الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من طلب ثناء الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم، والتنويه به، وتكريمه بزيادة تقريبه، فهما كالتعليل لذلك، أو التذييل له.
[معنى قوله: (الأعلون) ]
و (الأعلون) في الرواية السابقة- بفتح اللام-: الملائكة؛ لأنهم يسكنون السماوات، والأسفلون: الجن لسكناهم أسفل الأرض.
[معنى قوله: (المصطفون) ]
و (المصطفون) فيها أيضا- بفتح الفاء-: المختارون من أبناء جنسهم، فهم بقية أولي العزم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وقيل: هم المصفّون من الدنس، وقيل: الصحابة، وقيل: الأمة.
[معنى قوله: (المقربون) ]
و (المقرّبون) فيها أيضا هم:
من الملائكة: خواصّهم المعنيون بقوله تعالى: لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
واختلف فيهم، فقيل: حملة العرش، وجزم به البغوي، وقيل: الكروبيّون الذين حوله «1» ، كجبريل وميكائيل، وقيل: مدبّر والأجرام السماوية، وقيل: هم سبعة: إسرافيل، وجبرائيل، وميكائيل، وعزرائيل، ورضوان، ومالك، وروح القدس بناء على أنه غير جبرائيل.
ومن البشر: السابقون؛ لقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ.
[معنى قوله: (المكيال الأوفى) ]
و (المكيال الأوفى) في الرواية السابقة أيضا: كناية عن كثرة الثواب؛ إذ التقدير به يغلب في الكثير، وبالوزن يغلب في القليل، وأكد ذلك بقوله:
(الأوفى)، وقيل: التقدير أن يكتال بالمكيال الأوفى الماء من حوضه صلى الله عليه وسلم؛ لأثر عن الحسن يدل له، وهو تقدير بعيد.
[المسألة] السادسة:
وجه تخصيص إبراهيم صلّى الله على نبينا وعليه وسلّم بالتشبيه به وباله..
أنه لم يجمع لأحد غيرهم بين الرحمة والبركة؛ قال تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ
(1) الكروبيون: سادة الملائكة.
وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وأيضا: فإبراهيم أفضل الأنبياء بعد محمد صلّى الله عليهما وسلّم؛ فلذا أوثر بالذكر، أو أنه كوفىء بذلك على دعائه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بقوله: اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ كذا قيل، وأنصّ منه دعاؤه لهم بقوله:
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ، وأجيب بأجوبة أخرى فيها نظر، على أنها تحتاج إلى صحة النقل بما ادعاه قائلوها.
ووجه ذلك التشبيه مع ما هو مقرر: أن المشبّه دون المشبّه به، ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم وآله:
- إمّا أنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل؛ لخبر مسلم: أن رجلا قال له:
يا خير البرية، قال:«ذاك إبراهيم» «1» ، واعترض بأنه لو كان كذلك.. لغيّر صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد أن علم أنه الأفضل.
- وإمّا أنه قاله تواضعا، وشرع لأمته ليكتسبوا به الفضيلة.
- وإمّا أنه تشبيه لأصل الصلاة بالصلاة، دون القدر بالقدر؛ أي: قد تقدمت منك الصلاة على إبراهيم وآله، فنسألها منك على سيدنا محمد وآله بالأولى؛ إذ ما ثبت للفاضل.. أولى أن يثبت للأفضل؛ فالتشبيه للتهييج ونحوه.
- وإمّا أن الكاف للتعليل، كما في: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ.
- وإما أنه لطلب أن يضاف لما اختص به صلى الله عليه وسلم من المحبة الخلة ولِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ اللذان امتاز بهما إبراهيم، فأضيفا له، كما أخبر عن أولهما بقوله:«ولكن صاحبكم خليل الله» «2» .
(1) أخرجه مسلم (2369) ، وأبو داود (4672) ، والترمذي (3352) ، وأحمد (3/ 178) .
(2)
أخرجه مسلم (2383/ 6) ، والطبراني في «الكبير» (3/ 246) وغيرهما.
ومثال ذلك رجلان يملك أحدهما ألفا والآخر ألفين، فيسأل صاحب الألفين: أن يعطى ألفا أخرى نظير ألف الأول، فيجتمع له أضعاف ما للأول.
- وإما أن التشبيه عائد لآل محمد فقط، وفي «البيان» عن الشيخ أبي حامد: أن الشافعي رضي الله تعالى عنه نص عليه «1» ، وغير الأنبياء وإن لم يساوهم، لكن المطلوب هنا صلاة على آل محمد صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة على إبراهيم- صلّى الله على نبينا وعليه وسلّم- وآله في أصل الثواب والتعظيم، دون كمالهما لاستحالة مساواة غير النبي صلى الله عليه وسلم له فيه.
وزعم ابن القيم بطلان ذلك عن الشافعي رضي الله تعالى عنه؛ لأن فصاحته تأباه؛ لأنه تركيب ركيك «2» .. ليس في محله، وليس بركيك؛ إذ التقدير:
وصلّ على آل محمد كما صليت على إبراهيم؛ فهو متعلق بالجملة الثانية، وليس مخالفا لقاعدة الشافعي رحمه الله تعالى: أن المتعلقات ترجع إلى جميع الجمل، خلافا للزركشي؛ لأن محله ما لم يمنع منه مانع، وهنا المانع إيهام أن إبراهيم أفضل.
