتَعْلَمُ ذَلِكَ فَقَالَ هَذِهِ القَصيْدَة الَّتِي أَوَّلُهَا:
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ
وَيُرْوَى مِنْ مُتَلَوَّمِ، وَيُرْوَى مِنْ مُتَرَمِّمِ مِنْ دمَمْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَصْلَحْتَهُ. يُقَالُ إِذَا عَطَفْتَ عَلَيْهِ وَثَوْبٌ مَرْدُوْمٌ إِذَا سُدَّ مَا فِيْهِ مِن الرِّقَاعِ وَالمُتَرَدَّمُ مَصدَرٌ.
(2)
ديوان عنترة ص 19.
(3)
هَذِهِ قَصِيْدَةٌ قَالَهَا عَنْتَرَةُ وَكَانَتِ العَرَبُ تُسَمِّيْهَا المذهَبَةَ وَأَوَّلُهَا (1):
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ
…
أَمْ هَلْ عَرِفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
يَعْنِي هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ شَيْءٍ ينظرُ فِيْهِ لَمْ يَنْظِرُوا فيه.
يَقُوْلُ مِنْهَا: =
_________
(1)
ديوان عنترة ص 182.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أَثْنِي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فَإِنِّنِي
…
سَهْلٌ مُخَالَقَتِي إِذَا لَمْ أُظْلَمِ
فَإِذَا ظُلِمْتُ فَإِنَّ ظُلْمِي بِاسِلٌ
…
مُرٌّ مَذَاقَتهُ كَطَعْمِ العَلْقَمِ
وَلَقْدَ شَرِبْتُ مِنَ المَدَامَةِ بَعْدَمَا
…
رَكَدَ الهَوَاجِر بِالمَشُوْفِ المُعْلَمِ
أَيْ الدِّيْنَارُ وَالدِّرْهَمُ وَالمَشُوْفُ مِنَ الدَّنَانِيْرِ المَجْلُوِّ شَافَ درعهُ إِذَا جَلَاهَا وَالمُعْلَمُ الَّذِي فِيْهِ كِتَابٌ يَعْنِي نَقْشَهُ.
وَإِذَا شَرِبْتُ فَإِنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ
…
مَالِي وَعِرْضِي وَافِرٌ لَمْ يُكْلمِ
وَإِذَا صحَوْتُ فَمَا أُقَصِّرُ عَنْ نَدًى
…
وَكَمَا عَلِمْتِ شَمَائِلِي وَتَكَرُّمِي
يَقُوْلُ مِنْهَا:
هَلَّا سَأَلْتِ الخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ
…
إِنْ كُنْتِ جَاهِلَةً بِمَا لَمْ تَعْلَمِي
يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيْعَةَ أَنَّنِي
…
أَغْشَى الوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ
وَمُدَحجٍ كِرْهَ الكمَاةِ نَزَالهُ
…
لَا مُمْعِنٍ هَرَبًا وَلَا مُسْتَسْلِمِ
الأَفْصَحُ مُدَجَّجٌ وَهُوَ مَأْخُوْذٌ مِنَ الدُّجَّةِ وَهِيَ الظِّلْمَةِ.
لَمَّا رَآنِي قَدْ نَزلْتُ أُرِيْدُهُ
…
أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ
فَشَكَكْتُ بِالرِّمْحِ الطَّوِيْلِ ثِيَابَهُ
…
لَيْسَ الكَرِيْمُ عَلَى القَنَا بِمُحَرَّمِ
نُبِّئْتَ عَمْرًا غَيْرَ شَاكِرَ نِعْمَتِي
…
وَالكُفْرُ مَخْبْثَةٌ لِنَفْسِ المُنْعِمِ
* * *
إِنَّمَا خَلَا الذُّبَابُ بِهَذَا المَكَانِ لِخُلُوِّهِ مِمَّنْ يَفْزَعُ مِنْهُ فَهُوَ يُصوِّتُ فِي رَيَاضِهِ وَالذُّبَابُ وَاحِدُ الأَذِبَّةِ. وَالمَتَرَنّمُ المُطْرِبُ وَإِذَا اكْتَمَلَتْ الرَّوْضَةُ كَثرَ الذُّبَابُ بِهَا وَهَذَا كَقَوْلِ أَبِي النَّجْمِ الرَّاجِزِ:
يَقُلْنَ للرائدِ أعشبتَ انزلِ
…
قَوْلًا كَتَغْرِيْدِ النشاوَى المِيَّلِ
وَقَوْلهُ: يَحكُّ ذِرَاعُهُ شَبَّهَ الذُّبَابَ فِي حَالَتِهِ تِلْكَ بِرَجلٍ أَجذَمَ وَهُوَ المَقْطُوْعُ اليَدَيْنِ يَقْدَحُ نَارًا بِذِرَاعَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: يا أصْمَعِيُّ هَذَا مِنَ التَّشْبِيْهَاتِ العُقْمِ (1) الَّتِي لَا تُنْتَهَج.
قُلْتُ: هُوَ كَذَلِكَ يا أمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. وَبِمَجْدِكَ آلَيْتُ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا وَصَفَ شِعْرًا أحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَا استَطَاعَ بُلُوْغَ هَذِهِ الغَايَةِ.
قَالَ: مَهْلًا لَا تَعْجَل أتَعْرِفُ أحْسَنَ مِنْ قَوْلِ الحُطَيْئَةِ يَصِفُ لُغَامَ نَاقَتِهِ، أَوْ تَعْلَمُ أحَدًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ شَبَّهَ تَشْبِيْهَهُ حَيْثُ يَقُوْلُ (2):[من الطويل]
تَرَى بَيْنَ لَحْيَيْهَا إِذَا مَا تَزَغَّمَتْ
…
لُغَامًا كَبَيْتِ العَنْكَبُوْتِ المُمَدَّدِ (3)
فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أحَدًا تَقَدَّمَهُ، أَوْ أَشَارَ إلَى هَذَا التَّشْبِيْهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ.
