الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النّخعي، مع أنه يشعر بأن غيره كان قائلا بالوجوب) «1» .
ومن فقهاء الأمصار: أحمد، فإنه جاء عنه روايتان، والظاهر أن رواية الوجوب هي الأخيرة؛ فإنه قال: كنت أتهيّب ذلك، ثم تبيّنت؛ فإذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، قال صاحب «المغني» :(فظاهر هذا: أنه رجع عن قوله الأول إلى هذا)«2» ، وإسحاق بن راهواه فقال في آخر الروايتين عنه:(إذا تركها عمدا.. بطلت صلاته، أو سهوا.. رجوت أن تجزئه) ، وهو قول عند المالكية اختاره ابن العربي منهم، وهو لازم للقائلين بوجوبها كلما ذكر صلى الله عليه وسلم؛ لتقدم ذكره في التشهد، وقد صرح به من الحنفية أصحاب «المحيط» و «التحفة» و «الغنية» و «المفيد» .
[أدلة وجوب الصلاة عليه ص في التشهد عند الشافعية]
نعم؛ وجوبها بعد التشهد لتقدم ذكره آخره لا يستلزم كونه شرطا لصحة الصلاة، إلا أنه يردّ على القائلين بأن الشافعي رضي الله عنه شذّ في قوله بالوجوب.
إذا تقرر ذلك.. فالأدلة على الوجوب متظاهرة متكاثرة.
منها: أن رجلا قال: يا رسول الله؛ أما السلام عليك.. فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك؟ فصمت صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «إذا أنتم صليتم.. فقولوا: اللهم صلّ على محمد النبي الأميّ وعلى آل محمد
…
» الحديث «3» ، رواه جماعات وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم، وقال الدارقطني: إسناده حسن متصل، والبيهقي: إسناده صحيح، وابن إسحاق وإن كان فيه، لكنّه صرّح بالتحديث في رواية؛ فصار حديثه مقبولا صحيحا على شرط مسلم، كما ذكره الحاكم، فتأمل قوله:«إذا نحن صلينا في صلاتنا» ، وجوابه صلى الله عليه
(1) فتح الباري (11/ 165) .
(2)
المغني (2/ 229) .
(3)
أخرجه ابن خزيمة (711) ، وابن حبان (1985) ، والحاكم (1/ 268) ، والترمذي (3220) ، والبيهقي (2/ 378) ، والدارقطني (1/ 355) .
وسلم بقوله: «إذا أنتم صليتم.. فقولوا اللهم صلّ
…
» إلخ.
ونوزع فيه: (بأنه إنما يفيد إيجاب الإتيان بهذه الألفاظ على من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، وعلى تقدير أن يدل على إيجاب الصلاة.. فلا يدل على هذا المحل المخصوص) اهـ
ويردّ بأن الأحاديث الآتية ناصّة على الوجوب، وعلى محله؛ بقوله: «إذا صليت فقعدت
…
» «1» إلخ، فعلى تسليم ألادلالة في هذا.. فالدلالة في غيره الآتي، بل ثمّ دليل آخر أبداه البيهقي، وهو: أن الآية لمّا نزلت وكان صلى الله عليه وسلم قد علّمهم كيفية السلام عليه في التشهد- وهو داخل الصلاة- فسألوا عن كيفية الصلاة فعلّمهم.. فدل على أن المراد بذلك إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم تعليمه لهم، واحتمال كونه خارج الصلاة بعيد، كما قاله عياض وغيره، وقول ابن دقيق العيد:
(ليس فيه تنصيص على أن الأمر به مخصوص بالصلاة) .. يجاب عنه بأن فيه إيماء إلى ذلك كما تقرر، وعلى التنزّل فالدلالة في غيره كما مرّ، وإنما لم تجب الصلاة على الآل بهذا الحديث؛ لما يأتي في مبحثها.
ومنها: حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة.. فليقل: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد» «2» وصححه جماعة، ووهّموا بأن فيه مجهولا عن مبهم، وله طريق أخرى فيها ضعيف، وأخرى فيها مختلط، لكنه ثقة، وقد يؤخذ من تعدد طرقه: أنه حسن، وبه مع ما هو مقرر: أن الحسن عند جمع مرادف للصحيح.. يردّ على من وهّم المصححين له.