نعم؛ جاء التشبيه في رواية من غير ذكر الآل.
- وإما أن التشبيه للمجموع بالمجموع؛ فإن الأنبياء من آل إبراهيم كثيرون، فإذا قوبلت تلك الذوات الكثيرة من إبراهيم وآله بالصفات الكثيرة التي لمحمد صلى الله عليه وسلم.. أمكن انتفاء التفاضل، ويقرب منه قول أبي اليمن بن عساكر، وابن عبد السلام ما حاصله: (أن الصلاة على النبي وآله شبهت بالصلاة على إبراهيم وآله، فيحصل لنبينا صلى الله عليه وسلم وآله من آثار الرضوان ما يقارب الحاصل لإبراهيم وآله، الذين هم معظم الأنبياء،
(1) البيان (2/ 240) .
(2)
انظر «جلاء الأفهام» (ص 215) .
ثم تقسم الجملة، فلا يحصل لآله منها ما حصل لآل إبراهيم؛ إذ غير الأنبياء لا يساويهم، فيتوفر ما بقي من آثار الرضوان الشاملة لمحمد وآله على محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يشعر بأنه أفضل من إبراهيم) اهـ «1»
واعترض بأنه جاء في رواية مقابلة الاسم بالاسم فقط، ولفظها:«اللهم؛ صلّ على محمد، كما صليت على إبراهيم» «2» .
- وإما أن التشبيه هنا إنما وقع بين عطية تحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن حصلت له قبل؛ إذ الدعاء إنما يتعلق بمعدوم مستقبل، وبين عطية حصلت لإبراهيم، وحينئذ فالذي حصل له قبل الدعاء لم يدخل في التشبيه، وهو الذي فضل به سيدنا إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فسقط الإشكال من أصله، وإنما يرد لو وقع التشبيه في الخبر بأن يقال: العطية الحاصلة لمحمد صلى الله عليه وسلم كالعطية الحاصلة لإبراهيم صلى الله عليه وسلم.
- وإما أن التشبيه باعتبار ما يحصل لمحمد وآله من صلاة كل فرد فرد، فيحصل من مجموع ذلك أضعاف ما لإبراهيم وآله، مما لا يحصيه إلا الله تعالى.
وبيّنه السبكي وولده بأن كل من صلّى بهذه الكيفية يستجاب له؛ إذ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دعوة مستجابة، وما طلبه كلّ غير ما طلبه الآخر، وإلا كان تحصيلا للحاصل، وحينئذ فالله تعالى يصلّي على نبيه صلى الله عليه وسلم صلاة مماثلة لصلاته على إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم وآله كلما صلّي عليه؛ فلا تنحصر الصلوات عليه من ربه عز وجل، التي كل واحدة منها بقدر ما حصل لإبراهيم وآله؛ إذ لا ينحصر عدد من صلّى عليه بهذه الصلاة.
(1) مقاصد الصلاة (ص 35) .
(2)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (1215) ، وأبو يعلى (653) ، والطبراني في «الكبير» (17/ 250) .
- وإما أن التشبيه راجع للمصلي؛ أي: أعطني ثوابا على صلاتي على النبي صلى الله عليه وسلم مثل ثواب المصلي على إبراهيم، وفيه من البعد والتكلف ما لا يخفى.
- وإما أن التشبيه بالأعلى غير مطرد، بل قد يكون بالأدون، كما في قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ وأين يقع نورها من نوره تعالى؟! ولكن لمّا كان المراد ثمّ الظهور والوضوح للسامع.. حسن تشبيه النور بالمشكاة، وكذا هنا لمّا كان تعظيم إبراهيم وآله مشهورا عند سائر الطوائف.. حسن أن يطلب لمحمد وآله مثل ذلك، ويؤيده قوله في خبر مسلم وغيره:«في العالمين» عقب ذكر آل إبراهيم دون آل محمد «1» ؛ أي: كما أظهرت الصلاة على إبراهيم وآله في العالمين، فالتشبيه من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر، لا من باب إلحاق ناقص بكامل.
- وإما أن سببه أن محمدا صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم صلّى الله على نبينا وعليه وسلّم، كما صح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فكأنه أمرنا أن نصلّي على محمد وآله خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآله عموما، فيحصل لآل محمد صلى الله عليه وسلم ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له، وهو أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا، فحينئذ ظهرت فائدة التشبيه، وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ.
- وإما أن المراد ب (اللهم صلّ على محمد) : اجعل من أتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين، (كما صليت على إبراهيم) بأن جعلت في آله أنبياء يخبرون بالمغيّبات، (وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم) بما أعطيتهم من التشريع والوحي، فأعطاهم التحديث؛ فمنهم محدّثون- بفتح الدال- وشرع لهم الاجتهاد، وقرره حكما شرعيّا، فأشبهوا الأنبياء في ذلك، وفيه من البعد ما لا يخفى.
(1) أخرجه مسلم (405) ، وابن حبان (1958) .