قَالَ: أتَعْرفُ أبْدَعَ أَوْ أوْقَعَ مِنْ تَشْبِيْهِ الشَّمَّاخِ لِنَعَامَةٍ سَقَطَ رِيْشُهَا، وَبَقِيَ أثَرَهُ فِي قَوْلِهِ (4):[من البسيط]
كَأَنَّمَا مُنْثَنَى أقْمَاعِ ما مَرَطَتْ
…
مِنَ العِفَاءِ بِلِيتَيْهَا ثَآلِيلُ (5)
(1) تَفْسِيْرٌ:
قَوْلهُ مِنَ المَعَانِي العُقْمِ شُبِّهَتْ بِالرِّيْحِ العَقِيْمِ الَّتِي لَا تُنتِجُ ثَمَرَةً وَلَا تُلْقِحُ شَجَرَةً أي لَمْ يَسْبَق إِلَى افْتِرَاعَهَا سَابِقٌ وَلَا يُمْكِنْ أَنْ يُوْلِّدَهَا فِيْمَا بَعْدُ سَارِقٌ وَلَا يَطْرقُ مَعْنَاهَا طَارِقٌ وَلَا يَبْلَغُ مَدَاهَا لَاحِقٌ.
(2)
ديوان الحطيئة ص 155.
(3)
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيُّ: سُمِّيَ الزَّبَدُ الَّذِي يَخْرجُ مِنْ فَمِ النَّاقَةِ اللُّغَامُ لأنَّهُ يَصِيْرُ عَلَى المَلَاغِمِ وَهِيَ مَا حَوْلَ الفَمِ. وَأَنْشَدَنِي السَّيِّدِ النَّقِيْبُ الطَّاهِرُ جَلَالُ الدِّيْنِ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ المُصْطَفَى بنِ السَّيِّدِ النَّقِيْبِ الطَّاهِرِ السَّعِيْدِ رَضيِّ الدِّيْنِ أَبِي القَاسَمِ عَلِيّ بن مُوْسَى جَعْفَرُ ابن مُحَمَّدٍ الطَّاوُوْسِ الحَسَنِي أيَّدَهُ اللَّهُ بِتَوْفِيْقِهِ لِلسَّيِّدِ الرَّضِيّ رضي الله عنه:
بكُلِّ مُقَلِّدَةٍ بِالنُّسُوعِ
…
كَأَنَّ اللُّغَامَ لَهَا بُرْقَعُ
(4)
ديوان الشماخ ص 278.
(5)
وَيُرْوَى: الثَّآلِيْلُ.
فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ.
فَالْتَفَتَ إلَى يَحْيَى فَقَالَ: أوجِب.
قَالَ: وَجَبَ.
قَالَ: أَفَأَزِيْدُكَ؟
قَالَ: وَأَيُّ خَيْرٍ لَمْ يَزِدْنِي مِنْهُ أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ قَالَ: قَوْلُ النَّابِغَةِ (1): [من الطويل]
رَمَى ضَرْعَ نَابُ واسْتَقَلَّتْ بِطَعْنَةٍ
…
كَحَاشِيَةِ البُرْدِ اليَمَانِي المُسَهَّمِ
تُمَّ التفَتَ إلَى الفَضْلِ، فقال: أوجِب؟
قَالَ: وَجَبَ.
قَالَ: أَفَأَزِيْدُكَ؟
قَالَ: ذَاكَ إلَى أمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ: وقالَ الأَعْرَابِيُّ (2): [من الطويل]
بِهَا ضرْبُ أنْدَابِ العَطَايَا كَأنَّهَا
…
مَلَاعِبُ وِلْدَانٍ تُحَطُّ وَتُمْصَعُ
ثُمَّ التفَتَ إلَى جَعْفَرٍ قَالَ: أوْجِبْ.
قَالَ: وَجَبَ:
قَالَ: أَفَأَزِيْدُكَ؟
قَالَ: لأمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُلُوُّ الرَّأي.
قَالَ: قَوْلُ عَدِيِّ بن الرِّقَاعِ (3): [من الكامل]
(1) ديوان النابغة الجعدي ص 143.
(2)
حلية المحاضرة 1/ 76.
(3)
ديوانه ص 51.
تُزْجِي أغَنَّ كَأَنَّ إبْرَةَ رَوْقِهِ
…
قَلَمٌ أَصَابَ مِنَ الدَّوَاةِ مِدَادَهَا (1)
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ هَذَا بَيْتٌ حَسَدَ عَدِيًّا عَلَيْهِ جَرِيْرٌ. قال: وَكِيْفَ ذَاكَ؟ ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو عَمْرٍو أنَّ جَرِيْرًا قَالَ لَمَّا ابْتَدَأَ عَدِيُّ بن الرِّقَاعِ يُنشِد: [من الكامل]
عَرَفَ الدِّيَارَ تَوَهُّمًا فَاعْتَادَهَا
قُلْتُ فِي نَفْسِي: قَدْ رَكِبَ مَرْكَبًا صَعْبًا سَيُبْدِعُ فِيْهِ، فَمَا زَالَ يَتَخَلَّصُ مِنْ حَسَنٍ إلَى حَسَنٍ حَتَّى قَالَ:
تُزْجِي أغَنَّ كَأنَ إبْرَةَ رَوْقِهِ.
قَالَ: فَرَحِمْتُهُ، وَظنَنْتُ أنَّ مَادَّتَهُ سَتَقْصُرُ بِهِ فَلَمَّا قَالَ:[من الكامل]
قَلَمٌ أصَابَ مِنَ الدَّوَاةِ مِدَادَهَا
حَالَتْ الرَّحْمَةُ حَسَدًا (2).
فَقَالَ الرَّشِيْدُ: للَّهِ دَرُّكَ يا أصمَعِيُّ (3)، ثُمَّ أطْرَقَ، وَرَفَعَ رَأسَهُ وَقَالَ: أتُرَاكَ
(1) لَا يُعْرَفُ لأَحَدٍ مِثْلَ هَذَا التَّشْبِيْهِ إِلَّا قَوْلِ ابنِ المُعْتَزِّ وَمِنْهُ أَخَذُوا عَلَى قَالِبِهِ ضربَ حَيْثُ قَالَ (1):
قَدْ أَطْلَعَتْ إبرَ القرُوْنِ كَأَنَّهَا
…
أَخْذُ المُرَاوِدِ مِنْ سَحِيْقِ الإِثْمَدِ
(2)
الكامل للمبرد 3/ 141.
