الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس في ذكر عقوبات وقبائح لمن لم يصلّ على النبي ص
-
منها: أن من ذكر صلى الله عليه وسلم عنده فلم يصلّ عليه.. كان شقيّا
راغم الأنف، مستحقا الدخول في النار، بعيدا من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، مدعوّا عليه من جبريل ومن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وبالسّحق.
أخرج كثيرون بسند رجاله ثقات- ومن ثمّ قال الحاكم في «المستدرك» :
صحيح الإسناد- عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احضروا المنبر» ، فحضرنا، فلما ارتقى درجة..
قال: «آمين» ، ثم ارتقى الثانية وقال:«آمين» ، ثم ارتقى الثالثة فقال:
«آمين» ، فلما نزل.. قلنا: يا رسول الله؛ قد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه! فقال: «إن جبريل عرض لي فقال: بعد- أي بالضم: عن الخير، وحكي الكسر؛ أي: هلك- من أدرك رمضان.. فلم يغفر له، قلت: آمين، فلما رقيت- أي: بكسر القاف- الثانية.. قال: بعد من ذكرت عنده.. فلم يصلّ عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة.. قال: بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما.. فلم يدخلاه الجنة، قلت: آمين» «1» .
وفي رواية في سندها راو ضعّفه غير واحد ووثّقه ابن حبان: «ومن ذكرت
(1) أخرجه الحاكم (4/ 153) ، والطبراني في «الكبير» (19/ 144) ، والبيهقي في «الشعب» (1572) .
عنده فلم يصلّ عليك.. فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين» «1» .
وفي أخرى ضعيفة، لكن لها شواهد تصيّرها حسنة: أنهم سألوه لمّا جلس على المنبر.. قال: «أتاني جبريل فقال: رغم أنف رجل أدرك أبويه أو أحدهما.. فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين، قال: ورغم أنف امرىء أدرك رمضان.. فلم يغفر له، قلت: آمين، قال: ورغم أنف من ذكرت عنده..
فلم يصلّ عليك، قلت: آمين» «2» .
وفي أخرى- عند أحمد والترمذي وصححها الحاكم، وقال الترمذي:
حسن غريب-: «رغم أنف رجل» في الثلاثة بمعنى التي قبلها «3» .
وفي أخرى: «رغم الله أنف رجل» في الثلاثة «4» .
يقال: رغم- بكسر ثانيه المعجم وفتحه- رغما بتثليث أوله، وأرغم الله أنفه؛ أي: ألصقه بالرّغام، وهو التراب، هذا هو الأصل، ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره، وقيل: رغم بالكسر: لصق بالتراب ذلّا وهوانا، وبالفتح: ذلّ.
وفي أخرى سندها حسن: «لمّا رقيت الدرجة الأولى.. جاءني جبريل فقال: شقي عبد أدرك رمضان.. فانسلخ منه ولم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما.. فلم يدخلاه الجنة، فقلت:
آمين، ثم قال: شقي عبد ذكرت عنده.. فلم يصلّ عليك، فقلت:
آمين» «5» .
(1) أخرجه ابن حبان (409) ، والبزار (1405) ، والطبراني في «الكبير» (19/ 291) .
(2)
أخرجه القاضي إسماعيل الجهضمي في «فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم» (ص 33) ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 169) .
(3)
المستدرك (1/ 549) ، وسنن الترمذي (3545) ، والمسند (2/ 254) .
(4)
عزاه في «القول البديع» (ص 297) لابن أبي عاصم مرفوعا.
(5)
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (644) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 651) .
وفي أخرى عند البيهقي: لما بنى صلى الله عليه وسلم المنبر.. جعل له ثلاث عتبات، فلما صعدها صلى الله عليه وسلم أي بكسر العين- أمّن عند كلّ، فسئل فقال: «إن جبريل عليه السلام صعد قبلي العتبة الأولى، فقال:
يا محمد؛ فقلت: لبيك وسعديك، فقال: من أدرك أبويه أو أحدهما، فلم يغفر له.. فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، فلما صعد العتبة الثانية..
