الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ومنها: أنها سبب للكيل بالمكيال الأوفى من الثواب
، ومرت أحاديثه في (الفصل الثاني)«1» .
-
ومنها: أنها سبب لكفاية المهمات في الدنيا والآخرة
، ولمغفرة الذنوب.
أخرج الترمذي وحسّنه عن أبيّ بن كعب رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل.. قام فقال: «يا أيّها الناس؛ اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه» ، قال أبيّ: فقلت:
يا رسول الله؛ إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال:
«ما شئت» ، قلت: الربع؟ قال: «ما شئت، وإن زدت.. فهو خير لك» ، قلت: فالنصف؟ قال: «ما شئت، وإن زدت.. فهو خير لك» ، قلت: فالثلثين؟ قال: «ما شئت، وإن زدت.. فهو خير لك» ، قلت:
أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذن تكفى همّك، ويغفر لك ذنبك» ، وقال الحاكم في «المستدرك» : صحيح الإسناد «2» .
وفي رواية: (إذا ذهب ربع الليل)«3» .
وفي أخرى: يخرج في ثلث الليل، وقال:(إني أصلّي من الليل) بدل:
(أكثر الصلاة عليك)«4» .
وفي أخرى: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (كم أجعل لك من صلاتي؟
…
) الحديث «5» .
(1) انظر (ص 91) .
(2)
سنن الترمذي (2457) ، والمستدرك (2/ 421) .
(3)
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/ 421) ، والبيهقي في «الشعب» (1499) ، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 256) .
(4)
أخرجه القاضي إسماعيل الجهضمي في «فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم» (1/ 21)، وفيه (ثلثي) بدل:(ثلث) .
(5)
أخرجه البيهقي في «الشعب» (1579) .
وفي أخرى عند أحمد وابن أبي عاصم وابن أبي شيبة: قال رجل يا رسول الله: أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: «إذن يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك» ، وأخرجها البيهقي بسند جيد، لكن فيه إرسال «1» .
وفي أخرى: أن رجلا قال: يا رسول الله؛ أجعل لك ثلث صلاتي عليك؟ قال: «نعم إن شئت» قال: الثلثين؟ قال: «نعم» ، قال:
فصلاتي كلها؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إذن يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك» ، وفي إسنادها راويان ضعفهما الجمهور، لكن الهيثمي كالمنذري حسّنا الحديث لشواهده «2» .
وفي أخرى: أجعل شطر صلاتي دعاء لك؟ قال: «نعم» ، قال:
فأجعل صلاتي كلها دعاء لك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إذن يكفيك الله همّ الدنيا والآخرة» «3» .
وفي أخرى: «أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلّي عليك صلاة..
إلا صلّى الله عليه بها عشرا» ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله؛ أجعل لك نصف دعائي؟ قال: «ما شئت» ، قال: الثلثين؟ قال: «ما شئت» ، قال: أجعل دعائي كله لك؟ قال: «إذن يكفيك الله همّ الدنيا والآخرة» «4» ، وأفادت- وإن كانت مرسلة أو معضلة- التصريح بأن المراد بالصلاة في الأحاديث السابقة: الدعاء؛ فلا يحتاج إلى تأويل.
والمعنى: إني أكثر الدعاء، فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك؟
(1) أخرجه أحمد (5/ 136) ، وابن أبي شيبة (7/ 441) ، والبيهقي في «الشعب» (1580) .
(2)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (4/ 35) ، وانظر «الترغيب والترهيب» (2/ 499) ، و «مجمع الزوائد» (10/ 163) .
(3)
أخرجه ابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم» (59) .
(4)
عزاه الإمام السخاوي في «القول البديع» (ص 258) لإسماعيل القاضي.