(3)
قَوْلُهَمْ: للَّهِ دَرُّ فُلَانٍ دُعَاءً لَهُ وَقِيْلَ مَعْنَاهُ: جَعَلَ اللَّهُ أعْمَالَهُ فِي الأَعْمَالِ الحَسَنَةِ الَّتِي يَرْضَاهَا اللَّهُ. وَمَعْنَاهَا التَّعَجُّبُ. رَوىَ ابْنُ جنِّيٍ عَنِ أَبِي عَلِيٍّ أَنْ مَعْنَى قَوْلهُمْ: للَّهِ درُّكَ: للَّهِ مَا ظَهَرَ مِنْ فِعْلِكَ. =
_________
(1)
ديوانه 1/ 251.
تَغْبنُنِي عَقْلِي بِانْحِطَاطِكَ فِي هَوَايَ؟ فَقُلْتُ: كَلَّا يا أمِيرَ المُؤْمِنِيْنَ إنَّكَ لتَجِلُّ عَنِ الحَرشِ (1). قَالَ: انْظُرْ حَسَنًا. قُلْتُ: قَدْ نَظَرْتُ. قَالَ: السَّبْقُ لِمَنْ؟ قُلْتُ: لأمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: أسْهَمْتُ لَكَ فِيْهِ العُشْرَ وَالعُشْرُ كَثِيْرٌ، ثُمَّ رَمَى بِطَرْفِهِ إلَى
= قَالَ أَبُو القَاسَمِ بن الصَّيْرَفِي قَدْ قِيْلَ أنَّ عَدِيًّا أَنْشَدَ: تُزْجَي أغَنّ كَأَنَّ إِبْرَةَ رَوْقِهِ وَكَانَ جَرِيْرٌ حَاضِرًا قِيْلَ لَهُ مَا تَرَاهُ يَقُوْلُ فَقَالَ قَلَمٌ أَصَابَ مِنَ الدَّوَاةِ مِدَادهَا.
فَقَالَ عَدِيٌّ كَذَلِكَ وَهَذَا مَنْ بَوَادِرِ الخَوَاطِرِ. وَمِثْلهُ مَا يُرْوَى عَنِ الفَرَزْدَقِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهْتُ إِلَى هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ جَعَلْتُ نَاقَتِي تَلتفِتُ يَمِيْنًا وَشِمَالًا فَقُلْتُ:
عَلَامَ تَلفتين وَأَنْتِ تَحْتِي
…
وَخَيْرُ النَّاسِ كُلَّهُمُ أَمَامِي
مَتَى تَرِدِي الرَّصَافَةَ تَسْتَرِيْحِي
…
مِنَ الإِنْضَاءِ والدبر الدوامي
ثُمَّ قُلْتُ كَأَنِّي بِابْنِ المرَاغَةِ يَعْنِي جَرِيْرًا إِذَا سَمِعَ هذين البَيْتينِ قَالَ:
تَلَفَّتْ إِنَّهَا تَحْتَ ابنِ قَيْسٍ
…
حليف الكِيْرِ وَالفَأْسِ الكهَامِ
مَتَى تَرِدِ الرَّصَافَةَ تحزّ فيها
…
كَحزّكَ فِي المَوَاسِمِ كُلّ عَامِ
وَاجْتَمَعَ مَعَ جَرِيْرٍ عَلَى بَابِ هِشَامٍ فَأَنْشَدَهُ البَيْتَيْنِ الأَوَّلَيْنِ فَقَالَ جَرِيْرٌ:
تَلَفَّتْ إِنَّهَا تَحْتَ ابنِ قَيْسٍ، حَتَّى أَتَى عَلَى البَيْتَيْنِ لَمْ يغادر مِنْهُمَا شَيْئًا، فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: كذا قُلْتُ إِنَّكَ تَقُوْلُ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ شَيْطَانِنَا وَاحِدٌ. وَهَذِهِ الحِكَايَةِ ثبُّتتْ فِي الأَصْلِ فِي بَابِ وُقُوْعِ الحَافِرِ عَلَى الحَافِرِ وَذُكِرَتْ هَاهُنَا لِتَغَايُرِ بَعْضِ الأَلْفَاظِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ المَعْنَى وَاحِدًا.
(1)
عَنِ ابنِ دُرَيْدٍ قَالَ قَالَ الضَّبُّ لابنِهِ: اتَّقِ الحِرْشَ. فَقَالَ: وَمَا الحِرْشُ؟ قَالَ: إِذَا سَمِعْتَ حَرَكَةً بِبَابِ النّقبِ فَلَا تَخْرُجْ. فَسِمِعَ يَوْمًا وَقع مِحْفَارِ حَافِرٍ لِيَصْطَادهُمَا فَقَالَ: - يَا أَبَتِ هَذَا الحِرْشُ. فَقَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِنَ الحِرْشِ. فَسَارَ مَثَلًا يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ يَسْمَعُ الشَّيْءَ وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا كَانَ يَتَّوقّعهُ.
وَأَصْلُ المَثَلِ التَّحْرِيْضُ مِنْ قَوْلهِمْ حَرَّشْتُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالحِرْشُ فِي صَيْدِ الضَّبِّ أَنْ يُجَاءَ بِجَيْئَةٍ إِلَى بَابِ جُحْرِ الضبِّ فَيَتَحَرَّك فَإِذَا سَمِعَ حَرَكَتَهَا خَرَجَ لِيُقَاتِلَهَا فَاصْطِيْدَ.
يَحْيَى، وَقَالَ: المَالَ السَّاعَةَ، وَأَوْلَى لَكَ (1). قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا هُنَيْهَةً حَتَّى نُضِّدَتْ البُدُوْرُ (2) بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى أَنْ كَادَتْ تَحُوْلَ بَيْني وَبَيْنَهُ، وَرَأَيْتُ ضَوْءَ الصبْحِ قَدْ
(1) أَوْلَى لَكَ تَهَدُّدٌ وَوَعِيْدٌ مَعْنَاهُ: قَارَبَكَ مَا تَكْرَهُ. يَقُوْلُ الرَّجُلُ إِذَا حاول شَيْئًا فَأفْلتهُ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَصِيْبُهُ أَوْلَى لَهُ فَإِذَا أَفْلَتَ هُوَ مِنْ عَظيْمٍ قَالَ أَوْلَى لِي. وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو عَلِيّ الفَارسِي بَأَنَّ أَوْلَى عَلمُ لِلْوَعِيْدِ.