ومنها: للشافعي رضي الله عنه عن كعب بن عجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الصلاة: «اللهم صلّ على محمد وآل
(1) أخرجه الترمذي (3476) ، والطبراني في «الكبير» (18/ 307) .
(2)
أخرجه الحاكم (1/ 269) ، والبيهقي (2/ 379) .
محمد
…
» الحديث «1» ، أخرجه البيهقي من طريقه، وزعم أنه يحتمل أن المراد بقوله:(في الصلاة) أي: في صفة الصلاة عليه؛ لأن أكثر الطرق تدل على أن السؤال وقع عن صفة الصلاة، لا عن محلها.. يردّ بأنه لا أثر لهذا الاحتمال البعيد، على أن الحديث الذي قبله والذي بعده يبطل هذا الاحتمال؛ للتصريح فيهما بالصلاة ذات الأركان.
وإذا ثبت أنه كان يقول ذلك في صلاته.. فيلزمنا التأسي به فيه؛ لقوله في الحديث الصحيح: «صلوا كما رأيتموني أصلي» «2» ، ومن المقرر أن الأصل وجوب مثل فعله إلا ما خصه الدليل.
ومنها: حديث فضالة أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله، ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:«عجل هذا» ، ثم دعاه فقال له- أو لغيره-: «إذا صلى أحدكم..
فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء» أخرجه أبو داود والترمذي وصححه، وكذا ابن خزيمة، وابن حبّان، والحاكم وقال: هو على شرط مسلم، وفي موضع آخر: على شرطهما، ولا أعرف له علة «3» .
وفي رواية للترمذي: «ثم ليصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد بما شاء» «4» .
وفي أخرى له أيضا وللطبراني وابن بشكوال- ورجالها ثقات إلا رشدين بن سعد، لكن حديثه مقبول في الرقائق-: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه البيهقي (2/ 147) ، والشافعي في «مسنده» (142) .
(2)
أخرجه البخاري (631) ، وابن حبان (1658) ، والبيهقي (2/ 345) ، والدارقطني (1/ 273) .
(3)
أخرجه ابن خزيمة (710) ، وابن حبان (1960) ، والحاكم (1/ 230) ، وأبو داود (1481) .
(4)
الترمذي (3477) .
قاعد؛ إذ دخل رجل فصلّى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال صلى الله عليه وسلم:«عجلت أيّها المصلّي، إذا صليت فقعدت.. فاحمد الله بما هو أهله، ثم صلّ عليّ، ثم ادعه» ، ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله وصلّى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:«أيها المصلّي، ادع تجب» ، وفي رواية:«سل تعطه» «1» ، ففي هذه الأحاديث الصحيحة دلالة ظاهرة، بل صريحة لما ذهب إليه الشافعي من إيجابها وتعين محلها.
وبقيت أحاديث أخر منها، لكنها لا تقوم بها الحجة وحدها، وإنما تفيد التقوية بانضمامها إلى الأولى، كحديث: «كان صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد: التحيات لله
…
إلخ، ثم يصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم» وفيه ضعيف «2» .
وحديث: «يا بريدة؛ إذا جلست في صلاتك.. فلا تتركنّ الصلاة عليّ» وسنده ضعيف أيضا «3» .
وحديث: «لا صلاة إلا بطهور، وإلا بالصلاة عليّ» وفيه متروك وضعيف «4» .
وحديث: «لا صلاة لمن لم يصلّ على نبيه صلى الله عليه وسلم» وفيه من ليس بالقوي «5» ، ولكن له طريق أخرى صححها المجد الشيرازي «6» ، لكن نظر فيه بأنه إنما يعرف من الأولى.
(1) المعجم الكبير (794) ، القربة (31) .
(2)
أخرجه الدارقطني (1/ 351) .
(3)
أخرجه الدارقطني (1/ 355) ، والديلمي في «الفردوس» (8527) .
(4)
أخرجه الدارقطني (1/ 355) .
(5)
أخرجه الدارقطني (1/ 355) ، والبيهقي في «معرفة الآثار والسنن» (3720) .
(6)
الصّلات والبشر (ص 62) .
وحديث: «من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي.. لم تقبل منه» وفيه ضعيف «1» .
