المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرابع: عقب إقامتها - الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌‌‌بين يدي‌‌ الكتاب

- ‌ب

- ‌ ا

- ‌د

- ‌ج

- ‌ترجمة الإمام الفقيه أحمد ابن حجر الهيتمي المكي

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌شيوخه:

- ‌مقاساته في الطلب وخروجه إلى مكة:

- ‌زملاؤه وأقرانه:

- ‌تلامذته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌وصف النسخ الخطّيّة

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌خاتمة

- ‌صور المخطوطات المستعان بها

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌مقدّمة في الكلام على قوله تعالى:

- ‌[فوائد هذه الآية:]

- ‌[الفائدة] الأولى:

- ‌[الفائدة] الثانية:

- ‌[الفائدة] الثالثة:

- ‌وأما صلاة الملائكة عليه صلى الله عليه وسلم:

- ‌وأما صلاة مؤمني الإنس والجنّ عليه

- ‌فائدة:

- ‌[الفائدة] الرابعة:

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌أحدها:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌[الفائدة] الخامسة

- ‌تنبيه:

- ‌[الرسول أخصّ مطلقا من النبيّ]

- ‌[قول ابن عبد السلام: النبوّة أفضل من الرسالة]

- ‌[بلاغة قوله تعالى: وملائكته]

- ‌[بلاغة قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا]

- ‌[الكفار مخاطبون بالفروع المجمع عليها]

- ‌[أنه صلى الله عليه وسلم مرسل للخلق عامة]

- ‌[الأنبياء أفضل من الملائكة والأدلة على ذلك]

- ‌منها: قوله تعالى

- ‌ومنها: اختصاص الأنبياء بأنهم الذين قامت بهم حجة الله على خلقه

- ‌ومنها: أن للبشر طاعات لم يثبت مثلها للملائكة كالجهاد

- ‌ومنها: أن طاعات البشر أكمل

- ‌[بلاغة قوله تعالى يا أَيُّهَا]

- ‌[اختلاف الأصوليين في دخوله ص في صيغة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ونحوها]

- ‌[الفائدة] السادسة: [في حكم الصلاة عليه ص]

- ‌[أدلة وجوب الصلاة عليه ص في التشهد عند الشافعية]

- ‌تتمة: [في صلاة رسول الله ص على نفسه]

- ‌[حكم السلام عليه ص]

- ‌السابعة:

- ‌تنبيه:

- ‌[في حديث سيدنا علي رضي الله عنه: «اللهم؛ داحي المدحوات

- ‌تنبيه:

- ‌الفصل الثالث في مسائل وفوائد تتعلق بما مضى في الفصلين الأولين

- ‌[المسألة] الأولى:

- ‌[حكم السلام على غير الأنبياء]

- ‌[المسألة] الثانية:

- ‌[الصيغة التي مال إليها المصنف في الصلاة عليه ص]

- ‌[الصلاة على غير الأنبياء تبعا]

- ‌[عدم جواز إبدال لفظ (محمد) ب (أحمد) ، وبالضمير في التشهد]

- ‌[الصلاة عليه ص خارج الصلاة بصيغة الطلب أفضل منها بصيغة الخبر]

- ‌[الحكمة من اقتصاره ص في كثير من الروايات على اسمه العلم]

- ‌[المسألة] الثالثة:

- ‌[معنى السلام عليه ص]

- ‌[حكمة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في التشهد]

- ‌[المسألة] الرابعة:

- ‌[المسألة] الخامسة:

- ‌منها: [معنى قوله: (اللهم) ]

- ‌[معنى قوله: (محمد) ]

- ‌[معنى قوله: (الأمي) ]

- ‌[معنى قوله: (أزواجه) ]

- ‌تنبيه:

- ‌[معنى قوله: (الذرية) ]

- ‌[معنى قوله: (الآل) ]

- ‌[معنى قوله: (البركة) ]

- ‌[معنى قوله: (إبراهيم) ]

- ‌[معنى قوله: (آل إبراهيم) ]

- ‌[معنى قوله: (العالمون) ]

- ‌[معنى قوله: (الحميد) ]

- ‌[معنى قوله: (المجيد) ]

- ‌[معنى قوله: (الأعلون) ]

- ‌[معنى قوله: (المصطفون) ]