(2)
قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن دَرَسْتَوَيْهِ قَالَ البُحْتُرِيّ وَقَدْ اجْتَمَعْنَا عَلَى خَلْوَةٍ عِنْدَ المُبَرَّدِ وَسَلَكْنَا مَسْلَكًا مِنَ المُذَاكَرَةِ شَعَرْتُ أنني سَبَقْتُ النَّاسَ كُلّهُمُ إِلَى قَوْلي:
شَقَائِقُ يَحْمِلْنَ النّدَى فَكَأَنَّهُ
…
دُمُوْعُ التَّصَابِي فِي خُدُوْدِ الخَرَائِدِ
كَأَنَّ يَدَ الفَتْحِ بنِ خَاقَانَ أَقْبَلَتْ
…
تَلِيْهَا بِتِلْكَ البَارِقَاتِ الرَّوَاعِدِ
قَالَ فَاسْتَحْسَنَ المُبَرَّدُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا أَسْرَفَ فِيْهِ وَقَالَ مَا سَمِعْتُ مِثْلَ هَذِهِ الأَلْفَاظِ الرَّطبَةِ وَالعِبَارَةِ العَذبَةِ لأَحَدٍ تَقَدَّمَكَ وَلَا تَأَخَّرَ عَنْكَ فَاعْتَرَتْهُ أَرْيَحِيَّةٌ جَرَّ بِهَا رِدَاءَ العَجَبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَنِي مَا يُعْجِبُ النَّاسَ مِنْ مُرَاجَعَةِ القَوْلِ. فَقُلْتُ يَا أَبَا عُبَادَةَ لَمْ تُسْبَقْ إِلَى هَذَا بَلْ سَبَقَكَ سَعِيْدُ بنُ حَمِيْدٍ الكَاتِبُ إِلَى هَذَا البَيتِ الأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:
عَذُبَ الفِرَاقُ لنَا غَدَاةَ وَدَاعِنَا
…
ثُمَّ اجتذ حنَاهُ كَسُمٍّ نَاقِعِ
وَكَأَنَّمَا أَثَرُ الدُّمُوْعِ بِخَدِّهَا
…
طَلٌّ سَقِيْطٌ فَوْقَ وَرْدٍ يَانِعِ
وَشَرِيْكُكَ فِيْهِ صَدِيْقُنَا أَبُو العَبَّاسِ النَّاشِئِ بِمَا أَنْشَدْنِيْهِ آنِفًا وَهُوَ:
بَكَتْ لِلفِرَاقِ فَقَدْ رَاعَنِي
…
بُكَاءُ الحَبيْب لِفَقْدِ الدِّيَارِ
كَأَنَّ الدُّمُوْعَ عَلَى خَدِّهَا
…
بَقِيَّةُ طِلٍّ عَلَى جُلَّنَارِ
وَمَا أَسَاءَ عَلَيَّ بن جُرَيْجٍ الرُّوْمِيّ بِقَوْلِهِ:
لَوْ كُنْتَ يَوْمَ الوَدَاعِ حَاضِرَنَا
…
وَهُنَّ يُطْفِيْنَ غُلَّةَ الوَجْدِ
لَمْ تَرَ إِلَّا دُمُوْعَ شَاكِيَةٍ
…
تَسْفَحُ مِنْ مُقْلَةٍ عَلَى خَدِّ
كَأَنَّ تِلْكَ الدُّمُوْعِ قَطْرُ نَدًى
…
يَقْطُرُ مِنْ نَرْجِسٍ عَلَى وَرْدِ
وَسَبَقَكَ أَبُو تَمَّامٍ إِلَى مَعْنَى البَيْتَيْنِ مَعًا بِقَوْلِهِ: =
غَلَبَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْعِ، فَأَشَارَ إِلَى خَادِمٍ عَلَى رَأسِهِ أَنْ مَكِّنْهُ، وَقَالَ: هِيَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ألْفِ دِرْهَمٍ، فَدُوْنَكَ فَاحْتَمِلْ ثَلَاثِيْنَ - وَانْصَرِفْ بِهَا إِلَى مَنْزِلِكَ، وَنَهَضَ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَأمَرَ الخَدَمِ بِمُعَاوِنَتِي عَلَى - حَمْلِهِ فَاحْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَدْرَةً لَا يَكَادُ يُقِلُّهَا، فَكَانَتْ أَسْعَدَ ليْلَةٍ ابْتَسَمَ الصَّبَاحُ فِيْهَا عَنْ نَاجِذِ الغِنَى.
أخْبَرَ أَبُو عُمَرَ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ أبِي نَصرٍ عَنِ الأَصْمَعِيِّ. قَالَ: أجْمَعَ أَبُو عَمْرُو بن العَلَاءِ وَخَلَفٌ الأحْمَرُ وَيُوْنسٌ، وَهَؤُلَاءِ أهْلُ العِلْمِ بِالشِّعْرِ، عَلَى أنَّ التَّشْبِيْهَاتِ العُقْمَ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا أصحَابُهَا، وَلَمْ يَشرِكهُم أحْدٌ فِيْهَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَلَا مِمَّنْ تأخَّرَ أَبْيَاتٌ مَعْدُوْدَةٌ أحَدُهَا قَوْلُ عَنْتَرَةَ فِي تَشْبِيْهِ حَنَكِ الغُرَابِ (1):[من الكامل]
ظَعَنَ الَّذِينَ فرَاقَهُمْ أتَوَقَّعُ (2)
…
وَجَرَى بِبَيْنِهمُ (3) الغُرَابُ الأَبْقَعُ
خَرِقُ (4) الجَنَاحِ كَأَنَّ لَحْيَيْ رَأسِهِ
…
جَلْمَانُ بِالأَخْبَارِ هَشٌّ مُوْلَعُ
= مِنْ كُلِّ زَاهِرَةٍ تَرَقْرَقَ بِالنَّدَى
…
فَكَأَنَّهَا عَيْنٌ عَلَيْهِ تَحَدَّرُ
تَبْدُو وَيَحْجِبُهَا الحَمِيْمُ كَأَنَّهَا
…
عَذْرَاءُ تَبْدُو تَارَةً وَتَخْفَرُ
خَلْقٌ أَطَلَّ مِنَ الرَّبِيْعِ كَأَنَّهُ
…
خَلْقُ الإِمَامِ وَهَدِيُهُ المُسْتَبْشَرُ
فِي الأَرْضِ مِنْ عَدْلِ الإِمَامِ وَجُوْدِهِ
…
وَمِنَ الرَّبِيْعِ الغَضِّ سُرْجٌ تَزْهَرُ
يَنْسَى الرَّبِيعُ وَمَا يَرُوْضُ وُجُوْدُهُ
…
أَبَدًا عَلَى مَرِّ اللَّيَالِي يُذْكَرُ
قَالَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَحَلَّ حُبْوَتَهُ فَكَانَ آخِرُ عَهْدِي بِمُؤَانَسَتِهِ وَغَلُظَ ذَلِكَ عَلَى المُبَرَّدِ وَقَدَحَ فِي حَالِي عِنْدَهُ.
