الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: استقلالا، ويدل له قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً، والصلاة وإن كانت بمعنى الرحمة، إلا أنه كالأنبياء صلّى الله عليهم وسلّم خصّوا بها تعظيما لهم، وتمييزا لمرتبتهم الرفيعة على غيرهم، على أنها في حقهم ليست بمعنى مطلق الرحمة، بل المراد بها ما هو أخص من ذلك، كما مر في المقدمة.
نعم؛ ظاهر قول الأعرابي السابق: (اللهم؛ ارحم محمدا) وتقريره صلى الله عليه وسلم له.. الجواز، ولو بدون انضمام صلاة أو سلام إليها، وهو الذي يتجه، وتقريره المذكور خاص، فيقدم على العموم الذي اقتضته الآية، وينبغي حمل قول من قال:(لا يجوز ذلك) على أن مرادهم نفي الجواز المستوي الطرفين، فيصدق بأن ذلك مكروه، أو خلاف الأولى، وإنما دعي له بالرحمة مع أنه عينها بنص: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ؛ لأن كونه رحمة لهم من جملة رحمة الله عز وجل له صلى الله عليه وسلم، ولله عليه رحمات أخر، فطلب له بالدعاء بالرحمة حصول نظائر تلك.
[المسألة] الثامنة:
في زيادة (سيدنا) قبل (محمد) خلاف، فأما في الصلاة: فقال المجد اللغوي: (الظاهر أنه لا يقال؛ اقتصارا على الوارد)«1» ، وقال الإسنوي:
(في حفظي: أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناه على أن الأفضل امتثال الأمر أو سلوك الأدب؟ فعلى الثاني: يستحب) اهـ
وهذا هو الذي ملت إليه في «شرح الإرشاد» وغيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يؤم الناس فتأخر.. أمره أن يثبت مكانه، فلم يمتثل، ثم سأله بعد الفراغ عن ذلك، فأبدى له أنه إنما فعله تأدبا بقوله: (ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله
(1) الصّلات والبشر (ص 157) .
عليه وسلم) ، فأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك «1» ، وهذا فيه دليل أيّ دليل على أن سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر الذي علم من الآمر عدم الجزم بقضيته، ثم رأيت عن ابن تيمية أنه أفتى بتركها وأطال فيه، وأن بعض الشافعية والحنفية ردوا عليه، وأطالوا في التشنيع عليه، وهو حقيق بذلك.
وورد عن ابن مسعود مرفوعا وموقوفا- وهو أصح-: «حسّنوا الصلاة على نبيكم» ، وذكر الكيفية، وقال فيها:«على سيد المرسلين» «2» ، وهو شامل للصلاة وخارجها.
وعن المحقق الجلال المحلي أنه قال: (الأدب مع من ذكر مطلوب شرعا بذكر السيد؛ ففي حديث «الصحيحين» : «قوموا إلى سيدكم» «3» أي:
سعد بن معاذ، وسيادته بالعلم والدين، وقول المصلي:«اللهمّ؛ صلّ على سيّدنا محمد» فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب؛ فهو أفضل من تركه فيما يظهر من الحديث السابق وإن تردد في أفضليته الشيخ جمال الدين الإسنوي، وذكر أن في حفظه قديما أن الشيخ ابن عبد السلام بناه على أن الأفضل سلوك الأدب أو امتثال الأمر؟) اهـ
ووقع لبعض من كتب على «الحاوي» أنه قال «4» : إن زيادة (سيدنا) مبطلة للصلاة، وهو غلط واضح فاجتنبه.
وأما خارجها: فمنعه بعضهم أيضا محتجا بأنه صلى الله عليه وسلم أنكر على من قال له: أنت سيدنا، وليس كما زعم، والإنكار إنما هو للإفراط في المدح بأوصاف ذكروها بعد ذلك، ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم لهم:
«قولوا بقولكم، ولا تستهوينّكم الشياطين» «5» ، وقد صح قوله صلى الله عليه
(1) أخرجه البخاري (684) ، ومسلم (421) .
(2)
أخرجه ابن ماجه (906) ، وأبو يعلى (5267) .
(3)
البخاري (3043) ، ومسلم (1768) .
(4)
في هامش (ج) : (هو الطوسي) .
(5)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (1004) ، وعبد الرزاق في «المصنف» (11/ 272) ، -
وسلم: «أنا سيد ولد آدم» «1» ، وقوله للحسن:«إن ابني هذا سيد» «2» ، وقوله لسعد:«قوموا لسيدكم» .
- وفي هامش (ج) : (أي: قولوا: يا سيدنا مدحا، ولا تزين الشياطين لكم هواكم في المحبة والعشق، فتحسّن لكم الإفراط إلى حدّ لا يجوز شرعا فلا أرضاه، بل يكفيكم في المدح والتعظيم ما شرعه الله، وإن أفرطتم بالقول.. فلا يكن بالقلب والاعتقاد، ولا تعتقدوا حسن الإفراط) .
(1)
أخرجه مسلم (2278) ، وابن حبان (6242) ، والحاكم (2/ 604) .
(2)
أخرجه البخاري (2704) ، وابن حبان (6964) ، والحاكم (3/ 175) ، والترمذي (3773) وغيرهم.