الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[اختلاف الأصوليين في دخوله ص في صيغة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ونحوها]
واختلفوا أيضا في تناول هذه الصيغة للإناث، وجمهور الأصوليين على عدم دخولهن، ونص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه، ومن انتقد بأنه يلزم عليه ألا يشاركن الذكور في ذلك الحكم.. فقد أبعد؛ لأنا نلتزم ذلك، ونقول: لم تستفد المشاركة إلا من خارج كإجماع أو قياس جليّ؛ أي: أنه لا فارق إلا الذكورة والأنوثة، ولا معنى لها في نحو ما نحن فيه، بخلاف الجهاد ونحوه.
[الفائدة] السادسة: [في حكم الصلاة عليه ص]
استفيد من قوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ أنّا مأمورون بالصلاة عليه، وقد اختلف العلماء في ذلك على عشرة أقوال:
1-
مستحبة، وزعم ابن جرير الإجماع عليه.. مردود، ويتعين حمل هذا القول على ما زاد على المرة؛ لقول القرطبي المفسر:(لا خلاف في وجوبها في العمر مرة)«1» .
2-
واجبة في الجملة بغير حصر، وأقل ما يحصل به الإجزاء مرة في العمر، وزعم بعض المالكية الإجماع عليه، ولا دليل له في قول ابن عبد البر:(أجمع العلماء على أنها فرض على كل مؤمن بهذه الآية) .
3-
واجبة مرة في العمر ككلمة التوحيد؛ لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارا، والماهية تحصل بمرة، وعليه جمهور الأمة، منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهما.
4-
واجبة في التشهد.
5-
واجبة في مطلق الصلاة، وتفرد بعض الحنابلة بتعين دعاء الافتتاح لها.
6-
يجب الإكثار منها من غير تعيين بعدد.
7-
تجب في كل مجلس مرة، وإن تكرر ذكره مرارا.
(1) تفسير القرطبي (14/ 232) .
8-
تجب في كل دعاء.
9-
تجب كلما ذكر، وبه قال جمع من الحنفية، منهم الطحاوي، وعبارته:(تجب كلما سمع ذكره من غيره، أو ذكره بنفسه) ، وجمع من الشافعية، رضي الله تعالى عنهم، منهم الأئمة المجتهدون: الحليمي، والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، وجمع من المالكية، منهم: الطّرطوشي «1» ، وابن العربي، والفاكهاني، وبعض الحنابلة، وقيل: وهو مبني على القول الضعيف في الأصول: إن الأمر المطلق يفيد التكرار، وليس كذلك، بل له أدلة أخرى كالأحاديث الآتية التي فيها الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء، والوصف بالبخل والجفاء «2» ، وغير ذلك مما يقتضي الوعيد، وهو على الترك من علامات الوجوب.
واعترض هذا القول كثيرون بأنه مخالف للإجماع المنعقد قبل قائله؛ إذ لم يعرف عن صحابي ولا تابعي.
وبأنه يلزم على عمومه ألا يتفرغ السامع لعبادة أخرى.
وأنها تجب على المؤذن، وسامعه، والقارىء المارّ بذكره، والمتلفظ بكلمتي الشهادة، وفيه من الحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه.
وبأنّ الثناء على الله تعالى كلما ذكر أحق بالوجوب، ولم يقولوا به.
وبأنه لا يحفظ عن صحابي أنه قال: يا رسول الله صلى الله عليك.
وبأن تلك الأحاديث المحتج بها للوجوب خرجت مخرج المبالغة في تأكيد
(1) في هامش (ج) : (بضم الطاءين وبالشين نسبة إلى طرطوشة مدينة بالأندلس) .
(2)
في هامش (ج) : (معنى الحديث الوارد بلفظ «رغم أنف من لم يصل عليّ» : ذل، وبلفظ «أبعده الله» : نحّاه عن الخير ولعنه، وبلفظ «أشقاه» : عالجه في حرب ونحوه من الشدائد، وبلفظ «شقي» : وقع في شدة وعسرة، وبلفظ «جفاني» : لم يلزم مكاني؛ أي: تخلف عن حقي وما أستحقه، وبلفظ «بخيل» أي: لئيم؛ أي: موصوف بالمذمة، ومعنى «رغم أنف» : لصق بالرّغام، وهو التراب، أي: أذله الله حتى يصير كالذي يلصق أنفه بالتراب لذله وحقارته) .