قال: يا محمد؛ قلت: لبيك وسعديك، قال: من أدرك شهر رمضان فصام نهاره وقام ليله، ثم مات ولم يغفر له.. فأبعده الله، قل: آمين، فقلت:
آمين، فلما صعد العتبة الثالثة.. قال: يا محمد؛ قلت: لبّيك وسعديك، قال: من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك، فمات ولم يغفر له، فدخل النار..
فأبعده الله عز وجل، قل: آمين، فقلت: آمين» «1» .
وفي أخرى ضعيفة: ثم قال: «أتدرون لم أمّنت؟» ، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:«جاءني جبريل، فقال: إنه من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك.. دخل النار، فأبعده الله عز وجل وأسحقه «2» ، فقلت: آمين، ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يبرّهما.. دخل النار، فأبعده الله عز وجل وأسحقه، فقلت: آمين، ومن أدرك رمضان فلم يغفر له.. دخل النار، فأبعده الله عز وجل وأسحقه، فقلت: آمين» «3» .
وفي أخرى- رجالها ثقات إلا واحدا اختلف فيه-: بينما النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر؛ إذ قال: آمين (ثلاث مرات) ، فسئل عن ذلك، فقال: «أتاني جبريل
…
» الحديث «4» .
(1) أخرجه البيهقي في «الشعب» (3622) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (1/ 448) .
(2)
في هامش (ج) : (أسحقه بإبلائه وإذهاب أثره) .
(3)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (12/ 65) ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 168) .
(4)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (11/ 68) ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 168) .
فيحتمل تعدد الواقعة، أو أراد الراوي بهذا ما يشمل كونه على درجه، والأول أقرب لما مرّ أنه سئل في رواية وهو على المنبر، وفي أخرى بعد أن نزل.
وفي أخرى- في سندها ابن لهيعة لكن لها شواهد كما ترى-: أنه لمّا انصرف.. سئل فقال: «إن جبريل تبدّى لي في أول درجة فقال: يا محمد؛ من أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة.. فأبعده الله ثم أبعده، فقلت: آمين، ثم قال لي في الدرجة الثانية: ومن أدرك شهر رمضان فلم يغفر له.. فأبعده الله ثم أبعده، فقلت: آمين، ثم تبدّى لي في الدرجة الثالثة فقال: ومن ذكرت عنده فلم يصلّ عليك.. فأبعده الله ثم أبعده، فقلت: آمين» «1» .
وجاء بسند ضعيف: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ.. فقد شقي» «2» .
وفي لفظ: «شقي عبد ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» «3» .
وروى الديلمي: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ.. دخل النار» «4» .
وعلم مما تقرر أنه صلى الله عليه وسلم لم يبادر إلى التأمين حتى أمر به كما في رواية، أو أنه بادر إليه قبل الأمر به في الثلاث، وفي رواية: أنه بادر إليه قبل الأمر فيما عدا ما يتعلق به صلى الله عليه وسلم، ولم يقله فيما يتعلق به..
إلا بعد الأمر به، وحكمة هذه واضحة، وهو أنه ترك الانتصار لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكمّل لا يرون لهم حقا حتى ينتصروا له، وإنما انتصارهم لله تعالى وبالله عز وجل، ومن ثمّ لم ينتصر قط صلى الله عليه وسلم لنفسه، وإنما كان ينتصر إذا انتهكت حرمات الله تعالى، وبه يظهر هنا سرّ
(1) أخرجه البزار (3790) ، وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/ 505) ، والهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 168) .
(2)
أخرجه الطبراني في «الأوسط» (3883) ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 142) .
(3)
عزاه الإمام السخاوي في «القول البديع» (ص 298) للطبري.
(4)
الفردوس بمأثور الخطاب (1635) .