الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحديث: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث» «1» ، وفي لفظ:«إن بمكة حجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت عليه» «2» ، وفيه إيماء إلى ما اشتهر على ألسنة الخلف عن السلف أنه الحجر البارز الآن بزقاق المرفق؛ لأنه كان على ممرّه صلى الله عليه وسلم إلى بيت خديجة.
[معنى السلام عليه ص]
واختلف في معناه:
فقيل: (السلام) الذي هو من أسماء الله تعالى (عليك) أي: لا خلوت من الخير والبركة، وسلمت من كل مكروه؛ لأن اسم الله تعالى المنقول من معنى إذا ذكر على شيء.. أفاده ذلك.
وقيل: بمعنى السلامة من المذام والنقائص؛ فمعنى (اللهم سلم عليه) :
اللهم اكتب له في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص؛ لتزداد دعوته على ممر الأيام علوا، وأمته تكاثرا، وذكره ارتفاعا.
وقيل: من المسالمة والانقياد، وعلى الأخيرين إنما عدّي ب (على) لأنّ المعنى: قضى الله به عليك، وقضاؤه تعالى إنما ينفذ في العبد من أجل ملكه وسلطانه الذي عليه؛ فلإفادة (على) ذلك كانت أبلغ من (لك) .
[حكمة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في التشهد]
وخوطب بالحضور مع أن سياق التشهد يقتضي الغيبة؛ لأن المصلي لمّا
- النبوة» (6/ 69) .
(1)
أخرجه مسلم (2277) ، وابن حبان (6482) ، وأحمد (5/ 89) ، وغيرهم.
(2)
أخرجه الترمذي (3624) ، والطبراني في «الكبير» (2/ 245) ، وأحمد (5/ 105) .
(3)
لم نجده بتمامه، وعزا الإمام الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 262) شطره الثاني إلى البزار.
استفتح باب الملكوت بالتحيات.. أذن له بالدخول في حرم الحي الذي لا يموت، فقرّت عينه بالمناجاة، فنبّه على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته، فالتفت فإذا الحبيب حاضر ثمّ، فأقبل عليه قائلا (السلام عليك
…
) إلخ.
ولا يعارض وجوب الخطاب الخبر الدالّ على اختصاص ذلك بحياته صلى الله عليه وسلم، وهو ما صح عن ابن مسعود:(أنهم كانوا في حياته صلى الله عليه وسلم يقولون في التشهد: السلام عليك أيها النبي، فلما قبض.. قالوا السلام على النبي)«1» لما بينته في «شرح العباب» «2» .
وأيضا: فلفظه ليس صريحا في أن هذا إجماع، وإنما هو حكاية عن جمع، وليس حجة على غيرهم، على أنه يلزمهم أحد أمرين: إما أنهم في بعدهم عنه في حياته بنحو سفر كانوا لا يخاطبونه، فينافي عموم قوله: (كانوا
(1) أخرجه البخاري (6265) ، والبيهقي (2/ 138) ، وأبو عوانة (2022) ، وغيرهم.
(2)
في هامش (ج) : (قال شيخنا في «شرحه على العباب» : وخوطب صلى الله عليه وسلم كأنه إشارة إلى أنه تعالى يكشف له عن المصلين من أمته حتى يكون كالحاضر معهم بأفضل أعمالهم، وليكون بذلك حضوره سببا لمزيد الخشوع والحضور، ثم رأيت الغزالي قال في «الإحياء» : «وقبل قولك: السلام عليك أيها النبي.. أحضر شخصه الكريم في قلبك، وليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك بما هو أوفى» اهـ ولا ينافي ما تقرر قول ابن مسعود: «كنا نقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي، فلما قبض صلى الله عليه وسلم.. قلنا: السلام على النبي» وذلك؛ لأن هذا اللفظ رواية أبي عوانة، ورواية البخاري الأصح منها بينت أن ذلك ليس في قول ابن مسعود، بل من فهم الراوي عنه، ولفظها: «فلما قبض.. قلنا: سلام» يعني: على النبي، فقوله: «قلنا: سلام» يحتمل أنه أراد به استمررنا على ما كنا عليه في حياته، ويحتمل أنه أراد أعرضنا عن الخطاب، وإذا احتمل اللفظ.. لم يبق فيه دلالة، وحيث لم يبق فيه دلالة.. لم يصح لمعارضة وجوب الخطاب؛ إذ وجوب الخطاب عرف واستمر، إذ لم يعارضه ما يستدل به على الإعراض.. الخطاب في لفظ ابن مسعود على رواية البخاري، ولا ينظر إلى لفظ أبي عوانة؛ إذ رواية البخاري أصح، وقد بينت أن لفظ ابن مسعود ليس فيه على النبي، وإنما هو: «قلنا: سلام» ففهم الراوي أن المراد: سلام على النبي، فقال: على النبي) .
في حياته يقولون: السلام عليك) ، وإما أنهم يخاطبونه، فهو في مماته كهو حال بعدهم عنه في حياته؛ إذ هو حي في قبره يصلي كما يأتي «1» .
ووصف أولا بالنبوة هنا، ثم بالرسالة آخر التشهد؛ لأنهما كذلك وجدتا في الخارج لتقدم نبوته على رسالته بنحو ثلاث سنين، كما بينته في أول «شرح الشمائل» «2» .
وقدم السلام على الصلاة هنا عكس الآية؛ لأن الغرض المقصود منها التعليم والإتيان بالمأمور به، وذلك يبدأ فيه بالأهم الأحق بالمعرفة والفعل، وهو الصلاة؛ لأنها لعلوّ مقامها اختصت بالله تعالى وملائكته، ولأنها تستلزم السلام بمعنى التحية بخلاف السلام؛ فإن من معانيه ما لا يتأتى في حق الله تعالى وملائكته، وهو الانقياد والإذعان كما مرّ، وأيضا: فهو لا يستلزم الصلاة، فكان دونها في الرتبة.
ومبنى الصلاة ذات الأركان على أنه يترقى فيها من الأدنى إلى الأعلى في كل مقام من مقاماتها، وتشهّدها الأخير هو غايتها، فبدىء فيه بالثناء على الله تعالى بأكمل الأوصاف وأجمعها، وهو إثبات التحيات وما بعدها لله تعالى على الوجه الأكمل الأبلغ، وهذا هو الغاية المطلوبة من الصلاة بالنسبة إلى تعظيم الله سبحانه وتعالى والخضوع [له] .
(1) قول المصنف رحمه الله تعالى: (كهو حال بعدهم) .. كثيرا ما يستعمله الفقهاء، وهو قليل، فإن الكاف لا تجرّ إلا الظاهر فقط، وجرها ضمير الغائب المرفوع والمنصوب.. شاذ من جهتين: كون مدخولها ضميرا، وكون ذلك الضمير ضمير رفع أو نصب. انظر «حاشية الصبان على الأشموني» (2/ 209) .
(2)
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه «أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل» (ص 46) بعد أن ساق قصة نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وفتور الوحي بعد ذلك ثلاث سنين، ثم نزول (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) :(وبان بما تقرر أن نبوته كانت متقدمة على رسالته، وبه صرح أبو عمر وغيره، وعليه يحمل قول صاحب «الأصول» : «الصحيح عند أهل العلم بالأثر أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة» اهـ فكان في (اقرأ) نبوته، وفي (المدثر) رسالته بالنذارة والبشارة والتشريع؛ لأن هذا قطعا متأخر عن الأول) .