(1)
شرح ديوانه ص 103.
(2)
وَيُروَى: ذَهَبَ الذّيْنُ.
(3)
البَيْنُ: الفِرَاقُ يقال بَانَ بَيْنَ بَيْنًا وَبَيْنُوْنَةً وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ بِعِيْدٌ وَلَا يقال بَيْنٌ.
يَقْوْلُ: هُوَ مُحِبٌّ لأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَنَا وَبَعْدَهُ:
إِنَّ الَّذِيْنَ نَعَيْتَ لى بِفِرَاقِهِمْ
…
هُمْ أَسْهَدُوا لَيْلِي التَّمَامَ فَأَوْجَعُوا
(4)
الخَرْقُ الَّذِي قَدْ تَقَطَّعَ رِيْشهُ وَتَكَسَّرَ وَهُوَ أَشَدُّ لِضرْبِهِ فِي طَيَرَانِهِ وَهُوَ أَصَحّ مَا يَكُوْنُ.
وَقَوْلُ عَدِيّ بن الرِّقَاعِ فِي تَشْبِيْهِ قَرْنِ الظَّبْي (1): [من الكامل]
تُزْجِي أغَنَّ كَأَنَّ إبْرَةَ رَوْقِهِ
وَقَوْلُ الرَّاعِي (2) يَصِفُ قَانِصًا جَعْدَ الرَّأسِ، وَسِخَ الثِّيَابِ (3):[من الكامل]
وَكَأنَّ فَرْوَةَ رَأسِهِ مِنْ شَعْرِهِ
…
زُرِعَتْ فَأَنْبَتَ جَانِبَاهَا فُلْفُلَا
وَقَوْلُ بِشْرِ بن أبِي خَازِمٍ يُشَبِّهُ عُرُوْقَ الأَرْطَى إِذَا حَفَرَ أصْلَهُ الثَّوْرُ بِأظْلَافِهِ (4): [من الطويل]
يُثِيْرُ وَيُبْدِي عَنْ عُرُوقٍ كَأنَّهَا
…
أعِنَّةُ خَرَّازٍ تُخَطُّ وَتُبْشَرُ
وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحُ فِي وَصْفِ النَّعَامِ (5): [من الكامل]
مُجْتَابُ شَمْلَةِ بُرْجُدٍ لِسَرَاتِهِ
…
قَدَرًا وَأَسْلَمَ مَا سِوَاهُ البُرْجُدُ
وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ فِي تَشْبِيْهِ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَقلْ أحَدٌ فِي هَذَا المَعْنَى قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ؛ لأنَّهُمْ قَدْ شَبَّهُوا اللَّيْلَ بِالطَّيْلَسَانِ فِي خُضْرَتهِ، وَأمْوَاجِ البَحْرِ وَغَيْرَ ذَلِكَ (6):[من الطويل]
وَلَيْلٍ كَجِلْبَابِ العَرُوْسِ ادَّرَعْتُهُ
…
بِأرْبَعَةٍ وَالشَّخْصُ فِي العَيْنِ وَاحِدِ
(1) ديوانه ص 51.
(2)
قَالَ أَبُو عَلِيّ: إنَّمَا سُمِّيَ الرَّاعِي الشَّاعِرُ رَاعِيًا بِقَوْلهِ:
لَهَا أَمْرُهَا إِذَا مَا تَبَوَّأَتْ
…
لأَخْفَافِهَا مَرْعًى تَبَوَّأَ مضْجَعَا
فَقِيلَ: رَعَى الرَّجُلُ.
(3)
ديوان الراعي النميري ص 117.
(4)
ديوانه ص 70.
(5)
ديوانه ص 141.
(6)
ديوان ذي الرمة 2/ 1108 - 1109.
