الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما قيل: إن رده صلى الله عليه وسلم على المسلّم عليه مختص بسلام زائره.. مردود بعموم الحديث، فدعوى التخصيص تحتاج إلى دليل، ويرده أيضا: الخبر الصحيح: «ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن، كان يعرفه في الدنيا، فيسلّم عليه.. إلا عرفه وردّ عليه السلام» «1» ، فلو اختص رده صلى الله عليه وسلم بزائره.. لم يكن له خصوصية به لما علمت أن غيره يشاركه في ذلك.
قال أبو اليمن بن عساكر: وإذا جاز رده على من يسلم عليه من الزائرين لقبره.. جاز رده على من يسلم عليه من جميع الآفاق من جميع أمته صلى الله عليه وسلم على بعد مشقته.
و (أرمت) بفتح أوليه وسكون ثالثه وفتح آخره، أصله: أرممت؛ أي:
صرت رميما، قاله الخطابي، حذفت إحدى الميمين تخفيفا كأظلت؛ أي:
أظللت، والرميم والرّمة: العظام البالية، وقال غيره: الميم مشددة والتاء آخره ساكنة؛ أي: أرمّت العظام، وقيل: يروى بضم أوله وكسر ثانيه.
[مطلب في الحث على زيارة القبر الشريف]
وقال أبو طالب المكي صاحب «قوت القلوب» : (أقل الإكثار ثلاث مئة مرة)«2» ، وكأنه أخذ ذلك عن صالح، أو تجربة، أو جنح إلى من يجعل أقل عدد التواتر ثلاث مئة، وألغى الكسر وهو بضعة عشر.
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن جعل قبره الشريف عيدا يحتمل أنه للحث على كثرة الزيارة، ولا يجعل كالعيد الذي لا يؤتى في العام إلا مرتين.
والأظهر: أنه إشارة إلى النهي الوارد في الحديث الآخر عن اتخاذ قبره مسجدا؛ أي: لا تجعلوا زيارة قبري عيدا من حيث الاجتماع لها كهو للعيد، وقد كانت اليهود والنصارى يجتمعون لزيارة قبور أنبيائهم، ويشتغلون باللهو والطرب، فنهى صلى الله عليه وسلم أمته عن ذلك، أو عن أن يتجاوزوا في
(1) أخرجه الخطيب في «تاريخه» (6/ 135) ، وابن عساكر في «تاريخه» (10/ 380) .
(2)
قوت القلوب (1/ 144) .
تعظيم قبره صلى الله عليه وسلم ما أمروا به.
والحثّ على زيارة قبره الشريف قد جاء في عدة أحاديث بينتها في «حاشية الإيضاح» مع الرد على من أنكر ذلك، وهو ابن تيمية، عامله الله تعالى بعدله «1» .
كيف وقد أجمعت الأمة- كما نقله غير واحد من الأئمة- على أن ذلك من أفضل القربات، وأنجح المساعي؟!
ومعنى: «ولا تتخذوا بيوتكم قبورا» «2» قيل: كراهة الصلاة في المقبرة؛ أي: لا تجعلوا القبور محل صلاتكم كالبيوت، وعليه يدل كلام البخاري.
وقيل: معناه لا تجعلوها قبورا؛ أي: كالقبور في أن من صار إليها لا يصلّي ولا يعمل، ورجّحه جمع للرواية الآخرى:«اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا» «3» .
وقيل: معناه النهي عن دفن الموتى في البيوت، وهو ظاهر اللفظ، ودفنه صلى الله عليه وسلم في بيته من خصائصه.
وقيل: معناه من لم يصلّ في بيته.. جعل نفسه كالميت، وبيته كالقبر، ويؤيده خبر مسلم:«مثل البيت الذي يذكر الله عز وجل فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحيّ والميّت» «4» .
وعلم من هذه الأحاديث أيضا: أنه صلى الله عليه وسلم حيّ على الدوام؛ إذ من المحال العادي أن يخلو الوجود كله عن واحد يسلّم عليه صلى الله عليه وسلم في ليل أو نهار، فنحن نؤمن ونصدّق بأنه صلى الله عليه وسلم حيّ يرزق، وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض، والإجماع على هذا.
(1) حاشية الإيضاح (ص 481) .
(2)
أخرجه ابن ماجه (1377) ، وأحمد (4/ 114) ، والطبراني في «الكبير» (5/ 258) .
(3)
أخرجه البخاري (432) ، ومسلم (777) ، وابن خزيمة (1205) وغيرهم.
(4)
صحيح مسلم (779) .
قيل: وكذا العلماء والشهداء والمؤذنون، وصحّ أنه كشف عن غير واحد من الأولين، فوجدوا لم تتغير أجسادهم.
وقد جمع البيهقي جزآ في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم، واستدل بكثير من الأحاديث السابقة، وبالحديث الصحيح:
«الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» «1» .
ويشهد له خبر مسلم: «مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّي في قبره» «2» .
ودعوى أن هذا خاص به.. يبطلها خبر مسلم أيضا: «لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي
…
» الحديث، وفيه:«وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء؛ فإذا موسى قائم يصلّي، فإذا رجل ضرب جعد» «3» ، وفيه:«إذا عيسى ابن مريم قائم يصلّي، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود، وإذا إبراهيم قائم يصلّي أشبه الناس به صاحبكم- يعني نفسه صلى الله عليه وسلم فحانت الصلاة فأممتهم» «4» .
وفي حديث آخر: (أنه لقيهم ببيت المقدس)«5» .
وفي آخر: (أنه لقيهم في جماعة من الأنبياء بالسماوات، فكلّمهم وكلّموه)«6» .
قال البيهقي: (وكل ذلك صحيح، فقد يرى موسى قائما يصلّي في قبره،
(1) أخرجه البيهقي في «حياة الأنبياء» (1) ، وأبو يعلى (3425) ، والديلمي في «الفردوس» (403) ، وابن عساكر في «تاريخه» (13/ 326) .
(2)
صحيح مسلم (2375) .
(3)
في هامش (ب) و (ج) : (رجل ضرب- بفتح الضاد وسكون الراء- أي: خفيف اللحم، وجعد- بفتح الجيم- أي: كريم، أو المراد: جعد شعره؛ أي: غليظ الشعر) .
(4)
صحيح مسلم (172) .
(5)
أخرجه البخاري (3394) .
(6)
أخرجه مسلم (163) .