- ‌[معنى قوله: (المقربون) ]

- ‌[معنى قوله: (المكيال الأوفى) ]

- ‌[المسألة] السادسة:

- ‌[المسألة] السابعة:

- ‌[المسألة] الثامنة:

- ‌الفصل الرابع في فوائد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ منها: صلاة الله تعالى وملائكته ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه:

- ‌ ومنها: أنها سبب لمحبة الملائكة وإعانتهم وترحيبهم

- ‌ ومنها: أنها سبب لشفاعته وشهادته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ومنها: أنها سبب للبراءة من النفاق ومن النار

- ‌ ومنها: أنها كفارة لنا وزكاة لأعمالنا

- ‌ ومنها: أنها سبب لمزاحمة كتفه صلى الله عليه وسلم على باب الجنة

- ‌ ومنها: أنها تستغفر لقائلها

- ‌ ومنها: أن المرة الواحدة منها بقيراط كجبل أحد

- ‌ ومنها: أن ملكا قائما على قبره يبلغه إياها

- ‌تنبيه:

- ‌[مطلب في الحث على زيارة القبر الشريف]

- ‌[مطلب في معنى رد الروح إليه ص]

- ‌خاتمة:

- ‌ ومنها: أنها سبب للكيل بالمكيال الأوفى من الثواب

- ‌ ومنها: أنها سبب لكفاية المهمات في الدنيا والآخرة

- ‌ ومنها: أنها أمحق للخطايا من الماء للنار

- ‌ ومنها: أن المرة الواحدة منها تمحو ذنوب ثمانين سنة

- ‌ ومنها: أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة

- ‌ ومنها: أنها سبب لرضا الله تعالى

- ‌ ومنها: أنها سبب لغشيان الرحمة

- ‌ ومنها: أنها سبب للأمان من سخط الله تعالى

- ‌ ومنها: أنها سبب للدخول تحت ظل العرش

- ‌ ومنها: أنها سبب لثقل الميزان والنجاة من النار

- ‌ ومنها: أنها سبب للأمن من العطش يوم القيامة

- ‌ ومنها: أنها تأخذ بيد من يعثر على الصراط حتى يمر عليه

- ‌ ومنها: أن من صلى عليه صلى الله عليه وسلم في يوم ألف مرة

- ‌ ومنها: أنها سبب لكثرة الأزواج في الجنة

- ‌ ومنها: أنها تعدل عشرين غزوة في سبيل الله تعالى

- ‌ ومنها: أنها تعدل الصدقة

- ‌ ومنها: أن صلاة مئة في يوم بألف ألف حسنة

- ‌ ومنها: أن صلاة مئة كل يوم سبب لقضاء مئة حاجة

- ‌ ومنها: أن صلاة واحدة سبب لقضاء مئة حاجة

- ‌ ومنها: أن من صلى عليه صلى الله عليه وسلم مئة مرة في اليوم

- ‌ ومنها: أنها أحبّ الأعمال إلى الله تعالى

- ‌ ومنها: أنها زينة للمجالس

- ‌ ومنها: أنها تنفي الفقر

- ‌ ومنها: أن من أكثر منها.. يكون أولى الناس به صلى الله عليه وسلم

- ‌ ومنها: أن بركتها وفائدتها تدرك الرجل وولده وولد ولده

- ‌ ومنها: أن أحبّ ما يكون العبد إلى الله تعالى وأقربه إذا أكثر منها

- ‌ ومنها: أن الآتي بها قد لا يسأله الله تعالى فيما افترض عليه

- ‌ ومنها: أن من صلّى عليه صلى الله عليه وسلم في يوم خمسين مرة.. صافحه يوم القيامة

- ‌ ومنها: أنها طهارة للقلوب من الصدأ

- ‌خاتمة في ذكر منامات ونحوها، لا بأس بالإشارة إلى بعضها لأن فيها حثا لمن سمعها على الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الخامس في ذكر عقوبات وقبائح لمن لم يصلّ على النبي ص