ذلك وطلبه، وفي حق من اعتاد ترك الصلاة ديدنا.
ويمكن الانتصال عن جميع ذلك «1» :
أما الأول: فلأن القائلين بالوجوب من أئمة النقل، فكيف يسعهم خرق الإجماع؟! على أنه لا يكفي في الرد عليهم كونه لم يحفظ عن صحابي أو تابعي، وإنما يتم الرد إن حفظ إجماع مصرّح بعدم الوجوب كذلك، وأنّى بذلك؟!.
وأما الثاني: فممنوع، بل يمكن التفرغ لعبادات أخر.
وأما الثالث: فللقائلين بالوجوب التزامه، وليس فيه كبير حرج.
وأما الرابع: فلأن جمعا صرحوا بالوجوب في حقه تعالى أيضا.
وأما الخامس: فلأنه ورد في عدة طرق عن عدة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم: أنهم لمّا قالوا: يا رسول الله.. قالوا صلى الله عليك.
وأما السادس: فلأن حمل الأحاديث على ما ذكر لا يكفي إلا مع بيان سنده، ولم يبينوه.
ثم القائلون بالوجوب كلما ذكر.. أكثرهم على أن ذلك فرض عين على كل فرد فرد، وبعضهم على أنه فرض كفاية.
واختلفوا أيضا هل يتكرّر الوجوب بتكرّر ذكره صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد؟ قال بعض شراح «الهداية» من الحنفية: (يكفي مرة على الصحيح)، وقال صاحب «المجتبى» منهم:(يتكرر، وفي تكرر ذكر الله تعالى لا يتكرر) ، وفرّق بينهما هو وغيره بما فيه نظر، ويمكن الفرق بأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة والتوسعة، وحقوق العباد مبنية على المشاحّة والتضييق ما أمكن.
10-
وعاشر الأقوال: أنها تجب حتى عليه صلى الله عليه وسلم في القعود
(1) في هامش (ج) : (الانتصال: التخلص والتخلي) .
آخر الصلاة بين التشهد وسلام التحلّل، وهذا هو مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه، ومن نسب إليه قولا بعدم الوجوب.. فقد أغرب، ووافقه عليه جماعة من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من فقهاء الأمصار.
فمن الصحابة رضوان الله عليهم: ابن مسعود، فقد صح عنه أنه قال:
(يتشهد الرجل في الصلاة، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو لنفسه)«1» ، وعنه أيضا: (لا صلاة لمن لم يصلّ فيها على النبي صلى الله عليه وسلم «2» ، وأبو مسعود البدري، وابن عمر، فقد صح عنه:
(لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهّد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نسيت من ذلك شيئا.. فاسجد سجدتين بعد السلام)«3» .
ومن التابعين: الشعبي، فقد صح عنه: (كنا نعلّم التشهد، فإذا قال:
«وأن محمدا عبده ورسوله» .. يحمد ربه ويثني عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل حاجته) «4» ، وأخرج البيهقي عنه:(من لم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد.. فليعد صلاته)، أو قال:
(لا تجزىء صلاته)«5» ، والإمام أبو جعفر محمد الباقر، فقد روى البيهقيّ عنه نحو ما ذكر عن الشعبي، وصوّبه الدارقطني، ومحمد بن كعب القرظيّ، ومقاتل بن حيّان، بل قال شيخ الإسلام والحفّاظ الشهاب ابن حجر: (لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلا ما نقل عن إبراهيم
(1) أخرجه الحاكم (1/ 268) ، والبيهقي في «الصغرى» (479) ، وابن أبي شيبة (1/ 331) .
(2)
أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (16/ 195) عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعا.
(3)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «فتح الباري» (11/ 164) : (أخرجه اليعمري في «عمل اليوم والليلة» عن ابن عمر بسند جيد) .
(4)
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (11/ 164) : (أخرج الطبري بسند صحيح عن مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين قال: كنا نعلم التشهد
…
) وذكره.
(5)
السنن الكبرى (2/ 379) .