أجَمُّ عِلَافِيٌّ وَأبْيَضُ صَارِمٌ
…
وَأعْيَسُ مَهْرِيٌّ وَأرْوَعُ مَاجِدُ (1)
وَقَوْلُ مُضَرِّسِ بن رِبْعِيٍّ فِي صِفَةِ النَّعَامَةِ أيْضًا (2): [من الكامل]
صَفراءُ عارَيةُ الأَكَارِعِ رَأسُهَا
…
مِثْلُ المُدَقِّ وَرَأسُهُ كَالمِسْرَدِ
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: وَمِنَ التَّشْبِيْهَاتِ الَّتِي سَبَقَ بِهَا قَائِلُوْهَا وَقَصَّرَ عَنْهَا طَالِبُوْهَا وَلَمْ يَتَعَرَّض لَهَا أحَدٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ قَوْلُ النَّابِغَةِ يَصِفُ العِقْبَانَ (3): [من الطويل]
تَرَاهُنَّ خَلْفَ القَوْمِ زُوْرًا عُيُونُهَا
…
جُلُوْسَ الشُّيُوْخِ فِي مُسُوْكِ الأرَانِبِ (4)
(1) حَدَّثَ أَبُو الصَّلْتِ أنَّ ابنَ شَرَفَ القَيْرَوَانِيَّ كَانَ أَعْوَرَ وَشَرَفُ اسْمُ أُمِّهِ وَأَنَّهُ عَمِلَ يِهْجُو نَفْسَهُ وَمَنْزِلَهُ فِي الصَّيْفِ فَقَالَ:
وَمَنْزِلٍ لَا كَانَ مِنْ مَنْزِلٍ
…
النَّتْنُ وَالظُّلْمَةُ وَالضِّيْقُ
كَأَنَّنِي فِي وَسْطِهِ فِيْشَةٌ
…
أَلُوْطُهُ وَالعَرَقُ الرِّيْقُ
وَهَذَا مِنْ غَرَائِب التَّشْبِيْهِ وَاتَّفَقَ أنَّ الشَّيْخَ أَبَا الصَّلْتِ كَانَ أَعْوَرٌ وَأَنْشَدَ هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ لابن رَشِيْقٍ فَقَالَ لَهُ (1):
وَأَنْتَ أَيْضًا أَعْوَرٌ أَصْلَعُ
…
فَوَافَقَ التَّشْبِيْهُ تَحْقِيْقُ
قُول قَرِيْبٌ مِنْ مَعْنَى البَيْتِ الأَوَّلِ قَوْلُ ابن مِكْنَسَةَ:
تَشَابَهَا سرمُهُ وفُوهُ فِي النَّتْنِ
…
وَالوَسَعِ وَالبُرُوْدَة
وَقَرِيْبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ الآخَر:
وَجْهُ يَحْيَى بن بُخِتْيَارَ إِذَا
…
فَكَّرْتَ فِيْهِ مِنْ سَائِرِ الأنْحَاءِ
مِثْلُ حَمَامَةِ المَشُوْمِ عَلَيْهِ
…
مُظْلِمٌ بَارِدٌ قَلِيْلُ المَاءِ
(2)
العمدة 1/ 298.
(3)
ديوانه ص 43.
(4)
تَفْسِيْرٌ: المَسْكُ الجَّلِدُ أيْ جُلُوْسٌ فِي جُلُوْدِ الأَرَانِبِ.
_________
(1)
أنظر: الغيث المسجم 2/ 388، ديوان ابن شرف ص 80.
وَقَوْلُ عَبْدُ اللَّهِ بن الزّبَيْرِ (1) الأَسَدِيِّ فِي تَشْبِيْهِ رَأسِ القَطَاةِ بِالجَوْزَةِ (2): [من الطويل]
تُقَلِّبُ لِلإِصْغَاءِ رَأسًا كَأنَّهُ
…
يَتِيْمَةُ جَوْزٍ أعْبَرَتْهَا المَكَاسِرُ (3)
وَمِنَ التَّشْبِيْهِ المُسْتَحْسَنِ (4) قَوْلُ. . . . . .
(1) تَفْسِيْرٌ: الزّبِيرُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ البِئْرُ المَطْوِيَّةُ بِالحِجَارَةِ وَالدَّاهِيَةُ وَالكِتَابُ المَكْتُوْبُ أَخَذَ مِنَ المِزْبَرِ وَهُوَ القَلَمُ وَالزَّبِيْرُ أَيْضًا الحمْئَةُ.
(2)
ديوانه ص 84.
(3)
أي أَفْلَتَتْ مِنْهَا. وَقَوْلهُ أَيْضًا:
تَرَى أَثَرَ الحَيَاةِ فيها كَأَنَّهُ
…
مَمَاصِعُ وِلْدَانٍ بِقِضْبَانِ إِسحِلِ
قَرَّتْ نُطْفَةً بَيْنَ التَّرَاقِي كَأَنَّهَا
…
لَدَى سَقْطٍ بَيْنَ الجَّوَانِحِ مُقْفَلِ
لأَصْهَبَ صَيْفِيّ يُشَبَّهُ خَطْمُهُ
…
إِذَا قَطَرَتْ تُسْقِيْهِ حَبَّةَ فلْفُلِ
تُقَلِّبُ رَأْسًا كَالنَّوَاءَةِ وَاثِقًا
…
بِوَرْدِ قَطَاةٍ غَلَسَتْ وِرْدَ مَنْهَلِ
وَتُرْوَى كَالنُّوَاةِ مُرَاقِبًا لِوَرْدِ قَطَاةٍ.
(4)
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ المُعْتَزِّ وَأَحْسَنَ مَا سَمِعْتُهُ فِي التَّشْبِيْهِ قَوْلُ ذي الرُّمَّةِ وَقَدْ شَبَّهَ الرَّمْلُ بِأَوْرَاكِ النِّسَاءِ العَذَارَى وَهَذَا مِنْ احْتِيَالِ الشُّعَرَاءِ:
وَرَمْلٍ كَأَوْرَاكِ العَذَارَى قَطَعتهُ
…
إِذَا لَبِسَتهُ المُظْلِمَاتِ الحَنَادِسُ
وَقَوْلُ رَجُلٌ مِنْ بَاهِلَةَ يُشَبِّهُ بَغْيَ جُلٍ قَدْ ذَكَرَهُ:
وَبَغْيُكَ يَا بنَ جَزْءٍ فِي تَمَادٍ
…
كَسَيْلِ الأُكْمِ يَبْتَدِرُ الوِهَادَا