- ‌ منها: أن من ذكر صلى الله عليه وسلم عنده فلم يصلّ عليه.. كان شقيّا

- ‌ ومنها: أن من ذكر عنده فلم يصلّ عليه.. خطىء طريق الجنة

- ‌ ومنها: أن من ذكر عنده فلم يصلّ عليه صلى الله عليه وسلم.. فقد جفاه

- ‌ ومنها: أن البخيل كلّ البخيل الذي لا يراه يوم القيامة

- ‌ ومنها: أن من لم يصلّ عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره.. ملعون

- ‌ ومنها: أن من ذكر صلى الله عليه وسلم عنده فلم يصلّ عليه ألأم الناس

- ‌ ومنها: أن كل مجلس خلا عن ذكره صلى الله عليه وسلم كان على أهله ترة من الله عز وجل يوم القيامة

- ‌ ومنها: أن من لم يصلّ عليه صلى الله عليه وسلم.. فلا دين له

- ‌ ومنها: أن من لم يصلّ عليه صلى الله عليه وسلم.. لا يرى وجهه

- ‌الفصل السادس في ذكر أمور مخصوصة تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها

- ‌الأول: بعد الفراغ من الوضوء والغسل والتيمم

- ‌الثاني: في الصلاة إذا مرّ فيها باية فيها ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌الثالث: عقبها [عقب الصلاة]

- ‌الرابع: عقب إقامتها

- ‌فائدة:

- ‌[الخامس: عند القيام لصلاة الليل من النوم]

- ‌[السادس: بعد الفراغ من التهجّد]

- ‌[السابع: عند المرور بالمساجد ودخولها والخروج منها]

- ‌[الثامن: في يوم الجمعة وليلتها]

- ‌[التاسع: في الخطب]

- ‌العاشر: في أثناء تكبيرات صلاة العيدين

- ‌[الحادي عشر: في صلاة الجنازة]

- ‌[الثاني عشر: في الحج عقب التلبية]

- ‌الثالث عشر: الصلاة والسلام عليه عند قبره الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌[الرابع عشر: عند الذبيحة]

- ‌[الخامس عشر: عند عقد البيع]

- ‌[السادس عشر: عند كتابة الوصية]

- ‌[السابع عشر: في خطبة التزويج]

- ‌الثامن عشر: في طرفي النهار، وعند إرادة النوم

- ‌[التاسع عشر: عند إرادة السفر]

- ‌[العشرون: عند ركوب الدابة]

- ‌[الحادي والعشرون: عند الخروج إلى السوق، وحضور دعوة]

- ‌[الثاني والعشرون: عند دخول المنزل]

- ‌الثالث والعشرون: في الرسائل وبعد البسملة

- ‌[الرابع والعشرون: عند الهمّ، والشدائد]

- ‌الخامس والعشرون: عند خوف الغرق

- ‌السادس والعشرون: في أول الدعاء ووسطه وآخره

- ‌[السابع والعشرون: عند طنين الأذن]

- ‌[الثامن والعشرون: عند خدر الرّجل]

- ‌[التاسع والعشرون: عند العطاس]

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌الثلاثون: عند تذكّر منسيّ، أو خوف نسيان

- ‌[الحادي والثلاثون: عند استحسان الشيء]

- ‌[الثاني والثلاثون: عند أكل الفجل]

- ‌[الثالث والثلاثون: عند نهيق الحمير]

- ‌الرابع والثلاثون: عقب الذنب لتكفّره

- ‌[الخامس والثلاثون: عند عروض حاجة]

- ‌[السادس والثلاثون: في سائر الأحوال]

- ‌السابع والثلاثون: لمن اتّهم وهو بريء

- ‌[الثامن والثلاثون: عند لقاء الإخوان]

- ‌التاسع والثلاثون: عند تفرّق القوم بعد اجتماعهم

- ‌[الأربعون: عند ختم القرآن]

- ‌[الحادي والأربعون: في الدعاء لحفظ القرآن]

- ‌الثاني والأربعون: عند افتتاح كل كلام

- ‌[الثالث والأربعون: عند ذكره صلى الله عليه وسلم]

- ‌الرابع والأربعون: عند نشر العلم والوعظ

- ‌[الخامس والأربعون: عند الإفتاء]

- ‌[السادس والأربعون: عند كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[في ذكر منامات حسنة لأصحاب الحديث]

- ‌خاتمة: في العمل بالحديث الضعيف والموضوع

الفصل: ‌الرابع: عقب إقامتها

وفي رواية: أنه أخبره بأنه من أهل الجنة، وأمره بإكرامه ففعل، فرآه قائلا له:«أكرمك الله كما أكرمت رجلا من أهل الجنة» ، فسأله بم استحق ذلك؟

فقال له: «يفعل- ما مرّ- عقب صلاته منذ ثمانين سنة، أفلا أكرم من يفعل هذا؟!» .

