الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستحسن النووي جواب الشافعي، وتشبيه الأصل بالأصل، والمجموع بالمجموع، وغيره المجموع بالمجموع، وزيّف أكثر ما مر، وليس كما زعم.
[المسألة] السابعة:
مرّ في أحاديث زيادة الترحم في صلاة التشهد، وبهذا أخذ بعض الشافعية والمالكية والحنفية، لكن بالغ جمع في الرد عليهم، وأن ذلك بدعة، منهم الصيدلاني من أئمتنا، فإنه قال: ومن الناس من يزيد (وارحم محمدا، كما ترحمت- أو رحمت- على آل إبراهيم) ، وهذا لم يرد، وهو غير صحيح؛ إذ لا يقال: رحمت عليه، بل رحمته، وأما الترحم.. ففيه معنى التكلف والتصنع، فلا يحسن إطلاقه في حق الله تعالى، والنوويّ وابن العربي وغيرهما فجعلوها بدعة لا أصل لها، وانتصر لهم بعض المتأخرين ممن جمع بين الفقه والحديث، فقال: ولا يحتج بالأحاديث الواردة في زيادتها؛ فإنها كلها واهية جدّا «1» ، إذ لا يخلو سندها من كذاب، أو متهم بالكذب، ويؤيده ما ذكره السبكي:(أن محل العمل بالحديث الضعيف ما لم يشتد ضعفه، وبذلك يردّ على من أيّد الآخذين بتلك الروايات بأنها ضعيفة، والضعيف يعمل به في الفضائل) .
نعم؛ قول الصيدلاني: (لا يقال: رحمت عليه) .. مردود بأن الرحمة ضمّنت معنى الصلاة، وبنقل الصغاني عن بعض المتقدمين من أئمة اللغة: أن قول الناس: (ترحمت عليه) لحن وخطأ، وإنما الصواب:(رحّمت عليه) بتشديد الحاء ترحيما، قال المجد اللغوي: (ورحمت عليه- بكسر الحاء
(1) في هامش (أ) : (قوله: «فإنها كلها واهية» : يرد على ذلك ما قدمه [ص 90] بقوله: أخرج البخاري في «الأدب المفرد» وابن جرير والعقيلي: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وترحم على محمد وعلى آل محمد، كما ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم.. شهدت له يوم القيامة بالشهادة وشفعت له» . وهو حديث حسن، ورجاله رجال الصحيح إلا واحدا) اهـ
المخففة- لم يقله أحد من أئمة اللغة المشاهير فيما علمناه، وإن صح نقله..
فهو في غاية الشذوذ والضعف) «1» . اهـ
وقال ابن يونس شارح «الوجيز» : (قوله: «لا يقال ذلك» .. ممنوع؛ فقد نقل الجوهري: أنه يقال، وقوله: «يشعر بالتكلف» .. منتقض بالتكبر والتفضل) .
واعلم: أن ابن عبد البر ذهب إلى منع الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالرحمة، وردّوه بوروده في الأحاديث الصحيحة، أصحها حديث التشهد:
«السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» «2» ، ومنها قول الأعرابي:
(اللهمّ؛ ارحمني ومحمدا)«3» ، وتقريره صلى الله عليه وسلم لذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم:«اللهم؛ إني أسألك رحمة من عندك» «4» ، «اللهم؛ أرجو رحمتك» «5» ، «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» «6» ، وفي خطبة «رسالة الشافعي» رضي الله تعالى عنه: صلى الله عليه وسلم ورحم وكرّم) .
نعم؛ قضية كلامه كحديث التشهد: أن محل الجواز إن ضم إليها لفظ الصلاة والسلام، وإلا.. لم تجز، وبه أخذ جمع، بل نقله القاضي عياض في «الإكمال» عن الجمهور «7» ، قال القرطبي: وهو الصحيح.
وجزم بعدم جوازه- يعني منفردا- الغزاليّ، فقال: لا يجوز (ترحّم)
(1) الصّلات والبشر (ص 175) .
(2)
أخرجه البخاري (831) ، ومسلم (402) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (6010) ، وابن خزيمة (864) وغيرهما.
(4)
أخرجه ابن خزيمة (1119) ، والترمذي (3419) ، والطبراني في «الكبير» (10/ 283) .
(5)
أخرجه ابن حبان (970) ، وأبو داود (5090) ، والنسائي في «الكبرى» (10412) ، وأحمد (5/ 42) بنحوه.
(6)
أخرجه الحاكم (1/ 409) ، والترمذي (3524) والنسائي في «الكبرى» (10330) .
(7)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 304) .