أي: إن لي زمانا أدعو فيه لنفسي، فكم أصرف من ذلك الزمان للصلاة عليك؟ فلم ير صلى الله عليه وسلم أن يعيّن له في ذلك الزمن حدّا؛ لئلا يغلق عليه باب المزيد، فلم يزل يفوّض الاختيار إليه مع مراعاة الحث على المزيد.. حتى قال: أجعل لك صلاتي كلها؛ أي: أصلّي عليك بدل ما أدعو به لنفسي؟ فقال: «إذن تكفى همّك» أي: ما أهمّك من أمر دينك ودنياك؛ لأنها مشتملة على ذكر الله تعالى وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهي في المعنى إشارة له بالدعاء لنفسه، كما في الحديث القدسي:(من شغله ذكري عن مسألتي.. أعطيه أفضل ما أعطي السائلين)«1» فنتج من ذلك:
أن من جعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم معظم عباداته.. كفاه الله تعالى همّ دنياه وآخرته، وفقنا الله سبحانه وتعالى لذلك، آمين.
وقيل: المراد الصلاة حقيقة، والمراد: نفس ثوابها، أو مثل ثوابها، وتردّه الرواية السابقة.
قيل: وهذا الحديث أصل عظيم لمن يدعو عقب قراءته فيقول: اجعل ثواب ذلك لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال فيه: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذن تكفى همّك» .
وأما من يقول: مثل ثواب ذلك زيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم مع العلم بكماله في الشرف.. فلعله لحظ أن معنى طلب الزيادة: أن يتقبل قراءته فيثيبه عليها، وإذا أثيب أحد من الأمة على فعل طاعة.. كان للذي علّمه نظير أجره وهكذا، وللمعلّم الأول وهو الشارع صلى الله عليه وسلم نظير جميع ذلك، فهذا معنى الزيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم، وإن كان شرفه صلى الله عليه وسلم مستقرّا حاصلا، وقد ورد عند رؤية الكعبة:«اللهم؛ زد هذا البيت تشريفا» «2» اهـ
(1) أخرجه الترمذي (2926) ، والبيهقي في «الشعب» (573) ، والبخاري في «التاريخ» (2/ 115) .
(2)
أخرجه البيهقي (5/ 73) ، والشافعي في «مسنده» (ص 178) ، وابن أبي شيبة-
والاستدلال بالحديث لما ذكر إنما يأتي على القول الضعيف: إن المراد الصلاة حقيقة؛ أي: ثوابها أو مثله، وقد علم رده بصريح الحديث السابق كما مر «1» .
نعم؛ قول القائل ذلك.. صحيح؛ لأنه لا محظور فيه.
وأما الدعاء بزيادة الشرف.. فأنكره بعض المتأخرين، وقد بالغت في بيان الرد عليه في إفتاءين طويل ومختصر «2» ، وبينت أن المحققين خالفوه، بل إمام المذهب النووي رحمه الله تعالى استعمل ذلك في خطب كتب من كتبه ك «المنهاج» «3» و «الروضة» «4» و «شرح مسلم» .
وشرفه صلى الله عليه وسلم وإن كان كاملا.. إلا أنه يقبل زيادة الكمال؛ لأنه دائم الترقي في حضرات القرب، فلا نهاية لترقّيه، وما كان كذلك قابلا للزيادة.. فلا منع من طلبها له صلى الله عليه وسلم.
ومعنى (اجعل مثل ثواب ذلك زيادة في شرفه) : طلب حصول مثل ذلك الثواب له، وبحصوله له يزيد شرفه؛ ضرورة أن حصوله كمال، فإذا انضم إلى كمال شرفه المستقرّ.. زاده كمالا آخر وترقّيا فيه لم يكن حاصلا قبل، وكذا نقول في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يحصل له بها زيادة كمال وترقّ فيه، لم يكن حاصلا له قبل ذلك، كما أشرت إليه في المقدمة، فراجعه «5» .
وإن أردت أبسط من ذلك.. فعليك بالإفتاء الطويل الذي أشرت لك إليه، المسطّر فيما جمع لي من الفتاوى، فإن فيه شفاء للغليل إن شاء الله تعالى «6» .
- (7/ 102) .
(1)
أي: المصرّح بالدعاء: «أجعل شطر صلاتي دعاء لك» وقد مرت قريبا.
(2)
الفتاوى الحديثية (ص 15- 18) .
(3)
المنهاج (1/ 37) .
(4)
روضة الطالبين (1/ 34) .
(5)
انظر (ص 49) .
(6)
الفتاوى الحديثية (ص 15) .