وجاء بسند ضعيف: «من صلّى عليّ مئة صلاة حين يصلّي الصبح قبل أن يتكلم.. قضى الله له مئة حاجة، يعجّل له منها ثلاثين، ويدّخر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك» ، قالوا: كيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال:

«إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ إلى تَسْلِيماً؛ اللهم صلّ على محمد، حتى تعدّ مئة» «1» .

‌الرابع: عقب إقامتها

، وعقب الأذان، فتسن عقبهما: (اللهمّ؛ ربّ هذه الدعوة التامة

) إلخ.

روى مسلم وغيره: «إذا سمعتم المؤذن

فقولوا: مثل ما يقول، ثم صلّوا عليّ؛ فإنه من صلّى عليّ صلاة.. صلّى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله تعالى لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة.. حلّت له الشفاعة» «2» ، وفي رواية:«حلت له شفاعتي يوم القيامة» «3» ، وفي رواية لمسلم:«حلّت عليه» .

وحلّت: وجبت كما صرح به في روايات صحيحة، ومعنى وجبت: أنها ثابتة لا بدّ منها بالوعد الصادق، أو نزلت به؛ فعلى الأول: مضارعه يحل بكسر الحاء، وعلى الثاني: يحل بضمها، وليس من الحل ضد الحرمة؛ لأنها

(1) عزاه الإمام السخاوي في «القول البديع» (ص 348) للحافظ أحمد بن موسى.

(2)

أخرجه مسلم (384) ، وابن خزيمة (418) ، وابن حبان (1690) ، وأبو داود (523) وغيرهم.

(3)

أخرجه ابن حبان (1691) ، والطبراني في «مسند الشاميين» (246) .

ص: 203

لم تكن محرّمة قبل، وفيه بشرى عظيمة لقائل ذلك: أنه يموت على الإسلام؛ إذ لا تجب الشفاعة إلا لمن هو كذلك، وشفاعته صلى الله عليه وسلم لا تختص بالمذنبين، بل تكون برفع الدرجات وغير ذلك كما يأتي.

فالشفاعة الواجبة لسائل الوسيلة: إما برفع درجات، أو تضعيف حسنات، أو بإكرامه بإيوائه إلى ظلّ العرش، أو كونه في مروج، أو على منابر، أو الإسراع بهم إلى الجنة، أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعض دون بعض.

وقوله: (له) أي: يخص بشفاعة ليست لغيره، أو يفرد بشفاعة مما يحصل لغيره تشريفا له، أو أن دخوله في الشفاعة لا بدّ منه.

وقوله: (شفاعتي) أي: أنه يشفع فيه بنفسه، والشفاعة تعظم بعظم الشافع، وقيّد القاضي عياض ذلك عن بعض شيوخه بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلاله صلى الله عليه وسلم، دون من قصد به مجرد الثواب «1» ، وردّ بأنه تحكم غير مرض، ولو أخرج الغافل اللّاهي.. لكان أشبه، ويأتي جميع ما تقرر في خبر الدارقطني والبيهقي وغيرهما:«من زار قبري.. وجبت له شفاعتي» «2» وفي رواية: «حلّت له» .

وفائدة طلبه الوسيلة مع رجائه لها، ورجاؤه لا يخيب.. إعلامنا بأن الله تعالى لا يجب عليه لأحد من خلقه شيء، وأنّ له أن يفعل بمن شاء- وإن جلت مرتبته- ما شاء، ففي ذلك عظيم إظهار تواضعه وخوفه المقتضي لمزيد رقيّه وعلوّه، ففيه فائدة عائدة عليه صلى الله عليه وسلم وعلينا، ولقد غفل من لم يمعن النظر في هذا المقام عما ذكرته، فأجاب بانحصار فائدة ذلك لنا بامتثال ما أمرنا به في جهته الكريمة.

