الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: الفرق أن ما مرّ عن الله ورسوله جملة واحدة، فلا يحسن فيها الإتيان بالمظهر، وما وقع في كلام ذلك الخطيب جملتا مدح وذمّ، فحسن الإظهار.
ويردّ بأن هذا تحسين لفظيّ، فتركه لا يوجب أنه صلى الله عليه وسلم يقول له:«قم- أو اذهب- بئس الخطيب أنت» فالحق هو الجواب الأول.
وقال جماعة: سبب الزّجر أنه وقف على (يعصهما) ، وسكت سكتة، واستدلّوا بخبر لأبي داود «1» .
[الفائدة] الرابعة:
قال الحليمي ما حاصله: (القصد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم التقرّب بأدائها إلى الله عز وجل، وقضاء حقّه؛ فإنه تعالى وإن أوجب له تلك الأمور- أي: السابقة في قولنا عنه آنفا: فمعنى «اللهم صلّ على محمد» اللهم عظّمه في الدنيا
…
إلخ- لكن ما هو منها ذو درجات يجوز إذا صلّى عليه أحد فاستجيب له.. أن يزاد به في كل ما ذكر رتبة ودرجة، ويدل على أن قولنا: اللهم صلّ على محمد صلاة منّا عليه.. أنّا لا نملك إيصال ما يعظم به أمره ويعلو به قدره إليه، إنما ذلك بيد الله تبارك وتعالى، فصحّ أن صلاتنا عليه الدعاء له بذلك، وابتغاؤه له من الله جل ثناؤه، قال: وقد تكون بمعنى السلام عليه؛ أي: كانت أو لتكن الصلاة من الله عليه؛ لأن التمني على الله عز وجل سؤال له، كما في غفر الله له؛ أي: اللهم اغفر له) اهـ «2»
ويردّ ما ذكره آخرا بأن الأحاديث الآتية مصرحة بالفرق بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
وتبعه ابن عبد السلام فقال: (ليست صلاتنا عليه شفاعة منا له؛ فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله تعالى أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا،
(1) أبو داود (1099) .
(2)
شعب الإيمان (2/ 134) .
فإن عجزنا عنها.. كافأناه بالدعاء، فأرشدنا لمّا علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا، وإفضاله علينا؛ إذ لا إحسان أفضل من إحسانه صلى الله عليه وسلم اهـ
وقال جمع: فائدتها للمصلي لدلالتها على نصوح العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة، والمداومة على الطاعة، والاحترام للواسطة الكريمة، فهي محبة له، وتوقير من أعظم شعب الإيمان، لما فيها من أداء شكره الواجب علينا، لعظيم منّته علينا بنجاتنا من الجحيم، وفوزنا بالنعيم المقيم، فالمصلّي داع ومكمّل لنفسه حقيقة؛ لأنا إذا صلّينا عليه صلى الله عليه وسلم.. صلى الله علينا، ولأنا إنما نذكره بإذكار الله عز وجل لنا، فهو الذاكر في الحقيقة، ومن أحبّ شيئا.. أكثر من ذكره.
والحاصل: أن في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فائدة له بطلب زيادة ما مرّ له بزيادة درجاته فيه؛ إذ لا غاية لفضل الله تعالى وإنعامه، وهو صلى الله عليه وسلم لا يزال دائم الترقّي في حضرات القرب، وسوابغ الفضل، فلا بدع أن تحصل له بصلاة أمته زيادات في ذلك لا غاية لها ولا انتهاء «1» ، وفائدة للمصلّي بحصول ما مرّ له.
ومن حصر الفائدة في الثاني.. إنما أراد بذلك تنبيه المصلّي، وحثّه على تحصيل الكمال المسبّب له عن صلاته، ولم يرد خلوّها عن فائدة تحصل له صلى الله عليه وسلم منها، ومن أراد ذلك- كما أومأ إليه كلام بعضهم-.. فقد شذّ وأبعد واستروح وتقوّل، وكيف! وهو صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المشهور: «ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها لا تكون إلا لعبد،
(1) في هامش (ج) : (البدع- بكسر الباء وسكون المهملة-: الأمر الذي يكون أولا، والغاية في كل شيء. ومعنى قوله: «فلا بدع أن تحصل له بصلاة أمته زيادات» أي: ليس بأمر أول من أموره صلى الله عليه وسلم حصول زيادات ذلك، هذا إذا كان بمعنى أمر أول، وإن كان بمعنى غاية.. كان المعنى: ليس بغاية أمره صلى الله عليه وسلم حصول زيادات، بل آخر أمره وغايته غير ذلك مما يليق بقدره) .