الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ فلما سأل الصحابة عن الكيفية، وعلّمها النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم، واختلف النقل لتلك الألفاظ.. اقتصر على ما اتفقت عليه الروايات، وترك الزائد عليه، كما في التشهد؛ إذ لو وجب المتروك.. لما سكت عنه.
وقيل: يجب ذكر إبراهيم؛ لأن أقل ما وقع في الروايات: «اللهم؛ صلّ على محمد، كما صليت على إبراهيم» ، وردّ بأنه ورد بدون ذكره في حديث زيد بن خارجة عند النسائي بسند قويّ، ولفظه: «صلوا عليّ، وقولوا:
اللهم؛ صلّ على محمد، وعلى آل محمد» «1» ، ونظر فيه بأنه من اختصار بعض الرواة؛ فإن النسائي أخرجه من هذا الوجه تامّا، ويردّ بأن إخراجه له كذلك لا يعيّن الاختصار؛ لجواز أن يكون سمعه مرتين، مختصرا وتامّا، فتمت الحجة به؛ لأن الأصل عدم الاختصار.
[الصلاة عليه ص خارج الصلاة بصيغة الطلب أفضل منها بصيغة الخبر]
والإتيان خارج الصلاة بصيغة الطلب.. أفضل منه بصيغة الخبر؛ لأنها الواردة عقب التشهد، وأجيب عن إطباق المحدثين على الإتيان بها خبرا بأنه مما أمرنا به من تحديث الناس بما يعرفون؛ إذ كتب الحديث يجتمع عند قراءتها أكثر العوام، فخيف أن يفهموا من صيغة الطلب أن الصلاة عليه لم توجد من الله سبحانه وتعالى بعد، وإنما طلبنا حصولها له، فأتي بصيغة يتبادر إلى أفهامنا منها الحصول، وهي مع إبعادهم من هذه الورطة متضمنة للطلب الذي أمرنا به.
[الحكمة من اقتصاره ص في كثير من الروايات على اسمه العلم]
وحكمة اقتصاره صلى الله عليه وسلم في كثير من الروايات السابقة على اسمه العلم بقوله: «قولوا: اللهم؛ صلّ على محمد» ، مع أنه في مقام تعليمهم ما هو اللائق به صلى الله عليه وسلم.. أنه آثر التواضع لربه سبحانه وتعالى، أو مع أبيه إبراهيم فإنه ذكره باسمه العلم، ولم يأت له بوصف؛ إشارة إلى أن شهرة عظيم أوصافه تغني عن ذكرها، وإتباعه في بعض الروايات
(1) أخرجه النسائي في «الكبرى» (1216) .
السابقة ب «عبدك ونبيك ورسولك
…
» إلخ؛ لبيان ما يقتضيه حق مقام النبوة من مزيد التأدب معه بذكر عظيم أوصافه.
والحاصل: أن شهوده صلى الله عليه وسلم كان يتفاوت، فتارة يؤثر مقام التواضع وهو الأكثر في الروايات، وتارة يؤثر بيان ما هو الواقع؛ مبالغة في نصح الأمة وإرشادهم إلى الأولى والأكمل، وقد يجب هذا كما في (السلام عليك أيها النبي) في التشهد؛ فإنه لا يجزىء غير هذا اللفظ، اقتصارا على الوارد لتطابق جميع روايات التشهد عليه، بخلاف روايات تعليم كيفية الصلاة؛ فإنها اختلفت كما مرّ.
وحكمة اتفاقها ثمّ واختلافها هنا: أنه هنا مقتض للتواضع، وهو مقابلة اسمه باسم أبيه إبراهيم صلى الله عليهما وسلم، فاثره في الأكثر كما مرّ، وفي التشهد لا مقتضى له، فاثر ما هو الأنفع للأمة، وهو إتيانهم بما هو الأليق بكماله صلى الله عليه وسلم.
واقتصر صلى الله عليه وسلم على اسمه محمد في حديث الترمذي الآتي في (الخامس والثلاثين من الأحوال التي تستحب فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث علّم الأعمى أن يقول: «يا محمد؛ إني متوجه بك إلى ربي
…
» إلخ «1» ؛ لأنه في مقام الدعاء والتوسل به صلى الله عليه وسلم، فكان التواضع أليق به، على أنه بيّن حق المقام بقوله قبل (يا محمد) :(نبيك نبي الرحمة) فتأمل ذلك، وأعرض عمّا سواه.
وحكمة قول عيسى في حديث الشفاعة: «اذهبوا إلى محمد» .. الإعلام بمقامه المحمود الذي اختص به ذلك اليوم، ولهذا يقال له صلى الله عليه وسلم لمّا يخر ساجدا لربه سبحانه وتعالى:«يا محمد؛ ارفع رأسك» «2» إشعارا بذلك، وبقبول شفاعته صلى الله عليه وسلم، ومن ثم قيل له عقبه:
(1) سيأتي تخريجه (ص 242) .
(2)
أخرجه البخاري (4712) ، ومسلم (194) .