وروى أحمد: «من قال حين ينادي المنادي: اللهمّ؛ ربّ هذه الدعوة

(1) إكمال المعلم (2/ 253) .

(2)

الدارقطني (2/ 278) ، الشعب (4159) .

ص: 204

التامة والصلاة القائمة؛ صلّ على محمد، وارض عنه رضا لا سخط بعده..

استجاب الله دعوته» «1» .

وروى البخاري: «من قال حين يسمع النداء: اللهمّ؛ ربّ هذه الدعوة التامة

» «2» إلخ ما ذكره، المراد منهما بعد فراغه، لرواية مسلم السابقة:

«ثم صلّوا عليّ، ثم سلوا الله

» إلخ.

وأخرج ابن أبي عاصم عن أبي الدّرداء: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم: «اللهمّ؛ ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة؛ صلّ على محمد، وآته سؤله يوم القيامة» «3» وكان يسمعها من حوله صلى الله عليه وسلم، ويحبّ أن يقولوا مثل ذلك إذا سمعوا المؤذن، ومن قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن.. وجبت له شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

وأخرجه الطبراني لكن بلفظ: «كان إذا سمع النداء.. قال: اللهمّ؛ ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة؛ صلّ على محمد عبدك ورسولك، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة» ، قال صلى الله عليه وسلم:«من قال هذا عند النداء.. جعله الله في شفاعتي يوم القيامة» «4» .

وسؤله: حاجته من نحو: الشفاعة العظمى، والحوض، ولواء الحمد، والوسيلة، وغير ذلك مما أعدّه الله تعالى له صلى الله عليه وسلم.

وأخرج الطبراني بسند فيه راو ليّن الحديث: «من قال حين يسمع النداء:

أشهد ألاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله،

(1) أخرجه أحمد (3/ 337) ، والطبراني في «الأوسط» (196) ، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (46) .

(2)

أخرجه البخاري (614) ، وابن حبان (1689) ، وأبو داود (529) ، والترمذي (211) وغيرهم.

(3)

أخرجه ابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم» (75) .

(4)

المعجم الأوسط (3675) .

ص: 205

اللهم؛ صلّ على محمد، وبلّغه درجة الوسيلة عندك، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة.. وجبت له الشفاعة» «1» .

واعلم أنه مر تفسيره صلى الله عليه وسلم للوسيلة بأنها أعلى منزلة أو درجة في الجنة، وأصلها لغة: ما يتقرب به للكبير، قال سبحانه وتعالى:

وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، قال جمع: هي القربة، وقال آخرون: كلّ ما يتوسّل- أي: يتقرب به- كالتوسل إلى الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم.

و (المقام المحمود) : هو الشفاعة العظمى في فصل القضاء، يحمده فيه الأولون والآخرون، ومن ثمّ فسّر في أحاديث بالشفاعة، وعليه إجماع المفسرين على ما قاله الواحدي، وقيل: شهادته لأمته وعليهم، وقيل:

إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة، وقيل: هو أن يجلسه الله عز وجل على العرش، وفي «صحيح ابن حبان» :«يبعث الله الناس، فيكسوني ربي حلة خضراء، فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود» «2» .

ولا ينافي الأول، لاحتمال أن هذه الكسوة علامة على الإذن له في الشفاعة العظمى.

ثم رأيت بعض المحققين ذكر ما يقرب منه، فقال: يظهر أن المراد بالقول المذكور: هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة، وأن المقام المحمود: هو جميع ما يحصل له في تلك الحالة.

وله صلى الله عليه وسلم شفاعات غير العظمى، كالشفاعة لمن يدخل من أمته صلى الله عليه وسلم الجنة بغير حساب، وهذه كالعظمى من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

- ولعصاة أدخلتهم ذنوبهم النار فيخرجون، وإنكار المعتزلة لهذه من

(1) المعجم الكبير (12/ 66) .

(2)

أخرجه ابن حبان (6479) ، والحاكم (2/ 363) ، وأحمد (3/ 456) ، والديلمي في «الفردوس» (8769) .

ص: 206

ضلالاتهم، كيف وقد صحت الأحاديث الكثيرة بها من غير معارض لها؟!