وَمِنَ التَّشْبِيْهِ الوَاقِعِ قَوْلُ حُمَيْدِ بنُ ثَوْرٍ الهِلَالِيّ (1):
أَرِقْتَ لِبَرْقٍ آخِرِ اللَّيْلِ يَلْمَعُ
…
سَرَى دَائِبًا مِمَّا يَهِبُّ وَتَهْجَعُ
دَجَا اللَّيْلُ وَاسْتَنَّ اسْتِنَانًا رَقِيْقَةً
…
كَمَا اسْتَنَّ فِي الغَابِ الحَرِيْقُ المُشَيَّعُّ
سَرَى كَاقْتِدَاءِ الطَّيْرِ وَاللَّيْلُ ضَارِبٌ
…
بِأَوْرَاقِهِ وَالصُّبْحُ قَدْ كَادَ يَسْطَعُ =
_________
(1)
ديوانه ص 107.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ (1):
جَمَعْتَ رُدَيْنِيًّا كَأَنَّ سِنَانَهُ
…
سَنَا لَهَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِدُخَانِ
وَمِنْ تَشْبِيْهَاتِ المُتَنَبِّيّ المُسْتَحْسَنَةِ وَتَقَارُبُ المَعَانِي بَعِضِهَا مِنْ بَعْضٍ قَوْلهُ (2):
وَإنَّ نَهَارِي لَيْلَةٌ مُدْلَهِمَّةٌ
…
عَلَى مُقْلَةٍ مِنْ فَقْدِكُمْ فِي غَيَاهِبِ
بَعِيْدَةٌ مَا بَيْنَ الجّفُوْنِ كَأنَّمَا
…
عَقَدْتُمْ أَعَالِي كُلِّ جَفْنٍ بِحَاجِبِ
قَالَ ابْنُ جِنِّيّ هَذَا مِثْلُ قَوْلُ بَشَّارٍ (3):
جَفتْ عَيْنِي عَنِ التَّغْمِيْضِ حَتَّى
…
كَأَنَّ جُفُونَهَا عَنْهَا قِصَار
وَقَالَ المُتَنَبِّيّ فِي المُطَابَقَةِ وَالتَّشْبِيْهِ (4):
كَأَنَّ رَقِيْبًا مِنْكَ سَدَّ مَسَامِعِي
…
عَنِ العَذْلِ حَتَّى لَيْسَ يَدْخِلُهَا عَذْلُ
كَأَنَّ سُهَادَ العَيْنِ يَعْشَقُ مُقْلَتِي
…
فَبَيْنَهُمَا فِي كُلِّ هَجْرٍ لنَا وَصْلُ
وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي التَّشْبِيْهِ (5):
نَتَاجُ رَأْيِكَ فِي وَقْتٍ عَلَى عَجَلٍ
…
كَلَفْظِ حَرْفٍ وَعَاهُ سَامِعٌ فَهِمِ
وَقَالَ فِي التَّشْبِيْهِ المُوَجَّهِ (6):
يُخَيَّلُ لِي أنَّ البِلَادَ مَسَامِعِي
…
وَأَنَّي فِيْهَا مَا يَقُوْلُ العَوَاذِلُ
وَقَالَ يَمْدَحُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ (7):
_________
(1)
البيت متنازع عليه، انظر: العمدة 2/ 64، المفضليات 3/ 933.
(2)
ديوانه 3/ 183.
(3)
ديوانه 3/ 225.
(4)
ديوانه 3/ 183.
(5)
ديوانه 4/ 23.
(6)
ديوانه 3/ 177.
(7)
ديوانه 3/ 394.
الشَّمَاخِ (1): [من الوافر]
= إِلَى كَمْ تَرُدَّ عَمَّا أَتُوْبهُ
…
كَأَنَّهُمْ فِيْمَا وَهَبْتَ ملَامِ
وَقَالَ فِي المَدْحِ (1):
تُشْرِقُ أَعْرَاضُهَمْ وَأَوْجُهُهُمْ
…
كَأنَّهَا فِي نُفُوْسِهِمْ شِيَمُ
وَقَالَ فِي المَدْحِ المُوَجَّهِ (2):
عُمْرُ العَدُوِّ إِذَا لَاقَاهُ فِي رَهَجٍ
…
أَقَلُّ مِنْ عُمْرِ مَا يَحْوِي إِذَا وَهَبَا
مَالٌ كَأنَّهُ غُرَابَ البَيْنِ فَكُلَّمَـ
…
ـا قِيْلَ هَذَا مُجْتَدٍ نَعَبَا
وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي المَدْحِ المُوَجَّهِ وَالتَّشْبِيْهِ (3):
كَأَنَّ أَلْسُنَهُمْ فِي النُّطْقِ قَدْ جُعِلَتْ
…
عَلَى رِمَاحِهِمْ فِي الطَّعْنِ خُرْصَانَا
وَمِنْ بَدِيْعِ مَعَانِيْهِ فِي المَدْحِ أيْضًا (4):
شُجَاعٌ كَأَنَّ الحَرْبَ عَاشِقِيَّةٌ
…
لَهُ إِذَا زَارَهَا فَدَّتْهُ بِالخَبْلِ وَالرَّجُلِ
وَقَوْلُهُ (5):
أَعْلَى المَمَالِكِ مَا يُبْنَى عَلَى الأَسَلِ
…
وَالطَّعْنُ عِنْدَ مُحِبِّيْهِنَّ كَالقُبَلِ
وَهَذَا مِمَّا اسْتَعْمَلَ فِيْهِ أَلْفَاظُ الغَزَلِ وَالتَّشْبِيْهِ فِي أَوْصَافِ الجِّدِّ وَالحُرُوْبِ وَذَلِكَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ وَظَهَرَ فِيْهِ الحِذْقُ وَجَوْدَةُ التَّنَقُّلِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ مِنْهُ فِي التَّلَعُّبِ بِالكَلَامِ.
(1)
نَسَبُهُ: هُوَ الشَّمَّاخُ بنُ ضَرَارٍ بنِ صَيْفِيّ بن حَرْمَلَةَ ابن الْيَاسِ بن عَبْدِ غنمٍ بن =
_________
(1)
ديوانه 4/ 66.
(2)
ديوانه 1/ 114.
(3)
ديوانه 4/ 228.
(4)
ديوانه 3/ 298.
(5)
ديوانه 3/ 34.
