الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم السلام عليه ص]
والسلام فيما ذكر كالصلاة لوجوبه في التشهد، وتصريح الحليمي بوجوبه كلما ذكر.. يوافق ما مرّ عنه في الصلاة، وسوّى ابن فارس اللغوي بينه وبين الصلاة في الفرضية؛ أي: لأن كلّا منهما مأمور به في الآية، والأمر للوجوب حقيقة، إلا إذا ورد ما يصرفه عنه، ويجب بالنذر كالصلاة.
وبما تقرر من تساويهما.. سقط ما قيل: (هما متعاطفان في الآية؛ فلم اختلف في وجوبها دون وجوبه، وكان القياس العكس أو التشارك؟!) اهـ
وسقط أيضا جواب هذا بأن بينهما عموما وخصوصا مطلقا، كالإنسان والحيوان؛ فالخاص وهو الصلاة هنا يستلزم العام الذي هو السلام هنا، من غير عكس.
السابعة:
إنما أكد التسليم بالمصدر دون الصلاة؛ لأنها مؤكّدة ب (إن) ، وبإعلامه تعالى أنه يصلّي عليه وملائكته، ولا كذلك السلام، فحسن تأكيده بالمصدر؛ إذ ليس ثمّ ما يقوم مقامه، وإلى هذا يؤول قول ابن القيّم:(التأكيد فيهما وإن اختلفت جهته؛ فإنه تعالى أخبر في الأول بصلاته وصلاة ملائكته عليه مؤكدا له ب «إن» ، وبالجمع المفيد للعموم في الملائكة، وفي هذا من تعظيمه صلى الله عليه وسلم ما يوجب المبادرة إلى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من غير توقف على أمر؛ موافقة لله وملائكته في ذلك، وبهذا استغني عن تأكيد «يصلّي» بمصدر، ولمّا خلا السلام عن هذا المعنى، وجاء في حيّز الأمر المجرد.. حسن تأكيده بالمصدر تحقيقا للمعنى؛ وإقامة لتأكيد الفعل مقام تقريره، وحينئذ فكما حصل التكرير في الصلاة خبرا وطلبا.. كذلك حصل التكرير في السلام فعلا ومصدرا)«1» .
وأيضا: فهي مقدّمة عليه لفظا، والتقديم يفيد الاهتمام، فحسن تأكيد السلام؛ لئلا يتوهم قلة الاهتمام به لتأخره، وأضيفت إلى الله تعالى وملائكته
(1) بدائع الفوائد (2/ 188) .
دونه، وأمر المؤمنون بهما؛ لأن له معنيين: التحية والانقياد، فأمرنا بهما لصحتهما منا، ولم يضف هو لله تعالى ولا لملائكته؛ حذرا من إيهام أنه فيهما بمعنى الانقياد المستحيل في حقهما.
وقد يقال أيضا: الصلاة منهما متضمنة للسلام بمعنى التحية الذي لا يتصور منهما غيره، فكان في إضافة الصلاة إليهما استلزام لوجود السلام منهما بهذا المعنى، وأما الصلاة منا.. فهي وإن استلزمت التحية أيضا، إلا أنا مخاطبون بالانقياد، وهي لا تستلزمه، فاحتيج إلى التصريح به فينا؛ لأن الصلاة لا تغني عن معنييه المتصوّرين في حقنا المطلوبين منا، وهذا أولى مما قبله؛ لأن ذلك يرد عليه قوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ، وقوله: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ ولا يرد هذان على ما ذكرته، فتأمله.
وبما تقرر من أن السلام يأتي بمعنى التحية- وهذا هو المراد من سلام الله تعالى على أنبيائه-.. اندفع استشكال سلام الله تعالى عليهم بأنه دعاء، وهو لا يتصور من الله تعالى؛ لأنه الطلب، والله تعالى مدعو ومطلوب منه، لا داع وطالب.
وسقط أيضا قول بعضهم: (هذا إشكال له شأن، فينبغي الاعتناء به، ولا يهمل أمره، فقلّ من يدرك سرّه)، وجوابه: أن الطلب يتضمن ثلاثة:
طالبا، ومطلوبا، ومطلوبا منه؛ فهذه الثلاثة أركان، وتغايرها ظاهر في الطالب لشيء من غيره، أما الطالب لشيء من نفسه.. فيتّحد فيه الطالب والمطلوب منه، وهذا هو الموجب لغموض هذه المسألة؛ لأن حقيقة الطالب مغايرة لحقيقة المطلوب منه، فيتعذر طلب الإنسان من نفسه، وكشفه: أن الطلب من باب الإرادات، والمريد كما يريد من غيره أن يفعل شيئا، فكذلك يريد من نفسه هو أن يفعله، والطلب النفسي وإن لم يكن الإرادة، فهو أخص منها، وهي كالجنس له، فكما يعقل أن المريد يريد من نفسه.. فكذلك يطلب منها؛ إذ لا فرق بين الطلب والإرادة.
والحاصل: أن طلب الحيّ من نفسه أمر معقول يعلمه كل واحد من نفسه، بدليل أنه يأمرها وينهاها، قال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى، والأمر والنهي طلب، فتصوّرا من الإنسان لنفسه بالنص، فكذا بقية أنواع الطلب.
وحكمة مجيئه في حقه تعالى بلفظ التنكير، مع كون التعريف في حق العبد أفضل، بل واجب في سلام التحلل من الصلاة.. أن في صدوره منه تعالى على من مرّ غاية التعظيم والتشريف لهم، فلم يحتج إلى مؤكد بخلافه من العبد؛ فإنه لم يقترن به ما يغني عن طلب تأكيده بالتعريف، فكان أولى في حقه، بل يلزمه فيما مرّ للاتباع، مع عدم قيام المنكّر مقام المعرّف.
ويأتي السلام أيضا بمعنى: السلامة من النقائص، وهو العصمة، وبمعنى السلام الذي هو اسم من أسمائه تعالى؛ فمعنى السلام على محمد صلى الله عليه وسلم على الأول: اللهمّ سلّمه من النقائص، وعلى الثاني: حفظ السلام- أي: الله- عليه؛ أي: اللهمّ احفظه، فهو على حذف مضاف، ومعناه على أنه بمعنى الانقياد: اللهم صيّر العباد منقادين مذعنين له صلى الله عليه وسلم ولشريعته.
قال ابن دقيق العيد في «شرح الإلمام» : (قد يتمحض السلام لمعنى التحية ولمعنى الانقياد، وقد يتردد بينهما كقوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً أي: التحية أو السلامة، وكقوله: وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ. سَلامٌ، فإذا أبدل سلام من «ما» .. احتمل الأمرين أيضا؛ أي:
لهم سلامة أو تحية من الله تعالى أو ملائكته) اهـ
وفي السلام من أسمائه تعالى ستة أقوال:
أي: ذو السلامة من كل آفة ونقيصة؛ أي: من كل وجه ذاتا وصفة وفعلا، فيكون من أسماء التنزيه.