- ولقوم استحقوا دخولها فلم يدخلوها، قال النووي: ويجوز أن يشركه في هذه الأنبياء والعلماء والأولياء.

- وفي قوم حبستهم الأوزار ليدخلوا الجنة.

- ولبعض أهل الجنة في رفع درجاتهم، فيعطى كل منهم ما يناسبه، قال:

وهذه يجوز أن يشركه فيها من ذكر أيضا.

- ولمن مات بالمدينة الشريفة.

- ولمن زار قبره صلى الله عليه وسلم.

- ولفتح باب الجنة كما رواه مسلم «1» .

- ولمن أجاب المؤذّن.

- ولقوم كفار لهم سابق خدمة له صلى الله عليه وسلم في تخفيف عذابهم.

- والشفاعة لأهل المدينة الشريفة بالمعنى السابق في الشفاعة لسائل الوسيلة.

واعلم أن للغزالي رحمه الله تعالى في معنى الشفاعة وسببها كلاما نفيسا، حاصله: (أنها نور يشرق من الحضرة الإلهية على جوهر النبوة، وينتشر منه إلى كل جوهر استحكمت مناسبته مع جوهر النبوة، لشدة المحبة، وكثرة المواظبة على السنن، وكثرة الذكر له بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

ومثاله: نور الشمس إذا وقع على الماء؛ فإنه ينعكس منه إلى محل مخصوص من الحائط دون جميعه، وسبب الاختصاص المناسبة بينه وبين الماء في الموضع الذي إذا خرج منه خط إلى موضع النور من الماء.. حصلت

(1) الحديث بتمامه كما في «مسلم» (197) : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت، لا أفتح لأحد قبلك» .

ص: 207

منه زاوية على الأرض مساوية للزاوية الحاصلة من الخط الخارج من الماء إلى قرص الشمس، بحيث لا يكون أوسع منها ولا أضيق، وهذا لا يمكن إلا في موضع مخصوص من الجدار، فكما أن المناسبات الوضعية تقتضي الاختصاص بانعكاس النور، فالمناسبات المعنوية العقلية تقتضي ذلك أيضا في الجواهر المعنوية، ومن استولى عليه التوحيد.. فقد تأكدت مناسبته مع الحضرة الإلهية، وأشرق عليه النور من غير واسطة، ومن استولى عليه السنن، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم، ومحبته ومحبة أتباعه، ولم تترسخ قدمه في ملاحظة الوحدانية.. لم تستحكم مناسبته إلا مع الواسطة، فافتقر إلى واسطة، في اقتباس النور، كما يفتقر الحائط الذي ليس مكشوفا للشمس إلى واسطة الماء المكشوف للشمس.

وإلى مثل هذا ترجع حقيقة الشفاعة في الدنيا، فالوزير الأقرب لملك..

يحمله على العفو عن جرائم أصحابه، لا لمناسبة بينهم وبين الملك، بل بينهم وبين الوزير المناسب للملك، ففاضت عليهم العناية بواسطة الوزير لا بأنفسهم، ولو ارتفعت الواسطة.. لم تشملهم العناية أصلا؛ لأن الملك لا يعرفهم، ولا يعرف اختصاصهم بالوزير إلا بتعريفه وإظهاره الرغبة في العفو عنهم، فسمّي لفظه من التعريف إظهارا للرغبة: شفاعة مجازا، وإنما الشفيع مكانته عند الملك، واللفظ لإظهار الغرض، والله سبحانه وتعالى مستغن عن التعريف، ولو عرف الملك حقيقة اختصاص غلام الوزير به.. لاستغنى عن التعريف، وحصل العفو بشفاعة لا نطق فيها ولا كلام، والله سبحانه وتعالى عالم به، ولو أذن للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما هو معلوم له.. لكانت ألفاظهم أيضا ألفاظ الشفعاء.

وإذا أراد الله تعالى أن يمثل حقيقة الشفاعة بمثال يدخل في الحسّ والخيال.. لم يكن ذلك التمثيل إلا بألفاظ مألوفة في الشفاعة، ويدلّك على انعكاس النور بطريق المناسبة: أن جميع ما ورد من الأخبار عن استحقاق الشفاعة معلّق بما يتعلّق به صلى الله عليه وسلم من صلاة عليه، أو زيارة

ص: 208