رَأَيْتُ وَقَدْ أَتَى نَجْرَانُ دُوْنِي
…
وَلَيْلَى دُوْنَ مَنْزِلهَا السَّدِيْرُ (1)
لِلَيْلَى بِالعُنَيْزَةِ ضوْءَ نَارٍ
…
تَلُوْحُ كَأنَّهَا الشِّعْرَى العَبُوْرُ (2)
إِذَا مَا قُلْتُ أخَمَدَهَا زَهَاهَا
…
سَوَادُ اللَّيْلِ وَالرِّيْحُ الدَّبُورُ (3)
وَأَنَا أَقُوْلُ: أحْسَنُ مَا سَمِعْتُهُ فِي التَّشْبِيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ السِّدْرِيِّ عَنِ ابنِ عَائِشَةَ لِلسَّيِّدِ الحِمْيَرِيِّ. وَلَا أعْلَمُ أحَدًا شَبَّهَ رَجُلًا بِريْحِ عَادٍ إلَّا هُوَ؛ فَإنَّهُ ابْتَدَعَ مِنْ هَذَا المَعْنَى مَا لَمْ يَتَقَدَّمَهُ إِلَيْهِ شَاعِرٌ وَلَا يِقُوْمُ بَعْدَهُ آخِذٌ، فَقَالَ يَمْدَحُ أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ عليه السلام (4):[من البسيط]
لَكِنْ أَبُو حَسَنٍ وَاللَّهُ أيَّدَهُ
…
قَدْ كَانَ عِنْدَ اللِّقَا لِلطَّعْنِ مُعْتَادَا
إِذَا رَأَى مَعْشَرًا حَربًا أنَامَهُمُ
…
إنَامَةَ الرِّيْحِ فِي إتْيَانِهَا عَادَا (5)
= جِحَاشٍ بن بُجَالَةَ بنِ مَازِنِ بن ثَعْلَبَةَ بن سعد بن دُبْيَانَ وَهُوَ الأَجْرَبُ بنِ بَغِيْضٍ بن المُرَيَّثِ بن عَطْفَانَ بنِ سَعْدٍ بنِ قَيْسِ عَيْلَانَ.
(1)
السَّدِيْرُ: اسْمُ مَوَضِعٌ.
(2)
وَيُرْوَى - وَكِلَاهُمَا مَوْضِعٌ.
(3)
ديوانه ص 151.
(4)
ديوان الحميري ص 161.
(5)
وَأنْشَدَ أَبُو سَعْدٍ نَصْرُ بن يَعْقُوْبَ فِي كِتَابِ (رَوَائِعِ التَّشْبِيْهَاتِ) لِلزَّاهِيّ (1):
الرِّيْحُ تَعْصِفُ وَالأَغْصَانُ تَعْتَنِقُ
…
وَالمُزْنُ بِاكِيَةٌ وَالزَّهْرُ مَعْتَبِقُ
كَأَنَّمَا اللَّيْلُ جَفْنٌ وَالبُرُوْقُ لَهُ
…
عَيْنٌ مِنَ الشَّمْسِ تَبْدُو ثُمَّ تَنْطَبِقُ
وَلأَبِي القَاسَمِ الزَّاهِي أيْضًا (2):
أرَى اللَّيْلَ مَضى وَالنُّجُوْمَ كَأَنَّهَا
…
عُيُوْنُ النَّدَامَى حِيْنَ مَالَتْ إِلَى الغَمْضِ
وَقَدْ لَاحَ فَجْرٌ يَغْمرُ الحَقَّ نُوْرُهُ
…
كَمَا انْفَجَرَتْ بِالمَاءِ عَيْنٌ عَلَى الأَرْضِ
_________
(1)
يتيمة الدهر 1/ 290،
(2)
يتيمة الدهر 1/ 290.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ التَّشْبِيْهِ فِي طُلُوْعِ الشَّمْسِ مِنْ خِلَالِ الأَوْرَاقِ لِلمُعَوَّجِ الرّقِيّ (1):
كَأَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ فِي كُلِّ غُدْوَةٍ
…
عَلَى وَرَقِ الأَشْجَارِ أَوَّلَ طَالِعِ
دَنَانِيْرُ فِي كَفِّ الأَشَلِّ يَضمُّهَا
…
لِقَبْضٍ وَتَهْوِي مِنْ فُرُوْجِ الأَصَابِعِ
وَقَالَ المُتَنَبِّيّ فِي مَعْنَاهُ (2):
فَسِرْتُ وَقَدْ حَجَبْنَ الشَّمْسَ عَنِّي
…
وَجِئْنَ مِنَ الضَّيَاءِ بِمَا كَفَانِي
وَأَلْقَى الشَّرْقُ مِنْهُ فِي ثِيَابِي
…
دَنَانِيْرًا تَفِرُّ مِنَ البَنَانِ
وَقَالَ النَّامِيُّ (3):
سَمَاءُ غُصُوْنٍ تَحْجِبُ الشَّمْسَ أَنْ تُرَى
…
عَلَى الأَرْضِ إلَّا مِثْلَ نَثْرِ الدَّرَاهِمِ
وَمِنْ تَشْبِيْهَاتِ ابنِ المُعْتَزِّ قَوْلِهِ (4):
فُرْسَانُ قَطْرٍ عَلَى خَيْلٍ مِنَ الشَّجَرِ
…
تَحِثَّهُنَّ سِيَاطُ الرِّيْحِ فِي السَّحَرِ
مَا شِئْتَ مِنْ حَرَكَاتٍ وَهِيَ وَاقِعَةٌ
…
تَخَالُهَا سَائِرَاتٍ وَهِيَ لَمْ تَسِرِ
وَقَالَ أَيْضًا (5):
إِذَا الرِّيَاحُ مَسَحْنَ وَجْهَ غَدِيْرَةٍ
…
صَفَّيْنَهُ وَنَفَيْنَ كُلَّ قَذَاتِ
مَا إِنْ يَزَالُ عَلَيْهِ ظَبْيٌ كَارِعٌ
…
كَتَطَلُّعِ الحَسْنَاءِ فِي المِرْآةِ
وَمِنْ غَرِيْبَاتِ التَّشْبِيْهِ لِلنَّامِيِّ فِي جَرْيِ المَاءِ خِلَالِ النُّوَّارِ (6):
كَأَنَّمَا المَاءُ يَغْشَى النُّوْرَ مُنْتَشِرًا
…
وَالرِّيْحُ تَتْرُكُهُ كَالسَّيْفِ ذِي الشَّطَبِ
بَرَاقِعٌ مِنْ قَبَاطِيٍّ مُقَطَّعَةٌ
…
وَتَحْتَهَا حَدَقٌ زُرْقٌ بِلَا هُدُبِ
_________
(1)
الغيث المسجم 2/ 259.
(2)
ديوانه 4/ 253.
(3)
ديوانه ص 67.
(4)
ديوانه 2/ 178.
(5)
ديوانه 2/ 228.
(6)
لم ترد في ديوانه.