إذا علمت ما ذكرته من أن الشافعي لم يتفرّد بالقول بوجوبها في الصلاة، بل وافقه جماعة من الصحابة، وجماعة من التابعين، وكثيرون ممن بعدهم، ومن أن الأحاديث الصحيحة الكثيرة مصرحة بما قاله.. ظهر لك بطلان قول ابن جرير وابن المنذر والخطابي والطحاوي تشنيعا عليه:(لا سلف له في هذا القول، ولا سنّة يتبعها) ، وأن الشناعة والشذوذ بهم أحق وألصق، وأنهم تساهلوا في ذلك ولم ينصفوا.
وممن شذّ وتساهل وتقوّل: ابن بطال المالكي، حيث زعم:(أن من أوجبها.. فقد رد الآثار، وما مضى عليه السلف، وأجمع عليه الخلف، وروته الأمة عن نبيّها) اهـ
وكذلك ما وقع لعياض في «الشفا» من إنكاره على الشافعي رضي الله تعالى عنه، ونسبته إلى الشذوذ بنحو هذا التعصب والتساهل «2» ، ومن ثم شنّع عليه جماعة، منهم: ابن القيّم الحنبلي، فقال:(قوله: «إن الناس شنعوا على الشافعي رضي الله تعالى عنه» .. لا معنى له، فأيّ شناعة في ذلك؛ وهو لم يخالف نصا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة؟! بل القول بالوجوب من محاسن مذهبه، وأما نقله للإجماع.. فقد تقدم رده، وأما دعواه أن الشافعي رضي الله تعالى عنه اختار تشهّد ابن مسعود.. فيدل على عدم معرفته باختيارات الشافعي رضي الله تعالى عنه؛ فإنه إنما اختار تشهّد ابن عباس) اهـ «3»
قال ابن الصلاح: (قد نسبوا الشافعي رضي الله تعالى عنه للتفرد، وليس كذلك، ولو تفرد بذلك.. لكفى بتفرده) اهـ
(1) أخرجه الدارقطني (1/ 355) .
(2)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى (ص 547) .
(3)
جلاء الأفهام (ص 256) .
وزعم أنه لا دلالة في حديث فضالة؛ لأنها لو كانت واجبة لأمر تاركها بالإعادة، كما أمر المسيء صلاته.. مردود باحتمال أن الصلاة هنا نافلة، أو أنه لمّا سمع ذلك الأمر.. بادر إلى الإعادة من غير أن يؤمر بها، أو أن الوجوب وقع عند فراغه.
وبه ردّ على من زعم أيضا: أنه يلزم من وجوبها تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأنه علّمهم التشهد، وقال:«ثم ليتخيّر من الدعاء ما شاء» «1» ، ولم يذكر الصلاة عليه.
ووجه رده: احتمال أن فرضيته إنما طرأت بعد تعليمهم التشهد.
وقول الخطابي: إن في آخر حديث ابن مسعود: «إذا قلت هذا- أي:
التشهد- فقد قضيت صلاتك» «2» .. مردود بأن هذه زيادة مدرجة، وعلى تقدير ثبوتها.. فتحمل على أن مشروعية الصلاة عليه وردت بعد تعليم التشهد.
وأجاب بعضهم عما مرّ من عدم الأمر بالإعادة: (بأن الترك نشأ عن اعتقاد عدم الوجوب جهلا، والأمر إنما يفيد الوجوب عليه من حينئذ؛ ففيه دليل على عذر الجاهل بعدم الوجوب، ومن ثم لم يأمر المسيء صلاته بإعادة ما مضى من الصلوات، مع إخباره له بأنه لا يحسن غير تلك الصلاة عذرا له بالجهل) اهـ
وفيه نظر؛ لأن قضية كلام أئمتنا أن محل العذر بالجهل إنما هو في نحو الكلام القليل وغيره مما لا يخلّ بأجزاء ماهية الصلاة، وأما ما يخلّ بذلك، كترك ركن من أركانها.. فلا عذر بجهله مطلقا، سواء أعذر الجاهل لقرب إسلامه ونشأته ببادية بعيدة أم لا، والفرق: أن الأركان ونحوها يجب تعلّم
(1) أخرجه البيهقي (2/ 153) ، وأحمد (1/ 382) .
(2)
أخرجه ابن حبان (1961) ، وأبو داود (968) ، والدارمي (1380) والدارقطني (1/ 353) ، والبيهقي (2/ 174) ، وأحمد (1/ 422) .